معجزة العقل البشري

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 6894 - 2021 / 5 / 10 - 23:48
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

ترجمة محمد عبد الكريم يوسف
***
في مملكة الحيوان ، العقل البشري هو الوحيد الذي يعتمد على طبيعته وتطوره. تتميز أذهاننا بالمرونة والخيال والإبداع والقدرة السردية غير مسبوقة ، ولكنها أيضًا عرضة للتشوهات والتحيزات بالإضافة إلى احتمالية حدوث اضطرابات عقلية شديدة الضرر. لقد غيَّر علم الأعصاب الحديث وجهة نظر أذهاننا - باعتبارها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بكيمياء الدماغ المعقدة بدلاً من منتجات الأرواح أو القوى الخارقة - مع تداعيات كبيرة حول كيفية إدراكنا لأنفسنا كجنس بشري . إن انبثاق عقولنا من عقول غير بشرية ، وتطورها عبر كل فترة طوال الحياة البشرية وارتباطها بوظائف الدماغ ، سواء كانت معيارية أو ذات غرض عام في الطبيعة ، وكيف تتشكل من خلال العوامل السياقية ، وكيف يمكن أن تزدهر و "تسوء"؟ هذه هي القضايا الأساسية التي يتم تناولها في هذه المقالة . لا يزال الفلاسفة وعلماء الأحياء وعلماء النفس وعلماء الأعصاب يعالجون عددًا من الأسئلة المحيرة : كيف تطورت الجوانب الفريدة للدماغ البشري والعقل البشري أكثر من تلك الخاصة بالثدييات والأساسيات؟ هل استمر في التطور عبر زمن جنسنا البشري على الأرض؟

ما هي الآثار المترتبة على الانتقاء الطبيعي وعلم الدماغ الحديث لفهم عقولنا وأنفسنا؟
كيف قيم البشر عقولهم عبر التاريخ؟ ما هي الأدوار التي يلعبها المزاج ، والتعلق بمقدمي الرعاية ، وأنماط تربية الأطفال الأسرية ، والأحياء ، والثقافة في تشكيل كل من أنماطنا السلوكية والعاطفية؟
ما هي الطرق التي يمكن أن ينحرف بها العقل عندما نعاني من الصدمة أو نعاني من اضطراب عقلي؟
هل نحن في الأساس مؤيدون للمجتمع أم عدوانيون كجنس بشري؟ هل يمكننا خلق رؤية أكثر إنسانية لجميع الأفراد من خلال الاعتراف بتنوعنا واستخدام قدراتنا السردية لإضفاء الطابع الإنساني على أقراننا؟
يتم تناول هذه الأسئلة وغيرها في هذا البحث.
يخبرنا علم الأعصاب الحديث أننا ولدنا بأكثر من 100 مليار خلية عصبية ، مما يعني أنه يتم تكوين عدة آلاف من الخلايا العصبية الجديدة خلال كل ثانية من الأربعين أسبوعًا الأولى في الرحم. و خلال السنوات الأولى من الحياة، تطور هذه الخلايا العصبية شبكات معقدة مترابطة مع بعضها البعض ، وتربط بعضها البعض في نقاط التشابك العصبي. ومن خلال عمليات التقليم ، تُفقد الخلايا العصبية التي لا تشكل مثل هذه الروابط ، مما يخلق عقلًا أكثر كفاءة. ومن الواضح أن الجينات تشارك في تشكيل الروابط العصبية وفي التقليم ، لكن تجارب الحياة تنشط الجينات وتشكل كيف وأين تترابط الخلايا العصبية. باختصار ، يتسم نمو الدماغ بالمرونة - ومن الواضح أن التطور فضل العقول البشرية ذات القدرة على تشكيلها بالتجربة. ونظرًا لأن أدمغتنا وعقولنا تشارك في تفاعل مفصل بين البيولوجيا والقوى السياقية ، يجب علينا اجتياز مستويات متعددة من التحليل ، من الجينات إلى العائلات والثقافات ، لاكتساب فهم عميق للمسألة.
تركز دراسة فهم العقل على النماذج الروحية والطبيعية والإنسانية ، بالإضافة إلى بنية ووظيفة الدماغ، مع الاهتمام بمبادئ نمو الدماغ. ودراسة التطور محور مهم ، يليه وجهات النظر النفسية الأساسية للعقل: النظرية الديناميكية النفسية ، بدءا من فرويد إلى مفاهيم التحليل النفسي الحديثة ، ونظرية التعلم الاجتماعي من بافلوف وسكينر وواتسون إلى السلوك المعرفي الحديث.

يظهر التقدم عبر التطور المتعاقب من الغريزة إلى التعلم ، جنبًا إلى جنب مع نمطية عمل العقل والمعلومات حول الثورة المعرفية وثورة العاطفة في القرن الماضي. وتضع في الاعتبار التحقيقات التطورية الدقيقة الأخيرة التي تؤكد أن الفرق الأساسي بين العقول البشرية، وتلك العقول الموجودة في الرئيسيات ليس بالحجم الكبير ولكن بعدد الخلايا العصبية الموجودة في القشرة ونطاق الربط عالي السرعة بين مناطق الدماغ المختلفة. لقد تم تفضيل التطور الدماغي للإنسان بمقدار استجابته للبيئة الاجتماعية المعقدة .
تتم تغطية التنمية الفردية في دراسات العقل بدءا من السنوات التكوينية الأولى للطفولة حتى المراهقة والبلوغ والشيخوخة. و تشمل الموضوعات الرئيسية دراسة المزاج والتعلق والعوامل السياقية للعائلات والأحياء والثقافة. تشمل الأسئلة المهمة ما إذا كانت عقول المراهقين متمردة حتمًا ، وما إذا كانت السنوات المتقدمة تشير إلى تراجع حتمي مقابل تطور الحكمة. وتتناول الدراسات اللاحقة الجنس والعقل ، وعوامل الخطر والحماية ، والتفاعلات
بين علم الأحياء والخبرة.

ثم تتناول الدراسات بعد ذلك اللبنات الأساسية للحياة مثل الجينات والحمض النووي ومفاهيم التوريث والتفاعل بين البيئة الجينية لشرح الاختلافات الفردية في عقول البشر. ونظرًا لأن العلم الحديث يؤكد أن الجينات والبيئات تعمل في تناسق فائق بطرق لا تصدق ، فإن الانقسام بين الطبيعة والتنشئة صار قديمًا إلى حد ما . ثم تناقش كيف تتغير العقول بسبب الصدمات والأمراض العقلية. في الواقع ، عندما يتم إحباط السمات الإيجابية للعقل ، ينتج عن ذلك اضطرابات نفسية مثل ردود الفعل اللاحقة للصدمة والفصام واضطرابات المزاج واضطراب الانتباه والتنظيم
والتوحد. كما تخبرنا عن الإمكانات النهائية للعقل من منظور تطوري ليس بسبب الجينات المنحرفة بل بسبب عدم التطابق بين تراثنا الجيني وطبيعة بيئاتنا البشرية الحالية التي تكمن وراء الأداء المضطرب.
يعتبر القادم هو كيف يشكل التطور النزعات البشرية بحيث تصبح متدينة أو عدوانية أو اجتماعية أو ايجابية أو سلوكية وصولا إلى حد وصم البشر بأنهم لا ينتمون للمجموعات البشرية . تقدم الروايات الشخصية والعائلية ، التي تجسد المهارات الأسطورية لجميع البشر ، وسيلة أساسية لإضفاء الطابع الإنساني على بعضها البعض. و تتضمن البحوث العلمية الأخيرة دراسة تطورات الدماغ والعقل البشريين ، مع ما يترتب على ذلك من آثار لفهم الذات المتجدد . وتشمل الدراسات النماذج التاريخية والقوى التطورية والتطور الجزئي ، والروابط بين علم الأحياء والخبرة ودور التطور وحلبة الاضطراب العقلي وإمكانية ظهور رؤية أكثر إنسانية لأنواع السلوك البشري. كما تجيب هذه الدراسات عن أسئلة في علم النفس والطب النفسي والتطور وعلم الأعصاب والسرد والأخلاق.

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات