شوبان عاشقا

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 6882 - 2021 / 4 / 28 - 14:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

هل هناك ما هو أفضل من علاقة حب بين فنانين يعيشان في باريس في منتصف القرن التاسع عشر؟

بالتأكيد لا يوجد هناك ما هو أكثر إثارة من هذه العلاقة بين عملاقين من عمالقة الفن والأدب حيث يندمج الإحساس بالشعور بالذوق الفني بالهدوء الرائع . إن قصة الحب بين فريدريك شوبان وجورج ساند من القصص الرائعة التي لا يمكن أن تمحى من تاريخ العشاق.

لقد عثرت مؤخرًا على علاقة غرامية بين الكاتبة جورج ساند والموسيقي الشهير فريديريك شوبان . ومن المهم أن نلاحظ أن ساند كانت لديها العديد من علاقات الحب طوال حياتها ، وكان العديد منها مع فنانين آخرين. وقد كانت على عكس العديد من معاصريها ، فقد تركت زواجها غير السعيد من رجل تزوجته في سن الثامنة عشرة من عمرها وقررت الخروج بمفردها من دنيا التعاسة . ومرت أربع سنوات قبل أن تنفصل عنه قانونًا ، ولكن في هذه الأثناء ، استمتعت جورج ساند بعلاقات جديدة ومغامرات عاطفية لا تحصى .

عندما اجتمع ساند وشوبان معًا لأول مرة ، كان شوبان مصابًا بمرض السل الخطير لكن ذلك لم يمنع الزوجين من متابعة علاقة عاطفية استمرت لمدة 10 سنوات تقريبًا. وإذا تعمقنا في العلاقة نكتشف الكثير والمثير . الفضول هو والد التعلم وأمه ينادي هل من مزيد في هذه العلاقة المميزة ؟
ب
دايات مشوشة

قبل أن ندخل في قصة شوبان وساند ، يجب أن نرسم ملامح شخصية الكاتبة جورج ساند الكاتبة الموهوبة والمعروفة للأوساط المثقفة، فقد بدأت في الأصل في استخدام اسم جورج ( الذكر) حتى تؤخذ كتاباتها لدى العامة على محمل الجد. لقد كانت معروفة أيضًا بأنها ذهبت إلى حد التصرف في سلوكها وحياتها كرجل، فقد أدارت شؤونها بانفتاح رغم أنها كانت لا تزال متزوجة من الناحية القانونية ، وكانت تدخن السيجار ، وكانت ترتدي البنطال ، وهي عادات غريبة على المرأة في ذلك الوقت .

وما يبدو أنه وقت ملائم اليوم كان في الواقع سلوكًا غير مناسب جدًا للفترة الزمنية التي عاشاها في فرنسا. وقد أزعجت جورج ساند السيد شوبان بالفعل في المرة الأولى التي التقى بها لأنه كان شخصًا تقليديًا تمامًا. وكان شوبان مؤلفًا موسيقيًا بولنديًا للموسيقى الكلاسيكية، واشتهر بفضل موهبته الرائعة في العزف على البيانو.

وفي عام 1837م، قدّم الموسيقي فرانز ليست صديقه شوبان إلى ساند. تتذكر أن شوبان شعر بالفزع من سلوك ساند عندما التقى بها لأول مرة ، وهناك شائعة أنه سأل ليزت عما إذا كانت ساند امرأة !

شهر عسل غريب

رغم كل الصعاب ، وبحلول عام 1838 ، بدأ الاثنان في الدخول في علاقة رومانسية. فالأضداد تنجذب لبعضها ، رغم كل شيء. في بداية علاقتهما ، أكمل الرسام الفرنسي الأسطوري أوجين ديلاكروا ، وهو صديق مقرب لهما ، لوحة لهما تخلد العلاقة الرومانسية بين نقيضين ، وبقيت اللوحة في حوزة ديلاكروا حتى وفاته عندما تكتشفها ساند تقطعها إلى نصفين .

في تشرين الثاني ، قرر شوبان وساند إحضار سولانج ابنة جورج ساند إلى شهر عسلهما في مايوركا بإسبانيا.

بدأت الرحلة حافلة بالنوايا الحسنة والعاطفة والبحر. وأكمل شوبان مقدماته الموسيقية البالغة ثلاث وعشرون مقطوعة ، ضمن عشر مقدمات للبيانو المنفرد باستخدام المفاتيح الرئيسية والثانوية . يصنف المؤرخون أن هذه الفترة كانت الأكثر إنتاجية في حياة شوبان . و انصرفت جورج ساند إلى كتابة رواية مميزة أتت بعنوان " شتاء في مايوركا" Un hiver à Majorque

ولكن ، مع حلول فصل الشتاء وازدياد الطقس سوءًا ، تدهورت صحة شوبان أيضًا، ولم يتمكن من تأمين مسكن في المدينة يضاف إلى ذلك انزعاج سكان مدينة مايوركا من سلوك جورج ساند الذي يجافي التقاليد الأنثوية للمرأة في المدينة . لقد تصرفت ساند بتحد تجاه الكنيسة بالإضافة إلى السلوك الفاضح الذي يخالف أعراف الزمان والمكان يضاف إلى ذلك حقيقة أن الزوجين كانا يعيشان معًا خارج إطار الزوجية التقليدية الرسمية في حين كان سكان الجزر الاسبانية من الكاثوليك المتزمت والملتزم بالكنيسة وقوانينها فضمنت جورج ساند عدم قبولها في مايوركا ورفض مساعدتها في الحصول على أي شيء.

العودة إلى فرنسا

نتيجة سوء الطقس والأحوال الجوية وانعدام المسكن والضيافة شبه المعدومة ، قرر الثنائي ساند وشوبان العودة إلى فرنسا. وبعد التوقف في برشلونة ، وجد الزوجان نفسيهما في مرسيليا في جنوب فرنسا. هنا ، تعافى شوبان من المرض القاسي لبضعة أشهر قبل أن يذهب إلى مسكن ساند الريفي في بلدة نوهانت .

وخلال الفترة المتبقية من علاقتهما التي استمرت 9 سنوات ، بقي شوبان وساند في نوهانت لمدة نصف العام و النصف الآخر في باريس. وأثناء تواجدهما في باريس ، لم يعيشا معًا تحت سقف واحد ، لكن شققهما كانت على بعد بضع بنايات فقط من مسكن العائلة. وفي عام 1842م ، انتقل كلاهما للسكن في شقتين متجاورتين في مسكن يسمى ساحة ساحة أورلينز Square d Orléans في الدائرة التاسعة.

العلاقة تنحدر نحو الأسوأ:

يمكنك القول أن الأمور بين شوبان وجورج ساند أخذت منعطفاً نحو الأسوأ عندما اعتمدت ساند على شخصية شوبان. في روايتها الأخيرة حيث اخترعت ساند شخصية روائية تدعى كارول وهو أمير من أوروبا الشرقية ، في إشارة مباشرة إلى أصول شوبان البولندية وقد صورته على أنه مريض في اسقاط على تجربة العلاقة بين شوبان وجورج ساند . وقد تأثر شوبان بالمقارنة بينه وبين شخصية الرواية وأخذها على محمل الجد ، ومنذ ذلك الحين بدأت الأمور تسوء بين الزوجين إلى حد كبير.

على حافة عصر الخلود:

كان شوبان يهتم كثير بسولانج ابنة جورج ساند ، وفي إحدى المشادات والجدال بين الأم وابنتها وقف شوبان إلى جانب سولانج ، لكن ساند اعتبرت أن هناك ثمة علاقة مشبوهة بين شوبان وسولانج الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع إلى حد بعيد. ومنذ ذلك الحين لم تتم دعوة شوبان مرة أخرى إلى نوهانت.

وقضى شوبان حياته وحيدا مسكينا فقيرا إلى أن توفي في عام 1849 م ، رحل الجسد وبقي شوبان خالدا فقد التحق بحافة عصر الخلود. حضر جنازته حوالي 3000 شخص وتمت المراسم في كنيسة مادلين في باريس ، لكن للأسف لم تكن جورج ساند بين الحضور .

استنتاج

للأسف ، مثل العديد من علاقات الحب التاريخية ، انتهت القصة الرومانسية بين شوبان وساند بمأساة. ويتساءل المرء دائمًا فيما إذا كانت جورج ساند قد ندمت يومًا على كيفية تحول الأمور بينها وبين شوبان. هل كانت تشعر بالمرارة نتيجة اتهامها له بخيانتها مع سولانج لدرجة أنها رفضت الذهاب إلى جنازته؟ أم أنها دمرها موته لدرجة أنها لم تستطع الحضور؟ رحلت قصتهما مع الريح لتصدح موسيقا شوبان الناعمة في قلوب العشاق للأبد.

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات