أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - روسيا والغرب والقضايا الخلافية















المزيد.....



روسيا والغرب والقضايا الخلافية


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 10:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم محمد عبد الكريم يوسف
اعتقد الكثير من الناس أنه بعد انهيار الكتلة الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفيتي واخراج صدام حسين من الكويت في عام 1991 والاجماع الدولي على ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية نقطة تحول تاريخية وبداية للنظام العالمي الجديد ( وفق ما صرح به جورج بوش الأب) ، وكان لانتصار القيم الغربية للديمقراطية وانتشار الاقتصاد الليبرالي ( وفق فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ ) وتوحيد القارة الأوروبية في وطن واحد (وفق الرئيس غورباتشوف في كتابه الوطن المشترك) والحروب التي تزامنت مع انهيار يوغسلافيا أثرا كبيرا في عودة الوعي للواقع (وفق غيوم بارمنتيية في كتابه عودة التاريخ).
وفي هذا السياق، بدا للوهلة الأولى أن الاستقلال السلمي من جانب واحد لمختلف جمهوريات الاتحاد السوفياتي مفاجئا ، وكانت النزاعات محدودة للغاية ومقتصرة على مناطق هامشية في أطراف الاتحاد السوفياتي السابق ( ترانسنيستريا في مولدوفيا ، والمناطق الانفصالية في أبخازيا وأجاريا والجنوب ). في حين حافظ أوسيتيا في جورجيا وناغونو كاراباخ الواقعتين بين أرمينيا وأذربيجان ورابطة الدول المستقلة على روابطها مع الدول المستقلة الجديدة ، مما سهّل إدارة تفكيك الاتحاد السوفياتي من دون مشاكل تذكر. كانت يد الغرب واضحة في تسهيل تفكيك العدو اللدود . عاد العداء للظهور تدريجيا بين الغرب وروسيا نتيجة عوامل متعددة منها العداء الأمريكي المستمر لروسيا واعتبارها الخطر الدائم الذي يهدد القيم التي تدعمها واشنطن ، ومع نشوء الأزمة الأوكرانية ودعم ما سماه الغرب وقتها الثورة البرتقالية ، وصل العداء بين روسيا والغرب درجة غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، ودفع باللاعبين الدوليين إلى موقف معقد للغاية .
لم يأتِ الصراع الأوكراني من العدم . انه نتيجة حتمية لمواجهة شرسة قوية تحت الرماد بين الغرب وروسيا. إنه يسلط الضوء على كيفية عمل الصفائح التكتونية الجيوسياسية منذ إعادة ترسيم الحدود في نهاية الحرب الباردة. وقد تطورت المواجهة الحقيقية على مدى ربع قرن حيث تفاعلت صراعات القوى الدولية مع القوى المحفزة في روسيا والمجتمعات الغربية . وقد تساءل المؤرخون دائما عمن يتحمل المسؤولية عن السياستين المتناقضتين بين روسيا والولايات المتحدة . الأولى تعتمد سياسة ستالينية توسعية والثانية تعتمد سياسة الاحتواء التوسعية ، وكلاهما على نفس المستوى من الحدة ، وبين هذه وتلك تشتعل الحروب في أكثر من مكان في هذا العالم .
يجب أن نترك القرار النهائي في تحمل المسؤولية في حصة تأجيج الصراعات للتاريخ ليحكم على الغرب وروسيا في مواجهاتهما. قد يكون التسلسل السببي مبررا لرد الفعل الروسي في أكثر من مكان ، فالحسابات في تفكير الدول العظمى أكبر من أن يتصورها عاقل على الكوكب . وقد يساعدنا التسلسل السببي في فهم ما يجرى في العالم من أحداث هنا وهناك ، والفهم أمر حيوي إذا أردنا التصرف بعقلانية ورسم استراتيجية لفهم الصراع الجيوسياسي بين الغرب وروسيا بدءا من الشيشان وانتهاء بسورية .
الحرب في الشيشان:
اندلعت الحرب في الشيشان بين عامي 1994 و1996 ثم تجددت الحرب بين عامي 1999 و2000 . بدأت الحرب بتحريض خارجي للقوى الإسلامية داخل الشيشان ضد روسيا بهدف تأسيس دولة معادية للقيم الروسية في قلب روسيا . ثم انتقلت العمليات الحربية للشيشانيين إلى داخل موسكو ، وبدأت العمليات الإرهابية تنتشر في مختلف المدن الروسية وكان يتبناها الشيشان على وسائل الإعلام . لم يبد الغرب أي تعاطف مع ضحايا العمليات الإرهابية الروس من المدنيين تماما كما حدث في سورية في السنوات الأولى من الحرب. بل على العكس ، كانت المحطات الغربية الاعلامية تبرز شجاعة العمليات العسكرية ضد موسكو وتطمس ضحاياها أو تمر على ذكرهم مرور الكرام . لم يكن أمام روسيا إلا التحرك ( وهذا ما قصدناه أنفا بالتسلسل الزمني السببي للأحداث) لوقف نزيف الدم القادم من الشيشان ، واعلنت روسيا نيتها انهاء المشكلة الشيشانية النازفة وبدأت الحرب ضد المجموعات الارهابية الشيشانية ، فانتفض الغرب بأكمله ضد الحملة الروسية واتهم الجيش الروسي بالوحشية والإبادة الجماعية للمسلمين ( بقصد إثارة الحفيظة الاسلامية ضد روسيا) وبدأ الغرب يتحدث عن حقوق الإنسان وما لا يقل عن 100000 ضحية ، وبدأ الغرب في وسائله الإعلامية يذكر بالتقليد القيصري في القتل والإبادة والقمع السوفيتي ، وبدأت النخب السياسية والثقافية في الغرب حملة منهجية ضد روسيا مفادها أن روسيا لم تتبن القيم الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولا شك أنها لن تتبناها مطلقا ، وأن على الغرب أن يستمر في معاملتها كخصم . لقد كانت روسيا بالفعل خصما للغرب ، لقد كانت خصما لدودا في نظر الغربيين ، واعادت توحيدهم ، وأثبتت خطأ نبوءة الكسندر أرباتوف حين قال : " سنقدم للغرب أسوأ خدمة ممكنة ، وسنحرم الغرب من عدوهم اللدود" .
جاء قمع روسيا للمسلمين الشيشان كما يصفهم الغرب في أدبياته السياسية والفكرية في وقت كان القوميون الصرب ( يلوحون بعلم السلاف والثقافة الأرثوذكسية المتشددة ) يحاولون سحق البوسنيين ومن بعدهم مسلمي كوسوفو، وليس من قبيل المصادفة أنه في سياق خيبة الأمل بعد نهاية الحرب الباردة ، صاغ صموئيل هنتنغتون نظريته حول صراع الحضارات ، حيث شهدت الحرب اليوغسلافية مواجهة حقيقية بين الحضارات الغربية والأرثوذكسية والإسلامية . وقد أتاح الوضع الناشئ لروسيا فرض نفسها بالقوة في الشيشان ومنطقة البلقان ، ولم يستطع الغربيون القيام بأي شيء تجاه النفوذ الروسي العائد بقوة .
التمدد غير المحدود لحلف الناتو على حساب روسيا :
أدت الحرب الباردة إلى إنشاء حلفين متناقضين هما حلف وارسو وحلف الناتو ، وربما ، ونهاية الحرب الباردة أنهت التحالفات العسكرية في أوروبا . تفكك حلف وارسو ولكن لم تتفكك الاتفاقيات الرئيسية المبرمة في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في عام 1990 ( ميثاق باريس لأوروبا جديدة ، ومعاهدة انتشار القوات التقليدية في أوروبا ، ومعاهدة نزع السلاح الشامل للكتلتين ) ولم يتفكك حلف الناتو بينما انتهى حلف وارسو نهائيا بحلول عام 1991.
لم يختف حلف الناتو بل أصبح ركيزة أساسية في هيكل الأمن الأوروبي. وفي ظل رئاسة كلنتون (1992-2000) التزم الغرب بسياسة توسعية تجاه الديمقراطيات الجديدة في أوروبا الشرقية حيث ضم إليه بولندا والمجر وجمهورية التشيك (قمة مدريد عام 1997 التي قررت البدء بالتوسع شرقا بدءا من عام 1999) ، وازداد عدد الدول الأعضاء في حلف الناتو من 19 دولة إلى 26 دولة في عام 2004 (يغطي جميع البلدان الأخرى في وسط وشرق أوروبا بما في ذلك دول البلطيق الثلاث التي كانت جزءا من روسيا قبل عام 1914 والاتحاد السوفيتي بين عامي 1940 إلى 1991) وفي عام 2009 انضمت ألبانيا وكرواتيا للحلف ليرتفع عدد الأعضاء إلى 28 دولة . ثم بدأ حلف الناتو يؤكد نفسه على أنه الأداة الرئيسية العسكرية لتسوية الأزمات في يوغسلافيا السابقة في فترة التسعينات (البوسنة وكوسوفو ) بعد مصائب القبعات الزرقاء التابعة للأمم المتحدة.
ونظرًا لاستمرار انتشار الناتو ، أصبحت علاقات الأخير مع روسيا مركزية لهندسة الأمن الأوروبي أكثر من الاتفاقات المبرمة في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، والتي فقدت طبيعتها الهيكلية والمبتكرة تدريجياً. وتم إبرام القانون التأسيسي بين الناتو وروسيا في عام 1997 ، في وقت كان الغرب لا يزال يثق في بوريس يلتسين، وأراد أن يعرض عليه تعويضًا عن تمدده ليشمل الديمقراطيات الجديدة في وسط أوروبا. وبعد الجدل الذي تسببت فيه حرب كوسوفو ، تم إبرام ميثاق جديد بين الناتو وروسيا في عام 2002 ، في الوقت الذي تقرر فيه توسيع الناتو مرة ثانية نحو الشرق، وعندما كانت روسيا والغرب يتعاونان في مكافحة الإرهاب وفي العمليات العسكرية في أفغانستان بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول عام 2001. لقد هدفت هذه الاتفاقيات إلى إقامة شراكة وتعاون بين الناتو وروسيا (اجتماع عرضي لمجلس الناتو وروسيا) وطمأنة روسيا بأن توسيع الناتو لم يكن موجهًا ضدها (مع ضمانات بأن "قوات قتالية كبيرة" لن تتمركز في أعضاء الناتو الجدد). لكن كل هذه المبادرات والاجتماعات لم تكن خالية من الدوافع الخفية: بالنسبة للغرب ، كان ذلك يعني حرمان روسيا من حقها في النقض (وهو سبب عدم عرض عضوية الناتو أبدًا على روسيا) وتوطيد الديمقراطيات الجديدة (استراتيجية توسيع مجتمع الديمقراطيات واقتصاد السوق تحت إدارة كلينتون) ؛ بالنسبة للروس، كان ينظر إلى توسع الناتو في الشرق على أنه يضر بمصالح روسيا وأمنها (جيب كالينينغراد الروسي ، على سبيل المثال ).
وعلى الرغم من أن التوسيع أحادي الجانب لحلف الناتو كان مدعومًا باتفاقيات تم التفاوض عليها ، إلا أنه كان من بين مظالم روسيا ضد الغرب. ومما لا شك فيه أنه ليس من قبيل الصدفة أن تكون أحدث وأخطر الأزمات والمواجهة (الصراع الجورجي في عام 2008 ، والصراع الأوكراني عام 2014) قد حدثت بعد قمة الناتو في بوخارست (في نيسان عام 2008) التي وعدت جورجيا وأوكرانيا بعضوية الناتو - على الرغم من تباطؤ هذه السياسة من قبل إدارة أوباما وشركائها الأوروبيين منذ عام 2009.

كوسوفو

قد يُنظر إلى كوسوفو على أنها إحدى نقاط انطلاق الأحادية العسكرية الأمريكية والغربية على عكس الوضع في البوسنة ، والذي أدى إلى إدارة الصراع المشترك مع روسيا (إذن لشن غارات جوية لحلف شمال الأطلسي من قبل الأمم المتحدة في عام 1993 ، وإنشاء "مجموعة الاتصال" في عام 1994 ، اتفاقيات دايتون للسلام في عام 1995) ، شهد الصراع في كوسوفو انفصال الغرب عن روسيا حيث تم شن ضربات الناتو ضد صربيا دون تفويض رسمي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفقدت كوسوفو ، التي تسكنها أغلبية كبيرة من المسلمين الألبان ، استقلالها في عام 1989 وتعرضت للقمع والاضطهاد ، حيث بدأ الناطقون بالألبانية في التمرد في عام 1998 ، و استفادوا من تهريب الأسلحة من ألبانيا في أعقاب حرب خطيرة أثناء الأزمة المحلية هناك في عام 1997. كان الغرب متفقًا نسبيًا على ذلك (في جميع الأحداث التي جرت ، تألفت مجموعة الاتصال من خمس من القوى الغربية: الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و ألمانيا و المملكة المتحدة و إيطاليا) ، ولم يكن لدى الغرب ثقة في ميلوسيفيتش ومغالاته القومية ؛ بعد محاولة تنفيذ سياسة تسوية تفاوضية تدعمها عقوبات متتالية ، التي تم تحديدها في كل مرة من قبل مجموعة الاتصال ووافقت عليها الأمم المتحدة ، حيث اعتقدوا أن استخدام القوة فقط هو الذي سيمنع القمع الشامل والتطهير العرقي ، مما أدى إلى الضربات العسكرية للناتو بين أذار وحزيران 1999. ثم انسحبت روسيا من مجموعة الاتصال (لتعود لاحقًا) لكنها وافقت على العودة إلى العمل على خطة لإنهاء الأزمة التي صادقت عليها الأمم المتحدة ، وبالتالي التحقق من فقدان صربيا للسيطرة على كوسوفو ونشر الناتو ، ولكن أيضًا إعادة تأكيد وحدة أراضي جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية (التي كان الجبل الأسود لا يزال جزءًا منها في ذلك الوقت). أدت عودة السلام إلى وضع حد للنزوح العرقي الألباني ؛ لم يمنع الانتقام من الأقلية الصربية ،
تدهور الحال وتجدد الصراع مرة أخرى عندما حاول الغرب دفع كوسوفو نحو الاستقلال ، معتبراً أن هذا هو السبيل الوحيد لتوطيد الإقليم واستقرار المنطقة (الخاضعة للاضطرابات المزمنة). في عام 2006، حذر فلاديمير بوتين من أن كوسوفو ستشكل "سابقة" في تسوية النزاعات المجمدة في الاتحاد السوفياتي السابق. بعد محاولة أخيرة لإيجاد حل تفاوضي في بداية عام 2008 مع الصرب والروس ، قرر الأعضاء الغربيون في مجموعة الاتصال من جانب واحد الاعتراف باستقلال كوسوفو. تم الاعتراف بكوسوفو من قبل حوالي 100 دولة في العالم وبدأت تقاربها مع الاتحاد الأوروبي والتفاوض على اتفاقية استقرار وتعاون وكذلك عملية تطبيع مع صربيا (مع الاتحاد الأوروبي). لم تعترف بها روسيا أو الصين وهو إجراء يعرض عضويتها في الأمم المتحدة للخطر ، ولا من قبل خمس دول في الاتحاد الأوروبي معادية للانفصالية وهي إسبانيا و اليونان و قبرص و سلوفاكيا و رومانيا). تنقسم صربيا بين القوى الموالية لأوروبا ، والتي ستكون على استعداد للتخلي عن كوسوفو كثمن يدفع مقابل عضوية الاتحاد الأوروبي (والتي من شأنها أن توفر فرصة لتسوية قضية كوسوفو بشكل نهائي) والقوى القومية ، التي ترفض ذلك وتجد الدعم في روسيا.
قدم بوريس يلتسين ، رئيسًا جديدا للوزراء في عام 1999 ، فلاديمير بوتين ، وهو ضابط سابق في المخابرات السوفياتية ، خلفًا له وانتخب رئيسًا في عام 2000 ، ثم أعيد انتخابه للمرة الثانية (والأخيرة من حيث المبدأ) في عام 2004 . أدار الرجل القوي الجديد لروسيا ظهره للسنوات الليبرالية الفوضوية التي سادت في عهد يلتسين (والتي أدت إلى أزمة مالية خانقة في عام 1998) ، وأعاد السلطة المركزية والقوة العمودية للدولة؛ وهيكل مؤسسة FSB وريثة KGB كما وجد الدعم في الشعور القومي الروسي الذي أعاد تنشيطه بعد أن صار (أكثر حساسية منذ الإهانات لروسيا التي حدثت في التسعينيات) والقيم التقليدية (عن طريق التحالف مع رجال الدين الأرثوذكس) واستعاد موارد الطاقة التي استولت عليها "الأوليغارغية" الروسية المدعومة من الغرب ، مما مكّن بوتين من إعادة بناء القوة المالية للدولة الروسية (و تخلص نفسها من ديونها وتراكم احتياطيات العملة الصعبة). ومن خلال القيام بذلك ، وضع بوتين تحديًا لأولئك الموجودين في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة ، الذين كانوا يأملون في أن تصبح روسيا غربية وبالتالي إضعافها بعد نهاية الحرب الباردة. في البداية لم تكن العلاقة مع جورج دبليو بوش (الذي قال إنه رأى روح بوتين في عينيه) سيئة ، بعد تعاونهما في محاربة الإرهاب الإسلامي. ثم أصبح الوضع متوتراً ، لا سيما عندما ظهر احتمال استمرار الرئيس الروسي على المدى الطويل في منصبه. وتحدى الغرب مرة ثانية عندما احترم الدستور ، الذي لم يسمح له بولايتين متتاليتين ، لكنه وجد حيلة ملائمة : في عام 2008 انتخب رئيس وزرائه دميتري ميدفيديف رئيساً، وتولى مكانه كرئيس للوزراء ، واستمر فعليًا في السيطرة على الدولة (زعيم الأغلبية والمسيطر على البرلمان ). لقد أراد الغرب أن يعتقد أن ميدفيديف سيكون مرادفًا للانفتاح: في هذا الوقت أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية "إعادة الضبط للعلاقات" (2009) وأن الاتحاد الأوروبي أبرم "شراكة تحديث" (2010) مع روسيا ، وبذلك دخل بوتين منظمة التجارة العالمية (2011). لكن توطيد وتقوية سلطة فلاديمير بوتين حولها بشكل متزايد إلى "نموذج مناهض" للديمقراطيات الغربية ، لا سيما أنه ، بصرف النظر عن تقوية الدولة ، ترافق ذلك مع تقييد متزايد للحريات المدنية والجسدية وشهدت روسيا اختفاء المعارضين وسجن القلة خودوركوفسكي ، الذي أطلق سراحه أخيرًا في عام 2013 واغتيال المحامين و الصحفية آنا بوليتكوفسكايا عام 2006 والسياسي الليبرالي بوريس نيمتسوف عام 2015). لا تزال هناك حركة معارضة في روسيا ، ولكن في سياق الانسحاب القومي واللامبالاة من جانب المجتمع المدني ، وهو ما لا يختلف عن الوضع في بيلاروسيا المجاورة .
الصراع السياسي العسكري على السلطة

بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي ، أصبح توطيد النظام الإقليمي الجديد، وإرساء الاستقرار الاستراتيجي في قارة أوروبا من الرهانات الرئيسية. وشكل إبرام اتفاقيات نزع السلاح في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أساسا للتعاون ، ثم كما شكل التوسيع السياسي لحلف الناتو شرقا ، لحظات من تعزيز الهيكل الأمني لأوروبا. كانت الصراعات في الاتحاد السوفياتي السابق محلية، وأثبتت روسيا نفسها كقوة وساطة (كما حدث في ترانسنيستريا و أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية و ناغورنو كاراباخ) ، ثم وضع بوتين عقيدة "الخارج القريب" في 1992-1993 على الطاولة بهدف الحفاظ على نفوذها في الجمهوريات التأسيسية السابقة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. وعمل على إنشاء المنظمات الإقليمية ، وليس فقط رابطة الدول المستقلة (الذي خلفت الاتحاد السوفياتي) ، ولكن أيضًا معاهدة طشقند للأمن الجماعي لعام 1992 (التي أصبحت منظمة في عام 2002) ، وعمل على صيانة البنى التحتية العسكرية للجيش السوفيتي السابق (مثل قاعدة سيباستوبول في القرم ، الميناء الرئيسي للأسطول الروسي في البحر الأسود) ، وتهدف هذه الخطوات إلى حماية الهيمنة الروسية ، والتي كانت مدعومة أيضًا بروابط التضامن القديمة جدًا (المادية والبشرية والثقافية) داخل الاتحاد السوفيتي السابق في وجه التمدد الغربي . اليوم هناك خمس دول فقط ، هي الأكثر اعتمادًا على روسيا ، والتي تشكل جزءا من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (أرمينيا ، بيلاروسيا ، كازاخستان ، قيرغيزستان ، طاجيكستان) ، وتحاول روسيا إنشاء كتلة اقتصادية مع نفس الدول الأوراسية (الاتحاد الاقتصادي) ليكون على قدم المساواة مع الاتحاد الأوروبي. واستهدف صيانة البنى التحتية العسكرية للجيش السوفيتي السابق (مثل قاعدة سيباستوبول في شبه جزيرة القرم ، الميناء الرئيسي للأسطول الروسي في البحر الأسود) ، حماية الهيمنة الروسية ، والتي كانت مدعومة أيضًا بروابط تضامن قديمة جدًا ( المادية والبشرية والثقافية) داخل الاتحاد السوفياتي السابق. اليوم هناك خمس دول فقط ، الأكثر اعتمادًا على روسيا ، والتي هي جزء من منظمة معاهدة الأمن الجماعي (أرمينيا ، بيلاروسيا ، كازاخستان ، قيرغيزستان ، طاجيكستان) . كان موقف روسيا من "النزاعات المجمدة" غامضًا منذ البداية ، حيث ظهر كقوة للسلام والوساطة ، مع الاستفادة أيضًا من عدم حل هذه النزاعات ، للحفاظ على سيطرة استراتيجية وعرقلة اختراق الغرب (إنه من الصعب على جورجيا وأذربيجان ومولدوفا والآن أوكرانيا ، التي لا تسيطر على جميع أراضيها ، الانضمام إلى الناتو ، لأن معاهدة واشنطن ، من حيث المبدأ ، تلزم الدول المشاركة بتقديم المساعدة ضد معتد خارجي). لقد مارس الغرب ضغوطًا متزايدة على روسيا لكي تعمل على تسوية هذه الصراعات ، مطالبًا إياها بسحب قواتها من الأماكن التي يتمركز فيها الروس (مولدوفا ، جورجيا) في قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في اسطنبول في نهاية عام 1999 ، مباشرة بعد قضية كوسوفو ، بالإضافة إلى هذا النزاع الجغرافي الاستراتيجي المحدود ، ولكن الخطير ، للنزاعات المجمدة أو المطولة ، كان هناك تصعيد أكثر عمومية فيما يتعلق بميزان القوة السياسية العسكرية ، لا سيما بين الولايات المتحدة وروسيا. وفي نهاية إدارة كلينتون (1999) ، أطلقت الولايات المتحدة خططها الوطنية للدروع المضادة للصواريخ ، والتي تعود إلى فترة رئاسة ريغان ، لكن تم التخلي عنها ؛ في عام 2001 ، ذهبت إلى حد الانسحاب من اتفاقية 1972 الروسية الأمريكية ABM (الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية) ، والتي حدت من عدد الأنظمة الاستراتيجية المضادة للصواريخ على كلا الجانبين ، وحصلت على قبول الناتو في عام 2004 لمبدأ الانتشار. كما باشرت روسيا في تطوير نظام دفاع صاروخي حديث ومتطور رسميًا لمواجهة تهديد الدول المنتشرة حول روسيا (الرادارات الأطلسية في جمهورية التشيك ، أنظمة الدفاع الصاروخي الغربية في بولندا). وفي هذه المشاريع، أدركت روسيا أنها تحت التهديد المباشر ، سواء ضد استراتيجيتها الشاملة للردع النووي وأيضًا فيما يتعلق بالتوازن السياسي العسكري مع جوارها ، في وقت كان الناتو يتوسع شرقًا. وواصلت روسيا تهديدها للغرب بنشر صواريخ إسكندر (ذات المدى التكتيكي أقل من 500 كيلومتر) في جيب كالينينغراد على الرغم من تقليص الناتو لنظام الدفاع الصاروخي تحت إدارة أوباما. وقبل كل شيء في عام 2007 ، قررت روسيا تعليق معاهدة القوات التقليدية في أوروبا (في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا) لأن الغرب رفض التصديق على نسختها المعدلة (المتفق عليها في عام 1999) ، بسبب عدم احترام التزامات اسطنبول بشأن الصراعات المجمدة. ثم علق الناتو معاهدة القوات التقليدية في أوروبا فيما يتعلق بروسيا في عام 2011 على حد سواء ضد استراتيجية الردع النووي الشاملة الخاصة بها وأيضًا فيما يتعلق بالتوازن السياسي العسكري في جوارها ، في وقت كان الناتو يتوسع شرقًا.
من هنا ، ضعف الإطار المشترك للسيطرة على الأسلحة بين روسيا والغرب بشكل كبير: فهو لا يزال موجودًا بين الأمريكيين والروس في مجال الأسلحة النووية الاستراتيجية (معاهدة ستارت الجديدة 2010 ، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2011 لمدة عشر سنوات. ) والقوى النووية متوسطة المدى (معاهدة INF لعام 1987 ، والتي لا تزال سارية المفعول) ؛ لا توجد في مجال الأسلحة النووية التكتيكية ، بينما لا يزال لدى كل من الروس والأمريكيين آلاف الرؤوس الحربية النووية التكتيكية ، وهو إرث من الحرب الباردة ، واحتمال استخدام روسيا لذراع نووي تكتيكي ، إذا اعتبرت أن مصالحها الحيوية مهددة في النزاع ، ولا يجب استبعادها) ؛ وقد تم تقليص هذا الإطار إلى تدابير بناء الثقة في المجال التقليدي في أوروبا (وثيقة فيينا ، التي تنص على الإخطار بالمناورات العسكرية التي تتجاوز عتبة معينة وعمليات التفتيش المتبادلة ؛ معاهدات "السماء المفتوحة" التي تسمح برحلات جوية فوق المجال الجوي للآخر). يوجد الآن نوع من التصعيد العسكري بين الناتو وروسيا - وإن كان لا يزال محدودًا ، والذي بدأ مرة أخرى مع الصراع الأوكراني (التزام الغرب بزيادة إنفاقه العسكري قاد إلى مضاعفة روسيا إنفاقها العسكري على مدى السنوات العشر الماضية ؛ كما تم التأكيد على إعادة التأكيد على الإجراءات التي اتخذها الناتو و الوجود العسكري المستمر القائم على التناوب ، وتعزيز قوة الرد السريع - للبلدان المتاخمة لروسيا ، ولا سيما دول البلطيق ، دون إثارة التساؤلات حول الالتزام الذي تم اتخاذه في عام 1997 بعدم نشر قوات قتالية دائمة وكبيرة ؛ من قبل الجيش الروسي بما في ذلك في البحر والجو).

الثورات الملونة نقطة خلاف:


لقد أوصلت الثورات الملونة قادة مؤيدين للغرب في جورجيا (ثورة الزهور 2003) ثم أوكرانيا (الثورة البرتقالية ، 2004) وفي قرغيزستان (ثورة التوليب 2005)، في أوكرانيا ، أدى انتصار يانوكوفيتش الموالي لروسيا إلى انتفاضة شعبية في الميدان ، وساحة الاستقلال في كييف ، وتنظيم انتخابات جديدة ، ظهر فيها يوشينكو بوضوح منتصرًا. أدت هذه الأزمة إلى توتر شديد بين فلاديمير بوتين والأوروبيين ، والذي تم توجيهه من قبل جاك شيراك وجيرهارد شرودر بعمل معتدل مع الرئيس الروسي ، بينما عمل الرئيس البولندي ألكسندر كواسنيفسكي والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا على تنظيم انتخابات جديدة في كييف.

لا يمكن اعتبار "الثورات الملونة" على أنها "تغيير في النظام" من حيث أنها نتيجة لعمليات انتخابية عادية ولكنها معوقة. لم يستطع فلاديمير بوتين الاعتراض على الحركة وأثنى المحافظون الجدد الأمريكيون (ولا سيما روبرت كاجان) على الاتحاد الأوروبي لعمله المميز في الأزمة الأوكرانية. لكن بالنسبة للرئيس الروسي ، فإن هذه "الثورات الملونة" (ممولة ، وهذا صحيح ، من قبل الغرب ، ولا سيما من قبل مؤسسة سوروس) في أعقاب مظاهر القوة الأمريكية في أفغانستان (2001) ، ثم في العراق (2003) اعتبرت الولايات المتحدة مناورات جيوسياسية تهدف إلى إضعاف روسيا ، وفصلها عن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة.
هذه التحليلات الجيوسياسية لها نصيبها من الحقيقة ، فهي مرتبطة بالنظريات القديمة (ماكيندر ، كينان) ، التي ألهمت سياسة الاحتواء. تضمنت السياسة الأمريكية اعتبارًا من التسعينيات اختراق المنطقة ، والوصول إلى الهيدروكربونات والنفط في بحر قزوين وآسيا الوسطى ، وتشجيع ممرات الطاقة التي تعبر القوقاز باتجاه تركيا (تم افتتاح خط أنابيب باكو - تفليس - جيهان في عام 2005 ، وافتتح خط أنابيب باكو - تفليس - أرضروم في 2006) ، وإنشاء منظمات إقليمية بديلة لتلك التي تركز على روسيا ، ولا سيما منظمة جوامGUAM التي تم إطلاقها في 1996-1997 (جورجيا ، أوكرانيا ، أذربيجان ، مولدوفا) وحتى إنشاء قواعد (بموافقة موسكو) في آسيا الوسطى (قيرغيزستان ، أوزبكستان) لدعم عمليات الحلفاء في أفغانستان. ولم يخف زبيغنيو بريجنسكي ، مستشار الأمن القومي السابق لجيمي كارتر ، نوايا الولايات المتحدة في كتابه : أمريكا و رقعة الشطرنج الكبرى (1997): أوضح أن على الولايات المتحدة أن تواجه عودة ظهور الإمبريالية الروسية ، وأن روسيا لا يمكن أن تصبح إمبراطورية مرة أخرى بدون أوكرانيا ، وأن أوكرانيا يجب أن تنحاز إلى أوروبا ، من خلال توطيد المفاهيم "الجيوستراتيجية". إن العمود الفقري لحلف الناتو "يشمل فرنسا وألمانيا وبولندا وأوكرانيا ؛ واقترح على نطاق أوسع أن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم "المحاور الجيوسياسية" لأذربيجان وأوزبكستان (أعضاء في منظمة GUAM لبعض الوقت) وأوكرانيا.

ومع انتشار "الثورات الملونة" ، تسير المنافسة الجيوسياسية (الإمبراطورية الأمريكية ضد الإمبراطورية الروسية) جنبًا إلى جنب مع العداء على القيم (الديمقراطية مقابل الاستبداد) ، كما حدث خلال الحرب الباردة ( وكما يصوره الغرب حاليا) . في عام 2005 وصف الرئيس فلاديمير بوتين اختفاء الاتحاد السوفياتي بأنه " أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين."، واعتبارًا من عام 2007 (في خطاب ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن) تساءل عن دور منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، واعتبرها منظمة تخدم المصالح الغربية (ومن خلال الالتزامات الديمقراطية والتفويضات المؤسساتية المحددة في التسعينيات ، تم ضمان دور الإشراف على الانتخابات من قبل مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR ) في وارسو واتفاقيات نزع السلاح. كان تماسك استراتيجية روسيا واضحًا في ذلك الوقت: المنافسة الجيوسياسية ضد الغرب ، والحفاظ على المواقف الاستراتيجية (الصراعات المجمدة) وإعاقة الاستراتيجية الأمريكية "المحاور الجيوسياسية" و معارضة القيم.
لقد أصبحت مسألة القيم والديمقراطية وحقوق الإنسان وشرعية الحكومات القائمة في صلب العلاقات الروسية الأمريكية ونقطة خلافية. وخلال فترة ولايتها الثانية ، لم تعد إدارة بوش ، التي تعثرت في أفغانستان والعراق ، لديها الوسائل لشن أي عمليات عسكرية أخرى في بلدان أخرى ، ولكنها قامت بحملة ضد "بؤر الاستبداد" (وفق التصنيف الأمريكي) ، ودون تضمين روسيا صراحة ، خاصة وأن الرئيس بوتين ترك منصبه بالفعل بعد ولايته الثانية. ثم نظمت روسيا الفترة الانتقالية ، ودعمت الأنظمة المهددة من قبل الولايات المتحدة مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وإيران وبيلاروسيا (دولة خاضعة للنفوذ الروسي ، منبوذة دوليا بسبب نظامها القائم ، وهي ليست عضوًا في مجلس أوروبا وخاضعة للعقوبات الغربية). وطورت روسيا عقلية الحصار مع الأزمة في أوكرانيا ، والعقيدة العسكرية الجديدة (نهاية عام 2014) واستراتيجية الأمن القومي الجديدة (نهاية عام 2015) ؛ بل إنها حددت هدف منع أي تغيير للنظام يمليه الخارج ودعمت تحقيقه رغم أنف الغرب. وتتحدى روسيا في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، المعايير الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان ، وقد وجدت حلفاء في بيلاروسيا والعديد من دول آسيا الوسطى وحتى أذربيجان.
الاتحاد الأوروبي وسلاح الطاقة

أطلق الاتحاد الأوروبي ، بتشجيع من ألمانيا والمملكة المتحدة ، سياسته التوسعية تجاه الديمقراطيات الجديدة في وسط وشرق أوروبا (راجع اعتماد معايير كوبنهاغن في عام 1993) حتى قبل أن يبدأ الناتو سياسته. لكن توسيع الاتحاد الأوروبي تطلب قدرًا كبيرًا من الاستعدادات ، وانضمت هذه الدول إلى الناتو قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

لم تتحدى روسيا توسيع الاتحاد الأوروبي ، كما فعلت مع توسع الناتو. في عام 1994 ، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة وتعاون مع روسيا وأوكرانيا ، ودخلت الاتفاقية مع روسيا حيز التنفيذ أولاً (1997). في 2002-2003 أطلق الاتحاد الأوروبي "سياسة الجوار" التي تستهدف "الجيران الجدد" في الشرق وعلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك ، أرادت روسيا أن تُعامل على قدم المساواة ، كشريك في حد ذاته ، وليس كجارٍ واحد من بين الآخرين ؛ وعزز شيراك وشرودر، المتحالفان مع بوتين ضد بوش في قضية العراق ، إبرام "أربعة مجالات" للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وروسيا (الاقتصاد ، والأمن المحلي والأجنبي ، والتعليم - البحث - الثقافة) ، التي تم التفاوض عليها بين عامي 2003 و 2005 ، في وقت كان فيه الاتحاد الأوروبي كان التوسيع الكبير قيد التنفيذ في الشرق (2004). ثم خطط الاتحاد الأوروبي للتفاوض بشأن اتفاقيات جديدة مع روسيا وأوكرانيا ، والتي كان من المفترض أن تبدأ معًا في عام 2007 تحت رئاسة ألمانيا لمجلس الاتحاد الأوروبي.

لكن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا توقفت بسبب الدول الأعضاء الجدد ، التي أثارت تدريجياً قضاياها الخاصة مع الجار المهم ، ولكن الصعب في الشرق. فقد أعاقت بولندا ، بقيادة الأخوين كاتشينسكي ، المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بسبب الحظر الروسي على اللحوم البولندية: وسرعان ما انضمت إليها ليتوانيا ، التي كانت لها مشاكلها الخاصة (خط أنابيب غاز عاطل عن العمل ويوفر الغاز لمصفاة في ليتوانيا). كانت هناك حاجة إلى قدر كبير من المهارة الدبلوماسية حتى تبدأ المفاوضات بشأن اتفاقية جديدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا أخيرًا في عام 2008 ، بعد عام واحد من أوكرانيا. لكن تم تعليق هذه المفاوضات لأول مرة بسبب الصراع الجورجي ، ثم مرة أخرى بعد الصراع الأوكراني (ولم يتم تناولها مرة أخرى منذ ذلك الحين).

ثم أصبحت القضية الروسية اختبارًا للوحدة والتماسك الأوروبيين. فقد واجهت الأغلبية الواقعية (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبنلوكس والنمسا وفنلندا واليونان وقبرص وسلوفينيا والمجر وسلوفاكيا ...) أقلية أكثر تعنتًا (لا سيما دول البلطيق وبولندا والسويد والمملكة المتحدة). لقد قسمت روسيا أوروبا بطريقتين: الأولى تباين المصالح والحساسيات بين الدول الأعضاء ، وثانيا ، استخدمت روسيا هذه الانقسامات لتعزيز مصالحها الخاصة. يؤكد الواقعيون على الترابط الاقتصادي والطاقة ، والتشدد في حقوق الإنسان والقضايا الاستراتيجية. وقد تم التوصل إلى حل وسط من خلال تشجيع سياسة الجوار بينهم (على سبيل المثال إرسال بعثة جمركية من قبل اللجنة لضمان أن التجارة مع ترانسنيستريا تتم وفقًا لسلامة أراضي مولدوفا ، ثم أصبحت قضايا الطاقة حصة كبيرة في المعركة وهي معقدة جدا . توفر روسيا ربع الغاز والنفط المستخدم في الاتحاد الأوروبي ، لكن هذه التبعية تختلف باختلاف الدول الأعضاء (من منخفضة أو صفر في السويد والمملكة المتحدة ، على سبيل المثال ، وذات أهمية قليلة في فرنسا) ؛ وعلى العكس من ذلك ، تعتمد روسيا على مشتريات عملائها الأوروبيين وكذلك على دول العبور (في منتصف عام 2000 ، كان 80٪ من الغاز الذي استورده الاتحاد الأوروبي من روسيا يمر عبر أوكرانيا ؛ والآن أصبح نصف هذا المقدار فقط). وعند مغادرته منصبه في عام 2005 ، أطلق جيرهارد شرودر بناء خط أنابيب الغاز نوردستريم الذي يسهل الإمداد المباشر لألمانيا وأوروبا الغربية عبر بحر البلطيق (دخل الخدمة في عام 2011 وقدرته على وشك أن تتضاعف). في حين أن الاتحاد السوفيتي لم يقطع أبدًا إمداداته إلى أوروبا ، فقد قطعت روسيا تدفق الغاز إلى أوكرانيا مرتين في منتصف الشتاء ، في كانون الثاني 2006 ثم في كانون الثاني 2009 ، من أجل فرض شروط تخص الأسعار ، وكرر ذلك في 2014 و 2015 بعد الصراع الأوكراني الثاني. كما قطعت إمداداتها النفطية عن روسيا البيضاء في كانون الثاني 2007 للأسباب نفسها. لقد أخذت المواجهة عدة أدوار: حاولت روسيا بناء خط أنابيب غاز تحت البحر الأسود من أجل الالتفاف على دول العبور الجنوبية ( ساوث ستريم)؛ وعزز الاتحاد الأوروبي مشروع نابوكو ، الذي كان يهدف إلى تنويع الإمدادات من خلال جذب الهيدروكربونات من بحر قزوين عبر تركيا - وقد تم التخلي عن هذين المشروعين في الوقت الحالي. علاوة على ذلك ، أجبر الاتحاد الأوروبي شركة غازبروم على اعتماد لوائح السوق الداخلية (الفصل بين أنشطة الإنتاج والتوزيع) وأطلق إجراءً لإساءة استخدام المركز المهيمن ضد العملاق الروسي في عام 2012. ومن ثم فقد عزز تنويع مصادر الطاقة (بما في ذلك عن طريق سوق الغاز السائل) وأنظمة عكس التدفق ، مما يتيح لأوكرانيا الهروب من الضغط الروسي في حالة حدوث مزيد من التخفيضات.
وتعرض هذا التصعيد لانتقادات شديدة في بعض الدول. على سبيل المثال ، عانى الاقتصاد السلوفاكي من الآثار السلبية لأزمة الغاز الروسية الأوكرانية. وقدم كلود مانديل ، مدير وكالة الطاقة الدولية ، تقريرًا عن أمن الطاقة في أوروبا قبيل الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي في عام 2008 ، أشار فيه إلى أن ثلاث دول فقط (قطر وإيران وروسيا) يمكنها ضمان إمداد أوروبا بالغاز على المدى الطويل وبهذه المناسبة نقلاً عن مثل روسي: "لقد أيقظ الدب الذي كان ينام بسلام في الغابة، والآن نتفاجأ بأنه يدمر كل ما في متناوله." حتى في ذروة الأزمة الأوكرانية ، التي أدت إلى قطع الاتحاد الأوروبي العلاقات تمامًا مع روسيا واعتماد عقوبات ضد الأخيرة ، ظلت المفوضية (على عكس خدمة العمل الخارجي الأوروبي) مصدرًا للوساطة فيما يتعلق بقضايا الطاقة وساعدت نحو تسوية النزاعات الروسية الأوكرانية.

الصراع الجورجي

حدث الصراع عقب دخول السيد ساكاشفيلي إلى المنصب الرئاسي في جورجيا عام 2004 والبعد المتزايد عن موسكو. سارت بعض التطورات بشكل سلمي ، مثل استعادة أجاريا وإغلاق قاعدة روسية. لكن التوتر زاد في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما منطقتان انفصاليتان على الحدود الروسية. وقد شجع الرئيس الجورجي ، في سياسته لاستعادة هذه الأراضي ودعمه الأمريكيون وبعض الأوروبيين في مسعاه. تحت الضغط الأمريكي وعلى الرغم من تحفظات فرنسا وألمانيا ، والتي حالت دون التصريح بـ "خطة عمل العضوية" ، أكدت قمة الناتو في بوخارست (أبريل 2008) أن كل من جورجيا وأوكرانيا "ستكونان عضوين في الناتو". ، وهو ما يعني بلا شك تجاوز الخط الأحمر بالنسبة للروس.

عندما تولت فرنسا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2008 ، كانت الأحداث العسكرية تتصاعد. شن الرئيس الجورجي هجوماً على أوسيتيا الجنوبية (7 أب 2008) أعقبه في اليوم التالي هجوم روسي مضاد مُعد مسبقًا. في غضون أيام قليلة هُزم الجيش الجورجي، وكان الجيش الروسي على أبواب العاصمة الجورجية. كرئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي ، بادر الرئيس نيكولا ساركوزي - بمفرده - للتوسط بين موسكو وتفليس في ليلة 12 إلى 13 أب ، والتي تم التصديق عليها في اليوم التالي من قبل وزراء الخارجية الأوروبيين ، الذين اجتمعوا في بروكسل. لقد ضمن التزام موسكو بسحب قواتها خلف الخطوط التي كانت موجودة قبل الأعمال العدائية. لكن فريق بوتين-ميدفيديف ، تحت ضغط واضح أكثر من السابق لاستغلال نجاحهما ، أعلنت أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية استقلالها في نهاية الشهر ، والتي كانت بلا شك وسيلة للانتقام من الغرب في قضية كوسوفو. وهذا يعني أن الروس لم ينسحبوا وراء الخطوط الأولية ، على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية (بعد وقف إطلاق النار في الفترة 1992-1993 ، احتفظ الجورجيون بالسيطرة على جزء من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية). تم نشر بعثة مدنية تابعة للاتحاد الأوروبي اعتبارًا من أيلول لضمان انسحاب روسيا إلى حدود المنطقتين. بناءً على هذه المكتسبات غير المكتملة ، وافق الاتحاد الأوروبي على تطبيع العلاقات مع روسيا والبدء في مفاوضات بشأن اتفاق جديد كان قد تم تعليقه في نهاية شهر آب. التي كانت بلا شك وسيلة للانتقام من الغرب لكوسوفو.
ترك الصراع الجورجي طعمًا مريرًا في فم المعسكر الغربي. أراد البعض تفسيره على أنه نتيجة لمغامرة الرئيس الجورجي ، الذي ، بعد أن لعب دور المعتدي الأولي ، تخلى عنه الأمريكيون (في نهاية إدارة بوش) وانتهى به الأمر إلى دفع ثمن فشله ، حيث أُجبر ترك الرئاسة (في 2013). يعتقد البعض الآخر أن روسيا استخدمت قوتها العسكرية ضد دولة مجاورة لأول مرة ولم تحترم الاتفاقية المبرمة في آب وأن الاتحاد الأوروبي قد عمل على تطبيع العلاقات بسرعة كبيرة. إن جمهوريات أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية هشة ومعترف بها فقط من قبل حفنة من الدول الصغيرة (نيكاراغوا وفنزويلا وناورو) ، وهي تعتمد الآن على موسكو أكثر من أي وقت مضى ، التي تعتبرها عناصر استراتيجية (تحسين الوصول إلى البحر الأسود بفضل أبخازيا ، والسيطرة عليها يضمن الخروج من نفق روكي الاستراتيجي الذي يربط بين شمال وجنوب أوسيتيا) وإمكانية استعادتها بشكل نهائي من تفليس ، التي تواجه معضلة رهيبة في تقاربها مع الناتو (إما للتحرك تحت حماية الناتو وبالتالي استبعاد منطقتين بحكم الأمر الواقع ، لا يمكن لحلف الناتو الالتزام باستعادتهما ؛ أو منح امتياز لوحدة أراضيه والتخلي عن حماية الناتو). ثم اختارت جورجيا استراتيجية الاسترضاء بعد رحيل ساكاشفيلي وصارت تواجه معضلة رهيبة في تقاربها مع الناتو (إما للتحرك تحت حماية الناتو، وبالتالي استبعاد منطقتين بحكم الأمر الواقع ، لا يستطيع الناتو الالتزام باستعادتهما ؛ أو منح امتياز لوحدة أراضيه ، أو التخلي عن حماية الناتو).

الصراع الأوكراني

بعد أن هدأت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ، مع التزام الرئيسين (ميدفيديف في روسيا ، وأوباما في الولايات المتحدة) ، تحولت العداوة بين روسيا والاتحاد الأوروبي إلى القضايا الاقتصادية والتجارية. لفترة طويلة ، مارست السلطات الروسية لامبالاة كبيرة فيما يتعلق بالتقارب الاقتصادي بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي ، وحتى احتمالية انضمام الدولة إلى الاتحاد الأوروبي ، مما لا شك فيه أنه ليس من دون ابتهاج سرًا بحقيقة أن غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم ترغب فرنسا وألمانيا حقًا في فتح العضوية لبلد مثل أوكرانيا. ولكن اعتبارًا من عام 2009 ، أصبحت سياسة الجوار في الشرق هي "الشراكة الشرقية" (التي روجت لها بولندا والسويد بشكل خاص وقبلها نيكولا ساركوزي ، الذي أطلق للتو "الاتحاد من أجل المتوسط" في الجنوب) وأعطت الانطباع بأنها تريد ضم جيرانها في الشرق (الدول الثلاث في القوقاز ومولدوفا وأوكرانيا وحتى بيلاروسيا) في السوق الموحدة (تحرير التجارة ، التقارب التنظيمي ، الارتباط بسياسات الاتحاد) ، ولكن باستثناء روسيا ، التي تحولت معها المفاوضات الشاقة من أجل اتفاقية شراكة جديدة إلى حوار للصم. كان ينبغي أن تكون قمة الشراكة الشرقية في فيلنيوس في نهاية عام 2013 بمثابة تتويج للنجاح في ذلك ، لكن أرمينيا وأوكرانيا تراجعتا عن اتفاقيات الشراكة التي تم التفاوض عليها مع الاتحاد الأوروبي في اللحظة الأخيرة ولم يتم الاتفاق إلا مع جورجيا ومولدوفا (فقد أبعدت أذربيجان وبيلاروس نفسيهما) .
واتهم البعض الاتحاد الأوروبي برفض الاستماع إلى اعتراضات روسيا في اللحظة الأخيرة. صحيح أن اتفاقيات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا لا تتعارض مع تلك المبرمة بين أوكرانيا وروسيا ؛ وصحيح أيضًا أن أوكرانيا لا يمكن أن تكون في نفس الوقت في اتحاد جمركي مع روسيا وفي منطقة تجارة حرة (بما في ذلك التقارب التنظيمي) مع الاتحاد الأوروبي وأن هذا الأخير طلب منها الاختيار بين الاثنين. ومنذ ذلك الحين وافقت بروكسل على إعادة التفاوض مع موسكو، ولكن تم تأكيد اتفاقية الشراكة دون تغيير الحكومة الأوكرانية الجديدة.
تنوي روسيا إنشاء منطقة التكامل الاقتصادي الخاصة بها حول نفسها. على الرغم من أن المشروع الأولي (اتحاد روسيا وبيلاروسيا عام 1996 ، الجماعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية ، أو أوراسيك، في عام 2000) لم يتم تنفيذه حقًا ، وتم تشكيل اتحاد جمركي في عام 2010 بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان ، وتحول أوراسيك إلى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي في عام 2014. وكان هدف فلاديمير بوتين هو فصل أوكرانيا عن الاتحاد الأوروبي من خلال برنامج مساعدات ضخم في نهاية عام 2013 (تخفيض كبير في سعر الغاز ، وقرض بقيمة 15 مليار دولار) موجه إلى الرئيس "الموالي لروسيا" يانوكوفيتش (الذي تم انتخابه تقليديًا في عام 2010). كما أقنع أرمينيا وقيرغيزستان بالانضمام إلى اتحاده الأوراسي.
لكن أوكرانيا ممزقة بين تطلعاتها المؤيدة لأوروبا ، خاصة في الغرب ، وروابطها الاقتصادية والثقافية مع روسيا ، خاصة في الشرق والجنوب (خاصة و أن ما يقرب من خُمس السكان من أصل روسي ونسبة كبيرة منهم من الناطقين بالروسية). أعقب تحول فيكتور يانوكوفيتش بشأن اتفاقية الشراكة على الفور إلى احتجاجات جماهيرية من جانب السكان في كييف وفي جزء كبير من البلاد ، مما أدى إلى تعاطف وتشجيع القادة ووسائل الإعلام الغربية. ونظرًا لأن الاتحاد الأوروبي لم يستطع التوسط في صراع تورط فيه بنفسه ، فقد تفاوض وزراء الخارجية الثلاثة لمثلث فايمار (ألمانيا وفرنسا وبولندا) على حل سياسي (مدعوم على مضض من روسيا) حيث ينص على إجراء انتخابات مبكرة (اتفاق 21 شباط 2014). ثم انهارت حكومة فيكتور يانوكوفيتش في اليوم التالي تحت ضغط شعبي. رد فلاديمير بوتين بعنف على احتمال سقوط أوكرانيا في أيدي الغرب: ونسق روايته الخاصة (تمت الإطاحة بالحكومة الشرعية في "انقلاب" نظمه النازيون الجدد) وتصرف بنفس القدر من التصميم كما فعل هو. ولم تستطع السلطات الجديدة اخفاء زلها بأنها أعلنت أنها ستتخلص من اللغة الروسية باعتبارها إحدى اللغات الرسمية للبلاد إلى جانب الأوكرانية. سيطرت القوات النظامية على شبه جزيرة القرم في نهاية شهر شباط دون مواجهة أي مقاومة حقيقية ، (السكان هم في الأساس من الروس ، ولم يتم إلحاق شبه الجزيرة بأوكرانيا إلا في عام 1954) ، وطلبت مساعدة القوات المسلحة الروسية ونظمت عملية متسرعة استفتاء (17 أذار) ؛ ثم صدقوا بعد ذلك على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا - في حين قدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة دعمها لوحدة أراضي أوكرانيا بأغلبية ساحقة (100 صوت مقابل 11). تم بعد ذلك إرسال بعثة مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى جميع أنحاء البلاد (باستثناء شبه جزيرة القرم) اعتبارًا من 21 اذار مع اتفاق روسيا وأوكرانيا الممنوح في فيينا: كانت هذه هي الخطوة الأولى نحو وقف تصعيد الصراع في الوقت الذي قرر فيه الاتحاد الأوروبي تنفيذ عقوباته الأولى ضد موسكو. لكن انتفاضة مسلحة بدأت في بداية نيسان في منطقة دونباس ، وهي منطقة تتميز بسكانها الروس القويين وعلاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع روسيا (الصناعات الثقيلة). قدمت روسيا مساعدات غير مباشرة (أجهزة سرية ، و "متطوعون" وأسلحة) - ولم يعترف الكرملين بمشاركته في العمليات إلا مؤخرًا. حين أسقط صاروخ روسي الصنع طائرة مدنية كانت تحلق فوق نهر دونباس في 2014 ، مما أدى إلى مقتل 300 شخص ، معظمهم من الهولنديين.
وتدخلت روسيا في أوكرانيا بذريعة "انقلاب" نُظم من الخارج وباستخدام "حق الشعب في تقرير المصير" التي رتبها الغرب على مدى سنوات ، ثم اتهم الغرب روسيا بانتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي، والسلامة الإقليمية لأوكرانيا ، والقواعد التي تحكم عدم استخدام القوة (على الرغم من أن موسكو تصرفت سراً لتدافع عن حدودها الغربية ) ، ومذكرة بودابست (1994) ، التي ضمنت بموجبها حدود أوكرانيا مقابل تخلي كييف عن رؤوسها النووية المتمركزة على أراضيها. برر دبلوماسيون روس بشكل خاص هذا الابتعاد عن المعايير مع سياسة الغرب التي فضلت الأمر الواقع والتي لم تعرف كيف تستمع. لم يكن أمام الاتحاد الأوروبي (وأنجيلا ميركل على وجه الخصوص ، بعيدًا عن المشاركة في حب روسيا لسلفها) خيارًا آخر سوى الانضمام إلى الولايات المتحدة ، في سياسة عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا تضمنت: قطع الحوار السياسي ، ووقف المفاوضات الجارية ؛ وعقوبات محددة الهدف – و رفض الدخول والإقامة ، وتجميد الأصول - ضد الشخصيات الروسية المتورطة في العدوان على أوكرانيا ، ولكن ليس ضد بوتين أو وزير خارجيته ؛ وأخيرًا العقوبات الاقتصادية اعتبارًا من حزيران 2014 التي شملت (الحظر التكنولوجي ، وحظر الوصول إلى البنوك الروسية لأسواق رأس المال الأوروبية).
لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي تولي دور الوسيط ، ولم يكن لدى الآخرين (الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس أوروبا والرئاسة السويسرية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا) نفوذ سياسي كافٍ للمشاركة الفعالة. وبادرت فرنسا وألمانيا لمنع تصعيد الصراع. استفاد فرانسوا هولاند من إحياء ذكرى إنزال نورماندي (6 تموز 2014) لدعوة فلاديمير بوتين ، والذي ضمت أيضًا أنجيلا ميركل. وبعد هجوم مضاد شنه الانفصاليون في نهاية آب ضد عملية "مكافحة الإرهاب" الأوكرانية ، تفاوضت كييف وموسكو على اتفاقات في مينسك في نهاية أيلول تنص على وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا وعملية تسوية. وقد أجبر تصعيد آخر في الميدان مرة أخرى الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية على التدخل شخصيًا في المفاوضات في قمة اتفاقية جديدة في مينسك (12 شباط 2015). وتحت الإشراف السياسي لفرنسا وألمانيا (صيغة نورماندي) والتوجيه الدبلوماسي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (مجموعة الاتصال الثلاثية التي تضم روسيا وأوكرانيا والانفصاليين) ومراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في الميدان ، تلاشى الصراع. لكن يبدو أن الاحتمالات شديدة ضد إعادة دمج المناطق الشرقية مرة أخرى في أوكرانيا وهناك خطر حدوث "صراع مجمّد" رئيسي (في إشارة إلى النزاعات المجمدة الأخرى في مولدوفا والقوقاز) بسبب المسألة الصعبة المتمثلة في إجراء انتخابات حرة في دونباس - وكذلك حول وضع شبه جزيرة القرم. هناك ميزة استراتيجية للكرملين في الوضع الراهن - باستثناء تحقيق وضع محايد لأوكرانيا - لم يرغب الغرب أبدًا في الاستمتاع بها ، بحكم الحق السيادي لأي دولة في اختيار تحالفاتها ، فهذا يجعل ذلك مستحيلًا ، وبالمثل بالنسبة لجورجيا - لكي تنضم أوكرانيا إلى الناتو، وبالتالي تساهم في إضعاف هذا البلد من وجهة نظر موسكو.

الصراع السوري

في الصراع السوري الذي ازدادت حدته منذ بدء الربيع العربي في عام 2011 . لقد تعرضت سورية من ضغط سياسي وعسكري شديد من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بهدف تغيير النظام السياسي الحاكم في دمشق ، و يبدو أن فلاديمير بوتين كان مدفوعًا ببعض المبادئ الأساسية والثابتة: دعم الأنظمة "الشرعية" للبقاء في السلطة (عدم قبول تغييرات النظام بالقوة أو الضغط الشعبي) ؛ وبعد إدراك موسكو الخدعة الغربية في ليبيا وسقوط القذافي ، الذي أطيح به في عام 2011 من خلال تدخل حلف شمال الأطلسي (الذي استقرأ التفويض الممنوح من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) ، ومكافحة الإرهاب الإسلامي ، (منع انتقال العدوى إلى المسلمين في القوقاز) ، والمصالح الروسية في الشرق الأوسط (الحفاظ عليها كقوة إقليمية) وعلى الصعيد العالمي مكانة روسيا كقوة عالمية وسياسية وعسكرية (من أجل تحسين توازن القوى مع الغرب).

وسرعان ما توترت المواقف بين الغرب وروسيا بشأن سوريا ، لأن أحدهما يريد أن يرى ظهور المعارضة لتحل محل نظام دمشق ، والآخر يدافع عن الحكومة الشرعية القائمة. في صيف 2013 ، كان الغرب يخطط للتدخل عسكريًا في سورية على الشاكلة الليبية بحجة السلاح الكيميائي (حولته إدارة أوباما إلى "خط أحمر" وقالت فرنسا إنها جاهزة. للتصرف ، على الرغم من بقاء المملكة المتحدة وألمانيا في الخلفية) ، فقد قام فلاديمير بوتين بالفعل بضربة قوية حيث اقترح نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا. ومن ثم منع التدخل الغربي (الذي لم يكن يريده باراك أوباما في موقفه الاستراتيجي بضبط النفس) وحقق هدفين أساسيين هما: عندما بدأ تنظيم دولة العراق الإسلامية في بلاد الشام بالانتشار بشكل كبير عام 2014 ، أصبح تدريجياً تهديدًا مشتركًا وحّد الغرب والأنظمة الملكية العربية وروسيا. بدأ الأمريكيون وحلفاؤهم في قصف مواقع الإسلاميين في العراق وسوريا في صيف 2014 (ومددت فرنسا عملياتها في سوريا لعام واحد فقط) وبدأ الروس ضرباتهم في سوريا في أيلول 2015. وخلف هذا التهديد المشترك الروس و الغرب منقسم على مصير النظام الرسمي الشرعي في دمشق. لقد أعاد الصراع السوري لروسيا إلى طاولة المفاوضات كلاعب لا مفر منه ، تمامًا كما كانت في الأزمة النووية الإيرانية (اتفاقية 14 تموز 2015) ؛ كما أنها تهدف إلى الدفاع عن مصالحها بشكل أفضل. وكان على صواب من قال إن روسيا تدافع عم أسوار موسكو في سورية . الصراع في سورية مازال مجمدا ويخشى أن يدخل منطقة " الصراعات الدولية المجمدة " ، وهب منطقة خطر لأنها تنذر بتجدد الصراع متى توافرت الظروف المناسبة.
التصعيد وحباله

إن تصعيد التوتر بين الغرب وروسيا على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية ، والذي يتأرجح بين الفعل و رد الفعل ، يشتمل على مسار ثقيل سيكون من الصعب الخروج عنه. يُنظر إلى روسيا على أنها النموذج الغربي المعادي، وأصبحت بشكل تدريجي على النحو التالي: نظرًا لطبيعة القوة الروسية ، التي تزداد ضراوة بشكل متزايد وتدافع عن "القيم التقليدية" في مواجهة "انحلال" الأعراف الغربية المنطق على طول الخطوط الرئيسية المتمثلة في (السيادة ، عدم التدخل ، تقاسم النفوذ ، الخلافات الإقليمية الصفرية ، القوة العسكرية ، عمل الخدمات السرية) ضد الأوروبيين في عصر ما بعد القومية و ما بعد الحداثة و ما بعد القيم الغربية Westphalian المتمثلة في (القوة الناعمة و التعاون الاقتصادي و الجذب الذي لا يقاوم للقيم الغربية). ومع ذلك ، يجب أن نتجنب تقديم عرض مغاير للحقيقة فقد لجأ الغرب إلى استخدام القوة العسكرية ، ولم تكن هذه التدخلات ضرورية دائمًا، ولم يتم ضبطها جيدًا و عرف كيف تستخدم "القوة الصارمة" (كما هو موضح في العقوبات التي تم تبنيها ضد روسيا) ويمكنها أيضًا التفكير وفقًا للخطوط الجيوسياسية (وهو ما يفسر أيضًا الاختلاف بين دول أوروبا وموسكو) ؛ يجب عليهم أيضًا التشكيك في سياستهم في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي ، والتي لم تتوج دائمًا بالنجاح.
العداء بين الغرب وروسيا باق. لقد تم تعيينه في تباين القيم ، وأعاد إحياء نوع من المعارضة الأيديولوجية التي تذكرنا بفترة الحرب الباردة ، وعلى الرغم من أنه يجب وضع ذلك في سياق أوسع: يريد الغرب نشر قيمه الديمقراطية ، بينما تريد روسيا لتشكيل تحالف مع القوى الناشئة - لا سيما البريكس - ضد التدخل الغربي. وعلى الرغم من أن إدارة أوباما قد صوّرت نفسها بأنها تعمل بضبط النفس ، فلا يوجد ما يقال بأن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تقدم عرضًا أكبر لقوتها. في سياق صعب ، قد يكون من الحكمة الاحتفاظ بمفهوم الوقت الطويل (الصبر الاستراتيجي ، وعلينا أن نتذكر على سبيل المثال أن الأمر استغرق 12 عامًا حتى تنتهي المفاوضات النووية مع إيران، وأن قدرًا مماثلًا من الوقت كان مطلوبًا بين قانون هلسنكي وانهيار الشيوعية) ، يجب التحلي بالواقعية في التوظيف.
هناك مشكلة أخرى وهي عدم التماثل الاستراتيجي. كما أظهر الصراعان الأخيران في جورجيا وأوكرانيا ، لا يستطيع الغرب صنع أو تشجيع الحرب في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي دون إشعال النار في كل شيء ، ولا يمكنهم توسيع الناتو أكثر من ذلك دون تسميم الوضع ، يجب أن يحسبوا حسابًا لروسيا والإيمان بأن هذه المنطقة هي جزء من مصالحها الحيوية (التاريخية ، الاقتصادية ، الثقافية ، الاستراتيجية) ، وهي في موقع قوة للدفاع عنها وهي أيضًا قوة نووية. إن وسائل ممارسة الضغط ، مثل العقوبات على سبيل المثال ، فعالة وربما ساعدت في إبطاء سياسة القوة في موسكو ؛ لكن الاقتصاد الروسي هش نوعا ما بشكل خاص بسبب انخفاض أسعار النفط، وليس من المؤكد أن هذه العقوبات الاقتصادية ستساعد في تحقيق ميزة استراتيجية (على الرغم من أن إزالتها مشروطة من قبل الاتحاد الأوروبي بعودة دونباس إلى أوكرانيا). كما أنه ليس من الواضح أن سياسة التصعيد العسكري من قبل الناتو ، مع عسكرة الجناح الشرقي ، سوف تتطابق مع حقيقة "التهديد" الروسي، والذي لا يشبه في الواقع أي شيء كما كان في العهد السوفيتي (الميزانية العسكرية المتراكمة من دول الناتو أكبر بعشر مرات من روسيا ، التي تعتبر أحيانًا "قوة ضعيفة" أمام العسكرة الفائقة للغرب.
هل أصبحت روسيا تهديدا لأمن أوروبا؟
يجب مقاربة الإجابة بعناية حين يستعد الأوروبيون لمراجعة سياساته فنحن أمام صراع بين نظامين لا قطبين . يبدو أننا لا زلنا بعيدين عن ثنائية الأقطاب الدولية . نحن أمام اختبار للقوة بين نظامين مختلفين وهما أمام سلام مستحيل وحرب غير محتملة ، فالغرب وروسيا يعيشون ظروف الصداقة المستحيلة نظرا لتعارض القيم والمبادئ بينهما ، والعقوبات قد تؤخر وقد تضر ولكنها لن تفعل شيئا في تغيير الواقع.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقسى الطلقات
- تاريخ الحب
- القبلة
- قراءة في قصيدة الوداع للشاعر الأمريكي إدوارد فيلد
- قضايا فيليب أدامز
- الحرب الاهلية من روما إلى رواندا بقلم ميشيل نيكولاسين
- قصة غريبة للكاتب او هنري
- السماء جحيم - للكاتبة فاي فلام
- صوت الطبيعة والضبط على التردد 432 هرتز
- المياه الذكية و مدينة المستقبل
- التطور التاريخي والفني لإدارة الجودة الشاملة
- شوبان عاشقا
- معجزة الحياة
- تربية أطفال يحبون القراءة -الفصل الأول
- الأسلحة الكهرومغناطيسية في دائرة الضوء
- قناة السويس والظهور الثاني للبدائل
- انواع المعاني
- حقائق حول المياه في المستقبل
- هل هناك حياة بعد الموت؟
- أطلقنا الموت ، فمن يمسكه من عقاله؟


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - روسيا والغرب والقضايا الخلافية