أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - أفينيدا دي امريكا (من يوميات البحث عن سيجارة)















المزيد.....

أفينيدا دي امريكا (من يوميات البحث عن سيجارة)


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 6892 - 2021 / 5 / 8 - 20:02
المحور: الادب والفن
    


شارع امريكا بمدريد، هو شارع الحظ عند صديقي ماجد، انا وإياه لم نمضي سنة بعد من هجرتنا إلى إسبانيا، ولا زلنا لم ننضج بعد، أقصد لم نتحول بعد من كوننا مهاجرين في حالة "سرية" إلى حال مهاجري التسوية القانونية، كلانا لا يتقن اللغة الإسبانية برغم أنه هو "الأقدم" مني في إسبانيا، هذه "الأقدم" التي تباهى بها علي يوم إلتقائنا بلاس بيدرونيراس، لها قصة ظريفة حصلت له معي ومع العاملة الإجتماعية ببلدية لاس بيدرونيراس، لم يبدأ موسم جني الثوم بعد بشكل لم نجد عملا بعد، ليس هناك عمل آخر، فالبلدية الكاستيانية هذه لا يوجد بها سوى بعض معامل النبيذ وموسم جني الثوم، ونحن المهاجرون السريون لا يقبل عملهم في الشركات داخل المدينة، ليس كما الحقول الفلاحية حيث من الصعب أن يعثر عليك مفتش الشغل، حتى ابسط فلاح تلتقيه بمقهى او في الحديقة العمومية يسألك: لماذا اتيتم وموسم الثوم لم يبدأ بعد، ليس لدينا عمل كما المناطق الأخرى؟
تعرفت على ماجد بالصدفة في "تشاطارا" في يوم مرعد ماطر، كان الرعد قد بدأ يقصف ثم تلته خزات برد وامطار اجبرتنا على التخفي ولم نجد في المكان خارج المدينة غير مزبلة سيارات النقل، انا اخترت سيارة صغيرة من نوع رونو (على ما اتذكر) كانت نقية إلى حد ما وهو اختار "فوركونيتا" تكفيه لسكن مريح بينما انا إذا اردت ان امدد رجلي علي فتح إحدى ابوابها.. هناك بمزبلة السيارات تعارفنا واخبرني بأنه مهاجر منذ سنة ونصف وهو أمر محبب لكي امنحه بعض الإمتياز حيث تفترض أن يكون يتقن الإسبانية أحسن مني بسبب أقدميته بشكل أعتمده او اقدمه حين نصادف الإسبان في أمر ما.
ذات مساء التقينا بمهاجر مغربي يقطن بالمدينة طلبنا منه عتق أرواحنا من الجوع لأنه منذ وصلنا إلى هذه المدينة الكاستيانية لم نتذوق طعم الأكل، اخبرنا بأن نتوجه إلى قسم ببلدية المدينة خاص بمعالجة مثل هذه المشاكل، أخبرنا بان هناك قسم اجتماعي يمنح مواد التغذية والصابون وحتى موس الحلاقة لأمثالكم من الضائعين في هذا البلد، ذهبنا إلى هناك حيث تكتلنا في صف بباب القسم الإجتماعي لنكتشف ان هناك وافدون مثلنا إلى العمل في موسم جني الثوم مع فارق في الوضع طبعا، اغلبهم مهاجرون باوراق رسمية، ويملكون سيارات نقل يستغلونها في المبيت وفي الطبخ أيضا، أقصد انهم مجهزون بقنينة غاز وتركيبات الطبخ، اتفقت مع صديقي ماجد أن يتكلف هو بالكلام عن حاجاتنا للأكل والشرب مع العاملة الإجتماعية بالبلدية بحكم أقدميته بإسبانيا وبحكم أنه كما افترضت يتكلم الإسبانية أكثر مني، ولما حان دورنا تجمد كل شيء، كانت هي تعرف حاجتنا، لكن لكي تقوم بذلك عليها تسجيل اسمائنا اعتمادا على معطيات جواز السفر أو أي وثيقة رسمية من المغرب اما هو فكان يتأتيء ويشير الأكل والشرب، هي كانت تبتسم وتحيل بحركات منها بأنها تعرف غرض مجيئنا ولكن عليها توثيق أسمائنا، لم أتمالك ان تدخلت باللغة الفرنسية لأشرح لها الأمر فردت علي بلكنتها الكاستيانية: "إيريس إخو دي بوتا" (أنت ابن قحبة) ثم اردفت بفرنسيتها كوني أعرف لغة للتواصل وتركت صديقي يتأتيء، اخبرتها بأنه كذب علي، قال بأنه أقدم مني وهذا يفترض أن يكون يتملك بعض كلمات التواصل...
بعد التوثيق والتوصل بالمواد الغذائية واجهت صديقي ماجد:
ــ لماذا كذبت علي بكونك قديم هنا
ــ إنها نصيحة المهاجرين السابقين إلى هنا، إن الأقدمية في التواجد بمكان ما يهذب ذوق الرافدين لوجودك هنا
ــ لكن انا مثلك لست من الرافضين لوجودك
عند انتهاء موسم الثوم توجهنا إلى مدريد وهذه حكاية سأتجاوز فيها حيثيات اختيار مدريد وليس مدينة أخرى لأصل إلى حكايات شارع امريكا او "أفنيدا دي امريكا"...
في مدريد استقرنا بملجإ يوجد ب"كاسا ديل كامبو" (تعني البيت القروي إذا صحت ترجمتي، او "دار الحقل" بالترجمة الميكانيكية) وهي عبارة عن حديقة كبيرة بمدريد تتواجد بها بعض البحيرات وليست من الحدائق المدنية، يمكن القول انها فضاء قروي وسط مدريد يأمه الناس في عطلهم للتفسح، كان الملجأ يوفر لنا الفطور والعشاء ويتعامل معنا بشأنها بطريقة رائعة جدا تحسسك بوجودك في دارك، من قبيل ان تعمل انت على ملأ حصنك من الأكل بالكمية التي تريد، وحين تنتهي من اكلك عليك غسل صحونك بنفسك ووضعا في مكانها، عليك أيضا ان تهتم بترتيب فراشك ولا تنتظر أن يقوم بذلك عمال الملجأ وهي طريقة جيدة تحسك بانك في دارك كما تشعرك ايضا بوجوب الإهتمام بخصوصياتك بنفسك ولا تعتمد على الآخرين وهو نظام صارم في الملجأ ، ام الغذاء فعلينا أن نتناوله بأحد المطاعم العمومية الكثيرة بمدريد، الملجأ كان يوفر خدمات مجانية أخرى بالتنسيق مع جمعيات خيرية وبلدية ومطاعم عمومية ومع برصات شغل إضافة إلى توفير بطاقة صحية وبطاقة النقل في الميترو (كانت تعطى بشروط خاصة كأن تحصل على عمل قبل ان تتلقى أجرا او في حالات استثنائية كالمرض او غير ذلك) الملجأ تابع للصليب الأحمر الإسباني والخدمات التي يقدمها تختلف كميا (سطر على كميا) مع خدمات الصليب نفسه كما جربتها في مدن اخرى.
في خضم هذه العلاقات المتشابكة التي يوفرها ملجأ "كاسا ديل الكامبو" كنا نحن بدون اوراق الإقامة الرسمية قد تحدد مسار قضاء اليوم، مع التاسعة نخرج من الملجأ ولا ندخله إلا في المساء عند حدود التاسعة، في الزوال تذهب إلى مطعم عمومي لتناول وجبة الغذاء، وفي باقي الأوقات نبحث عن السجائر كمدخنين وكان هذا الامر مسار سخريتي من الهجرة حيث كلما تعمقت فيما راكمته في إسبانيا منذ هجرتي في الباتيرا حتى ذلك اليوم من تواجدي بالملجأ، أجد ان كل ما فعلته هو اني ابحث عن سيجارة، وكان صديقي ماجد قد وقع في نفس الحب: هو ايضا يحب البحث عن سيجارة، كنا نذهب في الغالب إلى حيث محطات النقل العمومي، هناك تحصل بعض المفاجآت: يشعل شخص سيجارة وتحضر الحافلة في نفس الوقت فيرميها لأن التدخين في الحافلات ممنوع فنلتقطها نحن المعطلون في بلد الأحلام..
كان لصديقي ماجد حظ غريب في شارع امريكا الذي يمتد من محطة الشرق، محطة النقل الخاصة بحافلات الشرق، كنا نسميها محطة برشلونة، وتمتد إلى فراغات حيث كانت هناك حديقة عمومية صغيرة، على امتداد هذا الطريق كان صديقي ماجد يجد كل يوم شيء ما، في الحديقة الصغيرة تلك يجبد حبات حشيش نسيها أحد السكارى، علب سجائر واحيانا طاسة جعة لم يلمسها إنس ولا جان واحيانا حين نلتقي بالملجا يقول لي بأنه وجد نقوذا، وذات مرة صاحبته لنجد شيئا ما ونشترك فيه، ولسوء الحظ لم نجد شيئا وعد ذلك كوني منحوسا.
التقينا عند محطة برشلونة ذات مساء اخبرته باني ساذهب إلى الملجأ فرجا مني ان انتظره، قال بانه سيقوم بجولته المعتادة في شارع افينيدا دي أمريكا، شارع حظه، فرفضت، قلت له باني سانتظره في كاسا ديل الكامبو وانا لا أصدق خرافة الحظ التي سجنته مع ذلك الشارع.
عندما التقيته في المساء في الملجأ لم يتوقف عن الضحك، وكلما سألته عن سبب ضحكه ضج بالضحك أكثر بشكل لا يستطيع ان يفصح، يقول لي إنتظر، لن تصدق ما حصل لي اليوم، انتظرته حتى توقف الضحك في فمه برغم أن عينه متوهجة به، اخبرني:
ــ لن تصدق ما سأحكيه لك، قالها ثم عاد للضحك مرة اخرى بشكل هستيري
حكى أنه، حين تصادف شارع أتيمي (يقصد الشارع الذي تقع فيه جمعية مغربية للمهاجرين)، بينما هو يمشي سمع صوت امراة تناديه، ولما نظر في اتجاه الصوت أشارت عليه بانها بالفعل تقصده، كانت تمشي مصحوبة بامراتين أخريتين، ولما تقرب منها، اخبرته انها تعرف الكثير من المغاربة وأنها تحبهم وتعرف الكثير منهم، ثم سالته هل يعرف فلان فأجاب بانه جديد بمدريد ولا يعرف الكثير من مغاربة المهجر، ردت عليه بأن لا عليه، هي تثق كثيرا بالمغاربة وليس عنصرية كما هذا الحي الذي يقع فيه شارع أفينيدا دي امريكا الفرونكوي، اخبرته بأن بمنزلها نساء جميلات وتريد تقديمه لهن: سالته هل يحب الجنس فرد عليها : "الله اكبر من منا لا يحب الجنس؟"
ــ إذن لتذهب معي لأعرفك على منزلي واعرفك على نساء المنزل، قالت ذلك وبدات تتحدث عن امجاد المهاجرين المغاربة بمدريد.
حار ماجد في الأمر، وفجأة صدق إعلانات الجريدة الرسمية "ميترو مدريد" التي تنشر إعلانات المتعة الجنسية في صفحاته الهامشية، تابع خطوات المرأة المادريدية حتى دخل شقتها، قدمت له مجموعة من النساء اللاتينيات فاختار هو اجملهن، ولما شبع من وتره سألته ان يدفع لها، قال لها بانه لا يتوفر على مال
ــ كيف؟ لا تتوفر على مال؟ هل تعتقد اني إلهة أصدق
ــ لا أعرف ، السيدة قالت لي بأن لديها بنات يحبن الجنس فتبعتها
ــ كيف؟ هل انا مغفلة ؟ ثم نادت على صاحبة الشقة اللتي سألته : كيف تقول بانه لا مال عندك؟
ــ هذه هي الحقيقة، لم تحدثيني عن ان بناتك بائعات جنس، انا تبعتك فقط، ثم أفرغ كامل جيوبه امامها، ثم اردف يعيد نفس الجملة:لم تخبرين بأن بناتك باعات جنس
انهلن عليه بالضرب فخرج هاربا إلى باب العمارة المغلق، اعتقد انها اغلقت الباب حتى يأتي البوليس لكن بالصدفة وجد شخصا من سكان العمارة كان يهتم بالدخول فأشار عليه بالضغط على زر فتح الباب، خرج ماجد وهو يجري أعتقادا منه انه ارتكب جريمة وفي كل لحظة كان ينظر وراءة، لا احد يجري وراءه ثم اتكأ فجأة على حائط، نظر وراء جريه، لا أحد يتبعه من النساء العاهرات اللاتينيات، خمن في ذاته: هذه دار عهر سرية مثلي كمهاجر سري ثم التحق بالميترو وهو يضحك : هذه المرة وجدت بشارع أفينيدا دي امريكا "طبونا" وليس سيجارة أو نقود او حشيش
(الطبون باللغة المغربية هو فرج المراة)



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاجعة!
- لماذا تقتل سماحة الله بسيف الكهنة من الفقهاء؟
- حوار مع مهاجر سري
- لروحك السلام الأبدي نوال
- كازا بلانكا
- لوسيور كريسطال في المحك الإجتماعي المغربي
- ثرثرة على الخاص
- تجربتي في العمل النقابي بالأندلس
- أخجل والخجل ليس عيب
- من وحي الهجرة السرية
- اليسار بين الهوية المخزنية والهوية المجالية
- الموت لأحمد عصيد!؟
- سنة سعيدة أيها الامازيغ!
- لقد نسوا كتابات الاطفال على الحائط
- جديد ملف مناجم جبل عوام
- ياعمال مناجم جبل عوام اتحدوا
- إسرائيل والمغرب: هل انتصرت أطروحة الدغرني في المغرب؟
- من ذكريات الطفولة
- حانت ساعتك (ارصوظن إصنال إينو)
- إدريس الازمي وخرافة المعاشات


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - أفينيدا دي امريكا (من يوميات البحث عن سيجارة)