أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - رحل إبني باكرًا..وتركني على ناصية الحزن ..















المزيد.....

رحل إبني باكرًا..وتركني على ناصية الحزن ..


محمد المحسن
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 6870 - 2021 / 4 / 16 - 09:40
المحور: الادب والفن
    


ذات زمن سافر وكافر ليس ببعيد رحل إبني وتركني وحيدا كزيتونىة أحرقها الصقيع..كنخلة بلا ظل..
واليوم..وقد نال مني الحزن في نخاع العظم..بي حنين عاصف إليه،ذاك البرعم الباسق الذي انتهى قبرا واجما،زاده البياض حيادا..
أين منّي وجه -غسان- في مثل ليل كهذا..بسمته العذبة..بسمته الأصفى من الصفاء..مواساته لي حين يعتصرني الأسى..
أين منّي حضنه الدافئ وهو يهدهدني حين يصهل الخراب في داخلي..؟
لم أعرف اليتم يوم غاص أبي الرحيم إلى التراب..
واليوم تشهد كائناتي وأشيائي بعد وفاة إبني أنّي اليتيم..
كهل تجاوز الخمسين بعشر عجاف..
ولكنّي أحتاج إبني بكل ما في النّفس من شجن وحيرة وغضب عاصف..
واليوم تحلّقوا في كل بؤرة وحضيض لينهشوا لحمي وحروف إسمي ..
آه يا-غسان-كيف سمحت لنفسي بتسليمك إلى التراب..؟
حنيني شائك ومتشعّب مثل حزني تماما،وكياني مكتظّ بالوجوه والذوات..
لقد ّ عضّني الدّهر بنابه الأزرق المتوحّش- ونالت المواجع مني في نخاع العظم..ولم يعد يذكرني أحد..غير الطريق..ووحده صار يكفي..
" أنا لا أمدّ يدي لغير الله..فلست شحاذا أو متسولا..رغم المصاعب،المتاعب والمواجع التي تنخر-دون رحمة-جسدي..سيما بعد رحيل نجلي إلى الماوراء،حيث نهر الآبدية ودموع بني البشر أجمعين..
لكن.. ما يحزّ شغاف القلب ويزيدني إيلاما،ظلم ذوي القربى و-نفاق-بعض الأصدقاء،فضلا عن-نكران فضل-لكتاب كثر ومبدعين أكثر كتبت عنهم بحبر الروح ودم القصيدة..لمعت أسماؤهم-بحبري-لكنهم تركوني وحيدا في عين العاصفة..ومضَوا دون تحايا وداع..ولا عناق وجيع يترك القلبَ أعمى..ولا مواساة ترتق فتقي..وترسل إلى تضاعيف النفس رسائل تشحذ العزائم..وتشدّ آزري في مثل زمن لئيم كهذا..
واليوم. أيضا. صرت وحدي..لا رفيق ولا صديق،غير الطريق،ووحده صار يكفي..ولارغبة لي في الدّموع..
وإذن؟
ماذا بقي لي إذا،في مثل زمن كهذا مفروش بالرحيل سوى قصيدة،أراها -تليق بسكينته في قبره الرحيم-أهديها لروحهالطاهرة..في نومها الأبدي..علها تمسح عني دموع الأسى والوَجَع :
غسان
كنت أجمل الفتيان في تاريخ بلادي
كنت أطول الباسقات في أرض أجدادي
كنت إذا تمشي..
ترافقك السنابل وزهرة اللوز وكل الفصول..
وتتبعك غزلان و أيائل ..
غسان..
يا مهجة الروح .. يا وجعي ..
ويا وجع القصيدة..حين تلمسها الأنامل
ترى؟ هل ترى..ما أرى..؟
نجم هوى..فبكته الحقول
وأدمعت كل السنابل..
* * *
بيديّ سلّمت -غسان-للترابْ
ونثرت بعض الدمع بين مشيّعيه
كي أبرّر للحياة خيانتي
بيديّ أطعمت الترابَ -كبدي-
باكيا.نادبا..
لكني متمسكا بديانتي.
يا هول ماحدث..
انتهيت من التعازي
والتهاني بالنجاة من الغيابْ
وتركته في حبسه الطينيّ مفردا ومطفئا
كأنّي لست والده الرحيم وزنده
أربعة وعشرون عاما وهو يشدو لي
ويخفيني عن الأحزان تحت جناحه
وأنا أجاهد منذ كانت خصومه الأيام اللئيمة..
والغربة والإغتراب..
والحظّ الغرابْ
معذرة-غسان-إن واريتك قسر الإرادة..طينا رحيما..
وركاما من التراب..
* * *
لم يملأ الطين عيونك الجميلة-يا غسان–
من عشقها ملأته
بك تكتحل الأرض
ينبت زيتونهـــــــا
لن يضغط الطين
إلا كما رحم الأمّ
طين رحيم..كربّ رحيم
لا صرفا كوجهك
كل الحدائق المزهرة..
وكل حنان القمر
من أين هذي الرشاقة للقدر الضخم
أم أنتَ مما صَبَرتَ
نحتّ القدر
ثب من سباتك
كأنّك تذلّل ظهر الزمان
بعيونك الجميلة الأرض عشقا
تدور بها مشرقا في غياهب الكون
ولا صبر لوالدك أكثر مما صبر..
* * *
مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات..
ومقصوصة،كجناح أبيك،هي المفردات
فكيف يغني المغني؟
وقد ملأ الدمع كل الدواه..
وماذا سأكتب يا بني؟
وموتك ألغى جميع اللغات..
"أحملك،يا ولدي،فوق ظهري
كمئذنة كسرت قطعتين..
وشعرك حقل من القمح تحت المطر..
ورأسك في راحتي وردة تونسية .. وبقايا قمر
أواجه موتك وحدي..
وأجمع كل ثيابك وحدي
وألثم قمصانك العاطرات..
ورسمك فوق جواز السفر
وأصرخ مثل المجانين وحدي
وكل الوجوه أمامي نحاس
وكل العيون أمامي حجر
فكيف أقاوم سيف الزمان؟
وسيفي انكسر.."
* * *.
أيا غسان..
لو كان للموت طفل،لأدرك ما هو موت البنين
ولو كان للموت عقل..
سألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين
ولو كان للموت قلب ..
تردد في قتل أولادنا الطيبين.
فيا قرة العين ..
كيف وجدت الحياة هناك؟
فهل ستفكر فينا قليلا؟
وترجع في آخر الصيف حتى نراك..؟
* * *
إنّها الريح إذن ..
ولا لوم علي حين أبكي إبني..
أو أحنّ إلى مهجة الليل فيه
أنا أُبكي بصمت في هدأة الليل..
حين يهدهدني الشوق إليه..
أنا أبكي بصمت عينين عسليتين يغمرهما التراب
ولا عتاب..
ولا عقاب..
لمن يبكي مثلي في مثل ليل كهذا
لكَم تكرهني الحياة ولم أفعل لها شيئا
سوى ما يفعل بمن تاه في غياهب الصحراء السراب
وأحيانا أنا أبكي على أمي التي أنجبتني..
ذات شتاء يصهل في ليله الخراب
أو أبحث في جيبي عن الدنيا..التي عذبتني..
أصرخ في هدأة الصمت: أماه..أستغيث..
ولا جواب
ولا أبرز كفّي للدنيا
كي لا تراني..
أجن
"خائن مثلي تماما..
من لم يجنّْ"
* * *
“سيّدي
هل بوسعي الجلوس إليك قليلا
سأنثر حولك بعض النصوص على عجل
وأعود إلى معهدي
ابتسمتُ لها وبكى جسدي
قدمتْ من أقاصي الخرافةِ،من شهوتي
من مخابر آلهة الفنّ
واقتحمت وحدتي
وأنا لست حبلا تعلّق فيّ البلاد مفاتنها في النهار
وتتركني ذاهلا في المساءْ
وأنا لست ربّا غبيّا
لكي أطرد امرأة من غيومي
ولستُ مدرّس شعر ولستُ طبيب نساءْ
إنّما هذه الطفلة المتلعثمة الخائفةْ
هذه الوردة النازفةْ
هذه العاصفةْ
لا تعي ما أصاب المغنّي
وكرّاسها المدرسيّ على ركبتيها يصلّي
ويدفعني للصلاةْ.."
لكنها..بكَت..ثم بكيت..
حين قلت لها:
غسان مات..



#محمد_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة تأملية في إبداعات الشاعر والكاتب التونسي الكبير د-طاهر ...
- تجليات النصر والإنتصار..في شهر رمضان
- قراءة في قصيدة (الكل تحالف ضدّي !) للشاعرة التونسية الفذة صب ...
- هنا تونس: مملكة النقد الأدبي للوجدانيات :رائدة الفكر والثقاف ...
- كلام عابر-حول أزمة الواقع السياسي العربي-
- حين يصبح النظام العربي- مطالب- بتكوين كتلة دولية تتعاطف مع ف ...
- حوار مع الكاتبة التونسية المتميزة : سميرة بنصر
- حين تتحوّل الكلمات..إلى لوحة فنية بأنامل شاعر كبير بحجم هذا ...
- رؤية الفكر..نمذجة الفن : قراءة-متعجلة- في قصيدة ومضات عشقية. ...
- أي دور يجب أن يلعبه المثقف العربي إبان هذه المرحلة التاريخية ...
- دموع غزيرة بحجم المطر..تنسكب على خد نحاسي هرم
- قراءة تأملية في قصيدة : يحتشد فوق ناصية الرصيف...حداد أقدامن ...
- جدلية العلاقة..بين الإبداع والمعاناة..!
- حين يومض برق القصيدة..ننخرط مع الشاعر التونسي القدير جلال با ...
- الكاتب التونسي القديرد-طاهر مشي..يبحر عبر الكلمات (حين ...
- قراءة متعجلة في قصيدة الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (حيث ...
- اشراقات الأحاسيس الوطنية في قصيدة :- أيها العابرون - للشاعر ...
- على هامش الانتخابات البرلمانية في إسرائيل
- رسمتك قصيدة..على جدران قلبي (رائعة من روائع الشاعر التونسي ا ...
- هي ذي تونس..وكافر من يردّد قول المسيح..ليس بالخبز وحده يحيا ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد المحسن - رحل إبني باكرًا..وتركني على ناصية الحزن ..