أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد عبد الكاظم الخزاعي - البحث عن اقباق














المزيد.....

البحث عن اقباق


رائد عبد الكاظم الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6850 - 2021 / 3 / 24 - 14:52
المحور: الادب والفن
    


يعيش المرءُ متقلباً بين طيّات زمانه ،واعلى واسفل موجات ابحره،لن تهدأ سفينة الايام وتستمر الرحلة...لما نظرت الى بعض ابناءنا جيل المستقبل ،رأيت مظاهر النعمة والخير والترف واهتمام اهليهم بدا واضحا جليا،يرتدي اجود الثياب المستوردة من ماركات اجنبية باهضة الثمن،وساعة يد وقلادة،وخاتم او حلق،فضلا عن مصروف جيبه الذي يستنفذه لحظة مجيئه الى مدرسته...مع كل هذه العنايات الابوية تجده متذمرا من واقعه غير راضٍ عن حاله ويشكو الظلم والبؤس...
مع انه لم يتذوق في يومٍ ما طعم مرارة الجوع وقسوة البرد بصحبة ثياب بالية او مرقعة تم لمرتين قلبها او ترقيعها باكثر من رقعة...
في لحظة ألم استوقفتني وعادت بي الذاكرة الى دواليبها،وادراجها المختنقة بزفر الذكريات المؤلم ،حينما كنا في مثل ايامهم في مرحلة الدراسة الابتدائية والمتوسطة ما بعد عام الواحدوالتسعين وتسعمأئة والف،حيث كنا نأتي الى المدرسة بلا وجبة افطار،ولا قدح شاي،ايام كان الشبع اعجوبة فلا تجد عائلة تعرف للخبز طريقا...
كنا نخرج الى البر ونجلب بعض النباتات(تولة) ليتم غليها بالماء والملح لتصبح بديلا للقمة تسكت صراخ المعدة المتمردة التي تحن الى بقايا خبز...
ايام كانت الدولة توزع حصة للفرد العراقي 1-4 ربع كيلو سكر في الشهر باكمله..
و 7 كيلو من الطحين تنفد في سبعة ايام مع حرص الاهالي على الاقتصاد والتقنين وعدم رمي كسرة خبز واحدة،وما بعد الاسبوع تبدأ المعاناة الى نهاية الشهر جوعٌ لا يرحم وشكوى لن تنقطع...
كان طحين الحصة ممزوجة بالرمل حتى انك تستمع الى قرقعة الرمل بين اسنانك،كان الاهالي يعيدوا استعمال الخبز اليابس القديم بعد طحنه من جديد،وكنا نستعين (بصمون) يجلبه الوالد مما يتبقى او يفضل من بقايا ارزاق الجنود فهو كالحجارة يحيطه العفن كاننا في سجون القرون الوسطى..
يتم غسله وتعريضه لاشعة الشمس كي تذهب عنه بعض الروائح ثم يدوّر استخدامه من جديد فيطحن ليتساقط في التنور كانه مادة البلاستك وكما تطلق عليه العجائز انذاك (چنه آستيك)،
حتى الفاصوليا تم طحنها لتحل محل الخبز لكنها لم ترق الى ذاك المستوى فكان نصيبها السقوط في قعر جهنم التنور الطيني المتماسك الجدران اذ لم تضربه خبازة الا برفق خوفا على القرص ان يتهاوى ورغم الحنو والاهتمام تتساقط رقاقات الخبز ...
عادت الى مخيلتي (لگمة المستحه)اللقمة الصغيرة التي تبقى في منتصف ظرف الطعام(الصحن)وكل من حولها جوعى لم يشبعوا بعد،وكل منهم يمسك عنها كي لا يأخذها لانه يعلم بأن الجميع بحاجة اليها كي يسد رمقه واخيرا تكون من نصيب الصغير ومع ذلك يطلب مزيد وهنا يعتصر قلب الاب والام لانهما لا يسطيعان حولا ولا يوجد المزيد...
اكتفت بعض العوائل بوجبة واحدة ،واقتلعت ابواب وشبابيك واسقف منازلها، كي تأكل وباعت كل ما تملك لاجل العيش...
ومع ذلك كان الطالب مواظبا على دوامه مستمرا على درسه يستنير بضوء القمر او الفانوس(لالة)او البطل النفطي حيث يتم تعديل (الفتيلة) وقت الغروب وتهيأتها للعمل لباقي الليل تحسبا للطوارئ.
كان الطالب يمتلك قميصاً واحداً وبنطالا وحذاء يتبادلهما مع بقية اخوته مع اختلاف الدوام صباحا ومساءً،حتى ان بعض الطلبة ينتظر مجيء اخيه ليتمكن من لبس الحذاء وياتي مسرعا...
اما الدفاتر فكانت من الصنع المحلي حتى ان الورقة كالخشبة يابسة واحيانا تكسر لب القلم الرصاص لخشونتها...
وما ان تنتهي السنة الدراسيةحتى تبدا رحلة البحث عن الاقباق وسعيد الحظ الذي يمتلك قبق(سداد) علبة سمن الراعي ،واتذكر اني بحثت مدة شهر عن احداها ولم اجده حيث عثرت على واحد فقط ليستخدم فيما بعد بتصنيع سيارة تتكون من قصبة طويلة تثقب من نهايتها ويدخل فيها قصبة رفيعة بشكل متقاطع ويثبت سداد علبة السمن النباتي (القبق)
وكم كنت اتحسر على آلة القيادة حينما ارى احدهم يمسك سداد علبة(رائب المعمل) ومن يمتلك اطار سيارة يدحرجه ويركض خلفه فهذا من الذوات وواصحاب الاملاك والسيارات...
لنأتي بعد يوم طويل بالجهد والجوع واللعب ونصعد الى سطح الدار ونغفو رغم لدغات البعوض وحرارة القيض والعرق المتصبب...
ولسان حالنا هل سنصحوا على يوم اجمل وغد افضل...
رغم ذلك سارت السفينة وعبرت رغم الاهوال وشقت الامواج
انه ليس من نسج الخيال بل كل حرف هنا ينطق بالحقيقة وكثيرا ما قصّر في نقلها وتصويرها...
انها رحلة البحث عن اقباق..



#رائد_عبد_الكاظم_الخزاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نسق
- تحول نوعي
- كاظم الغيظ
- السرد ديوان العرب
- عبد العزيز عسير
- مغرمون بالكذب
- تحديث المصطلح
- عزف على اوتار من رصاص
- احتكار العنف
- السرد الجديد
- هايكو الناصري مملكة القصب
- غرام بالكذب
- العراقيين كلنا اهل
- تحليل الخطاب
- المشرحة
- معاناتي
- قصة قصيرة
- قراءة اخرى في المعنى
- الترجمة قراءة اخرى
- عبد الواحد لؤلؤة قراءة اخرى


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد عبد الكاظم الخزاعي - البحث عن اقباق