أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - كيف دمَّر العربان الهوية المصرية؟















المزيد.....

كيف دمَّر العربان الهوية المصرية؟


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 6844 - 2021 / 3 / 18 - 02:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما يقال عن مصر ينطبق تمامًا على البلدان الأخرى دخلها العربان وأدخلوا ديانتهم إليها، واحتلوها أسوأ احتلال في تاريخ الإنسانية جمعاء، فبحسب ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث: أنَّ العربان هم مصدر لخراب الأوطان، ورد ذلك في الفصل السادس والعشرين من مقدمته الشهيرة تحت باب ”أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب“،« والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقاً وجبلةً وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة … وأيضاً فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس و أن رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس وخرب العمران … وأيضاً فإنهم ليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض إنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهباً أو غرامة فإذا توصلوا إلى ذلك و حصلوا عليه أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن أغراض المفاسد وربما فرضوا العقوبات في الأموال حرصاً على تحصيل الفائدة والجباية والاستكثار منها كما هو شأنهم وذلك ليس بمغن في دفع المفاسد وزجر المتعرض لها بل يكون ذلك زائداً فيها لاستسهال الغرم في جانب حصول الغرض فتبقى الرعايا في ملكتهم كأنها فوضى دون حكم والفوضى مهلكة للبشر مفسدة للعمران ».
ومما يؤكد على صحّة أقوال ابن خلدون، أنّ جميع الآثار واللقى الأثرية العظيمة التي تركها السوماريون والمصريون والرومانيون واليونانيون القدماء، وما زالت قائمة حتى يومنا هذا، وتتميّز بدقّة صنعها ومتانة تركيبها، تدلّ على أنّ صنَّاعها لم يكونوا من العربان، ولا يوجد منها ما يردّ أصله إليهم سوى مدينة البتراء في جنوب الأردن، وقد اختلف البعض في أصل الأنباط الذين بنوها.
تعرضت مصر للغزو والاحتلال على مدار تاريخها الطويل، حتى في أيام المصريين الأصليين الذين يطلق عليهم اليهود والسراسنة (العربان) اسم "الفراعنة"، من قبل الليبيين وشعوب البحر المتوسط والهكسوس والفرس وغيرهم. وفي كل الغزوات، حافظ المصريون على أهم كنز معرفي لديهم ولدي أي شعب من شعوب العالم، وهي ثقافتهم التي تشكل الوعي الوطني والنضج والرقي الإنساني.
وقعت مصر تحت حكم الفرس الأخمينيين وأصبحت مقاطعة فارسية ما بين عامي 525 - 404 ق.م.. قبل أن تسقط مجدداً في أيدي البيزنطيين. وفي هذه الفترة من حكم الفرس (115 عام) تمكن المصريون من الصمود والمحفاظة على ثقافتهم وهويتهم ولغتهم ومعابدهم وطقوسهم الدينية وفنونهم التي انفردوا بها. بعد ذلك نجح الاسكندر المقدوني في طرد الفرس من مصر وأصبحت مصر جزءا من دولة الاسكندر، ولكنه احترم ديانة المصريين وتقاليدهم، وزار معابدهم، واعتبر نفسه إبنا للإله آمون، معتبرًا إيَّاه على أنه هو الإله زيوس.
بعدما توفي الاسكندر، تفككت الامبراطورية الرومانية واصبحت مصر من نصيب الدولة البيزنطي، التي اتخذت من الاسكندرية عاصمة لحكم مصر. وبالرغم من الظلم والطبقية التي عانى منها المصريون في عصر الحكم البطلمي، إلا أن البطالمة لم يمسوا الثقافة المصرية بسوء، ولم يمارسوا عمليات الطمس الممنهج للهوية المصرية، فاستمر المصريون في التحدث بلغتهم وعبادة آلهتهم وممارسة طقوسهم وعاداتهم الاجتماعية.
بيد أن الكارثة بدأت بوقوع مصر في قبضة غايوس أوكتافيوس أو المعروف بيوليوس قيصر (ولد في عام 63 ق.م ، وحكم 40 عامًا) ، فقد شنَّ حملة إعلامية أثيمة ضد المصريين، وادعى بأن مصر بلدٌ للشعوذة والسحر الأسود حيث يُقدم البشر قربانًا ويقومون بأفعال يعجز اللسان عن شرحها، ممَّا حمل حشود الرومانيين إلى الدعوة لإعلان الحرب على مصر. ومن ثم وقعت معركة أكتيوم في سنة 31 ق.م، التي انتصر فيها على انطونيوس وكليوباترا، واستيلائه على مصر سنة 31 ق.م. وقضائه نهائيًا على دولة البطالمة فيها.... كانت أحوال البلاد في ذلك الوقت آخذة في الضعف والانحلال، مما أعطى للرومان وسيلة لاستغلال موارد البلاد إلى أقصى حد ممكن، وازدادت الأعباء المالية تعقيدًا ولم يجد أغلب المصريين مخرجًا من هذه الحالة السيئة سوى الفرار إلى المعابد والأديرة وهجر مزارعهم وقُراهم، فانتشرت الفوضى في البلاد وعم الاضطراب جميع المرافق الاقتصادية.... كذلك كان الشعب المصري محروما من الاشتراك في حكم بلادة وكان يعامل معاملة المغلوب على أمره..... مزيدا من التفاصيل على الرابط التالي:
https://st-takla.org/Coptic-History/CopticHistory_01-Historical-Notes-on-the-Mother-Church/Christian-Church-History__004-1st-Century-Rulers-1-August-Caesar.html
أصبحت مصر جزء من الامبراطورية الرومانية يحكمها والي يعينه الامبراطور الروماني في روما، فبدأ الاضطهاد الممنهج ضد المصريين ومحاولة تجريدهم من هويتهم وثقافتهم، وفرض لغة المستعمر عليهم، واستبداد ثرواتهم، إذْ خسرت مصر أكبر مميزاتها وهي الاستقلال، وسيطر الرومان على كل نواحي الاقتصاد المصري من الزراعة والصناعة والتجارة لسنوات طويلة. وكذلك حرم الشعب المصري من معظم الوظائف الادارية العليا في البلاد، وحرم كذلك من العيش في مدينة الاسكندرية التي كانت مخصصة للرومانيين والطبقة المصرية العليا فقط. وكان الرومانيون يهدفون من وراء هذا إلى تعزيز الوسائل التي تضمن له الحصول على أكثر ما يمكن من الضرائب التي يقع عبؤها على كاهل المصريين. فوجد المصريون ملاذًا باعتناقهم المسيحية، حيث راحت تشكل لهم هوية مصرية جديدة تتصاعد كل يوم، فرأى الرومان فيها تهديدا لحكم، وراحوا يتبعون كل السبل لإخماد الضغوط الرمانية وإبطالها، إذْ يعتبر المؤرخون أن اعتناق المصريين للديانة المسيحية هو شكل من اشكال الرفض والثورة على الاستعمار الروماني.. لذلك لم تتقبل روما التحول البطئ للمصريين إلى المسيحية، فبدأ عصر الاضطهاد للمصريين الأقباط، خاصة في عصر الامبراطور دقلديانوس الذي حكم من 284 حتى 305م، وذبح منهم أعدادًا كبيره قدرت بـ 840 ألف نسمة، ولذلك يبدأ التقويم القبطي ”تقويم الشهداء“ في مصر منذ بداية حكمه. ولكن الملفت للنظر هو أن الديانة القبطية اصطبغت بصبغة مصرية خالصة ولم تمتزج مع أصلها العبراني، فخرجت بشكل رائع، يطلق عليه البعض "الثقافة القبطية". فالمصريون لم يتحولوا إلى اللغة الأغريقية أو اللغة العبرية أو الآرامية، بل قاموا بصبغ الديانة المسيحية بصبغة اللغة المصرية، لتخرج لنا هوية جديدة منبثقة من الهوية المصرية القديمة، هدفها الدعوة إلى التوحيد، وعبادة الرب الواحد المتجسد في ثلاثة أقانيم.
***
ثم احتلها الفرس الساسانيين مصر لفترة قصيرة (629 - 619م)، قبل دخول البدو الرعاع إليها في يناير 640م بقيادة عمرو بن العاص وهو إبن زنا بحسب المحاسن للبيهقي ص: 93، والمساوئ للجاحظ ص: 103، وقد وصفه الكاتب المصري الراحل أسامة انور عكاشة بأنه أحقر شخصية في التاريخ الإسلاموي وأنه أفَّاق » وشن عليه هجومًا كاسحًا في الصحف، نافيًا عنه أية أهمية تاريخية وحقَّره وقال عنه أنه أفاق. كما ظهر عكاشة في إحدى القنوات المصرية في اكتوبر 2004، وقال بأنه مقتنع بكل ما كُتب وأنه مسؤول كل المسؤولية عن كلامه».
https://www.mobtada.com/details/216753
ومن ناحيته، ذكر الأستاذ عباس منصور أن شعار الغزو العربي لمصر الذي كان قد أطلقه ابن العاص لجنوده، هو: « أيّكم يغرس رمحاً في دارٍ فهي له» !!، وقال: «المتتبع لمراجع التاريخ وسير المؤرخين الأوائل يرى شيئاً مختلفاً، فهذا أبو الحسن بن يحيى بن جابر بن داوود البغدادي المعروف بالبلاذري والذي يعد من أوائل المؤرخين حيث عاش في القرنين الثاني والثالث للهجرة يقول في كتابه فتوح البلدان نقلًا عن عمرو الناقد عن عبدالله بن وهب المصري عن الليث بن يزيد بن أبي حبيب: «... وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس فوقع سباؤهم في المدينة »، ومعنى ذلك أن الذين رفضوا التسليم والاستسلام قتلهم الغزاة الرعاع، واستحلوا نساءهم سبايا وأطفالهم عبيدا وأرسلوهم إلى عمر بن الخطاب في يثرب مدينة الرسول. ويضيف البلاذري في رواية أخرى عن القاسم بن سلام عن عبدالغفار الحراني عن بن لهيعة عن إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبي العالية عن أبيه قال : « سمعت عمرو بن العاص يقول على المنبر : ” لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر عليَّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت وإن شئت خمّست، أخذت الخمس»
ويروي ابن كثير في صفة فتح مصر عن ابن اسحق أن « أبو مريم وأبو مريام الأسقف كلّما عمرو بن العاص في السبايا التي أصيبت بعد المعركة فأبى عمرو أن يردها وأمر بطردهما وإخراجهما من بين يديه ... »
https://ar-ar.facebook.com/145857892128832/posts/289287154452571/
لقد جاء العربان إلى مصر وفي نيتهم عدم مغادرتها أبدًا، فاقتضى منهم ذلك العمل بكل ما في وسعهم على تغيير ديانة شعبها ولغته وإكسابه عادات وتقاليد جديدة وكتابة تاريخه من جديد، وتجريده تمامًا من هويته الفرعونية والقبطية، حتى أصبح المصريون يميلون ميلًا مكتسبًا - لا رجعة عنه - إلى رؤية أنفسهم بوصفهم ”آخر“، بدلا من اعتبار أنفسهم الذات المتعالية لأهل الوطن. بدأ وعيان متنافسان يتصارعان على الهيمنة، أحدهما يلعب دور السادة والآخر دور العبيد، يدرك السادة كل شيء من وجهة نظرهم الخاصة، ويرون أن هذا هو الطبيعي، أما العبيد فربطوا أنفسهم ربطا غريبا بعقدة معقودة لا ترى عالمهم إلَّا من وجهة نظر السادة الجدد.
اعتبر السادة الجدد المصريين في بلدهم على أنهم ”أهل ذمة“ أي الذين يتمتعون بالعهد والأمان والضمان، إذا دفعوا الجزية. ولكي يأمن المصريو على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، يجب عليهم اتباع شروطهم من حيث بناء كنائسهم ولباسهم وزيهم والدواب التي يركبونها وغير ذلك، مما يميز بينهم وبين المتأسلمين من الناحية الاجتماعية والأدبية والثقافية. وقد ذكر ابن قيم الجوزية (1292 - 1349) في كتابه ”أحكام أهل الذمة“ طبعة1، دار رمادي للنشر المملكة العربية السعودية 1992، ستة شروط مستحقة أو ملزِمة وستة شروط مستحبَّة أو مرغوبة ليعيش أهل الذمة في بلادهم المحتلة من قبل المتأسلمين، الشروط المستحقة هي:
أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له.
ولا يذكروا رسول الله بتكذيب له ولا ازدراء.
ولا يذمون دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه. فهو بالفعل دين مذموم منذ نشأته!
ولا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح.
ولا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا دينه.
ولا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنياءهم.
من هذه الشروط يتضح لنا أن الفقهاء على يقين:
بتحريف كتاب الله المزعوم!
وأن نبيهم كذَّاب بالفعل ومزدرى من الجميع.
وأن المتأسلم مباح له وحده، بأن يصيب غير المتأسلمة بالزنا وبإسم النكاح.
وأن من واجب المتأسلم أن يفتن غير المتأسلمين عن دينهم وأن يسلب أموالهم ويتعرض لدياناتهم!
أمَّا الشروط المستحبَّة ويجب إشعارهم بها، فإذا ظهرت أصبحت ملزمة، ويعد ذلك نقضا للعهد فيؤخذون بها إجباريا ويؤدبون عليها زجرًا، هي،:
يُغيِّرون هيأتهم بلبس الغيار وشد الزنا.
ولا يعلون على المتأسلمين في الأبنية ويكونون أن لم ينقصوا مساويين لهم.
لا يسمعوهم أصواتهم نواقيسهم ولا تلاوة كتبهم ولا قولهم في عزيز والسيد المسيح.
لا يجاهرون المتأسلمين بشرب خمورهم ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم.
أن يخفوا دفن موتاهم ولا يجاهروا بالندب ولا النياحة عليهم.
أن يمنعوا من ركوب الخيل عتاقًا وهجاها ولا يمنعوا من ركوب البغال والحمير.
الذمى لا يرقى الى الوضع القانونى المخصص للمسلم. فلا تقبل شهادته ضد المسلم فى
محمكة القاضى ولا يحكم بالإعدام على مسلم قتل ذميا وعلى حين كان لا يسمح للذمى بان
يتزوج مسلمة فى حين كان يسمح للمسلم بان يتزوج ذمية ن وبالاضافة الى ذلك كان
الذميون يرغبون على ارتداء ملابس تختلف عن ملابس المسلمين حتى يسهل التمييز بين
الطائفتين كما حرم عليهم ركوب الخيل وحمل السلاح وأخيرا فعلى حين كان يمكن تحويل
كناءسهم الى مساجد، وهو ما تم فى حالات كثيرة كان يسمح لهم ببناء دور عبادة جديدة
وكان أقصى ما يسمح لهم بعمله بهذا الصدد وهو ترميم ما تهدم من هذه الدور.
من أهم وأصدق الكتب التي أرخت للاحتلال العربي المتأسلم لمصر، كتاب يوحنا النقيوسي بعنوان "تاريخ العالم القديم ودخول العرب مصر"، حيث كان معاصرا له، رغم أنه كتاب ضعيف من الناحية التاريخية، ولكنه يُعَد دليلًا هامًا على نظرة المصريين الأقباط للعربان البربر القادمين من جهة الشرق، إذ يصور لنا يوحنا النقيوسي جيش عمرو بن العاص بنفس الصورة التي نراها للدواعش اليوم.
في بداية الاحتلال لم يكن هدف العربان تغيير نظام الدولة أو المساس بثقافة المصريين وعاداتهم وتغيير لغتهم وديانتهم. بل كان هدفهم هو بث الرعب في نفوس المصريين وإذلالهم وإجبارهم على إخراج الضريبة ودفع الجزية لهم، وإلا معاقبتهم عقابًا وخيمًا. فقد ذكر النقيوسي كيف كان صدى انباء وصولهم إلى أرض مصر على المصريين بالإسكندرية، فقد كانوا في قمة الرعب، وكانوا يشكلون خطرا أكبر بكثير من الفرس، فهم متوحشون لا يرحمون أحدا، مما جعل الأقباط يعتقدون بأن وصول تلك الميليشيات الإجرامية المتوحشة إلى مصر هو عقاب من الرب. لم يكن لهم من هدف سوى احتلال البلاد واستنزاف خيراتها في مقابل "الحماية" و"الأمان"، فإذا رفض أهلها يقوم البرابرة بذبحهم ذبحا، مثلما فعلت داعش .
استسلمت الاسكندرية لعمرو بن العاص، وبدأ المصريون في دفع ضريبة الرأس لابن العاص بدلا من بيزنطة. ولأن العربان البرابرة ليس لديهم أي خبرة في إدارة شؤون البلاد أو الأقاليم التي يحتلونها، فقد تركت الدواوين تدار من قبل المصريين بنفس النظام الذي كانت عليه أيام البيزنطيين. لم يتغير أي شىء سوى صاحب المزرعة. وعندما يغضب صاحب المزرعة يقوم باقتحام المدن وسبي النساء وحرق البيوت والحقول ليتعلم المصريون احترام اسيادهم..
ومثل داعش وغيرها، كانت ميليشيات العربان المسلحة تقيم في مناطق نائية في الصحراء وتتخذها كقواعد عسكرية تقوم منها بالهجوم على المدن المجاورة وسلبها. كان موقع حصن بابليون مناسبا جدا لطبيعة الانسان العربي البربري الهمجي، فقام عمرو بن العاص بانشاء قاعدة عسكرية شمالي حصن بابليون مباشرة، وهي اليوم المنطقة الواقعة بين محطة مترو الملك الصالح ومحطة مترو مارجرجس.
لقد تعلمنا في الكتب المدرسية المزوَّرة أن العربان بعد احتلال مصر مباشرة أسسوا مدينة الفسطاط واتخذوها عاصمة لهم، بدلا من الإسكندرية. ولكنها كانت مجرد مركز عسكري لميليشياتهم الداعشية، فهذه الفسطاط لم نسمع لها أي تأثير حيوي أو ثقافي في مصر، لقد كانت بحق مجرد "خيمة" للدواعش يستظلون بجبل ”المقطم“ من ناحية وجبل ”يشكر“ من ناحية أخرى. إنها منطقة تذكرهم بالصحراء الذين جاءوا منها، ولديهم هنا حامية جاهزة بدون تعب وهي حصن بابليون. بدأ تحويل الدواوين من القبطية إلى العربانية كتطور تدرجي لسيطرة الأوغاد على البلاد
وعندما احتل العباسيون مصر كانت عاصمتهم بغداد، في ازدهار مستمر، وأصبحت مركزًا ثقافيًا هاما، بينما مصر كانت قد تدمرت متديًا ومعنويا، وضاع احساس المصريين بهويتهم، ولم يعد ليه أي من الفخر الذي اسهب هيرودوت في وصفه عنهم.
جاء بعد ذلك الفاطميون الشيعة، واتخذوا من "القاهرة" عاصمة لهم. أنشأوا فيها ”الأزهر“، ليكون أسوأ آلة تدمير ثقافي لمصر ولغيرها والتي مازالت تعمل عملها على قدم وساق بنجاح منقطع النظير حتى اليوم!، إذ في عصرهم تبلورت الثقافة الشعبية المصرية بشكلها العروبي الذي يزداد حدة كل يوم وحتى اليوم، واقتصرت حماية الهوية المصرية الأصيلة على الكنيسة القبطية وحدها.
وجاء الغزاة الأتراك العثمانيون لا يختلفون في شيء عن البدو العربان من حيث تأثرهم بدوافع الطمع والاستحواذ على الأرض والعرض والغنائم من مصر، إضافة الى حماستهم الدينية المصطنعة. وكانت حكمهم وحكم المماليك من بعدهم، هما السبب الحقيقي في الدمار الكامل لثقافة المصريين، فمع القرن السادس عشر اختفت اللغة القبطية تماما بين المصريين واصبحت مجرد لغة دينية لا تخرج عن العبادة في الكنيسة، وتفشت الأوبئة والأمراض، وانتشر الجهل والفقر والايمان بالدجل والعفاريت والخرافات. نسى المصريون أصلهم العريق، واصبح كل همهم الحصول على لقمة العيش. نسوا كيف كانوا مصريين عظماء، وكيف استعبدهم العربان الهمج وجردوهم من كرامتهم وعزتهم ... تم تدمير اعتزازهم بثقافتهم وهويتهم، فتوقف بهم الزمن، واصبحوا هم الطبقى الأدنى والأحقر في أرضهم المحتلة. وكلما حاول أحدهم إزالة غسيل المخ الذي فعله العربان عمدًا ومع سبق الإصرار، لتبدأ صفحة جديدة من العزة والكرامة في تاريخ بلادهم، تصدى له تحالف رجال الدين الأزهريين ورجال السياسة الجهلة والعجزة.
للحديث بقية



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنسداد الأفق السياسي في بلاد العربان
- ما بين الأنبياء والأمناء في مصر، ”مشِّي حالك!“
- عن القيم الدينية والقيم الإنسانية
- الغباء السياسي وانعدام الأخلاق
- عقبات في طريق ثقافة التنوير والحداثة في عالمنا الإسلاموي
- لماذا أصيب المصريون ب”متلازمة جينوفيز“؟
- الرسول (الكريم) أهم لدي المتأسلمين من الله!
- متلازمة الأبناء وحكم السفهاء 2/2
- متلازمة الأبناء وحكم السفهاء 1/2
- السادية الإسلاموية والإسلاموفوبيا
- ثقافة القطيع
- العربان ونظرية المؤامرة
- شعب بين المطرقة والسندان 5/5
- شعب بين المطمرقة والسندان 5/4
- شعب بين المطرقة والسندان 5/3
- شعب بين المطرقة والسندان 5/2
- شعب بين المطرقة والسندان 5/1
- الديكتاتور الحقير!
- ومازال العمل جاريًا تحت تعريشة بني ساعدة!
- إشتراكية عبد الناصر وما آلت إليه


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - كيف دمَّر العربان الهوية المصرية؟