أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - شعب بين المطرقة والسندان 5/5















المزيد.....


شعب بين المطرقة والسندان 5/5


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 6625 - 2020 / 7 / 22 - 01:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


5- الجنرال عبد الفتاح السيسي (رئيس الرُّهاب)
يلاحظ القارئ العزيز أنني لم أتطرَّق في المقال السابق إلى ما كان يجب على الإخوان المتأسلمين فعله بهدف المحافظة على بقائهم في الحكم، وذلك لقناعتي بأنهم مهما فعلوا، فلن يسمح لهم بالبقاء على قمة السلطة أكثر ممَّا سُمِح لهم، وهو عام واحد فقط، وأن الأمر برمته لم يكن سوى خطة سرية مدبرة من قبل الفريق الاستئصالي في المجلس العسكري للتخلص منهم مرة واحدة وللأبد، وذلك في غياب شعب مغلوب على أمره، ومنهك تحت وطأة المعاناة من الفقر والجهل والمرض لسنوات طويلة. فضلًا عن أنهم، كأية أقلية في المجتمع، لم يكونوا - حقيقة - مؤهلين للحكم، وأن نهمهم المفرط للوصول إلى السلطة بأي ثمن، واستحواذهم عليها كما يستحوذ المتضوِّر جوعًا على الطعام، لا يبرر بأي حال بقاءهم على قمتها، شأنهم في ذلك شأن كافة الأقليات.
المشكلة تتمثل في أن الأقليات في جميع المجتمعات لديها إحساس دائم بالرهاب والخوف والتوتر من الأغلبية المحيطة بها، ويشتد هذا الإحساس عندما تجد أقلية ما نفسها بطريقة غير شرعية على قمة السلطة في المجتمع، ومن هنا لا بد وأن تكون متماسكة هيكليًا وفكريًا في تعاملها الداخلي بين المنتمين لها أو في تعاملها الخارجي مع الغير، فما بالنا بأقلية عسكرية في تعليمها وفاشية في نهجها السياسي؟ لا بد أن يلتزم أفرادها، حتى وإن كانوا في حالة السلم، بانتماء قوي وتماسك عنصري شديد فيما بينهم. وطالما استولت أقلية كهذه على السلطة والنفوذ والثروة كاملة في البلاد، فلا يُتَوقَّع منها أبدًا أن تدين أحدًا من أفرادها مهما ارتكب من جرائم، خاصة إنْ كان من أقطابها الكبار. وعندما استعاد المجلس العسكري السيطرة على السلطة مرة أخرى بالتدليس والعنف، بقيادة الجنرال عبد الفتاح السيسي، عمدوا إلى إخماد ما تبقى من الانتفاضة الشعبية التي حدثت ضد مبارك في 25 يناير 2011، وتدمير البنية التحية للإخوان المتأسلمين، وتقويض استقلالية القضاء، وفرض قيود خانقة على وسائل الإعلام، والمنظمات الحقوقية الحكومية وغير الحكومية، وتهميش الأحزاب الورقية في الأساس، ثم أسقاط - بأريحية شديدة - عن مبارك تهمة التآمر لقتل مئات المتظاهرين خلال الإنتفاضة، واعتبروها ”قضية سياسية“، ثم توالت البراءات بعد ذلك تباعًا، إلا من قضية واحدة - لذر الملح في العيون - المعروفة إعلاميًا بـ”قصور الرئاسة“، أدين فيها مع نجليه لاستيلائهم على أكثر من 125 مليون جنيه من المخصصات المالية للقصور الرئاسية، وحكم عليهم بالسجن (الافتراضي) 3 سنوات، وإلزامهم (ربما على الورق، لا أحد يدري) برد 21 مليون جنيه فقط!.
لا شك في أن مبارك شعر بالفخر الشديد والاعتزاز العتيد لبني ”بدْلَتِه العسكرية“ وهم ينفِّذون وعودهم المتفق عليها سرًّا معه، كما غمره فيض من السعادة وهو يشاهد كيف عصفوا في 3 يوليو 2013 بكل من لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالانتفاضة التي لم يتاح لها أن تكون ”ثورة حقيقية“، وكيف تفرقت السبل بأبطالها بين قتيل ومطارد ومعتقل ومجبر على الصمت، أو الهروب من البلاد. ولا بد انه أحسَّ بارتياح لا محدود وهو يعايش بعد خلعه، وعلى مدى قرابة 9 سنوات قبل موته، التحولات الدراماتيكية المتسارعة في مصر، منها نتائج أول انتخابات رئاسية ديمقراطية، ثم الإطاحة السريعة بالرئيس المنتخب محمد مرسي واعتقاله وموته المسبب في السجن. واستعادة بني بدلته لسيطرتهم مرة أخرى على كامل البلاد وبشكل أعنف ممَّا كان عليه في عصره، وكيف أن مستوى الاستبداد والقهر والفساد الذي خبره المصريون لسنوات طويلة إبَّان حكمه وحكم من سبقوه، أخف وطأة ممَّا يعانونه من بعده، وكيف أن الفريق الاستئصالي الذي لم يكن يأبه برأيه أثناء حكمه، سيطر في النهاية على المشهد بقيادة إبن السيس العقيد محمود، فأجج عنف الأجهزة الأمنية، لتصب أقصى درجات النقمة والانتقام على جماعة الإخوان وعلى الشعب بأسره بشكل مأساوي لم يشهده المصريون على مر تاريخهم. فقد انفتحت شهية الاستئصاليين لقمع أي معارضة حزبية أو فردية، فدانت ساحة المجتمع بأسره لتدابيرهم التعسفية.
الفيلسوف الإنجليزي الشهير توماس هوبز (1588 - 1679) يعتبر في كتابه ”اللفياثان“ أنَّ الدولة تتشكَّل نتيجة للخوف من طبيعة البشر، ويكون هدفها هو الأمن في وضعها المدني. فكل واحد في حال الطبيعة يمكن أن يقتل الآخر، مما يدخل المجتمع في "حرب الكل ضد الكل"، ومن ثم يبرز شر الإنسان وعدوانيته، وبحسب تعبير هوبز المشهور، يصبح "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". واللفياثان هو وحش أو تنين بحري ورد الحديث عنه في التوراة، في خمسة مواضع، وأشير إليه في الأصحاح الثالث من سفر أيوب، وتحكي قصته الأسطورية عن وحش قوي جدًا كان يحكم بقية الوحوش الأخرى، لكن ذات يوم قررت هذه الوحوش التمرد عليه والخروج من سيطرته، فتزعزع عرشه وكاد أن يسقط لولا أنه استجمع قواه وكان لهم بالمرصاد وأوقف عصيانهم. هكذا أخذ المجلس العسكري دور اللفياثان، وأصبح هو الذئب الأوحد الذي يمسك برقبة الدولة بدلا من الدولة، وأخذ على عاتقه مهمة المطرقة والسندان، ومن ثم دخل في صراع مع مؤسسة الأزهر الإسلاموية، لإخضاعه لسيطرتها والعمل تبعًا لتعليماته وبناءً على أوامره، كما دفع الأمور خطوة أبعد من ذلك، بأن أوجد كافة الشروط الضرورية للسيطرة التامة على المجتمع وكأنه في حرب ضده، حتى أن أحد النواب (الأستاذ ضياء الدين داوود) قال داخل قبة البرلمان في 2019.12.27: «الحكومة منعزلة عن الشعب وتعادي الناس»، الفيديو:
https://arabic.rt.com/rtonline/video/1071873-برلماني-مصري-الحكومة-منعزلة-عن-الشعب-وتعادي-الناس/?fbclid=IwAR22jLb-kEnu1IWZ7EybtBSR4D9tw1Tpuk0PFSSBgVpPe37XgN5s6mYifx0
إنهم يعتبرون أنفسهم الأسياد الحقيقيين للبلد، فبلغ عداؤهم للشعب أن اتخذوا من الهويات الأهلية المختلفة داخل المجتمع بنية تحتية لسياستهم، بحيث أصبت حاضرة في توزيع مراكز السلطة والنفوذ وبخاصة بينهم في الجيش والأمن، اعتمادًا على العصبية والطبقية العنصرية، فصار المواطن يسمع لغة رسمية ظاهرة تشير إلى الهوية الوطنية في مقابل لغة باطنية تشير إلى علاقات السلطة الحقيقية. فمثلًا مؤسسة الجيش نفسها والتي يفترض أنها أكثر ارتباطاً بالقواعد والأنظمة نجد أن مدى نفوذ الضباط فيها لا يعتمد على القواعد الشكلية والعلنية بل على قواعد خفية، حيث يمكن لرائد مثلاً أن يكون أكثر نفوذاً وقوة من جنرال. لقد أُفرِغت اللغة العلنية من مدلولاتها بفعل الجهل والعجز، وأفسَحت مكانها لمعنى باطني لا يُقال، ولكنه مفترض دوماً ومن دونه لا يستقيم واقع الحال. ومن ناحية أخرى استثمر العسكر طغيانهم في أسوأ ما في المواطنين، من استقطاب وانقسام وتوجس ومخاوف لا نهاية لها، مما أفضى إلى سحق المجال العام وتدمير الثقة وإزهاق التضامن والتسامح بين الناس وأحلال مكانها الخوف والتوتر واللامبالاة، فانحدر المجتمع أكثر من ذي قبل، وانقسم إلى فئات تترصد بعضها البعض، ممَّا أرغم الجميع على الكذب والنفاق والتنطع والبلطجة، فانهارت معايير المواطنة وأصبح حب الوطن أو الانتماء إليه سرابًا.
****
إن القسوة المتبعة ضد الشعب والتي صاحبت حكم العسكر منذ بدايته، دليل صارخ على الإحساس بالعجز والفشل والهروب من المسؤولية والرهاب والخوف والتوتر من العواقب الوخيمة، وعدم الأهلية لحكم البلاد وتسييس العباد، وقد اعتمدت من البداية على فرض حالة الطوارئ التي تخوّل لهم القيام بأعمال أو فرض سياسات لا يُسمح لهم القيامُ بها. وهي حالة يمكن للحكومات إعلانها أثناء الكوارث أو العصيان المدني أو الصراعات والنزاعات المسلّحة، وما أن تزول دواعيها، تعود الحياة مرة أخرى إلى طبيعتها والخضوع للقانون المدني والدستور، لذلك تتفاوت الأوقات والإجراءات المتعلقة بها وبشرعيتها من بلد إلى آخر. ولكن في مصر إستمر فرضها منذ أعلنها عبد الناصر بناء على القانون رقم 162 في عام 1958، لتمكينه من الاقيام بمغامرات سياسية عشوائية وعمليات عسكرية حمقاء، وظل يتجدد العمل بها بشكل روتيني من قبل مجلس الشعب منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، باستثناء فترة 18 شهر، انتهت باغتيال الرئيس أنور السادات في عام 1981. وتسبب الاستمرار في العمل بحالة الطوارئ في ازدياد نفوذ الجيش وسلطة الشرطة في المجتمع، وتعطيل الحقوق المدنية وفرض رقابة حادة ومباشرة على أي شيء وأي شخص وتقييد تام لأية نشاطات سياسية غير حكومية مثل المظاهرات أو الاحتجاجات في الشوارع والمنظمات السياسية غير المرخصة، والتبرعات المالية غير المسجلة مسبقا. وفي ظل الحكم العسكر الحالي تم استخدامها إلى جانب ذلك، كذريعة لكبت الحريات والحقوق المدنية التي يكفلها دستور البلد أو القانون الأساسي.
وإن كان السادات قد اتخذ من الإسلامويين سيفاً يضرب به خصومه في أول حكمه، وكان مبارك يتسلى بالتعامل معهم بالمغازلة أحيانًا واستعمال العنف أحيانًا أخرى، فإن المجلس العسكري الذي يتسم أعضاؤه بالخبث الشديد والنرجسية المفرطة والسادية الحادة نجح في استدراجهم أولًا حتى وضعوا رجلهم الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع في عهد محمد مرسي عام 2012، متخطيًا بذلك جميع الرتب الأعلى والأقدم منه في الجيش، فانقلب على الإسلامويين وفتح لهم أبواب جهنم على مصراعيها، إذا يتم القبض عليهم من مختلف الجماعات الإسلاموية أو حتى الأشخاص العاديين أو أقاربهم أو جيرانهم أو أصدقائهم، إلى جانب كل من يعارض النظام حتى ولو بالقول مهما كان مستواه في المجتمع، فيتم سجنه دون محاكمة أو بمحاكمات صورية أو يقتل أو يشرَّد في بلاد العالم إن كان له في ذلك سبيلا.
الجنرال السيسي شخصية لا تملك كاريزما البكباشي عبد الناصر ولا فصاحة السادات ولا مهارته في المراوغة ودغدغة مشاعر المواطنين، ولا يضاهي مبارك في اللامبالاة والتسلية. وكلما ارتجل في الكلام - وهو يهوى دائمًا الارتجال فيه -، يضع نفسه مباشرة في وجه السخرية. ولكن لأنه سياسي مبتدئ وقد قرأ بلا شك أفكار ميكيافيلي، وأتقن قاعدة الكذب الذهبية في السياسية وهي أن يتكلم على مستوى ويعمل على مستوى آخر. نجده دائمًا يقول شيئًا ويفعل عكسه تمامًا، مثلا قال:
- ”انزلوا اعترضوا على حكم مرسى“
( وعندما نزلوا قفل ميدان التحرير أمامهم )
- ”انا مليش اى اطماع فى السلطه“
( ثم رشح نفسه للرئاسه )
- ”احنا ملناش اى رغبه ولا ارادة فى حكم مصر“
( ثم بعد ذلك اعتقل كل الذين فكروا يالترشح أمامه )
 ”اعملولى تفويض لمحاربة الارهاب المحتمل“
( ثم أسرع إلى قتل المعتصمين فى رابعه )
 ”انحزت للشعب عشان مرسى كان هيبيع مصر“
( ثم قام هو ببيع تيران وصنافير لمملكة آل سعود )
 ”انا هخلى مصر اد الدنيا“
( ثم بنى 27 سجنًا جديدًا لكي يستوعب مئات الآلاف من المعارضين )
 ”الشعب لو قالى امشى همشى“
( وقام بتعديل الدستور ليمكنه من الحكم ما شاء القدر )
 ”انا هغنى الناس الاول“
( ثم ثم عمل على إفقارهم فألغى الدعم ورفع الاسعار وفرض ضرائب على كل شيء تقريبًا )
 ”هنجوع يعنى ما نجوع المهم نبقى كدا“
( واشترى اسطول طائرات رئاسيه وغواصات وبوارج بحرية )
 ”انتوا متعرفوش ان احنا فقرا اوى“
( وكان يبني قصورًا عديدة وقال بتحدي: آه بابني وحبني، هيه ليَّ دي لمصر)
 ”احنا بنحارب الارهاب“
( وقام بتهجير اهالى رفح والشيخ زويد والعريش من أرضهم )
 ”انا هعمل مليون وحده سكنيه لمحدودى الدخل“
( كانت الشقة لا تقل عن مليون جنيه )
 ”انا هستصلح اربعه مليون فدان“
( ثم وقع على اتفاقية سد النهضه الذي سيمنع المياه عن مصر )
 ”انا هحفر تفريعه تجيب ميت مليار دولار“
( ثم قال إن التفريعة كانت فقط لرفح معنويات الشعب )
 ”انا هرجع السياحه تانى“
( ثم قام بقتل الشاب الإيطالي ريجينى والفوج المكسيكى)
 ”انتوا متعرفوش انكم نور عنينا و الا ايه“
( وطلب من نور عيونه أن يتبرعوا لمصر و لو بجنيه )
 ”كان نفسى يكون فيه اكتر من منافس فى الانتخابات“
(ثم سجن كل الذين فكروا بالترشح أمامه).

ومن اقواله المأثورة:
الشعب المصري لم يجد من يحنوا عليه
مصر دولة فقيرة لا ينفع فيها التعليم
مفيش حاجة ببلاش
اللي ميقدرش يشتري الحاجات ميشتريهاش
لن نرفع الدعم الا بعد استقرار حال المصريين
سينتهي الإرهاب في سيناء بعد ثلاث اشهر
انتوا ماتعرفوش إنكم نور عينيا ولا إيه(
لو اعرف اتْباع. كنت بِعْت نفسي
محدش يسمع كلام حد غيري!
وغير هذا الكثير
من الواضح أن الجنرال السيسي لا يثق إلَّا في القليلين جدًّا ممن حوله، ويستعمل التماسك الهيكلي الهش والولاء الأيديولوجي المدفوع الأجر لدي زملائه من العاملين في الجيش أو المتقاعدين منه، بغرسهم في جميع المؤسسات الحكومية والمدنية بهدف المراقبة والتوجيه والتلصُّص والتجسس، فأمنه شخصيًا وأمن عائلته وبقاؤه على قمة السلطة فوق كل الاعتبارات، لذلك لا يترك واردة أو شاردة دون استغلالها لتقوية الأسوار من حوله، هكذا استغل في الآونة الأخيرة، تفشي وباء كرونة واتخذ منه مبرِّرا لتعديل قانون الطوارئ؛ وذلك بإضافة مواد جديدة من شأنها ضم عسكريين - بشكل دائم - لتشكيل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، الاستثنائية في الأساس، والتوسع في التحقيق ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وزرعهم في المحافظات ومجالس المدن، وفي الشركات العامة والخاصة، مع تواطؤ البرلمان وتغاضى وصمت مجلس القضاء الأعلى والهيئات القضائية على هذه التعديلات التي تعصف باستقلالها في ظل استبداد لم تشهده البلاد من قبل، حيث شهد وضع حقوق الإنسان تدهوراً كارثياً، وغير مسبوق، عبر تمرير القوانين القمعية، وتقويض استقلالية القضاء، وفرض قيود خانقة على وسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، والأحزاب. وفي ظل حالة الطوارئ حاليًا يتم اختفاء المواطنين قسرًا، واحتجازهم في السجون لأي فترة من الوقت وبدون سبب حقيقي، وتقديم تهم معلبة ومعروفة سلفًا. والعجيب والغريب أنه عندما تنقضي فترة احتجاز المسجون المنصوص عليها في القانون وهي سنتان، لا تفرج وزارة الداخلية عند وتقدم له تهمًا جديدة بهدف استمرار احتجازه ومنعه من التمتع بحريته!!
لقد برز الوجه الحقيقي لاستعمار العسكر للبلاد، وهو الأقبح على الإطلاق، إذ يقوم على إستغلال للمواطن العادي والتحكم في مؤسسات وثروات الدولة وتحويلها إلى مزرعة خاصة تخدم مصالحهم. تحول الجيش تدريجيًّا ومنذ عهد عبد الناصر إلى مؤسسة أمنية وتجارية. وبدأت طبقة العسكر والأثرياء الجدد في مصر يعزلون أنفسهم عن الشعب ببناء التجمعات السكنية الخاصة، المزودة بجميع الخدمات من أسواق وأندية ومدارس خاصة وكهرباء وماء وحراسة أمنية متخصصة وغيرها، بعيدًا عن الحياة القاسية التي يعيشها معظم المصريين، في غياب الخدمات الأساسية وفرص العمل، ومع ارتفاع مستمر في الكثافة السكانية وتكاليف الحياة وشحّ الموارد.
جاء في تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، بعنوان: ”قوانين الإرهاب في مصر وتغلغل القمع.. دراسة قانونية وحقوقية“: « إنه منذ صدور قانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 بقرار من رئيس الجمهورية وفي غيبة برلمان منتخب وبما تضمنه من توسع شديد وغير مبرر في التجريم واستخدامه لمصطلحات تتصف بالعمومية وتخضع في التفسير لهوى القائمين على تنفيذ القانون، شاع مناخ من الخوف وصار الجميع مهدداً بوصمه بالإرهاب وبات آلاف المواطنين والمعارضين السياسيين والصحافيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجال العام ملاحقين قضائياً وقابعين خلف أسوار السجون لمجرد إبداء آرائهم أو التعبير عن رفضهم للسياسات الحكومية أو كتابة مقال أو مجرد تنظيم وقفة احتجاجية».
واستطردت الشبكة قائلة: «إن عشرات النصوص القانونية التي يزخر بها قانون العقوبات المصري وقوانين تزعم مواجهة الإرهاب مليئة بمواد تجرم الآراء والنقد، بل والنوايا، وتحاصر أغلب الممارسات السلمية». وكشفت الشبكة عن إشكالية عميقة في آلية صنع القرار المصري، بامتلاك قدر كبير من التفاصيل في الأزمات التي تحيط بالبلاد، غير أنها تفتقد إلى رؤية دقيقة تتعامل وفقًا لها.
لقد استباحوا البلاد وأهلها وحكموهم بالخوف!، فتبلورت على مر العقود أساليب العنف والسيطرة التي بدأها البكباشي عبد الناصر وتركزت حاليًا وبشكل قوي في شخص الجنرال السيسي، الذي يبدو شغفه الحاد في إغلاق أفق البلاد السياسي بشكل كامل، وتجفيف منابع المعارضة، ووضع كل من ينطق بكلمة واحدة في السجن، بل إنه قالها صراحة في خطاب ألقاه في 20 يناير 2018: « لن أترك مصر لأحد. ومن سيفكر في الاقتراب من الكرسي فسأمحوه من على وجه الأرض». كذلك تسيطر عليه وعلى نظامه فكرة الاستحواذ على جميع بيانات المصريين الشخصية والعائلية والحركية، وحتى ما يتعلق بالتعبير والرأي، فأعلن في وقت سابق عن ”العمل على مشروع قومي لحفظ البيانات“، وهو مشروع وصفه بأنه ”عقل الدولة المصرية“، وسيتم إنشاؤه على عمق 14 متراً تحت سطح الأرض، في موقع مؤمن بأعلى وسائل ودرجات التأمين. ثم صدّق على القانون رقم 151 لسنة 2020، يحمل عنوانًا خادعًا، هو ”حماية البيانات الشخصية“، والذي لا يهدف إلى حمايتها، بل إلى تسهيل حصول الجهات الأمنية علي ما ترغب في الحصول عليها منها، وإزالة قيود السرية عنها، ومعالجتها، والتعامل معها مباشرة من دون قيود قانونية أو رقابة قضائية، وفق ما تقدره هذه الجهات من اعتبارات شخصية. واستثنى القانون ضمن استثناءاته، البيانات الشخصية لجهات الأمن القومي، وهي الجهات التي حددها القانون بأنها: ”رئاسة الجمهورية ووزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية“.
كذلك وبحجة حماية الأمن القومي المزعوم، تحاول الأجهزة الامنية والاستخباراتية تكميم أفواه المعارضين والمنتقدين للنظام في الخارج. فقد أوضحت وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم أثناء زيارتها لكندا في يوليو 2019، مهمتها الأساسية، وهي كيفية تعامل حكومتها مع المعارضين للنظام، قائلة: «أي واحد يقول أمرًا سيئا حول بلادنا، ماذا سيحدث له؟»، ثم أشارت إلى رقبتها قائلة:« نقطعها». وكانت هذه رسالة واضحة لأولئك الذين يخرجون عن القطيع، ليواجهوا نفس مصير الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتله ابن سلمان بعد دخوله قنصلية بلاده في أسطنبول نهاية عام 2018. وفي ديسمبر 2019 كشفت السلطات الألمانية عن جاسوس مصري يعمل في مكتب المستشارة الألمانية السيدة انجلا ميركل، وكانت مهمته تتركز في التلصص على المصريين وجمع بيانات عن النشطاء المعارضين منهم وعن أعضاء جماعة الإخوان المتأسلمين في ألمانيا بالإضافة لطالبي اللجوء السياسي، وهو أمر كان متبعًا منذ عهد البكباشي عبد الناصر!
مازال الجنرال عبد الفتاح السيس يمسك بقبضة فولاذية على مقدرات البلاد، ومازالت قبضته تزداد قسوة كل يوم، ومازال في جعبة الغيب الكثير والكثير جدا عمَّا سيسفر عنه أسلوبه في الحكم، والذي لا يمكن التكهن به في المستقبل القريب أو البعيد، لأن الديكتاتوريين بطبعهم يسعون بإصرار إلى أن تكون ساحة عملهم مفتوحة لهم وحدهم لاستيعاب كل الاحتمالات والمفاجآت!



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعب بين المطمرقة والسندان 5/4
- شعب بين المطرقة والسندان 5/3
- شعب بين المطرقة والسندان 5/2
- شعب بين المطرقة والسندان 5/1
- الديكتاتور الحقير!
- ومازال العمل جاريًا تحت تعريشة بني ساعدة!
- إشتراكية عبد الناصر وما آلت إليه
- لماذا خرج المصريون من التصنيف العالمي للإنسانية؟
- توجيهات سيادة الرئيس
- إلحاد الأمس وإلحاد اليوم
- نتيجة التخبُّط بين ثقافتين
- الإنسان بين الوهم والواقع
- ما سر عداء العروبان والمتأسلمين لعلم المنطق؟
- هل السفاهة من خصال العربان؟
- رد على تعليق الأستاذ منير كريم
- إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!
- القول المعقول في أخلاق الرسول
- خلاصة البيان في تأويل القرآن
- تجديد التراث الذي يريده المشايخ
- ما سبب إضطراب الشخصية المصرية؟!


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - شعب بين المطرقة والسندان 5/5