أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الإنسان بين الوهم والواقع















المزيد.....

الإنسان بين الوهم والواقع


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 6527 - 2020 / 4 / 1 - 21:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في البداية سمعنا المؤمنين بالأديان المسماة بالسماوية (خاصة الإسلاموية) يقولون إن الله خلق فيروس كورونا كعقاب للكفار واختبار للمؤمنين. ومع أن الفيروس خرج رسميا عن السيطرة الآلهية والبشرية جميعها، واضطرت دور العبادة باختلاف أتباعها وروادها في العديد من الدول إلى قفل أبوابها أمام المؤمنين، وتعطيل فرض
الحج ومنع العمرة، وصار الدجالون من رجال الدين يدعونهم للصلاة في بيوتهم ... رأينا العالم الإعجازي الشهير د. زغلول النجار ”رئيس لجنة الإعجاز العلمي في القرآن بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر“، على قناة الجزيرة المسائية في 29.3.2020، وقد توصل في اكتشافاته ”العلمية“ إلى أن فيروس كرونا هو عقاب رباني للكافرين الظالمين وابتلاء للمتأسلمين المؤمنين، ولكن للأسف مازال هذا العالم الكبير لم يتذكر حتى الآن إسم الشركة السويسرية التي اخترعت دواء بول البعير الذي سينقذ العالم من الوباء.
وكلما ازداد الوباء انتشارا في أرجاء المعمورة، كلما تكاثفت نداءات وحماقات وفتاوى رجال الدين الظلاميين المعتوهين، لتضليل القطيع وتركيز الجهل والخرافة، فنراهم يزعمون بأن مكة والمدينة محروستان من أي وباء بناء على هذيان أبي هريرة وأمثاله، ويتجاهلون إغلاق الأماكن المقدسة في المدينتين منذ أسابيع لحماية الناس من انتشار الوباء بينهم، وهكذا، راحوا يسبحون بأوهامهم في بحار لا محدودة من التبريرات الساذجة ويحاولون ترقيع الشرخ المتسع بين الدين والواقع، وإذا كانت المدينتان محروستين كما يزعم نبيهم فلماذا يتم إغلاق الأماكن المقدسة فيهم؟ وهو ليس الأول من فالتاريخ الإسلاموي قد سجَّل تعطيل موسم الحج 40 مرة، "بسبب أحداث وكوارث لازمت مواسمه (..) منها: انتشار الأمراض والأوبئة، والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، إلى جانب فساد الطرق من قبل اللصوص والقُطاع"، بحسب الموقع الرسمي لدارة الملك عبد العزيز السعودية.
تنسب لابن سينا مقولة: « الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء …».
واقع البشر يثبت اليوم وكل يوم أن الأديان اخطر الاوبئة واشدها فتكا بعقولهم واعظمها خطرا على وجودهم، وذلك لأنها كلها أوهام، والأوهام من الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان، نتيجة لعدم الاطمئنان، إنها شكل من أشكال التشوه الحسي، وخطأ في الإدراك أو العجز عن الحكم على الأمور بموضوعية، فالاوهام توفر راحة وجودية للإنسان، لكنها يمكن ايضا ان تؤدي به الى عدم الرغبة لرؤية الاشياء كما هي وبدون تخيلات واوهام.
الأديان هي الوهم بما يقع في الذهن من خواطر، وتصور ما لا وجود له، والحديث عنه في حلقات مفرغة، بهدف العمل على تضخيم الواقع والإبتعاد عن الحقيقة؛ حيث يسود الإدمان على التخيلات والهلوسات. إنها هي أهم المسببات التي تزرع الوهم، وتخلق التفكير السلبي والقلق النفسي وتدخل المرء في شيخوخة مبكرة، فالمتدين موهوم لتخيله وجود واقع آخر لا وجود له إلا في مخيلته، ولكن هذا الواقع الوهمي يشعره بأنه هو الأفضل ويحقق له الراحة النفسية ويعوض إحساسه بالنقص أو العجز.
يؤثر الوهم الديني على مشاعر الإنسان أكثر من الواقع بحد ذاته، فتنتصر المشاعر على الواقع، وتسود الخرافة على الحقيقة، مما يؤدي إلى سوء تفسيرها، لإعتمادها على إحساسه الداخلي الذي يساعده في تكذيبها، إذ يصبح تفكيره خارج حدود الممكن، والإقتناع بأن الوهم قد تحقق في الواقع المرفوض.
وعندما يكبر الوهم الديني لدي الإنسان ويسيطر على مشاعره ينزع عنه التفاؤل، فيتملكه التشاؤم وعبث الوجود، ليجعله عاجزًا عن التأمل بجماليات الحياة وروحها، ويبعده عن العلم والعمل السديد. تسيطر عليه الإحباطات التي يترجمها إلى عنف معنوي أو مادي.
لاحظ الفيلسوف والاقتصادي الألماني كارل ماركس (1818 - 1883م) في عصره كيف كان القساوسة يستخدمون الدين في سبيل أهدافهم، وغاياتهم وجعل الدين وسيلة لتخويف الناس، وسرقتهم وجمع أموالهم، ناهيك عن الفضائح الجنسية وحالات الاغتصاب وتفشي الفساد في الكنائس باسم الرب، حينها قال في كتابه ”نحو نقد فلسفة الحق الهيجلية 1844“: « إن التعاسة الدينية هي، في شطر منها، تعبير عن التعاسة الواقعية، وهي من جهة أخرى احتجاج على التعاسة الواقعية، الدين هو تنهيدة المضطهد، هو قلب عالمٍ لا قلب له، مثلما هو روح وضع (شروط) بلا روح، إنه أفيون الشعب»، وهذا القول بالتأكيد لا يخدم مصالح صُنَّاع الوهم من أصحاب الديانات السماوية، فيرفضونه.
أستاذ عالم اللاهوت اللبناني كوستي بندلي (1926 - 2013) حاول تبرير موقف ماركس من الدين، فقال في مقال له بعنوان: ”إله ماركس وإله المسيحيين“: « هذا الدين الذي اعتبره ماركس مخدراً للمظلومين يمارسه أيضاً السادة الظالمون. ولكن معناه يتحول بين أيديهم إذ يصبح عندهم وسيلة للحيلولة دون ثورة العبيد، لإبقائه في حالة الرضوخ لواقعه. وهكذا فالدين الذي اخترعه المظلوم ليخرج من شقائه يصبح بين يدي الظالم وسيلة لاستعباده ».
https://www.difa3iat.com/38386.html
لقد أعِد ذهن الانسان بشكل يجعله في سعي مستمر لفهم الواقع والتوصل إلى الحقيقة، كما أن غريزته من ناحيتها تبحث بطبيعتها في الأسئلة الوجودية الكبرى، مثل وجود اللَّهِ ونشأة الكون ومصير الإنسان بعد الموت … إلخ، ولكنه عمليا لا يستطيع سوى ايجاد المفاهيم والنظريات المختلفة التي لها محدوديتها، ولا يمكنها ان تتوصل إلى الحقيقة النهائية بسبب عدم الاحاطة التامة بجميع عناصرها أو ملابساتها، لذلك من الضروري عند تطبيق النظريات أو المفاهيم المختلفة رسم وتوضيح حدودها، طالما لايمكن معرفتها جيدا، حتى لا تتحول الى دوغمائيات، ولا يتبقى منها سوي ما يقود الى الالتباس وتضليل الفهم. وهكذا، فان الانفصال الجزئي أو الكلي عن الواقع يكون حتميا ومن ثم يقع كثير من الناس في فخ الوهم، فيصعب عليهم رؤية الاشياء كما هي وبدون أوهام. وهذا بالضبط ما يحدث مع الأديان سواء كانت سماوية أو أرضية.
إن أتعس الناس في حياته هو ذلك الذي تحشره ديانته أو ثقافته بين الوهم والحقيقة، بحيث يسرح دائمًا بذهنه في عالمه الذاتي المليء بالأفكار والمفاهيم الخاطئة أو اللامحددة المعالم، فهو يوجد فيزيقيا (بجسده) في عالم الواقع الذي لا يمكن فهمه جزئيًا أو كليًا، وأن هذا الواقع يصبح أكثر تعقيدا وعصيًا على الفهم عند استعمال العقل والمنطق لإرشاد ذهنه نحو الحقيقة، فيصر على رفضها واللجوء المريح إلى الخرافة.
إن طغيان الثقافة الدينية يجعل المؤمن عاجزًا عن التمييز بين الواقع الحقيقي المحكوم فيزيقيًا وبين الواقع المتشكل في ذهنه ميتافيزيقيًا (خرافيًا)، فانعدام الأدوات المناسبة للبحث العلمي الصحيح انتهى بأجدادنا الأوائل إلى نتائج مغلوطة هي في الأصل من نتاج مخيلتهم، وذلك لأنهم لم يستطيعوا تفسير الأحداث التي رأوها مدهشةً أو محيِّرة، لجأوا لإختراع قوى طبيعية فوقية “ميتافيزيقية” اسموها (آلهة) ووضعوها في أساطير دينية كمصدر بديل للمعرفة العلمية الصحيحة، ومازل لكثيرون من أحفادهم يضعون في الفجوات العلمية كل ما لم يستطيعوا تفسيره، فمثلاً كان الإنسان القديم لثقافته البدائية ينسب غروب الشمس للغول الذي يبتلعها وقت غروبها، ويلفظها مرةً أخرى وقت شروقها، ونتيجة للتلقين الآيديولوجي الديني استمر هذا الإعتقاد وغيره الكثير، حتى أصبح لعنة دوغمائية تعانى منها المجتمعات البدائية إلى أن جاء معول العلم الذي يهدم دائماً التصورات الميتافيزيقية للأديان حول الطبيعة وعملها، بحسب عالم الفيزياء الأمريكي Victor J. Stenger ((2014-1935 في كتابه:
God: The Failed Hypothesis. How Science Shows That God Does Not Exist. 1. Auflage. Amherst, New York 2007.
الإنسان ضحية سهلة للسقوط بين الواقع الميتافيزيقي في ذهنه والواقع الحقيقي من حوله. وجميعها تتغير مع تطور الثقافات وتلاقحها وتتطور الكون بالمثل، فليس في الكون وجود اي شيء بشكل دائم. لذلك، ربما لا وجود للحقيقة النهائية. فضلا عن عدن إمكانية الوصول اليها، لانه من غير المؤكد مقدار الحقيقة التي هي غير معروفة او لايمكن فهمها كليا بواسطة العقل الانساني. في هذا المجال يلعب صناع الوهم دورهم ويمارسون نشاطهم في تشويه او تحريف الواقع، وارشاد أذهان الناس نحو الاوهام التي يمكن تكييفها لحاجاتهم ورغباتهم، فيتم فلا يعرف المرء أين ينتهي الواقع واين تبدأ الأوهام ويصبح الانتقال بينهما غير واضح وملتبس، فهل وباء كرونا وغيره من الأوبئة والكوارث والحروب والهزائم التي تحل بالبشر ابتلاء من الآلهة أم نتيجة طبيعية لسلوكياتهم الشاذة في الحياة وتعاملهم القاسي مع الطبيعة من حولهم؟
إن صُنَّاع الوهم ومروجيه يفرضون قيودًا على حواس الانسان بحيث لا تسمح له بتصور ولو جزء صغيرة من الواقع، أو إدراك الحد الادنى من الحقيقة.



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما سر عداء العروبان والمتأسلمين لعلم المنطق؟
- هل السفاهة من خصال العربان؟
- رد على تعليق الأستاذ منير كريم
- إعتذار المشايخ عن فتاويهم المدمِّرة!
- القول المعقول في أخلاق الرسول
- خلاصة البيان في تأويل القرآن
- تجديد التراث الذي يريده المشايخ
- ما سبب إضطراب الشخصية المصرية؟!
- الشجرة المحتارة بين الغباء والحضارة!
- لماذا أصبحت مصر مرتعًا للاغتصاب الجنسي؟
- ومازالت الصعلكة مستمرة! 2/2
- ومازالت الصعلكة مستمرة! 1/2
- الإسلاموية في حالة غضب!
- العلمانية حتمية تاريخية وضرورة اجتماعية
- لماذا لا تزول الغُمَّة عن هذه الأُمَّة؟
- إنكار الحقائق والقفز عليها
- لماذا أهاجم العربان بلغتهم!؟
- نظرية المؤامرة عندهم وعندنا
- كيف تحولت مصر إلى دولة الرعب؟ 2/2
- كيف تحولت مصر إلى دولة الرعب؟ 1/2


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - الإنسان بين الوهم والواقع