أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم المرزوقي - اليسار وعبير موسي وبورقيبه















المزيد.....

اليسار وعبير موسي وبورقيبه


سالم المرزوقي

الحوار المتمدن-العدد: 6840 - 2021 / 3 / 14 - 17:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ سبعينات القرن الماضي رفعت القوى التقدميه التونسيه وخاصة اليساريه في الجامعه شعار "سحقا سحقا للرجعيه دساتره واخوانجيه" وكان شعارا سليما آنذاك رغم أن عبارة السحق تفوح منها رائحة الفاشيه ومعادات الديمقراطيه،لكن لابأس فالحماسة الشبابيه تبرر هذا،نقول سليما لأن الدساتره في الحكم آنذاك وقد استعملوا أسلوب القمع والتنكيل بالمعارضات وكان إلحاق الاخوان مع الدساتره فيه بعد نظر وقراءه تقدميه لأن الاخوان أكثر رجعية وأكثر خطورة إن تمكنوا من الحكم وهو ما تشهده تونس اليوم.

الخطوه الى الوراء:

في سنة 2005 ارتكب بعض اليسار خطئا استراتيجيا قاتلا بالدخول في اتفاق 18 أكتوبر المشؤوم مع الاخوان بعضهم ربما لا يدركون أنهم نسفوا شعار ربع قرن من النضال اليساري من أساسه أي التخلي عن مقاومة الثنائيه الدستواخوانيه وذلك بتبرئة الاخوان من رجعيتهم ورفعهم لصف المعارضه الديمقراطيه باعتبارهم طرفا مظلوما مضطهدا،وظنا منهم أن هذا تكتيك فعال لمحاصرة النظام وإسقاطه ونسوا أو تناسوا (لا ندري) أنهم تخلوا بذلك عن استراتيجيتهم وروحهم التقدميه التي من أجلها عارضوا نظام الدساتره وأسسوا بسببها أحزابهم ومنظماتهم وبها أثثوا ثقافتهم ووعي منظوريهم، هذا التحول الانقلابي انعكس في ممارستهم على الأرض لتتبوأ الحريات السياسيه وحقوق الانسان والديمقراطيه بمنظورها الليبرالي الغربي المكانة الرئيسيه لديهم بعد أن كان الصراع الطبقي ودكتاتورية البروليتاريا والثورة الحمراء هي عناوينهم الرئيسه ،والأقرب للظن أن هذا اليسار غير واع بهكذا انقلاب في ثقافته وممارسته،ففي داخله التنظيمي لازال يعبأ منظوريه بالفكر الماركسي اللينيني ذو الطابع الاستفرادي بالدوله والمجتمع وطليعية حزب الطبقه العامله(دكتاتورية البروليتاريا) وفي خارجه يسابق القوى الليبراليه في الديمقراطيه وحقوق الانسان ودولة القانون والمؤسسات،لكل ماسبق من تناقضات في بنية هذا اليسار فكريا وتنظيميا شهدنا هذا التشظي وهذه الفوضى والتنطع في ممارساته اليوميه لدرجة أن بعضه لازال يدعي التقدميه ونصرة الحداثه والتحرر ويقف في الآن نفسه في صف الاخوان الرجعيين الحكام باسم الحفاظ على التحول "الديمقراطي" الذي حدث بعد 14 جانفي 2011 .
هكذا تناقضات صارخه بين النظريه والممارسه،دفعهم للإحتماء من جديد بثنائية "سحق" الاخوان والدساتره التي تخلى عنها بمحض إرادته في اتفاق 18 أكتوبر 2005، الغريب أن هذا التراجع حدث دون وعي ولا أدنى مراجعه أو مراعات للموضوعي الذي فرض واقعا جديدا تمثل في سقوط حزب التجمع الدستوري وتحوله للمعارضه وصعود الاخوان مكانهم للحكم،هذا الارتجال والقفز من النقيض الى النقيض سهل على منظومة الحكم الاخوانيه تحييد قوى اليسار وتهميش معارضتهم،بل حتى تطويع بعض فصائله لخدمتها وخدمة أهدافها كمعارضة للمعارضه مثلا وتمييع الانتقال الديمقراطي وتزييفه.
هذا ما يعيشه اليسار التونسي اليوم من تخبط وعشوائيه وتشظي وانحسار لشعبيته والذي سببه ضياعه لاستراتيجيته التي كان هدفها التقدم بالوطن والشعب والحيلولة دون العودة للوراء عن مكاسب الحداثه وقيم الجمهوريه والاصلاحات التي راكمها المجتمع التونسي منذ دستور 1864 والتي يعمل الاسلام السياسي بقيادة الاخوان لنسفها وتأسيس الخلافة الرجعيه على أنقاضها.
هذا الضياع في الاستراتيجيه تسبب في كوارث في بنية التنظيمات اليساريه بافراز قيادات غير محترفه،بعضها شبه أمي بالعلوم السياسيه وبالتجارب النضاليه اليساريه و الأمميه وتاريخ تونس الحديث وتسبب كذلك في كوارث سياسيه وتكتيكيه،أفشلت نضالية القواعد اليساريه وأحبطت عزائمهم وحيدت نضاليتهم في أغلب المحطات الكبرى طيلة العشريه الفارطه مثل الهبة الشعبيه إبان جنازة الشهيد شكري بالعيد التي لم تستثمر وأفرغت في الصراخ والمنايدبر الاعلاميه،ولم تكتفي الأحزاب اليساريه وقياداتها بالنتائج الصفريه في الانتخابات بل وقفت اليوم في المفترق بين القوى المتصارعه في الساحه أي بإحياء شعار ثنائية الصدام مع الاخوان الحكام والدساتره المعارضين وهو أمر لا يستقيم في عالم الصراعات لأن السياسه فعل لا يقبل إلا بتناقض رئيس واحد بين طرفيه ولا ينون لثلاث بالإضافة أنه شعار ميت منتهي الصلوحيه،لأن الاخوان اليوم في الحكم والدساتره في المعارضه.

اليسار بين الاحياء والانقراض:

من الناحيه النظريه يصح القول أن اليسار لا يمكن أن ينقرض لطبيعة الانسان العاقل المختلف،فدائما ثمة فكر يعارض القديم لفسح المجال لولادة الجديد وهو روح الجدل الماركسي،هذا القانون الذي ينطبق على كل الظواهر،هو نفسه ينطبق على اليسار ذاته ويحتم انقراض فصائل وزعماء وفكر قديم ليفسح المجال ليسار جديد وزعامات جديده وفكر جديد،ونعتقد أن هذا ماتشهده المخاضات الحاليه في تونس.

ظاهرة عبير موسي:

عبير موسي امرأة ذكيه تمتلك حصافة قل نظيرها وتستند لحزب حكم تونس لأكثر من ستين سنة أي لتجربه طويله وهذا مكنها من التربع على عرش معارضة المنظومه الاخوانيه وافتكت مواقع اليسار، كل هذا صحيح ولا ينكره إلا السذج المغفلون أو الحاقدون مكابرة، لكن هذا لايكفي لقراءة شخصية عبير موسي وحزبها ومستقبلها السياسي خاصة إذا حكمت تونس في قادم المحطات.
عبير موسي اكتسحت الساحه ليس لآنها دستوريه وريثة حزب عمره مائة سنه كما تدعي هي،بل لأنها تتبنى الآن(مع وضع سطرين للتأكيد على عبارة الآن) فكر وسياسة بورقيبه إبان العشريه الأولى للاستقلال أي عندما تموقع بورقيبه يسارا وتبنى الاشتراكيه على طريقته فتحالف مع الاتحاد العام التونسي للشغل ممثلا للطبقه العامله وأمم الأراضي الزراعيه وأسس صناعات وطنيه وفرض مجلة الأحوال الشخصيه ومجانية التعليم وتعميمه،أي أنها خطوات وطنيه بامتياز،هذه هي عبير موسي التي نراها اليوم أي ابنة عشريه واحده من حقبة بورقيبه وليست ابنة كل الإرث الدستوري كما تدعي.
أكيد سيحاجج البعض بفترة مقاومة الاستعمار وقيادة بورقيبه لها وهذا فيه وجهات نظر وقراءات مختلفه ليس مجالها هنا وهي دور المؤرخين.
كما أسلفنا عبير موسي تموقعت يسارا واكتسحت الساحه وتحولت لرقم صعب في الصراع وبإمكانها اسقاط منظومة الاخوان، لكن هل ستذهب بعيدا في علمانية الدوله وتعصير المجتمع والقضاء الاسلام السياسي وتعميق الاستقلال الوطني؟
الجواب عن هذه الأسئله يعيدنا مرة أخرى لعشرية بورقيبه الوطنيه وانقلابه عليها وعلى الديمقراطيه داخل الحزب الدستوري وفك الارتباط مع الاتحاد العام التونسي للشغل وإطلاق يد الليبراليه والفتك بالمعارضات اليساريه،لذلك علينا أن نكون حذرين في الاجابة.
موضوعيا تونس ليست معزولة عن مؤثرات الخارج ونقصد الغرب الذي لا فكاك من التعامل معه لعوامل جيوسياسيه،هذا الغرب الرأسمالي وخاصة الأوروبي تضرر كثيرا من مشروع الفوضى التدميري ولأنه براغماتي وليس كله شر رغم تاريخه الاستعماري فربما يسمح لنا بمساحات وطنيه في حدود المصالح المشتركه لابقاء تونس في فلكه، لكن العقبه الرئيسيه بيننا وبين الغرب و أوروبا هي وجود الكيان الصهيوني المزروع في منطقتنا والذي كان وراء مشروع الفوضى المدمره ولن يسمح بالاستقرار والسلام والنمو في محيطه،وهذا ما يزيد الحذر أكثر من السلطه التي ستخلف الاخوان.
‏نكتفي بهذا في هذا الشأن فليس مجال التوسع فيه هنا.

ثورة التنوير:
عشريه دمار تونس التي خلفها حكم الاسلام السياسي كشفت للنخب المثقفه الثغره التي نفذ منها الاخوان للسيطره على الدوله والمجتمع،هذه العشريه كشفت أن حقبة تسطيح التعليم وتصحير الحياة الثقافه وضعف الأحزاب في عهد بن علي كانت السبب في سهولة خداع الشعب وتمرير مشروع الفوضى "الخلاقه" باسم الثوره،ما أتاح للاخوان امكانية الانقلاب على المكاسب المدنيه والتراجع لما قبل الجمهوريه،يضاف لهذا إطلاق العنان للصوصيه والفساد والسمسره والعماله للخارج.
من هنا جاءت ضرورة التنوير للشعب الذي خدع لأن العامل الاقتصادي والفقر والبؤس لا يكفي وحده لإنقاذ البلاد والتغييروالخروج من الأزمه وهذا تنظير ماركسي ميزها عن الطوباويه والاشتراكيه الاقتصادويه لمن لا يدري،وهو ما التقطته عبير موسي وحزبها قبل قوى اليسار وهو في الحقيقة سر نجاحها وتمددها الجماهيري.
ثورة التنوير يجب أن تشمل كل الأحزاب والمنظمات الوطنيه بيمينها ويسارها وهي الضمانه الرئيسيه لفرز المشهد بين الوطني واللاوطني وبين الاصلاح والتدمير وهي وحدها الكفيله بدفع من سيحكم بعد الاخوان للسير بعيدا في بناء الديمقراطيه ومدنية الدوله واصلاح المؤسسات الدستوريه والقانونيه،أما إذا لم تنتبه النخب الوطنيه لعملية التنوير والتثقيف وظلت تحشد فقط للسياسي فلن نضمن تراجعا وانقلابا كما فعل بورقيبه بالعشريه الوطنيه في سبعينيات القرن الماضي.

الخلاصه:
تونس تقترب من الخلاص من منظومة الاسلام السياسي رغم الثمن الباهظ الذي دفعه وسيدفعه هذا الشعب ولا ندري الحصان الأسود الذي سيكون السباق لمسك زمام الأمر أي السلطه،ربما تكون عبير موسى وحزبها الدستوري(لا ندري) في كل الأحوال تظل الإطاحة بمنظومة الاخوان خطوة إيجابيه حينيا لكنها تظل محفوفة بمخاطر التراجع إذا لم تحظى بإجماع وطني يدفع نحو اصلاح جذري ويتهأ ليكون حزام تصدي للانحرافات أي معارضه وطنيه لا تكتفي بالسياسي بل تكون قادره على دفع السلطه المستقبليه للسير بعيدا ثقافة وتعليما ووطنيه وحرية ومنعها من التراجع .



#سالم_المرزوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنحى الفاشي في ثقافة اليسار التونسي
- حالة استرخاء زمن الكورونا
- رساله الى رموز اليسار المفلسه
- مقاومة التطبيع معركة تحرير فلسطين
- الراقصه والطبال في حضرة برلمان تونس
- اليسار قبل كورونا وبعدها
- تونس: ثوره أم مؤامره أم شيئ آخر
- المرأه والتقدم اذا أردنا
- هل قتل محمد مرسي ؟
- ملاحظات حول أزمة اليسار التونسي
- هل تخرج معركة طرابلس عن السيطره ؟
- وقعة الاخوان وقعة البرامكه
- رساله مفتوحه:ما هكذا تساس الدوله المدنيه يا سيادة الرئيس
- هل تونس على أبواب الحرب الأهليه ....؟
- قراءه في التحالف النداخواني الحاكم في تونس
- نبيل فياض المثقف المشتبك
- أمريكا رأس امبراطورية الرأسماليه لن تنهار،ربما تنهض
- تونس الفسفاط الغنيمه
- أضلاع التجاره البينيه وصماصرة السياسه والدين
- يعيش المثقف على مقهى ريش


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم المرزوقي - اليسار وعبير موسي وبورقيبه