أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم المرزوقي - اليسار قبل كورونا وبعدها















المزيد.....


اليسار قبل كورونا وبعدها


سالم المرزوقي

الحوار المتمدن-العدد: 6547 - 2020 / 4 / 26 - 23:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الماركسيه:

أعتقد ان علينا ان نكف عن الادعاء أننا ماركسيين (ماركس نفسه عبر عن هذا بأنه ليس ماركسيا) والقصد هنا أن الماركسيه وفرت لنا ادوات التحليل العلميه من جدل وكيفية قراءة التاريخ ماديا ووضعت حدا فاصلا مع الفلسفات المثاليه بشتى تفرعاتها وانتهى دورها،نعم انتهى دورها بعد أن مكنت عقولنا من التحرر من الميتافيزيقيا، فلا تراثها الثقافي ولا السياسي ولا الاقتصادي نحن ملزمين به اليوم بعد قرن ونيف من ظهورها بل علينا أن ننتج ونفكر ونبدع فيما حولنا الآن وما سيكون عليه غدنا، وبهذا فقط يمكن ان نكون اوفياء للجدل الحي المبدع وموضوعية القراءه الماديه للتاريخ، أما اجترار انتاجات اليساريين السابقين(ماركس وانڨلز ولينين ورزا لكسمبورغ وغيرهم) والقياس عليها لحاضرنا فهو عودة للمثاليه بتديين الفلسفه الماركسيه وقتل روحها الجدليه وتجميد للتاريخ ما يعد مناقضا لقوانين التطور.
لاحظنا منذ سقوط المنظومه الاشتراكيه انحلالا وكسلا فكريا في أوساط النخب اليساريه وكانه اعتراف بهزيمة الفلسفه الماديه امام الفلسفات المثاليه والسبب هو ما ذكرناه سابقا من تديين للماركسيه وتقديس لارثها في السياسة والاقتصاد، فباستثناء بعض المفكرين والفلاسفه المفردين (هؤلاء أصبحوا اليوم يكتبون ويفكروون لأنفسهم ولم يعد بامكانهم تعميم انتاجاتهم لقوة الميديا و وسيطرتها) لم تشهد الحركات اليساريه أية قراءه جدليه لحدث الانهيار بل شهدنا احباطات و تراجعات نحو اليمين والسبب دائما عدم القطع مع الفلسفه المثاليه التي لم تترك مكانها بعد في الباطن الموروث في عقولنا والا كان يمكن لسقوط الاتحاد السوفياتي ان يكون محفزا لثورة ثقافيه وسياسيه واجتماعيه في تنظيرات اليسار على انقاض الخاطئ من الموروث الاشتراكي المنهار.
ناتي الآن الى الرواسب المثاليه التي لم يفلح اليسار في التخلص منها رغم ادعاءه بالماديه والجدل والتي أثرت أيما تأثير في تراجعاته وأهمها الفهم الأعرج لعلاقة الفلسفه الماديه بالعلم، ذلك أن داروين او انشتاين مثلا تحولا نوعيا في البيولوجيا وعلم الأحياء والفيزياء كما فعل ماركس مع الفلسفه والاقتصاد وكما فكك ماركس في راس المال المنظومه الرأسماليه وكشف عجزها عن التقدم بالانسانيه، فكك داروين بل نسف القراءه الميتافيزيقيه للتاريخ البشري والحيواني والنباتي (قصص الخلق والاديان) وكذلك فعل انشتاين بتحرير العقل الفيزيائي والرياضي من المحسوس المباشر الى الفرضيات العقليه العلميه لدرجة أمكن معرفه الكثير عن الكون والمجرات دون ان نراها او نستكشفها، مثل اكتشاف كوكب نيبتون عبر المعادلات الرياضيه وقوانين الجاذبيه قبل أن نراه و نكتشفه بالمحسوس عبر السفن الفضائيه والتيليسكوبات المتطوره،او ما توصلت له نظرية النسبيه عن وجود الثقوب السوداء التي لم يتوصل العلم المحسوس لرؤيتها الا بعد قرن.
اذن فالعقل اليساري عموما بعده لم يتحرر من بعض الباطن المثالي ولازال تبنيه للجدل العقلاني جنينيا لدرجة انك تجد ماركسي متدين (لا يهم مسيحيا او مسلما او يهوديا) دون ان يدرك التناقض الذي يتعايش معه، فيكفي ان يكون متدينا يعني انه لم يستوعب القفزة التي احدثها ماركس في الفلسفه وداروين في علم الأحياء وأنشتاين في الفيزياء والرياضيات، وهو سبب العجز الرئيس لدى اغلب قوى اليسار في مواجهة القوى الرأسماليه الليبراليه لأن الأخيره اكثر ايمان بالعلم رغم تحصنها بالفلسفات المثاليه كلما دعت الحاجه، كما كان يفعل الطبيب باستار الذي كان مؤمنا لكنه يقول "عندما ادخل المخبر أترك الله وراء الباب".

اليسار التونسي:

كما اسلفنا الحديث عن التبني الديني للماركسيه لدى اغلب قوى اليسار فإن اليسار التونسي أكثر تورطا في هذا الشأن نظرا لمنشأه في الجامعه التونسيه حيث النقل والانبهار والتاثر اكثر وقعا على الأوساط الطلابيه كشريحه متعلمه لكنها في المقابل خارج علاقات الانتاج وهامشيه عن الواقع المجتمعي وتفاعلاته الطبقيه، لذلك كان هذا اليسار اكثر انحرافا عن جوهر الثقافه الماركسيه فلاحظنا مثلا ان الطلاب دارسي الشعب العلميه هم الاكثر نفورا من الماركسيه واكثر ارتباطا بالفلسفه المثاليه عوض العكس لو كانت الفصائل اليساريه مطعمه بالعلوم عوض الشعارات السياسيه القشوريه والاسقاطات الفوضويه لتجارب مستورده لا علاقة لها بالواقع التونسي، فبمجرد ان خرج هذا اليسار للشارع السياسي بعد 14 جانفي اصطدم بخارطة لم يتوقعها وبمجتمع لم يألفه وبصراعات اعتقد أنه تجاوزها باسقاطاته النظريه فاهتزت نظرته للصراع الطبقي المعهود في الادبيات الماركسيه وفقد ثقته في قيم ثقافه التحرر المجتمعيه وعزل عن الشرائح التي يدافع عنها، بل حتى المكاسب الاصلاحيه كمجلة الأحوال الشخصيه أصبحت مهدده،أما القوى الطبقيه الأكثر تضررا من الليبراليه كالعمال وفقراء الفلاحين والمهمشين التي كان اليسار يراهن على مصلحتها الموضوعيه لتحويلها لقوة ماديه نحو الثورة والتقدم تحولت لقوى رده رجعيه ومادة أساسيه لصعود التيارات الدينيه الاكثر تطرفا ورجعيه لدرجة اصبحت معها بعض القوى الليبراليه أكثر جذرية في المعارضه واكثر واقعيه في مواجهة الرجعيه الدينيه الحاكمه اليوم، وظلت القوى اليساريه مهزومه مرتبكه واجبرت على التنازل عن طليعيتها ونخبويتها وسايرت شعبوية القوى اليمينيه وهو ما زاد من تعميق ازمتها التنظيميه فتولدت الزعامات والتنظيمات وتذيلت وراء الجماهير عوض ان تكون في مقدمتها ولم تفلح هذه القوى حتى في استثمار الشعبويه كالقوى اليمينيه فنجدها ترفع شعارات اصلاحيه عندما تكون اللحظه ثوريه وتركن للشعارات الثوريه عندما يكون الاصلاح ضرورة، وهنا لا أوافق بعض وجهات النظر في تصنيف اليسار ليسارين احدهما ليبرالي والآخر ثوري، فاليسار واحد مهزوم سياسيا وفاقد للفعل في الحالتين اصلاحا وثورية، ولعلنا هنا نستذكر تجربة الرئيس الحبيب بورقيبه في السير على الحافة بين ما يحمله السياسي من افكار ثوريه وما يمكن أن يجسده على ارض الواقع، فالرئيس بورقيبه كان متشبعا بمبادئ الثوره البرجوازيه الفرنسيه التحرريه لكنه مدرك ان اسقاطها على مجتمع متخلف كتونس ليس بالمرونة التي عليها المجتمعات الأوروبيه و يمكن أن يعيده للوراء فكان براغماتيا اصلاحيا مهادنا في مواقع محدده لكنه ثوريا حاسما عندما تكون اللحظه مناسبه مثل فرض مجلة الاحوال الشخصيه بقوة القانون ولو تريث آنذاك اكثر او منح هامشا من الديمقراطيه كالاستفتاء لفوت الفرصه وسقط مشروعه.
اذن فاليسار التونسي لسطحية تبنيه لآليات الجدل الماركسي التي تمكنه من رؤية الواقع بعقلانيه ولانعدام تجربته المجتمعيه نتيجة عزلته في الجامعه فشل في المواجهه على الجبهتين،جبهة مقاومة النظم الحاكمه وجبهة مقاومة التخلف السائد في المجتمع لتعمه الفوضى والتردد وتضييع الفرض في كل تكتيكاته السياسيه فنجده يزايد بالشعارات الثوريه في مواقع وظروف تستوجب الاصلاح والعكس عندما تحين اللحظة الثوريه يركن للاصلاح، هذه العوامل جعلت اليسار التونسي مضطربا غير واثق من تموقعه سياسيا وطبقيا وتخلى طوعا عن شعاره اللينيني المركزي "لا حركه ثوريه بدون نظريه ثوريه" التي يرفعها لمنظوريه لممارسة الشعبويه والنقابيات والعمل الجمعياتي المعزول، وهو ما سهل التشرذم في صفوفه وانعدام الوحده الفكريه والسياسيه وترك المجال للمزايدات والمشاحنات بين فصائله ما قتل روح النقد والحيويه الديمقراطيه بين ذواتاته، ما فسح المجال للاختراقات وتبادل القذف بين فصائله، فهذا اصلاحي لخدمة اليمين وذاك متطرف يلتقي مع اليمين وذاك طوباوي بعيد عن الواقع وهكذا تتراكم الاخطاء في التقييم وتتصاغر حتى تنحصر في ذواتات وشخصنه وتتحول حركة اليسار الى دكاكين صغيره مملوكه لافراد يفعلون بها ما يريدون وهو ما نعيشه اليوم بكل أسف.
أما على المستوى التنظيمي فالقضيه اكثر تعقيدا في مستواها الفكري بالنظر دائما من منظور جدلي ماركسي، ذلك أن الحزب البلشفي في بداية القرن العشرين كان الحلقة القويه لتجميع الثقافه التحرريه واعادة توزيعها على المنظورين واصحاب المصلحه الطبقيه في التغيير سواءا في النقابات او الجمعيات او الشرائح الاجتماعيه وكان الحزب أداة تنظيميه ديناميكيه متجدده لتوحيد كل القوى وتعبئتها ووضعها على مسار التنفيذ خدمة للأهداف النبيلة التي يتبناها الحالمون بالتغيير، فكان الحزب يجمع خيرة المثقفين ويؤسس المنابر الاعلاميه كالجرائد وينشر الكتب الجديده ويغذي العقل بالعلوم الحديثه ويحارب القديم بكل أشكاله الاقتصاديه والثقافيه والسياسيه ولا يترك أي ثغرة ينفذ منها الفكر الرجعي القديم او الليبرالي الحديث لاختراق المنظمه الثوريه حتى في الآداب والفنون، فكأن الحزب مدرسة متعددة الاختصاصات.
أما اليوم في عصر الانترنت والتقنيات الحديثه وعصر المعلومه التي تتحرك بسرعة الضوء فلم يعد للحزب ذاك الدور ولم يعد المرء بحاجة لقيادة مركزيه تغذي نهمه الثقافي والفكري والسياسي ولم يعد بحاجة لقائد ملهم يقرأ له الواقع والمستقبل ولم يعد بحاجة لحلقة تنظيميه تدربه على الذوق السليم وتنبهه لرداءات الطبقات الحاكمه، بل ان العلم فتح آفاقا رحبة للمعارف والعلوم وجعل العالم قرية صغيرة يمكن التجوال في زواريبها ونحن في بيوتنا. فهل لازلنا بحاجة لحزب او قاده ملهمين يمدوننا بالمعلومة ويفكرون مكاننا ويضعون الخطط لممارساتنا ونضالاتنا اذا اردنا النضال؟ لا نعتقد هذا فالديمقراطية التي فرضها العلم أشمل وأوسع من ان يعوضها شخص او حزب أو دوله لكن أغلب الأحزاب اليساريه وقادتها ونظرا لعيشهم في سراب الماضي البلشفي لا زالوا يصرون على التفكير مكان منظوريهم ويسلبون حريتهم ويقتلون فيهم روح المبادره وتقييد الاراده وطلب المعرفه ومواكبة التطورات من خارجهم وخارج حزبهم وهو ما يطلق عليه بالبيروقراطيه وهي في الحقيقة تتعدى البيروقراطيه لفرملة أي تحول في البنى التنظيميه فلا الحزب وقادته قادرون على مواكبة العصر الذي يتقدم كل لحظة ومن المستحيل مجاراة نسقه بالآليات القديمه، ولا فتح الأفق لابداع ديمقراطيه حديثه بين منظوري الأحزاب تتعدد فيها الاختصاصات والمجالات لمجارات النسق السريع للانسانيه المتحضره، وهو ما ادركه منظروا الليبراليه الحديثه في تطويع العلوم والتقنيات لأهدافهم ببعث المراكز البحوث المختصه والمتفرعه والشامله لكل المجالات (ولنا أمثله سياسيه في صعود دونالد ترامب المسقط على السياسه او ماكرون في فرنسا الذي فاز على احزاب عريقه لكنها قديمه في اسلوبها، لا نتحدث عن المال فكلهم راسماليين وكلهم يمتلكون المال)،هذا مالم يدركه معظم اليسار التونسي ولذلك نراه في انحدار مستمر، ربما كانت فكرة بناء الجبهات الشعبيه بديمقراطيه جديده اللبنه الاولى للتغير التنظيمي لكن فشلها بسرعة كما في اليونان والبرازيل و والارجنتين يعني ضرورة تطوير هذه التجارب والوقوف على هناتها ونقاط ضعفها لتتجه لتغيير جذري في قضايا التنظم والتعبئه والرهان على العلوم والتقنيات الحديثه.
النقطة الأخيره في مجال التنظم، من هي القوى القادره والتي لها مصلحه في التغيير والتي يجب التركيز عليها لتنخرط في اي مشروع ثوري؟ هل هي البروليتاريا بمفهومها الكلاسيكي في الادبيات الماركسيه وفقراء الفلاحين والمهمشين ام أن قوى اخرى اصبحت العنوان الرئيسي للتغيير والتقدم؟ والسؤال الثاني من هي القوى الرأسماليه الرئيسيه التي تسيطر على العالم اليوم وتقوده نحو التفقير والدمار والحروب والتي على اليسار مواجهتها؟
أعتقد ان العامل في مصنع السيارات لم يعد عامل القرن الماضي ببدلته الزرقاء الملوثه بالزيوت والقذرات بل أصبح ببدلة بيضاء يقود روبوت متطور يتحرك بالاعلاميه أما العامل الفلاحي فلم يعد يحصد القمح بالمنجل المنحوت في شعار الاحزاب اليساريه ويتصبب عرقا لجني المحصول لصاحب الارض بل أصبح تقنيا ساميا يقود آلة حصاد معقده أجهزتها مرتبطه بالأقمار الصناعيه لمراقبة التغييرات الجويه والرطوبه ومستوى سطح الحقل وكثافة النبتات وطولها اما العمال بسواعدهم والذين تتحدث عنهم الأدبيات الماركسيه فأصبحوا خارج القوى الفعليه للانتاج وهامشيين في علاقات الانتاج الحديثه. الطبقه الرأسماليه كذلك حدثت داخلها تغييرات كبرى لم يعد ممكنا للراسماليه الكلاسيكيه مجاراتها ولنا في بيل غتس صاحب شركة ميكروسوفت واغنى رجل في العالم مثال للرأسمالي الحديث الذي لا يشغل عمالا لاستغلالهم وجمع ثروته من عرقهم كفائض انتاج بل يشغل مهندسين وعلماء كقوى انتاج ويأخذ منا المال ونحن في بيوتنا وبرضانا، أما العمال اليدويين عنده فهم على هامش دورة الانتاج ولا يتعدى دورهم تغليف الأجهزه وتحميلها في الشاحنات.
أكيد سيحاججني البعض باختلاف نمط الانتاج ووسائله بين الدول المتخلفه كتونس والدول المتقدمه كأمريكا واليابان وروسيا مثلا، في هذا الشأن أقول أن الكل يتغير متخلف ومتقدم ومن يصر على التخلف سينتهي ولعلكم تلاحظون عزوف الشباب عن العمل اليدوي القديم وبالأساليب القديمه وحتى اقرب الصوره لكم من تجربتي الخاصه كعامل اشتغلت في مصنع طيلة 32 سنه ومررت بكل التحولات في وسائل الانتاج، حيث كانت أغلب الآلات تدار يدويا ثم تحولت لنصف أوتوماتيكيه (pneumatique) ثم تطورت اوتوماتيكيا وقبل خروجي للتقاعد أصبحت العمل بالاعلاميه عبر شاشة صغيره فوق مكتب ويمكن التحكم في المصنع عن بعد وهذه التحولات ليست اختيارا للرفاهه بل مفروضه ان لم تجاريها ستجبر على غلق المصنع فالعالم يتقدم معولم ولم يعد ممكنا العزله التي تعني الموت وتفاقم الفقر والبطالة ولهذا على اليسار ان يتجند لمزيد تعزيز الأمميه لا الانعزال كما يدعي بعض قصيري النظر.
انطلاقا مما سبق لم يعد هناك مبررا لعدم مراجعة المصطلحات كالبروليتاريا والكادحين والعمال وكذلك مصطلح الراسماليين الذين يستثمرون في فائض القيمه، على اليسار ان بعيد ترتيب الطبقات والشرائح حسب موقعها من علاقات الانتاج الحديثه حتى وان ظلت هناك بقايا للنمط الراسمالي القديم فهي منتهيه ولم يعد بامكانها الصمود، وليتمكن اليسار من الفعل للشعب وللانسانيه في مواجهة الرأسماليه المدمره عليه ان يتجه للقوى المنتجه للفكر والثروة وليس للقوى المنتهيه او الوهميه، اما اذا اصر اليسار على المكابره باسم المبادئ فلا هو مبدئي لانه قتل حيوية ماركسيته بجعلها طقوسا جامده ولا هو فاعل لأنه خارج التاريخ يفكر بعقلية 1917 الأكتوبريه.

عالم ما بعد كورونه ونظرية داروين "البقاء للأصلح"

لقرون تعايشنا مع تاريخ يصنف البشر دينيا وطبقيا فتأسست حضارات وازدهرت امبراطوريات، فباستثناء مالم نعرفه الى اليوم من الحضارات القديمه فإن تاريخ الحضارات بني على أسس دينيه طبقيه،اما بعد فيروس كورونه فتاريخ البشرية سيأخذ منحا جديدا وان بشكل تدريجي،وسيجبر الجميع للعودة للعلم في كل شؤون الحياة والتخلي عن كل ماهو ديني طبقي في تفسير الظواهر والتطورات والصراعات والعلاقات الدوليه،لقد تنبأ بيل غيتس بحسه الذكي منذ 2015 بظهور أعداء لم نتوقعهم ولا تنفع معهم تكديس لأسلحه بما فيها النوويه،وهو ما يحصل اليوم من غزو العالم بفيروس كيرونه المدمر.اذا بيل غيتس الراسمالي صاحب شركة ميكروسوفت الضخمه انتبه للخطر القادم فكيف لا تقرا النخب التقدميه الحدث الفاجعه من زاويه اكثر عمقا وأكثر انسانية لاستشراف المستقبل والاستعداد لمرحله مفصليه في تاريخ البشريه؟
اليوم اثبتت شعوب جنوب شرق آسيا كالصين والكوريتان وفيتنام واليابان وكذلك شعوب بعض دول العالم الثالث كافريقيا وكوبا التي لم ينتشر فيها الوباء بقوة،أثبتت أنها الشعوب الأكثر استعدادا وتكيفا مع المستقبل والأقدر على مواجهة الأوبئه والاخطار،عكس الدول الرأسماليه الغربيه رغم قوتها الاقتصاديه وانتظام مجتمعاتها نراها مرتبكه وفي حالات عاجزه كالحاله الإيطاليه والاسبانيه والامريكيه،لتنفضح كذبة مجتمعات الرفاه الرأسماليه.
ربما اكون متطرفا لصالح العلم عندما أسقط نظريات شارل داروين بمناسبة الحرب على وباء كيرونا ،اي نظرية البقاء للأصلح،ربما لا ادري.... لكن الشعوب التي لها منظومات سياسيه واجتماعيه اقرب للاشتراكيه تمكنت بسرعة فائقه من ابتكار السبل الانجع في السيطره على الفيروس و هي الشعوب الأصلح والقادره على البقاء أما الشعوب التي سقطت في الامتحان رغم المكابره والادعاء بالصمود فهي شعوب منتهية الصلاحيه ولن تفلح في المقاومه مستقبلا مالم تحدث داخلها تغييرات ثوريه وبالتحديد الانقلاب على النظام الرأسمالي بوجهيه الطبقي الاقتصادي والديني الثقافي.
لننتبه أن داروين عنون نظرياته بالانتقاء الطبيعي في البدايه لكنه اقتنع بوجهة نظر علماء اخرين مثل هربرت سبنسر الذي اقترح عنوان " البقاء للاصلح " بدل " الانتقاء الطبيعي للانواع" لانه عالم اقتصاد ادرك الثغرة في تسمية شارل داروين اي ليس فقط العامل البيولوجي محدد في تطور الانواع بل حتى نمط العيش الاقتصادي بامكانه احداث تغييرات وبعبارة محدثه اقتنع بها داروين،و ليس البقاء للأقوى كما يدعي منظروا الرأسماليه بل للأذكى في عالم التقنيات الحديثه والأقدر على التكيف مع البيئة التي تفاجئنا بقساوتها بين الفينة والأخرى وهو بالضبط ما يعيشه عالمنا اليوم من انتقاء وتغيير نتيجة مؤثرات الثورة العلميه والاقتصاديه في التعامل مع التغيرات البيولوجيه،فالصين مثلا لم تتعامل مع فيروس كورونا كما تتعامل معه امريكا،والنتائج كما يلاحظ الجميع النجاح الصيني مقابل العجز الغربي فالنموذج الصيني صاعد ومقنع مقابل النموج الغربي الذي بدات ملامح سقوطه تتبلور كنمط وظيفي استغلالي بل مضر ومهزوم امام الهجوم الوبائي الحالي.
اليوم على اليسار ان يقرأ ما بعد الأصلح في نظرية داروين الى الأذكى لان التطور الانساني مستقبلا لن يكون خارج العقل وكما كشف انشتاين الثقوب السوداء بنظرية النسبيه دون ان يراها يمكن للبشر وخاصة العقل اليساري العلمي رؤية المستقبل من الآن بالتقاط المؤشرات التي أحدثها فيروس كورونا وابداع الحلول ووضع الخطط وبناء المجتمعات والدول لتكون البشرية اسعد وحياتها أجمل وفي بيئة سليمه ومستدامه بعيده عن الاخطار المدمره.
في النهايه أقول عن نفسي يساري متحمس للاشتركيه العلميه لكني لست متطرفا او مغاليا في هذا الحلم، بل فقط متاكد ان العالم يتغير نحو الافضل والافضل لازلنا لا ندري ماهيته الآن لكنه حتما أرقى مما صنعته الرأسماليه من دمار وسيسقط تاريخ باكمله لتبدا البشريه تاريخا جديدا اكثر انسانيه وتضامن أممي واكثر اعتمادا على العلم والمعرفه وأكثر انسجاما مع البيئة.
في الختام نقول لا زال لليسار دور تاريخي في الحضاره الانسانيه عامة اما على المستوى الخاص التونسي فإن يسارا جديدا سيظهر حتما بعد العشر سنوات العجاف من حكم الاخوان وتوابعهم وبعد اهتزاز صورة اليسار التونسي وعجزه لكن لازال الوقت مبكرا لكيفية ميلاد هذا اليسار الجديد وماهيته وهل سيكون من رحم اليسار السائد حاليا ام على انقاضه بالقطع معه نهائيا؟

ملاحظه: هذا المقال كان في الحقيقة مداخله احضرتها لحلقة نقاش حول اليسار التونسي دعيت للمشاركه فيها،لكن ولظروف خاصه لم يتسنى لي تقديمها ولذلك آثرت نشرها كمقال،فشكرا للرفاق على دعوتهم وشكرا لأسرة الحوار المتمدن على النشر.



#سالم_المرزوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس: ثوره أم مؤامره أم شيئ آخر
- المرأه والتقدم اذا أردنا
- هل قتل محمد مرسي ؟
- ملاحظات حول أزمة اليسار التونسي
- هل تخرج معركة طرابلس عن السيطره ؟
- وقعة الاخوان وقعة البرامكه
- رساله مفتوحه:ما هكذا تساس الدوله المدنيه يا سيادة الرئيس
- هل تونس على أبواب الحرب الأهليه ....؟
- قراءه في التحالف النداخواني الحاكم في تونس
- نبيل فياض المثقف المشتبك
- أمريكا رأس امبراطورية الرأسماليه لن تنهار،ربما تنهض
- تونس الفسفاط الغنيمه
- أضلاع التجاره البينيه وصماصرة السياسه والدين
- يعيش المثقف على مقهى ريش
- الشرق الأوسط بين الحرب والسلم
- -مطر حمص- في أيام قرطاج السينيمائيه
- القيمه الفنيه في الشعر الشعبي من خلال شاعر تونسي
- 18 أكتوبر خديعه لليسار التونسي
- رساله مفتوحه في تشظي اليسار وفقره الثقافي
- قراءة خطاب السيد حسن نصرالله


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سالم المرزوقي - اليسار قبل كورونا وبعدها