أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - فوقَ أرضِ الذاكرة














المزيد.....

فوقَ أرضِ الذاكرة


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6823 - 2021 / 2 / 24 - 18:39
المحور: الادب والفن
    


لم أكن مُدمناً على لعبِ الورقِ بل على أجوائهِ فأقصى ما يمكنُ للواحدِ منّا أن يربحهُ خلالَ السهرةِ بضع كؤوسٍ من لترِ العرقِ مع قليلٍ من المُكسّرات الرخيصة يدفعُ ثمنها الخاسرُ وشريكهُ في الهزيمَة.

تلكَ الغرفة في كرمِ الزيتون الذي يملكهُ والدُ عزّام، أنتم لا تعرفونَ كم كانت دافئة رغمَ عُري جدرانها والحفرِ الصغيرةِ المُنتشرة في أحجارها التي اعتادت ضمَّ أربعة رجالٍ عتاةٍ ينفثونَ دخانَ التبغِ وهم يرمونَ أوراقَ اللعبِ بتوترٍ حيناً وقهقهةٍ في أغلبِ الأحيان.

قلّما اجتمعنا فيها صيفاً فلكلِّ واحدٍ سبلهُ أما شتاءً كانَ الأمرُ مختلفاً.

نُمضي النهارَ في تصريفِ شؤوننا أو تصريفها لنا وما أن يأذنَ المساءُ حتى نجتمعَ فيها تِبَاعَاً كأنّنا على موعدٍ وقد كنّا كذلكَ بحق.

للشتاءِ في اللاذقيةِ القديمةِ أسرارٌ ليسَ بمقدوركَ كشفُ سِترها دونَ القدرةِ على فهمِ ما تقولهُ قطراتُ المطر العالقة بحوافِ النوافذِ وأوراقِ الشجر.

بعد أحد عشر عاماً ستنشبُ حربٌ ويستشهدُ اسماعيل في مكانٍ ما شمال البلاد.. أشجارُ الكرمِ عن بكرةِ أبيها سيتمّ اقتلاعها والغرفة العتيقة لن يعودَ لها أثر سوى فوقَ أرضِ الذاكرة المنكوبة.

ذاتَ مساء فاجأنا عزّام بمصباحٍ مُحاطٍ بقمعٍ علّقه فوقَ الطاولةِ وهكذا أصبحت جودة الإضاءة أفضل.
يومها قال اسماعيل:

ـ من أجلِ هذه المبادرة الطليعية، السَّكرة اليوم على حسابنا حتّى إن خسرتم ومسحنا بكم هذه الأرضية التشكيلية الجميلة.
إثر ضحكةٍ ساخرة، وبينما كنتُ اتخذُ مكاني إلى الطاولةِ قبالة شريكي عزام وأشعلُ سيجارة تبغ عربي قلت:

ـ أكثرُ ما يعجبني بهذا الشاب سرعة الثقة في العودةِ إليهِ بعدَ كلِّ إذلالٍ نلحقهُ به وبشريكه.

في لعبة (التريكس) ثمّة أربعة ممالكٍ واحدة لكل لاعب وفي كلِّ واحدة خمسة تسمياتٍ يحقُّ له أن يختار بينها بما ينسجمُ مع طبيعة أوراقه وهذه التسميات هي (ختيار الكوبة، البنات، التريكس، اللطوش، الديناري).

كمحترفٍ أنتَ وشريككَ عليكما أن تتجنبا في تسميةِ الختيارِ حملهُ وإلا احتسبَ عليكما (75 -) وفي تسمية البنات حملهنّ وإلا احتسبت الواحدة بـ (25-) وفي تسمية الدينار حمل أراق الديناري أما في تسمية التريكس فيبدأ صاحب المملكة بوضع ورقة الشاب على الطاولة، ومن ثم يبدأ الآخرون بوضع العشرة ومن ثم التسعة... إلخ.. من ينهي أوراقه أولًا يحصل على 200 نقطة موجبة ومن ثم 150 للثاني، و100 للثالث، و50 للرابع.

وفي لعبةِ التريكس كما في رقصةِ السامبا.. التفاهمُ بين الشريكين أساسُ الجمالِ والنجاح أما سوء التفاهم فأساسُ الصراخ والشتائم الأرضية و.. السماوية.

بعدَ ثمانية أعوامٍ سيصبحُ عزام مقاولاً ويغتني بفضلِ الأرضِ التي استثمرها والده وحولها إلى عمارات مستفيداً من تداعيات موجاتِ النزوحِ التي ستخلفها الحربُ تالياً.. الأخبارُ بيننا ستنقطعُ بشكلٍ نهائي.

في ذلكَ المساء اشتدَّ عصفُ الرياحِ وتساقطَ المطرُ كما لم يفعل منذ سنين.. قُطِعت الكهرباء.

ـ خسارة.. لم يتركوا لنا فرصة الاستمتاع كثيراً بمصباحِ (عزّام الدين)..

قالَ زكريا ساخراً وهو يشعلُ لفافة ويرشفُ ما تيسَّرَ له من الخمر.

ـ لو أحضرتَ معكَ صلعة أبيكَ لأنارت المكانَ دونَ الحاجة ِإلى مصباحي..
أجابَ عزام وهو يشعلُ قنديل الكاز ثم أردف:

ـ لن ندع طارئاً تافهاً كانقطاع الكهرباء يمنعنا عن الاستمتاعِ بتهزيئكم.

بعد تسعِ سنوات سيكون زكريا زوجاً مطيعاً لزوجته لا يخرجُ من بيته إن لم تسمح له ولن يقولَ مرحباً لأبيهِ الأصلع إن لم تأذن بذلك وسيكون مثالاً جيداً لكلِّ باحثٍ في علومِ الهندسةِ الجينية عن كيفية تحوّلِ الإنسانِ إلى كلب.

كانت الكوؤس تُقرعُ والمشادات تحتدمُ وتتلاطمُ عندما يسيءُ أحدنا فهمَ شريكه أو يعاكسهُ الحظّ وعلى الرغمِ من الهواءِ المُتسللِ من شقوقِ جدران الغرفةِ لم نكن نشعر بالبرد..

بعدَ سبعِ سنواتٍ سأحزمُ حقيبتي وأرحلُ بحثاً عن الكنزِ خلف الحدودِ البعيدة وقد أكتبُ بعض القصص التي تتحدثُ عن أماكن لا تشعر فيها بالبرد...

ثمة أماكن تبثُّ الدفءَ دونَ الحاجةِ سوى للأصدقاء.



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفينةٌ شراعية صغيرة
- آخرُ صورةٍ للأصدقاءِ في دمشق
- رحلة صيدٍ غير واضحةِ المَعَالِم
- لن أعضَّ شفتيكِ.. كثيراً
- لهجةٌ ريفيّة غامضة
- أيّامٌ في البدروسية
- برفقةِ السجّان
- عبرَ ذلك القميص الحريريِّ الأحمر
- أرجوك... استيقظ
- هكذا جبتُ السِّنين
- كانت أياماً تُعاش
- قبل قليل كان سيقتلني الملل
- قالت لنفسها
- حينَ ماتَ ذلكَ الجندي
- لأنّكِ تُكمِّلينني
- وكان الضوء أسرع كما في كل مرة
- الحلوة صاحبة الصورة
- حكاية رجلٍ آلي
- وحدهُ صوت الريح كان يهدر في ذلك المساء
- رسالة في صندوق البريد


المزيد.....




- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - فوقَ أرضِ الذاكرة