أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلال الربيعي - ماكسيم رودنسون مؤرخً ثوريً للعالم الإسلامي















المزيد.....



ماكسيم رودنسون مؤرخً ثوريً للعالم الإسلامي


طلال الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 6808 - 2021 / 2 / 7 - 22:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ادناه ترجمتي للمقالة
Maxime Rodinson Was a Revolutionary Historian of the Muslim World
-ماكسيم رودنسون مؤرخً ثوريً للعالم الإسلامي-
بقلم جان باتو Jean Batou (أستاذ التاريخ الدولي الحديث بجامعة لوزان في سويسرا), المنشورة في مجلة Jacobin بتاريخ 31.01.2021.
-----------------
كان ماكسيم رودنسون أحد أبرز المتخصصين الدوليين في الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلام ، وله سمعة عالمية بين العلماء في هذا المجال. ولد في باريس عام 1915، وتوفي في مرسيليا عن عمر يناهز تسعة وثمانين عامًا عام 2004.
حول المؤرخ الفرنسي ماكسيم رودنسون فهمنا للعالم الإسلامي من خلال كتب مثل محمد والإسلام Muhammad and Islam والرأسمالية Capitalism. لا يزال عمل رودنسون الرائد ، المستند إلى الاستخدام الإبداعي للأفكار الماركسية ، دليلاً لا يقدر بثمن لسياسات الشرق الأوسط اليوم.

يعتبر إرث رودنسون الفكري ذا أهمية خاصة لليسار اليوم.
ترك المؤرخ الفرنسي وراءه ببليوغرافيا لأكثر من ألف عمل ، بما في ذلك حوالي عشرين كتابًا ، ستة منها تُرجمت إلى الإنجليزية ، وعدة مجموعات من المقالات. تراوحت مواضيعه المختارة من شبه الجزيرة العربية في القرن السابع وصولاً إلى دول وحركات الشرق الأوسط الحديث.

هذا الإرث الفكري له أهمية خاصة بالنسبة لليسار اليوم لأن رودنسون سعى لشرح التطورات السياسية والاجتماعية الرئيسية في المجتمعات العربية بمساعدة المفاهيم الماركسية المطبقة بروح إبداعية وغير عقائدية.

لم يكن رودنسون أكاديميًا منفصلاً. ربما كانت أكثر مساهماته تأثيراً هي وصفه المتفاعل سياسياً لأصول إسرائيل ومسارها في كتب مثل إسرائيل: دولة مستعمرة استيطانية Israel: A Colonial-Settler State؟ وإسرائيل والعرب Israel and the Arabs. كثير من الناس الذين لم يسمعوا عن رودنسون من قبل مدينون بتقديره النقدي للصهيونية ، والذي جمعه مع رؤية واضحة لإخفاقات القومية العربية.

تعد كتب ومقالات رودنسون أدوات لا تقدر بثمن لأي شخص يرغب في فهم مجتمعات الشرق الأوسط.
كان هذا مجرد جزء واحد من عمل رودنسون. تُعد كتبه ومقالاته أدوات لا تقدر بثمن ايضا لأي شخص يريد فهم مجتمعات الشرق الأوسط ، في الماضي والحاضر. ستقدم هذه المقالة للقراء مقدمة عن المعالم السياسية والفكرية الرئيسية في مسيرة رودنسون الطويلة والرائعة.

السباحة ضد التيار
فر والدا رودنسون، وهما خياطان اشتراكيان متواضعان من أصل يهودي، من المذابح الروسية في نهاية القرن التاسع عشر ليستقرا في فرنسا، حيث انضما إلى الحزب الشيوعي في عام 1920. في سن الثالثة عشرة، مسلحا فقط بشهادة تخرج من المدرسة الابتدائية، أصبح رودنسون صبيًا مهمًا وعلم نفسه الإسبرانتو والإنجليزية واليونانية واللاتينية.

التهم الكتب التي استعارها وطلب مشورة المعلمين كلما استطاع. عندما كان في السابعة عشرة من عمره، اجتاز امتحان القبول في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس. بعد أربع سنوات، تخرج في الجيز ، الأمهرية ،العربية الفصحى, العربية ، العربية الشرقية، عربية شمال أفريقيا ، والتركية.

في عام 1937، حصل رودنسون على منحة دراسية من المجلس القومي للبحوث. في نفس العام ، انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي (PCF). كما يتذكر لاحقًا ، كان للحزب الشيوعي الفرنسي ثقافة "عمالية" قوية ، وشعر أنه أقرب إلى أعضاء الطبقة العاملة في الحزب من المثقفين الآخرين من العائلات البرجوازية: "على الأقل هكذا اعتقدت. لكن "المتفرغين (للعمل في الحزب. ط.ا) " اعتبروني مع ذلك مثقفًا وحاملًا لجميع الرذائل الكامنة في هذه الفئة ".

غادر رودنسون فرنسا بعد فترة وجيزة من بدء الحرب العالمية الثانية الى سوريا ولبنان. كان إتقانه للغة العربية هو الذي مكنه من الهروب من الترحيل إلى معسكرات الاحتلال النازي. لم يحالفه الحظ العديد من أقاربه ،بما في ذلك والديه ، اللذين ماتا أثناء نقلهما إلى معسكر أوشفيتز في عام 1943.

خلال السنوات التي قضاها في الشرق الأوسط، درس رودنسون في مدرسة ثانوية وتعاون مع البعثة الأثرية لفرنسا الحرة. هناك بدأ دراسته للإسلام من منظور مادي. بعد عودته إلى باريس عام 1948، أصبح رئيسًا لقسم المطبوعات الشرقية بالمكتبة الوطنية، ثم مديرًا للدراسات في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا (École Pratique des Hautes Études).

خلال مسيرته التدريسية، تقدم رودنسون ليصبح أستاذًا للإثيوبيية الكلاسيكيية والسودارابيك (العربية الجنوبية) ، وأخيراً محاضرًا في الإثنوغرافيا التاريخية للشرق الأدنى. ألهم العديد من الطلاب: في عام 1971، كان يشرف في وقت واحد على أكثر من سبعين رسالة دكتوراه.

ظل رودنسون عضوًا في الحزب الشيوعي الفرنسي حتى طرده من الحزب في عام 1958 لإظهاره خطًا فكريًا مستقلاً بشكل متزايد ، خاصة بعد "الخطاب السري" للزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف في عام 1956 الذي ندد فيه ببعض الانتهاكات في عهد ستالين. في عام 1981، كتب نقدًا ذاتيًا طويلًا لا هوادة فيه لفترة حكم الستالينية، موضحًا أنه ينظر إلى ستالين الآن باعتباره "طاغية ساديًا" مسؤولاً عن جرائم فظيعة، بينما أصر على صدق العديد من المناضلين الشيوعيين في ذلك الوقت ، الذين كانوا يؤمنون أنهم كانوا يقاتلون من أجل عالم أفضل.

قال رودنسون إنه لن يقبل "الإدانة الفريسية" من قبل الشخصيات التي أيدت ظلم الوضع الراهن. ومع ذلك ، أعلن رودنسون احترامه لأولئك اليساريين الذين كان فهمهم للستالينية أكثر وضوحًا منه في ذلك الوقت: "أنا أقبل فقط دروس أولئك الذين أثبتوا أنهم أكثر وضوحًا من خلال توجيه سخطهم وتمردهم بشكل أفضل".

الماركسية الإبداعية
كان رودنسون قبل كل شيء باحثًا ميدانيًا مكرسًا لـ "تمارين التحقيق الملموسة" (جمع وتحليل المصادر والقراءة النقدية). لقد حافظ على استقلال عقله. عندما أتيحت لي الفرصة للتحدث معه بإسهاب في أواخر السبعينيات ، أكد أنه لم يعد يعتبر نفسه ماركسيًا ، وربما مرددًا تعليق ماركس الشهير بأنه لم يكن "ماركسيًا" وفقًا لمعايير بعض الذين ادعوا انهم تلاميذه في عصره.

كان رودنسون على أي حال من أوائل "الماركسيين" بعد الحرب الذين دافعوا عن مقاربة للتاريخ تستند إلى تحليل التكوينات الاجتماعية الملموسة. من وجهة نظره ، بينما يحدد نمط الإنتاج السائد بالتأكيد الواقع الاجتماعي ، يمكن أن يؤثر عوامل تابعة اخرى عليه أيضًا. علاوة على ذلك، فإن "البنى الفوقية" السياسية والأيديولوجية لمجتمعات معينة لا يتم تحديدها بشكل صارم من خلال "قواعدها" الاقتصادية، كما هو الحال في الأشكال الأكثر فظاظة للنظرية الماركسية. . ساعدت هذه الأفكار على إخراج الماركسية من المأزق العقيم الذي حاصرته العقيدة الستالينية.

كونه قادرًا "بشكل متواضع"، على حد تعبيره، على القراءة بحوالي ثلاثين لغة، كره رودنسون الحدود الوطنية بقدر كرهه الحدود المعرفية. كان في الوقت نفسه لغويًا ومؤرخًا وعالمًا أنثروبولوجيًا وعالم اجتماع. بصفته متخصصًا في اللغات السامية، كان مهتمًا أيضًا بالعالم التركي وآسيا الوسطى وإثيوبيا والإسلام واليهودية والصهيونية وإسرائيل والقضية الفلسطينية والطبقات الاجتماعية والاقتصاد والجماعات العرقية والعنصرية والطب والمطبخ والسحر والأساطير وطقوس القمر.

رفض رودنسون "المفهوم المثالي للدين باعتباره مجموعة من الأفكار التي تطفو فوق الحقائق الأرضية وتعمل باستمرار على تنشيط روح وأفعال جميع أتباعه".
يمثل أهم عملين له ، محمد (1961) والإسلام والرأسمالية (1966) ، نقطة تحول في تأريخ العالم الإسلامي، حيث قدم تحليلًا ماديًا لتطوره ورفض منح الدين مكانة مميزة. رفض رودنسون "المفهوم المثالي للدين كمجموعة من الأفكار التي تطفو فوق الحقائق الأرضية وتحيي باستمرار روح وأفعال جميع أتباعه" - وهو مفهوم كان (ولا يزال) سائدًا بشكل خاص في مناقشة المجتمعات الإسلامية.

هناك فجوة كبيرة بين الإسلام كما هو والإلهام الأصلي. ولولا ذلك، فكيف تفسر نداءات الإحياء والتجديد التي تكررت عبر تاريخ الإسلام؟ هذه الديناميكية تنطبق على جميع الأديان. بل إنها صالحة إلى حد ما لجميع الأيديولوجيات والحركات الإيديولوجية، بما في ذلك الماركسية!

في عام 1972، نشر كتاب الماركسية والعالم الإسلامي Marxism and the Muslim World. تتناول هذه المجموعة من المقالات والمقدمات وأوراق المؤتمرات والمقالات المكتوبة بين عامي 1958 و 1972 ، والتي تم تحديثها من قبل المؤلف للنشر ، التشكيلات الاجتماعية والأيديولوجيات للدول ذات الأغلبية المسلمة. كما كتب العرب The Arabs في عام 1979، وهو دراسة تحاول رسم الصورة الأنثروبولوجية والاجتماعية والتاريخية والسياسية لشعب في تنوعه اللامحدود، جنبًا إلى جنب مع أوروبا وسحر الإسلام Europe the Mystique of Islam and في عام 1980، والذي يتتبع تطور وجهات النظر الغربية حول العالم الإسلامي من المواجهات المبكرة إلى العصر الحديث.

محمد في لحمه ودمه
كانت سيرة رودنسون لنبي الإسلام عام 1961 بمثابة تحول في التفكير السائد في ذلك الوقت حيث قدمت للقراء رجلاً من لحم ودم. وصف الكتاب محمدًا جسديًا كما لو كان يقف أمامنا: "كان متوسط ​​القامة، برأس كبير لكن وجهه لم يكن مستديرًا ولا ممتلئًا على الإطلاق. كان شعره مجعدًا قليلًا وعيناه كبيرتان وسوداء وبرموش طويلة ".

وواصل المؤلف تقديم صورة نفسية لمحمد:
"لم يكن سعيدا. السعادة، مع حدودها ، والقبول الهادئ أو المتلهف، لا تصنع لأولئك الذين يتطلعون دائمًا إلى ما هو أبعد مما هم عليه وما لديهم، والذين تسعى عندهم روح البحث دائمًا للوصول إلى الأشياء التالية التي يرغبون فيها. وكانت طفولة يتيمة فقيرة ومحرومة مثل طفولة محمد لا بد أن تعزز نمو هذه القدرة اللانهائية على الرغبة. فقط النجاح على مستوى غير عادي ، يمكن للمرء أن يقول، على نطاق خارق، يرضي ذلك."

سعى رودنسون الى تقديم تفسير مادي لميلاد الإسلام في مكان وزمان حيث تقاطعت الأفكار التوراتية والقوافل التجارية. في عام 610، عندما بلغ الأربعين من عمره، بدأ محمد في تلاوة الرسائل التي يعتقد أن الله قد أملاها عليه، وأنجب القرآن. ادعت هذه العقيدة الجديدة أنها تجمع الموحدين الحقيقيين من خلال إعادة النظر في التقاليد اليهودية والمسيحية وتجاوزها وتوفير هوية روحية مشتركة لجميع العرب عبر حواجزهم القبلية.

في عام 622 ، بعد أن أجبر النبي الجديد في السابق على النفي في المدينة ، التفت الطبقة الأرستقراطية المكية حول قيادته. قاد محمد وخلفاؤه جيشًا عظيمًا من البدو في غزو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإسبانيا. لكن في الوقت نفسه ، ظل الإسلام مرتبطًا بموقفه الأصلي في المساواة، وغالبًا ما كان يقف في طريق السلطة المطلقة للخلفاء والأمراء والسلاطين الذين جاءوا لاحقا.

في الفصل الأخير من الكتاب, رفض رودنسون نوع "الحتمية البدائية" المرتبط أحيانًا بالماركسية، والذي ينص على أنه "إذا لم يولد محمد مطلقًا ، لكان الموقف قد دعا إلى ظهور محمد آخر". كانت هذه إشارة واضحة إلى الفيلسوف الماركسي الروسي جورج بليخانوف، الذي قدمت مقالته المؤثرة "حول دور الفرد في التاريخ" نفس الادعاء حول نابليون.

بالنسبة لرودينسون ، لا يمكن تفسير مسار الأحداث التاريخية بدقة:
"قد يكون محمدًا آخر ، بعد عشرين عامًا ، قد وجد الإمبراطورية البيزنطية متماسكة ومستعدة لمحاربة هجمات قبائل الصحراء بنجاح. ربما تحولت شبه الجزيرة العربية إلى المسيحية. لقد استدعى الوضع حلولاً لعدد من المشاكل الحاسمة كما رأينا ؛ ولكن قد تكون هذه الحلول مختلفة بسهولة عن تلك التي حدثت بالفعل. رمية مختلفة للنرد والمصادفة تأخذ منعطفاً آخر." (يتفق هنا رودينسون مه هيغل في دور الصدف contingencies في التاريخ والمناقضة لهيغلية اسئ فهمها وقدمت ماركسيا على هيئة حتمية تاريخية-العلم الحديث, او بالاحرى علم ما بعد الحداثة, نظرية الفوضى الرياضية, تتفق مع هيغل في موضوعة الصدفة كنقيض للحتمية التاريخية المستمدة من اب الماركسية الروسية, بلبخانوف, التي جرى تعميمها لاحقا في اوساط الاحزاب الشيوعية العالمية والحقت بها , ولا تزال, ضررا فادح الثمن. ونفس الشئ ينطبق على مفهوم المراحل التاريخية المزعومة وكأنها قدر الاهي يجب ان تمر كل شعوب العالم بها بميكانيكية صارمة لا تقبل الاستثناء وتعتبره هرطقة او حرق مراحل او غيرها من الترهات. ط. ا )

خلافات جديدة
بنى رودنسون تحليله المادي للتقاليد الإسلامية على وجه الخصوص على عملين أساسيين عن حياة محمد في مكة والمدينة ، نشرهما المؤرخ البريطاني ويليام مونتغمري وات في الخمسينيات. في ذلك الوقت، قبل التأريخ الغربي هذا الرأي في خطوطه العريضة. منذ نهاية السبعينيات، عرّضه بعض العلماء البارزين ، مثل جون وانسبرو ، ومايكل كوك ، وباتريشيا كرون ، لانتقادات شديدة.

وقد صور هؤلاء الباحثين عصر -ما قبل الإسلام- على أنه حركة مسيانية messianic (النقذ في الديانات الابراهيمية. ط.ا) تجمع اليهود والمسيحيين والتي أدت إلى اخضاع العرب. لقد أرّخت أعمالهم كتابة القرآن إلى فترة بعد قرنين من الزمان، بل وتساءلوا عن دور محمد ومكة في ولادة الإسلام.

ومع ذلك ، فإن الأبحاث الحديثة لا تقدم دعمًا كبيرًا لمثل هذه المراجعة التاريخية الجذرية. على العكس من ذلك ، فهي تميل إلى تأكيد أن القرآن قد نشأ في وسط الجزيرة العربية، وأن معظم محتوياته تعود إلى القرن السابع ، على الرغم من أنه ربما كانت هناك مراجعات نصية في مرحلة لاحقة.

في عام 1972، كشف ترميم الجامع الكبير في صنعاء عن طرس ربما يرجع تاريخه إلى أواخر القرن السابع الميلادي ، والذي كان يحتوي على حوالي نصف القرآن. ثم كشف أستاذ ألماني متقاعد في أوائل التسعينيات عن وجود أرشيف فوتوغرافي أساسي لأجزاء من القرآن القديم يُعتقد أنها اختفت اثناء تفجيرات الحرب العالمية الثانية. أعطى هذا الاكتشاف زخما جديدا للبحث في أصول القرآن.

عند قراءة سيرة رودنسون عن محمد اليوم، يجب على المرء أن يضع هذه الخلافات المستمرة في الاعتبار. يظل متوافقًا على نطاق واسع مع أحدث الأعمال، لا سيما عمل فريد إم دونر أو أنجيليكا نيوورث.

الاستشراق والتخلف
كان الإسلام والرأسمالية (1966) بلا شك أكثر الكتب التي نوقشت بحماس من بين كتب رودنسون. ورددت أطروحته المركزية صدى نقاشات الستينيات حول الأسباب الرئيسية للتخلف، لا سيما في العالم الإسلامي. بالنسبة لرودنسون ، لم يمنع الإسلام النمو الاقتصادي، سواء عن طريق مؤسساته أو ممارساته العلمانية.

أولئك الذين جادلوا بخلاف ذلك أشاروا إلى عامل عقائدي رئيسي واحد اعتقدوا أنه أعاق تطور الرأسمالية في البلدان الإسلامية، وهو حظر القروض بفائدة. وفقًا لبحث رودنسون، تم التحايل على هذه القاعدة في الممارسة على نطاق واسع بالوسائل القانونية. لطالما دافع الإسلام عن الملكية الخاصة والإثراء الفردي طالما كان الأثرياء يعملون في أعمال الخير ويقدمون المساعدة للأيتام أو الفقراء.

بعد مسار التحقيق الذي فتحه رودنسون، سعى مؤرخون مثل Jairus Banaji لإظهار أن إسلام العصور الوسطى قد سد في الواقع الفجوة التاريخية بين التجارة المزدهرة في العصور القديمة المتأخرة وتجارة دول المدن الإيطالية والبرتغال وهولندا بعد مئات من السنوات. تضمن هذا الدور الوسيط الممارسات التجارية والابتكارات القانونية والمؤسساتية.

بالنسبة لرودنسون، فإن الوضع المهيمن للقوى الغربية يفسر سبب عدم قدرة المجتمعات الإسلامية على إنتاج شكل مكتفي ذاتيًا من الرأسمالية الصناعية.
منذ القرن التاسع عشر فصاعدًا، سيطرت أوروبا الغربية والولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي. بالنسبة لرودنسون ، فإن الوضع المهيمن لهذه القوى يفسر سبب عدم قدرة رأس المال التجاري في المجتمعات الإسلامية، الذي كان موجودة بكميات كبيرة، على إنتاج شكل مكتفي ذاتيًا من الرأسمالية الصناعية.

إن محاولة مصر المذهلة للتصنيع في النصف الأول من القرن التاسع عشر تدعم حجته. في ثلاثينيات القرن التاسع عشر ، كان لديها واحدة من أكثر الصناعات الحديثة تطورًا في العالم ، خاصة في قطاعات مثل غزل القطن والنسيج. ومع ذلك، أدى تدخل دبلوماسي وعسكري قوي من قبل بريطانيا وقوى غربية أخرى إلى اعاقة هذه التجربة في أربعينيات القرن التاسع عشر.

يظهر كتاب الإسلام والرأسمالية أهمية التفكير القرآني في الوقت الذي كان فيه مؤسسو الإسلام منخرطين في حوار مع المجتمع العربي في القرن السابع. تطورت طريقة التفكير هذه استجابةً لصعود التجارة والتمويل. إن التحريض القرآني على التفكير ومواجهة الأفكار والانخراط في جهد فكري للعثور على الحقيقة ينبع من الحاجة إلى تعزيز فهم أكثر شمولية للعالم.

هل يدعو القرآن حقًا إلى القدرية، وهي سلبية تتعارض مع روح المبادرة، كما اقترح العديد من العلماء؟ لنفترض أن مصير البشر يعتمد على الله، خالق كل شيء، كلي العلم. إذا كان الأمر كذلك، فإن فكرة الأقدار في الإسلام (كما في الديانات الأخرى) لا تتعارض مع الدعوة إلى العمل، لأن الفاعلية البشرية هي نفسها نتاج إرادة الله. في الواقع، لا تشير كلمة الجهاد إلى الحرب المقدسة فحسب، بل تشير قبل كل شيء إلى الجهد المبذول لتحسين الذات والمجتمع.

"التملك الحصري"
كان رودنسون أحد هؤلاء المفكرين الذين اعتقدوا أن البحث عن الحقيقة من خلال الأساليب العلمية هو امتياز عالمي للإنسانية ، وكذلك انتقد الأيديولوجيات التي تعيق تطورها. وقد قدر عمل إدوارد سعيد في الاستشراق (1978)، والذي أصبح نصًا مؤثرًا بشكل كبير في العلوم الإنسانية:
"كانت الميزة الكبرى، في رأيي، هي زعزعة الرضا الذاتي للعديد من المستشرقين ، ومناشدتهم (مع نجاح مشكوك فيه) للنظر في مصادر أفكارهم وعلاقاتها، والكف عن اعتبارها نتيجة طبيعية وغير متحيزة من الحقائق."

مع ذلك ، أبدى رودنسون بعض التحفظات على طريقة سعيد. كان مدركًا تمامًا للتحيزات الاستعمارية للعديد من الباحثين الأوروبيين تجاه الشرق ، ومع ذلك فقد كان حذرًا من النهج الذي يمكن أن يؤدي إلى إبطال العلم الغربي مسبقًا.

.
في La fascination de l’islam، الذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية باسم أوروبا وسحر الإسلام، أوضح هذه المخاوف بشكل صريح. من وجهة نظر رودنسون، بينما كان من المهم التعرف على التأثير المشوه للاستعمار في اختيار البيانات وتفسيرها من قبل العلماء ، فإن هذا لا ينبغي أن يعني تبني مفهوم "العلمين" (علم غربي وعلم شرقي. ط.ا).

كان رودنسون يشير إلى فكرة روج لها ملازم ستالين أندريه جدانوف في أواخر الأربعينيات. أخضعت ال Zhdanovism المجتمع السوفييتي إلى محاكم تفتيش حقيقية من خلال تقسيم مجالات العلم والثقافة إلى فئتين، "البروليتارية" و "البرجوازية" ، رافضة فكرة البحث العلمي الموضوعي ومنح مفوضي الحزب الحق في الفصل في الخط الصحيح
، حتى في المجالات. مثل علم الأحياء والفيزياء (مثلا التليل اانفسي كان عتبر علما برحوازيا. ورجل الامن بيريا كان يسأل علماء الفيزياء هل ان نظرية الكم مثالية بسبب السلوك المزدوج كموجات وجسيمات للمادة والضوء. ط.ا).

في مقال صدر عام 1985 بعنوان "إعادة النظر في الاستشراق"، أصر سعيد على أن انتقادات رودنسون لمقاربته لا أساس لها من الصحة. ومع ذلك، فقد تبنى تحذيرًا صاغته ميرا جيلين من منظور نسوي، وتطرق إلى مسألة "ما إذا كان يمكن للمجموعات التابعة - النساء والسود وما إلى ذلك - حل معضلة الاستقلال الذاتي من خلال التعرف على الانتقادات المعادية للهيمنة والعمل من خلال .مجالات الخبرة والمعرفة التي يتم إنشاؤها نتيجة لذلك ".

وفقًا لسعيد، سيتعين على العاملين في مثل هذه المجالات الاحتراس من إغراء مزدوج:
"يمكن أن يحدث نوع مزدوج من التفرد التملكي: الإحساس بأنك شخص مستبعد من الداخل بحكم الخبرة (يمكن للنساء فقط الكتابة من أجل النساء وعنهن، والأدب الذي يعامل النساء أو الشرقيين جيدًا هو الأدب الجيد)، وثانيًا، استبعاد من يخصهم الامر بحكم المنهج (فقط الماركسيون ومعادي المستشرقين والنسويات يمكنهم الكتابة عن الاقتصاد والاستشراق وأدب المرأة)."

على الرغم من كل الانتقادات اللاذعة المتبادلة بينهما، كان رودنسون سيوافق على ذلك.

الإسلام والسياسة
في الإسلام والرأسمالية، كان رودنسون قد أطلق بالفعل ملاحظة تحذيرية حول الشكل الذي من المرجح أن يتخذه الإسلام السياسي، وهو يسبح ضد تيار ما اعتبره عالمًا ثالثًا كتفائل ساذج:
"يتمتع المفسرون الرجعيون للكتاب المقدس بفائدة تراث الماضي بأكمله، وثقل قرون من التفسير بالمعنى التقليدي، ومكانة هذه التفسيرات، والعادة الراسخة لربطها بالدين المقبول عمومًا لأسباب ليست على الإطلاق دينية. لا يمكن القضاء على هذه العوامل إلا بعد Aggiornamento جذري للدين الإسلامي."
(Aggiornamento ، مصطلح إيطالي لـ "التحديث" أو " العصرنة" ، استخدمه البابا يوحنا الثالث والعشرون عام 1959 لوصف خطته لتجديد الكنيسة الكاثوليكية.)

كما أوضح رودنسون أكثر من مرة في كتاباته، لم تكن "الإسلاموية" ظاهرة أحادية البعد. يمكن أن يتخذ الإسلام السياسي توجهات متضاربة، اعتمادًا على الفاعلين الاجتماعيين الذين يزعمون أنهم من دعاة الإسلام والقادة السياسيين والفكريين الذين تقدموا لصياغة برنامجه. لم يكن هناك عقيدة دينية واحدة متسقة داخليًا يمكن تطبيقها على عالم السياسة.

تم بناء التقليد حول أفعال وأقوال النبي وأصحابه والخلفاء الأوائل، بعد حوالي 150 إلى 200 عام ، بناءً على الشريعة الإسلامية. في حين أن هذا الجسم من الفكر يميل إلى دعم المصالح الخاصة المميزة والدعوة إلى الخضوع الكامل للسلطة، فإن مطالب العقيدة التي ولدت في سياق قائم على المساواة نسبيًا غالبًا ما تقطع في الاتجاه المعاكس، مما يوفر الأساس للنقد الاجتماعي. من ناحية أخرى، أراد الخلفاء والأمراء والسلاطين الذين سيطرت قوتهم الاستبدادية على العالم الإسلامي منذ منتصف القرن السابع فصاعدًا أن يكونوا وحدهم القضاة في المسار الصحيح الذي يتبعه المسلمون.

لا يتم ترسيخ الأديان مرة واحدة وإلى الأبد من خلال نص الكتاب المقدس التأسيسي. انها تتطور بتطور المجتمعات التي تتبناها، والتي تتمتع طبقاتها الحاكمة بتأثير حاسم على أشكالها المؤسسية والعقائدية. الاستحواذ على رجال الدين - العلماء - من قبل الأقوياء ليس شيئًا فريدًا بالنسبة للإسلام ، حتى لو اتخذ شكلاً معينًا في العالم الإسلامي. كما أن "الهرطقات" التي تعلن العودة إلى "الإيمان الحقيقي" غذت العديد من حركات المقاومة الاجتماعية داخل الإسلام ، تمامًا كما فعلت في الأديان الأخرى.

لاهوت التحرير والاضطهاد
هل الإسلام محكوم عليه بأن يكون أداة للسياسات الرجعية؟ ليس بالضرورة، أصر رودنسون. تحت تأثير الثورة الروسية ونضالات التحرير التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، طورت قطاعات معينة في العالم الإسلامي نوعًا من لاهوت التحرير ذي الدلالات الاشتراكية.

أولى رودنسون اهتمامًا خاصًا بهذه التطورات ، حيث نظر إلى مسيرة الناشط السياسي التتاري مير سايت سلطان غالييف. سلطان Sultan-Galiev, كان المتحدث باسم الحزب البلشفي للمطالب القومية والدينية لمسلمي روسيا:

"لقد رأى ( غالييف) المجتمع الإسلامي، باستثناء عدد قليل من الإقطاعيين الكبار من ملاك الأراضي والبرجوازية، كوحدة اضطهدت بشكل جماعي من قبل الروس في ظل القيصرية. وبالتالي، لم يكن هناك جدوى من تقسيمها بحكم اختلافات مصطنعة وصراعات طبقية. . . في الواقع ، يجب أن تتكيف الثورة الاشتراكية مع مجتمع مشبع بالتقاليد الإسلامية. لذلك ، أوصى سلطان غالييف، وهو ملحد نفسه، بالتعامل مع الإسلام برفق، من خلال ابعاد الاسلام تدريجيا عن التأثرات الاكليريكية defanaticization وايضا بواسطة العَلمنة secularization.

دعم لينين سلطان غالييف، لكن في وقت لاحق خاصمته القيادة السوفيتية. تحت حكم ستالين، سُجن وأُطلق عليه النار في النهاية. رأى رودنسون أن الثوري التتاري هو الرجل الذي أدرك "أولاً أهمية المسألة الوطنية في البلدان المستعمرة
و الأهمية الدولية للاشتراكية لتلك الحركات الوطنية التي لا تتبنى على الفور حربًا طبقية كاملة والاشتراكية ".

اعتقد رودنسون أنه من الممكن تصور "إسلام التحرير" على غرار لاهوت التحرير المسيحي في أمريكا اللاتينية. يمكن أن يحدث هذا طالما أن حامل هذا الاتجاه هي حركة شعبية قطعت قيادتها بوعي تقليد العلماء الطويل في التعاون مع الطبقة الحاكمة وسلطة الدولة.

مع أخذ ذلك في الاعتبار ، انتقد رودنسون عمار أوزغان Amar Ouzegane ، أحد مؤسسي الحزب الشيوعي الجزائري. من وجهة نظره ، كان أوزغان محقًا بالتأكيد في الاعتراف بالمشاعر الدينية الواسعة الانتشار التي حشدتها الحركة القومية ضد الاستعمار الفرنسي في كتابه عام 1962 Le Meilleur Combat (The Best Fight). ومع ذلك، عارض رودنسون دعم أوزغان للسلطات الإسلامية التقليدية في الجزائر. وحذر من أن رجال الدين هؤلاء سيدافعون حتما عن مصالح الطبقات الحاكمة الجزائرية الجديدة بعد الاستقلال ، فضلا عن القيم الاجتماعية الرجعية (نفس الكلام, ينطبق على تيار الصدر الاسلامي في العراق وبذلك لا يمكن ان ينتمي هذا التيار الى "لاهوت التحرير الاسلامي" بعرف رودنسون!).

في مقابلة عام 1986 مع الماركسي اللبناني جيلبرت الأشقر ، استذكر رودنسون رحلة قام بها إلى الجزائر في عام 1965، في الوقت الذي كان فيه أول رئيس للبلاد، أحمد بن بلة، "يقوم بمحاولات حذرة لتعزيز مساواة المرأة":

"كانت منظمة نسائية رسمية - وليست المنظمة المزيفة التي لدينا اليوم - تعقد مؤتمرًا في العاصمة. مع اختتام المؤتمر، جاء بن بلة في مسيرة على رأس موكب من النساء جالت شوارع الجزائر العاصمة. من الأرصفة على كلا الجانبين، كان الرجال المشمئزون يصفرون ويسخرون."

يعتقد رودنسون أن دعم بن بيلا المؤقت للمساواة بين الجنسين كان عاملاً مهمًا وراء الانقلاب الذي قاده هواري بومدين الذي أطاح به في وقت لاحق من ذلك العام. لقد رأى هذا كمثال مبكر لظاهرة أوسع بكثير: "أحد الأسباب التي جعلت الأصولية الإسلامية تتمتع بجاذبية مغرية في كل مكان تقريبًا هو تجريد الرجال من امتيازاتهم التقليدية من قبل الأيديولوجيات الحداثية."

صعود الأصولية الإسلامية
إن البذور التي اكتشفها رودنسون في أعقاب استقلال الجزائر قد انفجرت بالكامل بعد الثورة الإيرانية 1978-1979 مع ترسيخ النظام الأصولي الشيعي لآية الله الخميني. بينما كانت الحركة الثورية الإيرانية تتطور خلال سنواتها الاولى، استقبلها بعض المثقفين اليساريين الغربيين بمزيج من البهجة والانبهار (احد المقفين كان ميشي فوكو. ط.ا ). لقد كانوا أكثر حماسًا لأنهم رأوا الآمال السياسية للثورة في الستينيات تتدهور في أماكن أخرى.

رأى رودنسون على الفور مخاطر مثل هذا التفاعل الساذج وغير المستنير. في ثلاث مقالات نُشرت في كانون الأول (ديسمبر) 1978 في صحيفة لوموند، وصف الأصولية الإسلامية بأنها نوع من "الفاشية القديمة" القائمة على "إرادة إقامة دولة استبدادية وشموليّة تحافظ شرطتها السياسية بشراسة على النظام الأخلاقي والاجتماعي" ، بينما أيضًا تفرض "الامتثال لمعايير التقاليد الدينية كما يتم تفسيرها بالمعنى الأكثر تحفظًا".

روح الله الخميني في أواخر السبعينيات.
كان مؤيدو الخميني من نوعين ، كما يعتقد رودنسون: علق البعض أهمية قصوى على "تجديد الإيمان" بوسائل مصطنعة وقسرية، بينما رأى الآخرون أنه "مكمل نفسي" من شأنه تسهيل "الإصلاح الاجتماعي الرجعي". في فبراير 1979 ، في الأسبوعية الفرنسية Le Nouvel Observateur ، قدم تعليقًا ساخرًا على حماس ميشيل فوكو لما كان يحدث في إيران تحت قيادة الخميني:

"الأمل ، الذي مات أو يحتضر منذ زمن طويل ، لثورة عالمية من شأنها أن تقضي على استغلال الإنسان وقمعه من قبل الإنسان ، عاد إلى الظهور ، أولاً بخجل ، ثم بثقة أكبر. هل يمكن أن يكون هذا الأمل ، بشكل غير متوقع ، متجسدا الآن في هذا الشرق الإسلامي غير الواعد حتى الآن ، وبصورة أدق ، في هذا الرجل العجوز الضائع في عالم فكر القرون الوسطى؟"

في إيران أيضًا ، بدا أن الماركسيين والليبراليين على حدٍ سواء مندهشون من القوة الحشدية للشعارات الدينية - "تعبر عن الأسباب المادية للاستياء والثورة"، وفقًا لرودنسون - والتي باسمها واجهت الجماهير جيش الشاه باجسادها الغير مسلحة. كان العديد من المثقفين الإيرانيين التقدميين يحاولون منذ فترة طويلة إيجاد نقاط التقاء بين الإسلام، وخاصة الشيعة والاشتراكية.

البعض فعل ذلك بكل صدق ، مثل علي شريعتي، الذي كانت أفكاره مؤثرة في أوساط منظمة مجاهدي خلق الإيرانية اليسارية. اتبع آخرون هذا النهج لأسباب تكتيكية، على أمل كسب قلوب الجماهير. بعد ما يسمى بالثورة البيضاء 1962-1963، وهو برنامج لتحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية أطلقته ديكتاتورية الشاه الموالية للغرب، في حين جاول آخرون تشكيل تحالفات دينية ضد حكمه.

ومع ذلك ، فقد تغاضوا جميعًا عن الموقف الاجتماعي وأيديولوجية القيادة الدينية الإيرانية، التي كانت قريبية من برجوازية البازار التجارية بشكل أساسي. بحلول سبعينيات القرن الماضي، كان روح الله الخميني قد أقنع الملالي بمفهومه لـ "حكومة إسلامية" تخضع لسلطة لا جدال فيها لمرشد أعلى.

بالنسبة لرودنسون، لم تكن المسألة هي محاولة منع المسلمين من السعي وراء مستقبلهم في نسخة ما من الإسلام ، "الذين سيتعين عليهم تشكيل وجهه الجديد بأيديهم." في الحالة الإيرانية ، لم يكن مصطلح "إسلامي" في صياغة الخميني هو ما كان يجب أن يجذب انتباه المراقبين، بل كلمة "حكومة" ، التي استثمرها الخميني بقوة في مضمون استبدادي في خطاباته وكتاباته.

اعتبر رودنسون الأصولية الإسلامية على أنها نتاج مآزق الحداثة بأشكالها المختلفة - الاستعمارية أو الاستعمارية الجديدة أو القومية أو حتى "الاشتراكية" - سواء في المنطقة العربية أو تركيا أو إيران أو آسيا الوسطى أو أفريقيا جنوب الصحراء. في عام 1986، حذر من أنها ستظل سمة من سمات المشهد السياسي في الدول الإسلامية لفترة طويلة:

"الأصولية الإسلامية هي حركة انتقالية مؤقتة، لكنها يمكن أن تستمر لمدة ثلاثين أو خمسين سنة أخرى - لا أعرف إلى متى. عندما لا تكون الأصولية في السلطة، فإنها ستستمر في كونها مثالية، طالما استمر الإحباط الأساسي والاستياء الذي يقود الناس إلى اتخاذ المواقف المتطرفة. أنت بحاجة إلى خبرة طويلة مع رجال الدين حتى تشعر بالملل في النهاية - انظر كم من الوقت استغرقت أوروبا! سوف يستمر الأصوليون الإسلاميون في السيطرة لفترة طويلة قادمة. إذا فشل نظام أصولي إسلامي بشكل واضح للغاية وأدى إلى استبداد واضح ، ومجتمع هرمي بائس ، وشهد أيضًا انتكاسات من الناحية الوطنية، فقد يؤدي ذلك بالعديد من الناس إلى اللجوء إلى بديل يدين هذه الإخفاقات. لكن هذا يتطلب بديلاً موثوقًا به يحفز الناس ويعبئهم. لن يكون الأمر سهلا."

في هذا ، بالطبع ، كان رودنسون على حق.

"شك في كل شيء!"
تميزت حياة رودنسون ومسارها الفكري بالبحث المستمر عن الحقيقة في إطار الإيمان بالتحرر الجماعي. بدون تردد، لكان قد تبنى توصية ماركس الشهيرة: شك في كل شيء! كان لا يثق في النظريات المجردة التي تفتقر إلى أساس ملموس وسعى دائمًا لبناء مفاهيمه الخاصة على بحث تجريبي لا يكل. كما أنه لم يقبل فكرة أن التفكير النقدي حول موضوع معين يمكن أن يكون من اختصاص مجموعة واحدة من الناس لأنهم وحدهم من عانوا من هذا النوع من الاستغلال أو الاضطهاد.

رفض رودنسون بشدة فكرة الماركسية كمجموعة كاملة من العقيدة التي تحتوي بالفعل على جميع الإجابات على الأسئلة السياسية الهامة. "مثل أحد تلك اللوحات الإلكترونية في محطات مترو باريس، والتي تشير إلى المسار الصحيح من نقطة إلى أخرى." في فهمه ، لم تكن هناك "ماركسية واحدة فقط ، ولكن العديد من الماركسيات ، جميعها ذات جوهر مشترك، هذا صحيح ، ولكن أيضًا مع العديد من الاختلافات، كل نسخة شرعية مثل أي نسخة أخرى."

من مرحلته الستالينية، استخلص الدرس القائل بأن المُثُل السياسية العليا لم تكن "ضمانة ضد أفخاخ الرضا الذاتي والنرجسية الجماعية ، ولا ضد الهذيان الأيديولوجي والهفوات الأخلاقية التي يمكن أن تؤدي إليها حتى أكثر الالتزامات إثارة للإعجاب". ومع ذلك، فإن شكوك رودنسون بشأن العقائد الأيديولوجية لم تدفعه نحو الهدوء السياسي. كما كتب في مقدمة الماركسية والعالم الإسلامي:

"عندما يكون من الواضح بجلاء أن الكوارث غير المقبولة هي نتيجة مباشرة للهياكل الأساسية القمعية والاستغلالية، فإن العلاج يجب أن يكون جذريًا ؛ يجب، كما قال ماركس ، أن تذهب إلى جذر الأشياء. وفي هذه الحالة، لا يوجد سوى موقف واحد صالح لأولئك غير القادرين على الاستسلام للمعاناة الإنسانية التي يمكن ى رودنسون الأصولية الإسلامية على أنها نتاج مآزق الحداثة بأشكالها المختلفة - الاستعمارية أو الاستعمارية الجديدة أو القومية أو حتى "الاشتراكية" - سواء في المنطقة العربية أو تركيا أو إيران أو آسيا الوسطى أو أفريقيا جنوب الصحراء. في عام 1986 ، حذر من أنها ستظل سمة من سمات المشهد السياسي في الدول الإسلامية لفترة طويلة:

الأصولية الإسلامية هي حركة انتقالية مؤقتة ، لكنها يمكن أن تستمر لمدة ثلاثين أو خمسين سنة أخرى - لا أعرف إلى متى. عندما لا تكون الأصولية في السلطة ، فإنها ستستمر في كونها مثالية ، طالما استمر الإحباط الأساسي والاستياء الذي يقود الناس إلى اتخاذ المواقف المتطرفة. أنت بحاجة إلى خبرة طويلة مع رجال الدين حتى تشعر بالملل في النهاية - انظر كم من الوقت استغرقت في أوروبا! سوف يستمر الأصوليون الإسلاميون في السيطرة على هذه الفترة لفترة طويلة قادمة. إذا فشل نظام أصولي إسلامي بشكل واضح للغاية وأدى إلى استبداد واضح ، ومجتمع هرمي بائس ، وشهد أيضًا انتكاسات من الناحية القومية ، فقد يؤدي ذلك بالعديد من الناس إلى اللجوء إلى بديل يدين هذه الإخفاقات. لكن هذا يتطلب بديلاً موثوقًا به يحفز الناس ويعبئهم. لن يكون الأمر سهلا.

في هذا ، بالطبع ، كان على حق.

"شك في كل شيء!"
تميزت حياة رودنسون ومسارها الفكري بالبحث المستمر عن الحقيقة في إطار الإيمان بالتحرر الجماعي. بدون تردد ، لكان قد اتخذ أمر ماركس المشهور: شك في كل شيء! كان لا يثق في النظريات المجردة التي تفتقر إلى أساس ملموس وسعى دائمًا لبناء مفاهيمه الخاصة على بحث تجريبي لا يكل. كما أنه لم يقبل فكرة أن التفكير النقدي حول موضوع معين يمكن أن يكون من اختصاص مجموعة واحدة من الناس لأنهم وحدهم من عانوا من هذا النوع من الاستغلال أو الاضطهاد.

رفض رودنسون بشدة فكرة الماركسية كمجموعة كاملة من العقيدة التي تحتوي بالفعل على جميع الإجابات على الأسئلة السياسية الهامة.
رفض رودنسون بشدة فكرة الماركسية كمجموعة كاملة من العقيدة التي تحتوي بالفعل على جميع الإجابات على الأسئلة السياسية المهمة ، "مثل أحد تلك اللوحات الإلكترونية في محطات مترو باريس ، والتي تشير إلى المسار الصحيح من نقطة إلى أخرى." في فهمه ، لم تكن هناك "ماركسية واحدة فقط ، ولكن العديد من الماركسية ، جميعها ذات جوهر مشترك ، هذا صحيح ، ولكن أيضًا مع العديد من الاختلافات ، كل نسخة شرعية مثل أي نسخة أخرى."

من مرحلته الستالينية ، استخلص الدرس القائل بأن المُثُل السياسية العليا لم تكن "ضمانة ضد أفخاخ الرضا الذاتي والنرجسية الجماعية ، ولا ضد الهذيان الأيديولوجي والهفوات الأخلاقية التي يمكن أن تؤدي إليها حتى أكثر الالتزامات إثارة للإعجاب". ومع ذلك ، فإن شكوك رودنسون بشأن العقائد الأيديولوجية لم تدفعه نحو الهدوء السياسي. كما كتب في مقدمة الماركسية والعالم الإسلامي:

عندما يكون من الواضح بجلاء أن الكوارث غير المقبولة هي نتيجة مباشرة للهياكل الأساسية القمعية والاستغلالية ، فإن العلاج يجب أن يكون جذريًا ؛ يجب ، كما قال ماركس ، أن تذهب إلى جذر الأشياء. وفي هذه الحالة ، لا يوجد سوى موقف واحد صالح لأولئك غير القادرين على قبول قبول المعاناة الإنسانية التي يمكنى رودنسون الأصولية الإسلامية على أنها نتاج مآزق الحداثة بأشكالها المختلفة - الاستعمارية أو الاستعمارية الجديدة أو القومية أو حتى "الاشتراكية" - سواء في المنطقة العربية أو تركيا أو إيران أو آسيا الوسطى أو أفريقيا جنوب الصحراء. في عام 1986 ، حذر من أنها ستظل سمة من سمات المشهد السياسي في الدول الإسلامية لفترة طويلة:

الأصولية الإسلامية هي حركة انتقالية مؤقتة ، لكنها يمكن أن تستمر لمدة ثلاثين أو خمسين سنة أخرى - لا أعرف إلى متى. عندما لا تكون الأصولية في السلطة ، فإنها ستستمر في كونها مثالية ، طالما استمر الإحباط الأساسي والاستياء الذي يقود الناس إلى اتخاذ المواقف المتطرفة. أنت بحاجة إلى خبرة طويلة مع رجال الدين حتى تشعر بالملل في النهاية - انظر كم من الوقت استغرقت في أوروبا! سوف يستمر الأصوليون الإسلاميون في السيطرة على هذه الفترة لفترة طويلة قادمة. إذا فشل نظام أصولي إسلامي بشكل واضح للغاية وأدى إلى استبداد واضح ، ومجتمع هرمي بائس ، وشهد أيضًا انتكاسات من الناحية القومية ، فقد يؤدي ذلك بالعديد من الناس إلى اللجوء إلى بديل يدين هذه الإخفاقات. لكن هذا يتطلب بديلاً موثوقًا به يحفز الناس ويعبئهم. لن يكون الأمر سهلا.

في هذا ، بالطبع ، كان على حق.

"شك في كل شيء!"
تميزت حياة رودنسون ومسارها الفكري بالبحث المستمر عن الحقيقة في إطار الإيمان بالتحرر الجماعي. بدون تردد ، لكان قد اتخذ أمر ماركس المشهور: شك في كل شيء! كان لا يثق في النظريات المجردة التي تفتقر إلى أساس ملموس وسعى دائمًا لبناء مفاهيمه الخاصة على بحث تجريبي لا يكل. كما أنه لم يقبل فكرة أن التفكير النقدي حول موضوع معين يمكن أن يكون من اختصاص مجموعة واحدة من الناس لأنهم وحدهم من عانوا من هذا النوع من الاستغلال أو الاضطهاد.

رفض رودنسون بشدة فكرة الماركسية كمجموعة كاملة من العقيدة التي تحتوي بالفعل على جميع الإجابات على الأسئلة السياسية الهامة.
رفض رودنسون بشدة فكرة الماركسية كمجموعة كاملة من العقيدة التي تحتوي بالفعل على جميع الإجابات على الأسئلة السياسية المهمة ، "مثل أحد تلك اللوحات الإلكترونية في محطات مترو باريس ، والتي تشير إلى المسار الصحيح من نقطة إلى أخرى." في فهمه ، لم تكن هناك "ماركسية واحدة فقط ، ولكن العديد من الماركسية ، جميعها ذات جوهر مشترك ، هذا صحيح ، ولكن أيضًا مع العديد من الاختلافات ، كل نسخة شرعية مثل أي نسخة أخرى."

من مرحلته الستالينية ، استخلص الدرس القائل بأن المُثُل السياسية العليا لم تكن "ضمانة ضد أفخاخ الرضا الذاتي والنرجسية الجماعية ، ولا ضد الهذيان الأيديولوجي والهفوات الأخلاقية التي يمكن أن تؤدي إليها حتى أكثر الالتزامات إثارة للإعجاب". ومع ذلك ، فإن شكوك رودنسون بشأن العقائد الأيديولوجية لم تدفعه نحو الهدوء السياسي. كما كتب في مقدمة الماركسية والعالم الإسلامي:

"عندما يكون من الواضح بشكل واضح أن الكوارث غير المقبولة هي نتيجة مباشرة للهياكل الأساسية القمعية والاستغلالية ، فيجب أن يكون العلاج جذريًا ؛ يجب ، كما قال ماركس، أن تذهب إلى جذور الأشياء. وفي هذه الحالة، لا يوجد سوى موقف واحد صالح لأولئك غير القادرين على توطين انفسهم بقبول المعاناة الإنسانية التي يمكن تجنبها: أن يكونوا متمردين."



#طلال_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأطروحة النفيض لماركسية مبتذلة!
- الرأسمالية هي الرأسمالية -والتعاسة ستزداد-!
- بوب مارلي: اكسير مضاد لمعاداة الشيوعية!
- التنبؤ بنهاية الرأسمالية 5
- التنبؤ بنهاية الرأسمالية 4
- التنبؤ بنهاية الرأسمالية 3
- التنبؤ بنهاية الرأسمالية 2
- حداثة (شيوعية) الإنسان التافه!
- التنبؤ بنهاية الرأسمالية 1
- الحادية ماركس: الدين والروحانيات!
- جمهورية الانتحار, كوريا الجنوبية: هالالويا كوهين!
- كردستان العراق ستفشل مع تفاقم ديكتاتوريتها
- استعمار الإمبريالية لعقول -شيوعيي!- العراق
- شوميسكي والعلاج النفسي
- تقسيم العمل لدى ماركس 4
- دحض خرافة -عدم إمبريالية الولايات المتحدة!-
- شيوعية واحدة, لا شيوعيتان!
- نحكم على الناس بأفعالهم وليس باقوالهم
- انجلز وعلم الأحياء الديالكتيكي
- التحليل النفسي والدين في القرن الحادي والعشرين


المزيد.....




- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلال الربيعي - ماكسيم رودنسون مؤرخً ثوريً للعالم الإسلامي