أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - طعم الكارثة














المزيد.....

طعم الكارثة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6802 - 2021 / 1 / 30 - 13:11
المحور: الادب والفن
    


لقد نام طويلا.. عشرات السنين، نام هائما على قدميه، وفقد في الطريق كل الاشارات والادلة، ومسحت الريح خطواته، واستيقظ في منتصف الليل على سرير حديدي، مغطى ببطانية رمادية، في حجرة تحمل رقما ما في إحدى واحات  المدن الضخمة، شرب كأسا من الماء، وعاود النوم. في الليلة التالية، استيقظ في منتصف الليل مذعورا يقطر جبينه عرقا، فشرب كأسا من الماء وعاود النوم. في الليلة الثالثة، كان كأس الماء قد تحول إلى دم أحمر داكن يفوح برائحة الفجيعة، فدخل في ملابسه، وفتح الباب، وخرج إلى الشارع. وسار طويلا وهو يفكر في العالم والكون والله والجن والانس والحيوان والنباتات والجماد. سار في الشوارع طوال الليل والنهار، أيام السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس والجمعة والسبت والاحد. سار في الشوارع هائما يلبسه النوم، ويحلم بسرير حديدي في حجرة تحمل رقما ما، يحلم بالراحة الجسدية، بالنوم، ونسيان الوجوه التي تنضح بالفجيعة. سار طوال الليل والنهارحتى تعثرت قدمه بحجر مهاجر في أحد الشوارع الخلفية، وتفجر الدم الداكن من اصبع قدمه. جلس على الرصيف يراقب الدم المتجمع على الارض حتى يصبح نهرا يعبر الشارع إلى الرصيف المقابل، يرقب دمه يترك جسده فارغا مثل شكوة، ويرى أحلامه تتبخر، وترتفع في الفراغ الصامت وتتلاشى. لكم يخاف العودة إلى سريره في هذه الليلة المرعبة !! كلما أحس بهذا الطعم الخاص في حلقه، يعرف انه قبل النوم سيستعرض كل الهزائم التي مرت بحياته، ويدرك قبل ان يغلبه النوم أنه مجرد انسان عادي يمارس حياته ــ موته .. مثل حجر. عادة ما تبعث هذه الفكرة في نفسه فكرة تعليق جسده في حبل، او القاء نفسه تحت عجلات القطار، او ضخ جسده بالبنزين واشعال عود كبريت. وتتبخر الفكرة عادة قبل الفجر، وأحيانا بعده. يعرف انه مجرد انسان عادي بلا طموح، أنسان فاتر لالون له، صوته مجرد كلمات جوفاء بلا رنين، جسده يراه مثل جدع نخلة قديمة بلا حواف، وبلا شخصية محددة. يتغير حسب السنوات والفصول، حياته باهتة مثل قرية جنوبية ، حيث يعيش البشر ويموتون دون أن يعرفوا رائحة البحر، ولا لون السماء المالحة. مجرد انسان عادي قذفت به  الامواج بالصدفة على شاطئ بلا بحر، دون أن يدري. حياته مرقت فجأة من حفرة صغيرة في دماغه لم يفطن إليها، دون أن يفعل أي شيء، أي شيء على الاطلاق لإيقاف النزيف. ويواصل السير، وتمر الأيام والأسابيع والسنين، يهيم في الشوارع كالعادة، ويصل في بعض الأحيان إلى الشوارع الرملية، حيث تصطف البيوت على جانبي الطريق، وحيث يتراءى من النوافذ ذلك الضوء الأزرق المرتجف، مصحوبا بصوت الجهاز الملعون وهو يصب سمومه في آذان وعيون الأطفال والرجال والنساء. المكان في حد ذاته لم تعد له أهمية، ماتت المسافات في هذا العصر الذي يكتفي فيه الانسان بمراقبة الحياة تجري أمام عينيه على الشاشة، وهو يمضغ وجبته المسائية، ويتكئ على مخدة، طالبا من النساء والأطفال السكوت. الأماكن  في حد ذاتها لم تعد لها أهمية، ولم يعد يفرق بين مدينة وأخرى، لم يعد يستطيع أن يرى وجوه الجدران والأبواب، الشوارع والمباني تبدوا له متشابهة على الدوام. في الأيام الأولى فقط، كانت الأصوات تبدو له مختلفة، وبعد عدة أسابيع، بدأت الأصوات تختلط في رأسه، وعادت كما كانت، ضجيج .. ضجيج .. ضجيج …



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدمية والثورة
- العدمية وأخلاق العبيد
- الرجل والملح
- الجهادية ليست حركة عدمية
- ضجيج الأشياء
- ميلانكوليا
- السلطة والمال والكينونة
- خلق الله الأنف لحمل النظارات ..
- معنى الحياة والموت
- قذارة البشر .. والآلهة
- عبثية الإنتحار
- لا تنظر للقمر
- إنتحار الآلهة
- ماذا يفعل الله طوال اليوم ؟
- أركيولوجيا العدم
- ضجيج الآلهة البلهاء
- وحدة الله
- الثورة على الله وأزلامه
- القطار الأخرس
- كوشيز .. الهندي الذي نزف حمرته


المزيد.....




- شارك في -ربيع قرطبة وملوك الطوائف-، ماذا نعرف عن الفنان المغ ...
- اللغة الروسية في متناول العرب
- فلسطين تتصدر ترشيحات جوائز النقاد للأفلام العربية في دورتها ...
- عُمان تعيد رسم المشهد الثقافي والإعلامي للأطفال
- محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع ...
- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - طعم الكارثة