أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد السعد - تسامي ال(أنا) في مجموعة (طائر الملكوت) للدكتور مجبل المالكي















المزيد.....

تسامي ال(أنا) في مجموعة (طائر الملكوت) للدكتور مجبل المالكي


أحمد السعد

الحوار المتمدن-العدد: 6801 - 2021 / 1 / 28 - 21:42
المحور: الادب والفن
    


في مجموعته الجديدة ،يعود مجبل المالكي الى تقنية القصيدة القصيرة الموجزة المكثفة بثيمتها الفريدة ولكن الدالة والمعبرة والعميقة في دلالاتها وتوجهها وأدائها لغرضها المنشود في ذهن القاريء ووعيه وتسم قصائد هذه المجموعة سمة غالبة ان قصائد المجموعة قصائد ذاتية ، فيها الشاعر يجوب معنا خرائط عالمه مستعيدا مرارة التجارب والخسارات ، فالشاعر امامنا مباشرة دون قناع ودون حواجز ودون رمزية تثقل النص ودون ايماءات وأيحاءات سردية سوى بالقدر الذي يخدم توجه القصيدة وغرضها وأنسيابها بنعومة الى الذهن .
عنونة القصائد هنا تكتسب اهمية قصوى فهي مدخلنا الى القصائد وباب الولوج اليها وهي (الدالة) والموجهة لكي نتهيأ ذهنيا لخوض التجربة مع الشاعر وهي (اي العنونه) " احد موجهات قراءة النصوص ، والعتبة التي تستقبل القاريء عند تخوم النص الأولى ، وتتعداها غالبا لتكون جزءا من بنية النص لايمكن استكمال اظهار دلالاته وتبين شعريته الا بالتوقف عندها ، فهي تشرك القاريء او تقحمه في عالمها " – حاتم الصكر (مقدمة كتاب الجنوب )
فالشاعر – وفي مجموعته السابقه ( أنشاد في حضرة ملك الطير ) ايضا – مسكون بروح وأيحاء كتاب فريد الدين عطار ( منطق الطير ) حيث تختار الطيور في رحلتها نحو قمة جبل (قاف) في بحثها عن السيمرغ ، تختار الهدهد ملكا عليها وتلبسه التاج فيقودها في طريق الخطر والأهوال عبر سبعة وديان حتى لايصل منها سوى ثلاثون طيرا . فكرة ملك الطير ( الهدهد ) والذي ذكره القرآن الكريم في قصته مع الملك سليمان الحكيم فكان الهدهد من دل سليمان على الماء وهو الذي دعا ملكة سبأ الى الأيمان بالله (حسب ماورد في القرآن) -سورة النمل 20 .
وضعت عنوان هذه المقالة ووضعت نفسي ضمن حدوده الضيقة ومع اني سأتجاوزه بين الحين والآخر الا اني سأعود اليه مركزا على (أنا) الشاعر وكيف تسامت عن الـ(انا) الضيقة وعن النرجسية وتضخيم الذات ، فالشاعر في مجموعته هذه يكتب عن نفسه ويجد فيها حقله الفسيح وملعبه الواسع المخضب بالتجارب القاسية لحياة حفلت بالترحال والغربة والخسارات والهزائم والنكسات والجروح والألم والفقدان فالشاعر و(اناه) يصبحان شخصين يخاطب أحدهما الآخر وبتساؤل يتوجه الشاعر الى (اناه) بالسؤال الذي يفتتح به المجموعة :
" أتراك تغوص الى اعماق رؤاي ،
وتستبطن مافي قيعان هواي الضمآن ،
أتراك ....
وأنت تحلق فوق سماوات هابطة
وتظل تراوح
مثل طيور النورس
فوق ضفاف الشطآن ؟"
هنا ، تحتك (انا) الشاعر بالآخر (القرين ) فهو هنا مخاطبا نفسه في تساؤلات ليس لها اجابات وهي اسئلة وتساؤلات بقيت بلا اجوبة وتركها الشاعر مفتوحة على كل الأجابات . الأمل والأنشداد للغد وللحياة وترك النوافذ مفتوحة على نسائمه ، ميزة ظاهرة للمجموعة ، فالشاعر لم يصبه القنوط واليأس بعد مشاق الحياة ومتاعب الطريق وقسوة الظروف والأخرين فنوافذه مازالت مشرعة على الأمل ومازال في قلبه متسع لأستقبال الغد بما يحمل :
" ستظل اناي،
ولن تفنى في هذا العدم المجهول .
طافية روحي بين سماوات هواي وكلي يفلت كالطائر ،
من قفص الظلمة
حتى يرقد فوق حرير ضفاف
وحقول "
فهذا الطائر القمين بسماء عالية يحلق فيها مزهوا بحريته وبفضاءاته المفتوحة بلا حدود رافضا ان يحتويه قفص وسيجد حريته وحياته وقدره ومصيره على ارض اخرى اكثر دفئا وحميمية وهي ارض (ضفاف وحقول ) . هذه الـ(انا) المنطلقة الى عالم الحرية والأنعتاق لن تقبل بأقل من ان تسبح قرب ضفاف خضراء ملونة بالأزاهير والآمال تحفها المياه والسماء الزرقاء . هي نفس الشاعر المتطلعة للحرية والصفاء والنقاء الذي في الطبيعة فسجن المدينة الكبير بما يحتويه من أدران وفوضى وخراب وبما فعله (الآخرون ) من تخريب وتدمير وتزييف وبهتان . الشاعر ينأى بنفسه عن عالم هو (عدم مجهول) ، هو منفلت عن عالمه (العدم) الى حيث يجد حريته وأنسانيته فوحدها الطبيعة حيث السلام والصفاء والنقاء هي القمينة بأن يسلمها روحه في رقدته الأخيرة. هذه الرومانسية المفرطة تعيدنا الى عالم (والت ويتمان ) في أغنيته الى نفسه :
" ثمة عالم واحد يعلم بي ، وهو – لي – العالم الأكبر
أنه نفسي
وسواء بلغت منزلتي اليوم ، او بعد عشرة آلاف سنة
او عشرة ملايين سنة
فأني استطيع ان آخذها – فرحا – الآن
وبالفرح نفسه استطيع ان انتظر " – أوراق العشب /ترجمة سعدي يوسف ص90 -
* الروح الباحثة عن الدفء والحب والتي تحوم كفراشة حول قرار وأرض تحتويها وفضاءات رحبة بها تستكين واليها تنتمي ، هذه الروح التي لاتنتمي لعالم الفوضى والخراب والجدب ، انها روح عالية ، سامقة في تطلعها ، سامية في انشدادها للحب والجمال والخير والحق والحرية ، هذه الروح الملتاعة المنكوية بسوءات هذا الزمان بما فيه من خواء ترنو الى انعتاقها وتريد استعادة ادميتها فتتقد جذوة الحياة فيها فتغالب حزنها ووحدتها وتقاوم موتها وفناءها بالحب والأمل :
" ربما يستحيل الردى املا
بالنجاة .
من حياة تشظى بها البؤس
واخلولق العمر
والعصر
واحتد هذا الخراب الذي
طوق الأفق
واغتال شمس الحياة "
أعود الى موضوعة العنوان فمجبل المالكي يضعنا في قلب القصيدة ويدخلنا من باب العنوان اليها فندرك اننا نعرف مسالكها ونسير فيها مطمئنين فالطريق الى القصيدة سهل ميسر وهي طوع يديك ، تمنحك نفسها بتلقائية ومحبة ، ففي قصيدتي (خارج اسراب الطير)و(بوح طائر فريد) يعود الشاعر لموضوعة (منطق الطير ) وأجواء فريد الدين عطار وقصة (السيمرغ ) ولكنه ينحرف بها بأتجاه آخر ، فهو وأن كان محشورا في رهط الطير الا انه :
" لكني حين اعانق مرمى الشمس
بأعلى القمة
او حين اتوج مرقاى الى الملكوت
ابقى في الظل وحيدا ،
ثم اموت !!"
فهو طائر وحيد وأن كان يطير مع السرب فهو في عالمه الخاص حين يبلغ في مرقاه الى الملكوت حيث تتسامى الروح وتتطهر من آثامها وتصبح اقرب الى الله من حبل الوريد تبقى محتفظة بخصوصيتها وفردانيتها وأستقلالها وتفردها وحيدة في الظل حتى تموت فالشاعر يخطو وحيدا وسط الجموع وكما قال سعدي يوسف ( اسير مع الجميع وخطوتي وحدي ) ، هذه الفردانية المعتدة بالنفس الواثقة من خلاصها وقربها الى النقاء بعد ان تطهرت في رحلتها الطويلة نحو السمت حيث يكون الله ، تكون الروح وحيدة خالصة متخلصة مماعلق بها في رحلة العمر وكأن المعاناة والألم والقروح والجروح والندب والدم والدمع والأنتظار والجوع والفقر صبت جميعها فتقدمها الروح قربانا للمعشوق الذي سيصطفيها حين ترقد في الظل بسلام ، هذا الطائر الفريد الذي لايشبه الاخرين في شيء لأن :
" عشي في اعلى قمم الأبنوس
وأغصان الطيب ،
احيط بزهر رحيقي
كل يباب الأرض
فتخضر بأثواب السندس والياقوت "
فهنا تتضخم الـ(ألذات) في بلوغها سمو النقاء والصفاء بعد رحلة التطهر الطويلة مستعيدة صفاءها فتنفتح امامنا في قصائد ( رؤياي انا )،(لشموخي اغني)،(طائر الملكوت)،(طقوس شاعرية ،( نجمة رؤياي)،(احتفي بانتظاري) و(ماتبقى من العمر) حيث تكون الذات الموضوعة تحت المجهر وتحت الضوء المركز مكشوفة واضحة المعالم تتجلى اساريرها وما حملت من تجارب وما حفرت فيها السنون من ندب وقروح لكنها في تساميها وتطهرها سائرة في طريقها دون ان تلتفت الى الوراء ودون ان تنقطع عن تاريخها . ذات الشاعر المختزنة لتجارب جمة والمجتازة لمفازات ومسالك الوجع والأسى ومرارة الماضي وعبثية العيش في مناخات خانقة لاهواء فيها ، تتشوق الروح الى نسائم الطهر والصفاء فتفرد اجنحتها كطائر الملكوت محلقة بسماوات ليست واطئة .
* الذات والأنا ليسا مفهومين متطابقين ، تأتي الذات بعد (الأنا)، لأن (الأنا) "موجودة منذ لحظة الولادة إن كانت واعية أو غير واعية، أما معرفة الذات ونمو وعيها فسيكون لاحقا عليها وتدريجيا وصولا إلى لحظات اكتشاف العالم عبر الزيادة بالمعارف، وتحسس الوجود، حينها سيكون هنالك لقاءٌ تعارفيٌّ بين الذات والأنا داخل النفس البشرية، لتكون الأنا الحلقة الرابطة بين الذات الداخلية والآخر الخارجي، وسبيلها لمعرفة المحيط والوجود" – عامر موسى الشيخ/ مجلة المثقف -العدد 5258 ، نفهم من هذا ان الذات تتحقق من خلال الصلة التي يقيمها الشاعر بين (ذاته) وبين الآخر ( القرين) وهذه الصلة التي يكون حبل الوصل فيها قدرة الشاعر على التواصل مع الآخر (المتلقي) ، هذه الوشيجة الموصلة بين وعيين متقابلين : وعي الشاعر ووعي المتلقي .
* هناك لمحة سوداوية يلحظها قاريء مجموعة مجبل المالكي هذه ، تتجلى في قصائد كثيره كـ ( بقايا انسان ) ،( افول ) ، ( اقبية الشتات ) ، (الهيكل والروح ) ،( لا احد يأتي ) ،( صاع خبز شعير وماء ) ،( في خاتمة الرحلة من يرثيك ) ، ( حياتنا العرجاء ) وفي غير ماذكرت ايضا ولكنك تجد ومضات الأمل والأشراق والتعلق بالحياة في قصائد كثيره ايضا .



#أحمد_السعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقاد البؤرة في مجموعة (لاجنة خارج النافذه) للشاعر سهيل نجم
- طائر الفلامنكو يحط في روضة الشاعر- قراءه في مجموعة الشاعر كا ...
- عندما امطرت داخل روحي
- رحلة الفقر والموت – قراءة في شعر صلاح شلوان
- شاعرية اللغة في مجموعة ( غصن يزقزق في رماد ) للشاعر ثامر سعي ...
- ديوان (سدرة الغروب) للشاعر مجبل المالكي وأشكالية القصيدة الق ...
- قراءة لديوان (نثار الياقوت) للشاعر الدكتور مجبل المالكي
- الولد البلوري- قراءه متأنيه في مجموعة الشاعر احمد جاسم محمد
- الضياع بين دجلة والدانوب - قراءة فى قصائد مجموعة ( أطياف حال ...
- لماذا يهولون حجم حزب البعث ؟
- الشعارات والهتافات التى رددتها الجماهير يوم عاشوراء
- دور المثقف فى عملية التغيير
- خمس قصص قصيره جدا
- الحراك السياسى العراقى والولادات الجديده
- رسالة مفتوحه أسرة وكتاب وقراء الحوار المتمدن
- هل انتهى شهر عسل حكومة المالكى والأدارة الأمريكيه
- غرامة 400 الف دولار لصحفية سودانيه بسبب مقال حول لبنى الحسين
- هل تستبعد الأيادى الأمريكيه عن أنقلاب هندوراس ؟
- عن(أشرف) مرة أخرى
- يا ترانه الجميله ....أمك ما زالت تبحث عنك


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد السعد - تسامي ال(أنا) في مجموعة (طائر الملكوت) للدكتور مجبل المالكي