أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - تناقضات اليسار الصهيوني سمحت لليمين بالسطو على أفكاره















المزيد.....

تناقضات اليسار الصهيوني سمحت لليمين بالسطو على أفكاره


هشام نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 6796 - 2021 / 1 / 23 - 01:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كتب يونتان هيرشفيلد، وهو قيّم فنّي وكاتب في مجالات فكرية متعلقة أيضًا بالسياسة، في مقال قبل أشهر أن الأفكار التي نتجت في تاريخ حركات اليسار المختلفة، باتت تخضع لعملية استيلاء عدوانية عليها في جميع أنحاء العالم، وهي تُستخدم خارج السياق الذي أفضى إليها. وهذا ما يحدث أيضًا في إسرائيل. هكذا يتحدث شعبيو اليمين من واشنطن إلى تل أبيب مرورًا في أنقرة ووصولا الى نيودلهي بصفتهم ينطقون من "حنجرة الأغلبية المظلومة" مع أن سياساتهم سبب أساس في ظلمها.

موضوع المقال هو سؤال قديم نوعًا ما: كيف تأتي الأفكار وتنتشر بدون بطاقة ضمان؟ كيف يمكن استخدامها خلافا لتعليمات من أنتجتها؟ وبالتحديد، كيف يمكن للعديد من الأفكار التي جاءت ثمرة اجتهاد ونشاط اليسار التقدمي على مدى القرن الماضي، أن تجد طريقها إلى استخدام اليمين المحافظ؟ هذا سؤال جاد وفلسفي، لأنه يتعلق بجوهر النص التنويري والإشكالية البنيوية الداخلية للفكر.



وهو يسأل: "كان الحزب النازي يسمي نفسه الاشتراكي الوطني. لقد استخدم النازيون أنفسهم الفكرة الاشتراكية. لقد رأوا أنفسهم كحزب اشتراكي. فكيف يعقل ذلك؟"

ويجيب: "لدى اليمين قدرة لافتة على استخدام الأفكار بشكل أداتي وموضعي بمعزل عن المعرفة التي ترافقها، وبشكل منفصل عن القيم التي تتشكّل داخلها. في الحالة النازية، كانت "الاشتراكية" هي التي تهتم بالحقوق الاجتماعية، ولكن حقوق الألمان الآريين فقط. اليمين يقوم عمليًا بفصل الاشتراكية عن إنسانيتها الكونية ويجعلها مجرد وسيلة لفرض أهدافه".

مشيرًا الى الصياغات الفكرية التي قد تتّسم بعدم الوضوح أحيانًا وبالتأمليّة والتشعّب أحيانًا أخرى، يرى أن اليمين يستغل هذه "المسألة الأسلوبية" لخدمة مصالحه. ويعطي مثالا: "هكذا وجدت نفسها شخصية الإنسان المتفوّق لدى نيتشه متورّطة في النظرية العنصرية النازية، على الرغم من أن نيتشه كان من أكثر المفكرين المناهضين للقومجية والتعصب الألماني. وبالمثل، وجدت أفكار ميشيل فوكو نفسها في خدمة معتقدات رفض المبدأ العلمي عن كرويّة الأرض، والزعم بأنها مسطحة".



يتطرق الكاتب الى ما يصفها بـ "الحالة الشهيرة للجنرال شمعون نافيه الموصوف بـ "فيلسوف الجيش الإسرائيلي"، الذي خطط للقيام بهجمات عسكرية بروح جيل ديلوز وفليكس غواتري"، إذ اقترح تفادي الطرق التقليدية واللجوء الى أخرى التفافية، وكانت النتيجة اقتحام مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة بواسطة الانتقال من بيت لآخر بوحشيّة مرعبة: من خلال هدم جدران البيوت، الواحد تلو الآخر، خلال عدوان "السور الواقي" عام 2002، واجتياحات لاحقة. ويخلص الى أن هذه الحالة تشدّد الحاجة الملحّة للتفكير في "آلية دفاع ضرورية تُزرع في النص لمنع تحويله الى قنبلة" يستخدمها أعداؤه.

يشير الكاتب الى قصور في مفهوم "الكوني" الذي يشكل ركيزة للأممية اليسارية، مما أتاح لليمين القيام بعملية السطو تلك. ذلك لأن مفهوم الذات الكونية كان "مريضًا" منذ البداية، على حد وصفه. فهو لم يشمل الجميع، لم يتسع لأكثر من الرجل الأبيض الأوروبي.



تشكل هذه الأفكار مثالاً على أزمة عميقة – هي واحدة من كثيرات - في السياسة الإسرائيلية من حيث المفاهيم وتعريفها. أو لنقُل على الأقل من ناحية المعنى الذي يتم إسقاطه عليها، مقارنة بتاريخ المفاهيم وسياقاتها الفكرية والاقتصادية والاجتماعية في العالم. الادعاء بشأن قيام اليمين السياسي والعقائدي في إسرائيل، مثلما في مواقع أخرى، بالسطو على مفاهيم ما انفكت تشكل جزءا من الحمولة السياسية لليساريين، هو ادعاء يتخذ في الحالة الاسرائيلية لونًا أكثر سطوعًا.

السبب هو أن اليمين في إسرائيل حين احتلّ مواقع مفهوميّة معرفيّة يساريّة المضمون والحمولة، واستخدمها لغاياته النفعيّة، مثل التنكّر الزائف خلف الصوت الناطق باسم الفقراء اليهود الشرقيّين، أي اليهود العرب، إنما احتلّ تلالا جرداء خاوية، وصحارى غير مأهولة، لأنه لم يكن في إسرائيل يسارٌ حمل هذه الرايات وناضل على هذه الأجندات. وحين نقول هذا نتحدث عما يقع في نطاق وإسار ما يُعرف بـ"الإجماع القومي" الصهيوني. لا نتحدث عن شيوعيين وسائر غير الصهاينة ومناهضي الصهيونية وراديكاليين يرفضون إيديولوجيا الاستعمار هذه أصلا.

فحين خطب مناحيم بيغن، زعيم "الليكود" التاريخي، في السبعينيات المتأخرة، متقمصًا دور المتماثل مع الفقراء اليهود؛ وحين أعلن نجم الديماغوغية بنيامين نتنياهو انه يتحدّر من أصول "سفارادية"، أي من المستضعفين المضطهدين داخل الغيتو الصهيوني نفسه، لم يستوليا على غنائم من أحد. بل اقتحما بوابات مشرّعة على فراغ. فلم يكن في هذا الغيتو الصهيوني يسار فعلا، ولن يجده أحد اليوم.

إن قيمًا مثل العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة تتحول الى رميم حين لا تكون مشحونة قيميًا بفكرة الكونيّة، المتحررة من التقسيمات العرقية والقومية والدينية، والتي لا تدخل معارك لغرض الهيمنة باسم أي منها. فهل كان حزب "مباي" التاريخي الذي ورثه "العمل" يساريًا في أية فاصلة ونقطة من سجلّه، حين أقام مشروعًا سياسيًا شرطه الأول إلغاء العربي الفلسطيني بالتهجير والنفي والإخضاع والاحتلال والتمييز والتفتيت الطائفي؟ هذه استحالة.



لذلك، فإن كل صوت ومنهج تحليلي يخوض غمار النقاشات عن يسار ويمين في إسرائيل، دون أن يتحرر بنفسه من الغيتو الصهيوني، ومن غير أن يكسّر جدران الحصار العقائدي التي تسجنه فيها فيما هو واهم بأنها تحميه؛ هو صوت لا يمكن أخذ تحليله على محمل الجد. لا يمكن تحقيق اختراق ما دام الخطاب المكرّس في إسرائيل يرغي مفردات اليسار دون أن يهتم بالحفاظ على شرطها الأساس.

لم يحارب "اليسار الصهيوني" على ما يزعمه من هويّة فكرية يسارية لأنه ببساطة يفتقر إليها من البداية. وهو ما أتاح لخصومه المحافظين اليمينيين المتشددين فرصًا انتهزوها بكامل النهم والإتقان لتسديد الضربات الفتّاكة له، الى أن بات مجرّد استمرار وجوده سؤالاً مطروحًا بجدية وعلى نحو حثيث.

أستاذة العلوم السياسية في جامعة بار إيلان جوليا إلعاد سترينغر لخّصت ذلك بالقول: "لقد نزع نتانياهو شرعية اليسار بشكل حاد الى درجة انه أصبح هوية بلا شرعية". فقد استخدم مع حلفائه مصطلحات "جعلت من كونك يساريًا يعني أنك خائن. ونحن نرى تراجعًا ثابتًا في مدى تعريف الناس عن أنفسهم كيساريين، بين 12 و15 بالمئة من السكان، بينما نسبة من يعّرفون أنفسهم يمينيين تبلغ 60 بالمئة".

حين لا يدافع اليساري هنا عن ضرورة التكافؤ التام، 100%، في الحقوق والحريات بين الإسرائيلي والفلسطيني، كشرط غير قابل للاستبدال للعيش في سلام عادل للجميع؛ وحين يتمسّك بعقيدة تفوّق اليهودي على العربي في السيادة، ولو بالرموز فقط، على هذه الأرض؛ وحين يواصل العيش بذهنية الانصهار المشترك في فرن العسكر مع شقيقه المستوطن لينقضّا معا على الفلسطيني، وعلى سائر العرب، في أوّل حرب تشعلها حكومات إسرائيل ومن دون طرح سؤال واحد عن مبرّر وشرعيّة هذه الحرب ("لأن هذا سؤال لا يُسأل حين تدوّي المدافع"!)، فلن يتمكن هكذا يساري من التصدي لليمين حين يسطو نهارًا جهارًا على أفكاره ويرزمها بشكل مشوّه، بل لن يكن بمقدوره حتى حماية نفسه من انفلات فاشي ينقضّ عليه مقتربًا كل يوم.



#هشام_نفاع (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوروفيجن وحملة المقاطعة، لماذا صمت العرب؟
- إسقاط -نظام التقدميين- أيضًا
- للجائعين للحريّة، تحيّة
- نعم، ضد الامبريالية وضد النظام!
- شافيز يخطئ بحق الشعب الليبي
- عودة المعنى
- دكتاتوريّات خلف التاريخ
- سُلطتان وعارٌ واحد!
- انتحاريون وسط النار!
- من هو الإرهابي؟
- أنظمة المطايا!
- ويا لها من حداثة..
- روث البقرة الأمنية المقدسة
- الكذبة وتكذيبها
- فنون اسرائيلية في الاستغلال والنفاق
- مأساةُ الصّنوبرهشام نفاع
- الحقيقة المرّة
- حق درويش في العودة
- طيف ماركس على ممرّ مشاة
- ماركس و-الفلورنسيّ العظيم-


المزيد.....




- انفجار مستودع ألعاب نارية يشعل حرائق ويؤدي إلى إجلاءات في كا ...
- روسيا: السجن 13 عامًا لنائب وزير الدفاع السابق في واحدة من أ ...
- موديز تخفض تصنيف البنك الأفريقي للتصدير بسبب ضعف الأصول
- إسرائيل وبندقية الدعم السريع المستأجرة
- -أخطر التهم-.. خلاصة الحكم في اتهام شون -ديدي- كومز بالاتجار ...
- مصدر سوري رسمي: التصريحات حول توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل ...
- تنديد دولي بقرار إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطا ...
- موقع روسي: أذربيجان تهاجم روسيا في لعبة تتجاوز حجمها
- كاتب إسرائيلي: عدنا إلى نقطة الصفر في غزة
- وزراء إسرائيليون يدعون لضم الضفة الغربية والسلطة والعرب يدين ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - تناقضات اليسار الصهيوني سمحت لليمين بالسطو على أفكاره