أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - دكتاتوريّات خلف التاريخ














المزيد.....

دكتاتوريّات خلف التاريخ


هشام نفاع

الحوار المتمدن-العدد: 3283 - 2011 / 2 / 20 - 11:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأغنية الجديدة التي يؤديها شابّ ليبيّ هي بيان سياسيّ كامل. ويجدر بالعقيد معمّر القذّافي أن يخاف. فعندما تبدأ الاحتجاجات الشعبية بإنتاج الأغنية والقصيدة والمقولة المختلفة، يجب أن نعلم بأننا تجاوزنا مرحلة "طرح المطالب" ودخلنا في مرحلة جديدة، مرحلة التغيير الثوري. يبدو أننا سنعنوِن هذا العهد العربي بعد حين، اشتقاقًا من الهتاف المصري، بـ "الشعب أراد وأسقط النظام". لا يوجد أبسط من هذا الاعلان الثوريّ الصريح، ولا أقوى منه. وها هو يصدح في عواصم عديدة.
وسط مفاجأته ورُعبه كسائر زمرة الحكّام العرب، من ثورتيّ تونس ومصر العظيمتين، زعم معمّر القذافي أن "ليبيا مش زي مصر وتونس". المغنّي الليبي الشاب يردّ باستهتار وغضب معًا "يقلّك ليبيا مش زي مصر وتونس.. لا.. البطالة في ليبيا أكثر من مصر وتونس"، وعلى الشاشة يظهر الرقم: 33%؛ ثم، "يقلّك ليبيا مش زي مصر وتونس.. لا.. عدد الشهداء في ليبيا أكثر من مصر وتونس"، وعلى الشاشة يظهر الرقم: 1200 شهيد. هذا الرقم المُرعب يشير الى ضحايا مجزرة نظام القذافي ضد السجناء السياسيين وسجناء الرأي داخل سجن "أبو سليم" في طرابلس، بتاريخ 29 حزيران 1996. وفقًا لمصادر عدة، وقعت الجريمة بعد أن اعترض السجناء على ظروفهم ومعاملتهم السيئة. النظام الليبي واصل محاولات التكتّم على المجزرة لمدة 12 عامًا، ولم يعترف بها رسميًا إلا عام 2008 حين تسرّبت المعلومات خارج ليبيا. فراح يحاول استرضاء ذوي الشهداء بالمال تارة وتهديدهم تارة أخرى. إنّ حياة 1200 مواطن هي لا شيء بنظر هذا النظام القاتل. كل هذا، والعقيد الليبي لا يزال يحمل لقب "قائد الثورة"، منذ أربعين عامًا!
العقيد تفاجأ ثانية.. تفاجأ من أن ليبيا بالضبط كمصر وتونس، وكالبحرين واليمن والجزائر وسائر البلدان التي لن تتجاوزها روح التغيير الثورية المنطلقة. لكن ردّ نظام العقيد جاء وحشيًا ودمويًا جدًا. لا يزال من الصعب تحديد عدد ضحايا مجازر القذافي، فالتعتيم مفروض على ما يجري، بالضبط كما فعل في مجزرة أبو سليم المذكورة. لكن الفرق أنه لم يعد من الممكن اليوم فرض الظلام الدامس تمامًا. هذا عصر يبدو أننا تجاوزناه.
هذا النظام يتصرّف بنفس الغباء الذي سبقه إليه نظام تونس ونظام مصر. فقبل أن يطلق مجازره ضد الشعب، خرج العقيد نفسه في مظاهرة تأييد له بل وتطالب بالإصلاح أيضًا! لقد رأينا أمرًا مشابهًا في تكتيكات حسني مبارك ونظامه التي دلّت على تخلّف كبير قياسًا بما وصلته شرائح هامة في الشعب، وبين الشباب خصوصًا. برز ذلك الى حدّ العبث حين أرسل النظام البغال والجمال لاقتحام ميدان التحرير، بعد يوم واحد على إطلاق أحدث الطائرات الحربية المقاتلة في سماء وسط القاهرة! في هذه الفترة القصيرة جدًا ما بين التخويف بالطائرات وبين اللجوء للحيوانات، إختزل نظام مبارك التاريخ بسرعة الضوء فيما هو يتقهقر للوراء. وهكذا قدّم لنا حقيقة قوّة بقائه بصورٍ واضحة: مَن يفشل في تخويف شباب الثورة بالطائرات ثم يلجأ للدّواب، إنما يقول للجميع: لقد رحلتُ منذ سنين طويلة.
هذه الدكتاتوريات ليست عديمة الأخلاق فقط، بل إنها خفيفة العقول أيضًا. يجب أن نضيف على مقولة أرسطو "السلطة مفسدة" أنها "مفسدة للأخلاق وللعقول". هذا أحد أهمّ ما كشفه ويكشفه المدّ الثوري العربي الراهن. لكن هذا، وإن كان يقلّل من عمر الدكتاتوريات، فهو لا يلغي وحشيّتها الى حين انهيارها. وما يقترفه نظام القذّافي الآن من مجازر هو الدليل. فهو لم يتعلّم من تجربتيّ تونس ومصر أمس وأمس الأول. مثلهما، ليس لديه أدوات معرفية لفهم معنى أن هناك جيلاً عربيًا جديدًا لا تهمّه جميع ديماغوغيات الحكّام عن بطولاتهم الحقيقية والمزعومة السابقة. لأنهم حين وُلدوا، تعرّفوا عليهم بصفة واحدة: دكتاتور قامع يدوس شعبه. وحتى لو طرّز الدكتاتور كل صباح خطبة ثوريّة ضد أمريكا، فلا يبرّر له هذا أبدًا وجود مواطنين تحت سوطه يعانون من الفقر والاستغلال ويشعرون بالذلّ والكرامة الجريحة.
الشباب العربيّ اليوم يرى ويسمع ويتواصل مع أترابه خارج سجون القمع الجماعية المسمّاة دولا عربية، وحين يتأمّل في حاله يكتشف أنه ليس لديه ما يخسره سوى قيوده والبنادق الحقيقية والرمزية الموجّهة إليه من فوق جدران الخوف. سنحتاج لوقت طويل كي نفهم جذور ما جرى ويجري، لكن يكفينا الحدْس كي نقول إن جدران الخوف انهارت، وبأسهل مما توقعه حتى الشجعان الذين يقوّضونها من أساسها. إنّ هذا الشباب يسير على إيقاع حركة التاريخ، وما أروعه وهو يرمي الدكتاتور تلو الدكتاتور خلف ظهره، خلف التاريخ الجديد الذي يصنعه ببسالة مثيرة للفخر.



#هشام_نفاع (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سُلطتان وعارٌ واحد!
- انتحاريون وسط النار!
- من هو الإرهابي؟
- أنظمة المطايا!
- ويا لها من حداثة..
- روث البقرة الأمنية المقدسة
- الكذبة وتكذيبها
- فنون اسرائيلية في الاستغلال والنفاق
- مأساةُ الصّنوبرهشام نفاع
- الحقيقة المرّة
- حق درويش في العودة
- طيف ماركس على ممرّ مشاة
- ماركس و-الفلورنسيّ العظيم-
- تجميلٌ فاشل ل -صورة إسرائيل-
- عن الطائفية وأسرار يغآل ألون!
- محكمة عُليا تحت الاحتلال
- جُرح غزّة، بعيدًا عن أصوليّات بعض اليسار
- جوهر السياسة الأمريكية هو نفسه: الهيمنة... وفقط الهيمنة!! -أ ...
- قمة مختلفة بفضل المقاومة
- ما أحوجنا الى -تيّار كُفّار- في حزبنا وجبهتنا


المزيد.....




- 9 دقائق حالت بينه وبين الترحيل.. شاهد أول ما قاله الناشط الف ...
- سوريا و-الفتنة- والأحداث في جرمانا وأشرفية صحنايا.. المفتي ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على اعتماد أرمينيا لقانون حول بدء انضم ...
- إعادة حيوان برمائي نادر إلى موطنه الأصلي يعيد الأمل في إنقاذ ...
- حريق في فندق يودي بحياة 14 شخصًا شرق الهند
- القدس تشتعل: حرائق ضخمة تلتهم مساحات شاسعة وتدفع السلطات لإخ ...
- تعيين الشيخ نائبا لعباس.. إصلاح في السلطة الفلسطينية أم انحن ...
- داء فتاك تسببه الليجيونيلا.. فما هي هذه البكتيريا؟
- وزير خارجية الهند يؤكد ضرورة معاقبة مرتكبي هجوم باهالغام
- هاريس تدين سياسات ترامب -المتهورة-


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هشام نفاع - دكتاتوريّات خلف التاريخ