أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - العمى 2008:ابصار شكلي















المزيد.....

العمى 2008:ابصار شكلي


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 6764 - 2020 / 12 / 18 - 20:00
المحور: الادب والفن
    


يعمل الفيلم دائما على تنقيح الرواية،بحيث سيعتمد بالمنحى الأول على الحدث فيما ستظهر شذرات من اقتباسات نصية على لسان الابطال بين الحين والآخر،وهذا هو الأسلوب التقليدي العام لصناعة فيلم مقتبس بالأساس عن رواية كبيرة،وعلى ىالغالب تكون الاشارة ضعيفة الى حد الابتذال لما تريد ان تقوله الرواية،وهذه الاشارة- بالرغم من كل شيء-هي ميزة فيلمية ضخمة لايستطيع ان يحققها بالتأكيد سوى الفيلم،او الفن السينمائي،وعلى اننا هنا لانخوض في اشكاليات الن روب غرييه،ولكن على الأقل يحق لنا السؤال،هل سيكون فيلم العمى على مستوى رواية العمى المقتبس منها لجوزيه ساراماغو...؟
مقدما:نقول لا،والأفضل عندها ان تكون جاهلا بالرواية حتى تستمتع بمشاهدة الفيلم...
هناك شخص ما يصاب بعمى فجائي أثناء قيادة السيارة،وهذا العمى يقلب موازين الحياة،بل وموازين العمى نفسه لأنه قابل للانتقال من خلال العدوى،كما ان المرء يشاهد بياضا تاما اثناء عماه بدل من سواد العمى المعروف لدينا.
مما لا شك فيه ان العمى هو كناية...كناية عن الجهل الذي يعيشه الانسان ومن عدة نواحي،فالعمى في الفيلم أو الرواية،هو التعامي وليس العمى نفسه،وهو ايضا ذو عدة نواحي من نواحي الاستخدام،فساراماغو سيستخدم العمى لاحقا لفهم البشر،بل لتبيين الشر المتغلغل في النفس البشرية،فهو ليس فيلما عن فهم الطبيعة البشرية،بل هو عن البدائية المتحتمة القابعة في الانسانية حتى هذه اللحظة وفقا لنظرية الحاجة.
فهذا العمى الفجائي والعشوائي سيعيد الانسان الى الحالة البدائية الطبيعية،الحالة ما قبل التاريخية حتى ما قبل اكتشاف النطق أو مناقشة القيم المجردة مثل الجمال والاخلاق،بل ايضا،ووفقا لوجود العلة وهي العمى هنا،ربما سيعود الانسان الى نقطة ارذل من الحالة الطبيعية الأولى،ببساطة لأن الانسان اكتشف هذه القيم ونمقها وبناها بناءا محكما واعطاها أيضا هالة من القداسة والقدرات الميتافيزيقية احيانا.
فإذا كانت حركة الانسان مرتبطة بالتطور-والمقياس فكري فلسفي هنا-فالنفترض اذا ان التطور هوانتقال البشرية من حالة العمى الكامل الى حالة اقل عماءا،وسيكون هدف الانسان بالتأكيد تحقيق مستوى النظر الكامل،و نعتقد أن ساراماغو يعتقد بان البشرية تحركت عكسيا بحيث ومع كل هذا التطور المزيف الهائل،يبدو بالنسبة اليه بأننا لازلنا نعيش في الاصل التكويني للعمى.
فإذا كان العمى هو الجهل،فالمسيرة التطورية ليست مسيرة ذات طابع حسابي عكسي،ولا ذات طابع حسابي طردي أيضا،فنحن نتقدم نحو البصر وربما نكون في هذه الخطوة نعتقد بأننا سنحقق شيئا من الابصار،على اننا ننكص من غير ادراك حسي منا نحو العمى،وبالتالي سيكون هذا الابصار هو مجرد ابصار شكلي.
على ان الفيلم ينجر بقوة نحو الحدث ولكنه لايخلو من مساحة للتأمل تسمح للمشاهد بالتوقف والتساؤل مطولا مع نهاية الفيلم...
إذا شخص يصاب فجأة ومن دون سابق انذار بالعمى،وينقل هذه الحالة الى الآخرين ابتداءا من طبيب عيون ومن ثم الى عاهرة تضع دائما نظارة سوداء حول عينيها لأنها تعاني من الملتحمة،وبالنسبة اليها فالعهر ذو قيمة مزدوجة فهو يحقق اليها النقود بالاضافة الى المتعة،ونعتقد أن ساراماغو يشير فيها الى مريم المجدلية،ويشير ايضا الى الطفل الاحول التي ستتبناه لاحقا أثناء حالة العمى الى السيد المسيح.
وتنضم زوجة الطبيب الى نادي العميان على الرغم من انها مبصرة رغبة منها برعاية الآخرين وهي الوحيدة التي لن تنصاب بالعمى طوال أحداث الفيلم.
ومن ثم سيتحرك المجتمع نحو الحجر الصحي كمسمى حضاري لعزل متوحش لسان حاله يقول:نريد التخلص منكم
في هذا المعزل تتكون مجموعة مختلفة من العلاقات بين الآخرين،أي ان هذا المجتمع المعزول يصلح لأن يكون العودة الى شكل من اشكال البدائية الأولى،ويمثل ايضا حركة معرفية للطبيعة البشرية في نكوصها الى هذا الحد أو الى تلك الدرجة،وهنا ايضا توجد مساحة لقياس صحة معارفنا-خاصة الدينية منها-وهل تصلح للتطبيق في بيئة تحكمها الانانية كاكبر محرك للنفس في هذه العزلة البدائية،خاصة ان منظومتنا المعرفية انهارت في عالم يدعى بالحضارة...
يقوم احد اللصوص بسرقة سيارة الاعمى الأول بحجة مساعدته،وهو أمر يدفعه هو نفسه للتساؤل:
هل هذا تصرف عادل،منطقي،ولكن هذا ان كان يدل على شيء،فهو يدل على ان النفس البشرية تسير بطوعية نحو تناقض أخلاقي ذو حجة تاريخية قوية...
وهل سيكون العقاب منطقي عندما يكون عقاب اللص هو العمى،وهل ايضا العقوبة العادلة هو ان يحصل على جرح سيرديه ميتا لاحقا نتيجة تحرش جنسي...
نلاحظ ان ساراماغو خلق منظومة بدأت فيها السلسلة بالتفكك نتيجة عدم منطقية المنطق نفسه،منطق الخير ومنطق الشر،ومنطق الثواب والعقاب والمحرك الداخلي هو الطبيعة البشرية نفسها.
العمى هنا ليس عقاب الهي بالتأكيد...العمى هو الحالة الحقيقية للادراك،فهو سلطة فلسفية وليس سلطة نفسية،وهذا الادارك متبوع كنتيجة حتمية بالتساوي،لأن العمى يحقق التساوي بين البشر جميعا،ولكن ليس طويلا،لأن نظرية الحاجة ستخلق الفوارق الطبقية بين القوي والأقوى،والاهمية الكبرى في هذا المأزق هو الحاجة التي ليست تابعة الى اي خلفية مرجعية أخلاقية،فالانسان في هذا المجتمع الذي اصبح فوق التاريخ،أو خارج التاريخ،أو في منطقة منعزلة من التاريخ برمته أصبح عبدا لقضاء حاجاته....
الانسان اصبح عبدا لقضاء حاجاته،وتتمثل بحاجات ثلاث:
(طعامه...افراغ امعائه...حاجاته التكاثرية الاخرى)...وهذه الحاجات الاساسية قابلة للمقايضة
فإذا كانت الرواية بعيدة تماما عن منظومة الكيتش فيما يخص تخلص الانسان من فضلاته،وتبرزها كمشكلة كبرى لها اول العلاقة في تاريخ التطور البشري،نرى الفيلم يختصرها الى درجة الاهمال.
تستطيع الصورة ان تمتلك السلطة غير المحدودة للكلمة،ولكن تبقى الكلمة ذات اثر اقل من النظر
إذا وفقا لهرم ماسلو لمعتزل العمى،فالطعام هو الحاجة الرئيسية بينما سنفكر لاحقا في التخلص منه عضويا،ولاحقا ستكتسب هذه الحالة عدم الأهمية فمن الممكن افراغها في اي مكان،لأن الجوع هو وسيلة ضغط اقوى من الافراغ،فالتغوط حالة ليست ضرورية تكتسب وجودها من حالة ضرورية أولى في مثلث الحاجات وهو الطعام،على انه من الممكن ايضا مقايضة الجنس مقابل الطعام...
الفيلم كما قلنا يعتمد على الأختزال،فالفيلم من اساسه ذو طبيعة اختزالية...
هنا تبدأ الحضارة بالتشكل فتظهر التكتلات-أو ما دعي بالاسرة لاحقا أو الامة-في مقابل السيطرة والعبودية،ففي في البداية سيستعمر الطاغية المسلح بالقوة طبعا-مسدس-ويسيطر على مصادر الطعام مقابل المقايضة المالية ومن ثم المقايضة بالنساء،فهو سيعيد هنا تكوين التاريخ العنيف ضد النساء،وليس هذا فقط،بل سيكون العنف مقبولا من الآخر وهو الرجل ضمن نظرية الحاجة.
كلمة(سيعيد)أعلاه تخضع الى منطق نيتشة في تأويل التاريخ،فالحاجة هي نفسها وهي تؤيد نظرية العود الأبدي لأن التاريخ البنيوي بالنسبة لساراماغو اشبه بالفيل،لأنه يسير ببطء بل يتوقف ايضا في حالة التعديل والتحريف والتأويل،فنحن اذا بحاجة الى مراجعة البنيوية التاريخية المؤسسة للفكر الانساني من خلال المنطق وليس من خلال التاريخ نفسه،فالتاريخ مبني على انقاض تاريخ سابق اشكاليته تكمن في التوقف والتحويل والحوير والتأويل،فمسيرة التاريخ البنيوية ساقطة من اساسه بالنسبة لساراماغو...
هناك شخصا أساسا أعمى يستخدم لغة بريل وهو منضم الى فريق الطغيان وبعد ان يكتشفه الطبيب يقول له:
أنت اعمى طبيعي،فمن المفترض ان تتعاطف مع الغير وتحترم انسانيتهم...
النظرية الأخلاقية تدخل في الطبيعة البشرية حتى لو كانت هذه الطبيعة غير منطقية،فالعنف هو من يؤسس الى الاخلاق في كثير من الاحيان...ولكن هذا يحيل الى شيء أكبر واهم...كيف يدير الله العالم:
فإذا كان هناك من اله يجب ان نرفضه،أو على الاقل نرفض تناقضاته
على العموم،فالحاد جوزيه ساراماغو لايقدم نظريات فلسفية كبرى،فهو ليس بحاجة الى كتاب على شاكلة(تهافت الفلاسفة) للرد عليه،بل هو فقط ما يخطر على قلب كل بشر...مع التكرار ما يخطر على قلب كل بشر...
إذا النساء مقابل الطعام،تتحقق المعادلة في شيء يشبه مذبحة بشرية وجنس شرس،وبالتأكيد فهذا الطغيان سيظهر الشهداء،ومن ثم تتحقق الثورة ويتحررون ويخرجون من المعزل بكامله ليجدو العالم في حالة صراع تام فقط من اجل البقاء،كما ان التماثيل الدينية معصوبة العينين....
كنايات الاله في عمى متعمد عن ما يحدث أو غير متعمد
ببساطة،لا يوجد هناك شيئا يدعى بقيادة العالم...لايوجد هناك شيء مختفي خلف الحجب...وهذه الحجب هي العمى بحد ذاته...هي العمى المقصود الاشارة اليه...
نعتذر عن هذه المراجعة الفيلمية ذات اللكنة الادبية والتي كان المقصود منها نقد الفيلم...
قام بدور زوجة الطبيب:جوليان مور



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غراديفا 2006ألن روب غرييه): شكل من اشكال الارهاصات العصرية/ا ...
- المصيدة2016(كيم كي دك): هل هناك فرق شاسع بين الديمقراطية وال ...
- واحد على اثر واحد 2014(كيم كي دك): من حيز التكوين الى حيز ال ...
- الملائكة المبيدة(جان كلود بريسو): فيلم تجريبي حول الخطيئة وا ...
- عشيق الليدي شاترلي(عن الرواية والفيلم معا): .لورنس يعود الى ...
- روح المغامرة2008(جان كلود بريسو):نشوة غامضة
- الملاك الاسود1994(جان كلود بريسو):إن هشاشة الوجود لتضع قناعا ...
- سيلينا 1992(جان كلود بريسو):رحلة صوفية
- زفاف ابيض(جان كلود بربسو): علة الفيلم بانه لم يكن ابدا على م ...
- الصخب والعنف 1988:جان كلود بريسو تحليق طائر عملاق من على يد ...
- لعبة متوحشة1983(جان كلود بريسو): كل هذا ربما قد يكون له علاق ...
- عن المخرج الفرنسي (جان كلود بريسو) وفيلم فتاة من اللامكان201 ...
- الحسناء السجينة 1983 الن روب غرييه: قيادة غرائبية غير مترابط ...
- نساء عاشقات د ه لورنس:شخصيات تتكون وفقا لشروط الفراغ
- بين كتاب الأوهام(بول أوستر) وظل الريح(كارلوس زافون)
- كيف نقرأ فرجينيا وولف
- مسرحية نهاية اللعبة(صموئيل يكيت):من الانتظار الى النهاية
- Trans Europ Express 1966(ألن روب جرييه):ارتجال
- مسرح اللامعقول:في انتظار غودو صموئيل بيكيت نموذجا
- الخالدة 1963(الن روب غرييه):مثل الذي قلناه ذات مرة عن الماضي ...


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - العمى 2008:ابصار شكلي