أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صباح علو - تراجع الديمقراطية بالعالم ؟؟؟















المزيد.....


تراجع الديمقراطية بالعالم ؟؟؟


صباح علو

الحوار المتمدن-العدد: 6756 - 2020 / 12 / 9 - 23:40
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تراجع الديمقراطية بالعالم ( المعهد العراقي للدراسات السياسية )

منذ تسعينات القرن الماضي تمددت الديمقراطيات بسرعة هائلة. لكن تحول السلطة الحاكمة للديمقراطية ظل مفقوداً في كثير من الأحيان. وبهذا تظهر نقاط القوة والضعف في الحكم الديمقراطي اليوم للعيان بأوضح مما كانت عليه من ذي قبل.
وبالنظر إلى دول بعينها على حدة نجد أن علم السياسة يتحدث عن أنظمة مختلطة، تجمع بين الديمقراطية والحكم المستبد. بل أن البعض يتحدث حتى عن ديمقراطيات معطوبة أو فاشلة. وتتعلق قائمتي بحالات القصور والإفلاس الديمقراطي في عام 2016:
1 - تمويل الحملات الإنتخابية غير المنظم
يُعدّ تمويل الحملات الإنتخابية على مستوى العالم أحد أضعف أركانها. وبناء على تقديرات الخبراء في عام 2016 فإن القوانين المحلية لا تكفي في ثلثي الحالات لضمان تحقق نتائج إنتخابية بمنأى عن المال. بهذا يتعرض الإنتخاب الحر كمُكِّون أساسي للديمقراطية للخطر.
2- إنتخابات فاشلة تماماً
تعتبر الإنتخابات التي أجريت في كل من سوريا وغينيا الإستوائية فاشلة تماماً، وهذا في نظر المراقبين الدوليين. ويرجع هذا في سوريا إلى الحرب الأهلية المُرَوِعة الدائرة بها، كما هو بادٍ للعيان. أما في الدولة الوسط ـ أفريقية فإن رئيسها الحالي يتولى منصب الرئاسة فيها منذ عام 1979 بلا توقف، ولا زال يمارس هذه المهمة، حتى إشعار آخر. كذلك فشلت أغلب الإنتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي جيبوتي، وفي تشاد وفيتنام وأيضاً في أوغندا. ويُعدّ القصور في تسجيل الناخبين والأحزاب والمرشحين أحد الأسباب العامة للفشل في الديمقراطيات المتخلفة، فضلاً عن عدم توفر التغطية الإعلامية بالصورة الكافية، وأيضاً عدم ضمان استقلالية السلطات التي تُدير العملية الإنتخابية.
3 - أنظمة رئاسية ذات سمات استبدادية
في صيف 2016 قام بعض العسكريين في تركيا بمحاولة إنقلابية وتمكن النظام من القضاء عليها. إلا أن رئيس الجمهورية استغل هذا النصر لمزيد التغول على المعارضة السياسية، وعلى المناوئين له في الجهاز الإداري للدولة وفي وسائل الإعلام الناقدة.
4 - تراجع في الحريات السياسية والفردية
تشتمل قائمة مؤسسة "بيت الحرية" أو "فريدوم هاوس" الليبرالية على 72 دولة تقلصت بها الحريات السياسية والفردية. بينما تقف فقط 43 دولة في الإتجاه المعاكس، أي في الإتجاه نحو مزيد من الحريات. وبهذا تتفوق القائمة السلبية للمرة العاشرة على التوالي على القائمة الإيجابية.
5 - الشعبوية أصبحت قادرة على تحقيق الأغلبية
في عام 2016 انتشرت الأخبار بأن العولمة قد وصلت مبدئياً إلى قمتها. فمن الناحية الإقتصادية مكنت العولمة العديد من الدول التي كانت على الهامش أو على شفير الهاوية من الإرتقاء ومن صعود الطبقات الوسطى بها. في ذات الوقت تعالت الشكاوى، خاصة في الدول الغربية، بأن أجزاء من هذه الطبقات الوسطى أصبحت تُعدّ من الخاسرين.
وفي عام 2016 أصبحت الحركات الشعبوية اليمينية تتحكم أكثر من أي وقت مضىَ في المعارضة القومية، التي استغلت مخاوف المواطنين من الهبوط الإقتصادي وأشعلت التشكك في جدوى الإتحاد الأوروبي وطالبت بوقف الهجرة بصفة عامة.
وشكل الإستفتاء حول خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي في يونيو 2016 (فيما عُرف بـ "بريكسيت") قمة هذا التطور.
6 - قدوات غير ديمقراطية للشباب
مما يثير الخوف تلك التطورات التي تحدث في صفوف الأجيال الجديدة في العديد من الدول، حيث لم يعد الشباب يهتمون بالسياسة وبالتالي بالديمقراطية. ويجب علينا أن ندقق النظر في تلك الألعاب الإلكترونية التي تولت اليوم مهمة التنشئة الإجتماعية، حينما يتعلق الأمر بأنظمة إجتماعية وسيادية.
تواجه الديمقراطيات المعاصرة ظاهرة جديدة تتلخص بتراجع دور السياسة وتنامي دور الاقتصاد, بحيث اصبحت السياسة الديمقراطية خاضعة لنفوذ راس المال , الامر الذي يهدد الديمقراطية تهديدا خطيرا يوازي التهديد الذي واجهته الديمقراطية بتنامي نقوذ الاحزاب التي يمكن ان تميل دفة الديمقراطية إلى منعطفات خطيرة تصادر دور الشعب باعتباره صاحب السيادة لتصبح الاحزاب الكبيرة والمهيمنة هي صاحبة السيادة باسم الديمقراطية ( كما يحصل في الصراع الدولي في الاستحواذ على الثروات والاسواق بالعالم – مثل صراع امريكا والصين ) .
الديمقراطية نظام سياسي يقوم على الاليات التي ذكرناها ويمكن للاخلاقيات ان تكون جزء منه, وهي في الواقع جزء اساسي من الديمقراطية ، وهذه الاخلاقيات الحقوقية والضميرية تصبح عرفا دستوريا يغيب مع الاسف في العالم العربي الذي تكثر فيه الاقليات القومية والدينية والمذهبية ولم يمنع القانون الدولي اضطهاد الاقليات واضطهاد الاغلبيات الواقعة تحت حكم الاقلية سياسيا..
ان الفكر الاسلامي يقوم على تاكيد عقيدة واحدة اساسية هي طاعة الحاكم. حتى ان الماوردي في (الاحكام السلطانية) يوجب على المسلمين طاعة الحاكم في كل الاحوال. ولذلك اصبح موضوع الاستبداد موضوعا ثانويا في الفكر الاسلامي ، بل اصبح موضوعا غائبا. واذا شئنا الدقة التاريخية فان الاستبداد اصبح جزء من الفكر الديني الاسلامي السائد تخلق له الاعذار والتبريرات الدينية كما لدى ابن تيمية الذي اقر شرعية الغلبة العسكرية لاخذ السلطة ، وهو نتاج التسلط المملوكي الذي شهد القتل والخلع ، ولكن ابن حنبل وابن تيمية وغيرهما لايقرون شرعية الثورة على الحاكم الظالم.
لقد لعبت النخب السياسية والثقافية الطالعة على السلم الاجتماعي للدولة دورا خطيرا جدا في خوض الصراع لصالح الليبرالية والحقوق بالعالم .كانت النخب الجديدة تحترم التزاماتها كما تحترم اهدافها العامة. لقد كانت معركة تمثيل الشعب غاية في الجدية والالتزام. لم تكن شعارا او مناورة.كانت النخب مستعدة للتضحية وتحمل المسؤولية.وكان الفكر الجديد، الداعي الى الحرية والحقوق والعقد الاجتماعي والمواطنة، يدعم مطالب الطبقات الوسطى الجديدة ويعكس حاجتها الى التنوير.لم يكن الدين مشكلة ولم يكن فصل الدين عن الدولة شعارا او مخططا. كان العمل يجري على تثبيت الحقوق والحريات ، وهو ماقاد الى ان يخسر الحكم حقه الالهي واطلاقيته ويصبح الدين قضية شخصية وليس قضية حكم ( هذا ماحصل في عديد دول العالم الديمقراطي ).هذا ما تخاف منه جميع الانظمة السياسية العربية بما فيها من تدعي انها علمانية.انها قائمة على حق الهي من نوع آخر.ان الدكتاتوريات غير الدينية هي دكتاتوريات منافية للعلمانية. لان العلمانية ليست عدم التدين وانما صفة للاجراءات الحقوقية والقوانين والمظاهر الليبرالية التي تعترف بالحريات الفردية والحريات السياسية للاحزاب وحرية المعتقد وحرية الصحافة وحيادية التعليم وحيادية الخدمة المدنية .
(ان الافراد الذين يتمتعون بشكل طبيعي بكونهم احرارا متساوين ومستقلين لايتنازلون عن اي من هذه الحقوق لاية سلطة سياسية لتكون بيد الاخرين بدون موافقتهم ورضاهم) .
ليس هناك امكانية لقيام مجتمع مدني في ظل سلطة الاحزاب التي تتفوق على سلطة الدستور.وهذا يعني ان الدكتاتورية تضم المجتمع المدني الى سلطتها وتحوله الى ذراع من اذرع السلطة الدكتاتورية خاصة المنظمات المدنية والاتحادات والنقابات التي تعمل واجهة للسلطة الحاكمة. وليس هناك مثل تلك الامكانية في ظل غياب القانون ووجود اشخاص وتجمعات قبلية او سياسية او دينية تعلو على القانون.
والاحتواء الشائع لشعارات الديمقراطية والمجتمع المدني من قبل الاحزاب الشمولية يمنع ظهور مجتمع مدني حقيقي, ويحول المؤسسات الشكلية للمجتمع المدني الى اذرع ضاربة للسلطة او الاحزاب كما كان الحال في مرحلة الدكتاتوريات العربية والعالمية حيث تتحول منظمات الطلبة والشباب والنقابات ومؤسسات الاديان واتحادات المعلمين والمحامين والكتاب وغيرهم الى اجهزة رسمية تحرس جبروت السلطة وتغذيه ضد المجتمع.
حق المواطنة يعطي للدولة هويتها الديمقراطية
الفيلسوف الفرنسي آلان تورين يحذر من تفوق الفاعل السياسي على الفاعل الاجتماعي. ويحذر من خطرين على الديمقراطية يوجدان في العراق مع الاسف: الخطر الاول هو قوة ونفوذ الاحزاب . والخطر الثاني يتمثل في النفوذ المالي لها. ولذلك كانت ايطاليا مسرحا للفساد المالي والسياسي، خاصة في التسعينات، رغم النظام الديمقراطي فيها. لكن الحرية كانت ايضا شرطا مشتركا. الحرية قادت كل النضالات من اجل التمتع بحق المواطنة. جاء البروفيسور مارشال ، من جامعة اكسفورد عام ١٩٤٩ ليضع ثلاثة شروط يتمتع بها الفرد ليكون مواطنا وتكتمل هويته الوطنية، هويته القانونية، ليكون شخصية قانونية في دولة، وهي الحقوق السياسية والحقوق المدنية والحقوق الاجتماعية. وهي الحقوق التي ضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة عام ١٩٤٨.
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان—وثيقة تاريخية هامة في تاريخ حقوق الإنسان—صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانوان الأول/ ديسمبر 1948 بموجب القرار 217 ألف بوصفه أنه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد،و للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميا. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم.
وفي القرن العشرين بدأت المرحلة الثالثة للتطور الديمقراطي بعد مرحلة تقليص الحكم المطلق وتقليص الحكم عبر المرحلة الثانية باعطاء البرلمان قوة التشريع والرقابة.
الإعلان الثاني: إعلان حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوربا وتمّ تدوينه عام 1950م في روما.
الإعلان الثالث: الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، تمّ تدوينها في 1969م.
الإعلان الرابع: الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وقد تم تدوينه باقتراح من الوحدة الأفريقية عام 1979م.
الإعلان الخامس: مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أعدّ في جامعة الدول العربية 2004
الإعلان السادس: مشروع حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي، وقد تمّ تدوينه عام 1985م.
اعتاد كثير من دعاة الديمقراطية وحقوق الانسان ايراد هذه الصكوك والعهود دون بحث التناقض بين وجودها والاعتراف بها حتى من قبل حكومات وانظمة دكتاتورية مستبدة في المغرب والجزائر والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسعودية وايران وقطر وعمان وغيرها.
يؤكد فقهاء الدساتير والحقوق المدنية والسياسية وحقوق الانسان على اهمية ان تتوفر وسائل واقعية لحماية هذه الحقوق والعمل على اجبار الحكومات على تطبيقها والالتزام بها.
ان اهمية هذه الحقوق لاتأتي من النص عليها فحسب وانما من تعزيزها بوسائل حماية تبدأ من استقلال القضاء وتوليه مهمة حماية هذه الحقوق وضمان تطبيقها من قبل الحكومات مرورا بسلطة الرءي العام الممثلة في وسائل الاعلام المهنية والمستقلة غير الحزبية وغير الحكومية وليس انتهاء بمسؤوليات ونشاطات منظمات المجتمع المدني التي تتولى الدفاع عن هذه الحقوق . لكن مشكلة توفير وسائل حماية الحقوق تتعرض للمصادرة والاحتواء ، سواء من قبل الحكومات نفسها حين تتولى انشاء وزارات لحقوق الانسان تكون مهمتها حجب الوقائع والدفاع عن الخروقات التي تقوم بها الحكومات وتبريرها وتلفيق وقائع بديلة عنها.
فضلا عن ذلك فان الوسيلة الاساسية للدفاع عن حقوق الانسان هي الثقافة العامة للمواطن. ومعرفته بحقوقه وايمانه بان وسائل حماية هذه الحقوق متوفرة لدى القضاء ووسائل الرأي وسلطة المجتمع المدني
وان هناك من يقف معه في استرجاع حقوقه باعتبارها مصانة مقدسة ولايمكن للنفوذ الحكومي مصادرتها .
ان الاحباط الذي يصيب المواطن من استحالة حصوله على حقوقه المنصوص عليها دستوريا يراكم من خلال التفوق السياسي على المجال المدني حين يستولي المجتمع السياسي على حيز المجتمع المدني ويصادره لمصلحته.
وتنبثق من هذه الوضعية مظاهر الاستبداد باسم الديمقراطية، اذ انه بعد تاريخ طويل ومكرس للاستبداد تنشأ لدى الافراد فكرة (عدم الخلاص) ، وتذوي فكرة الخلاص التي تبقى لدى عدد محدود ومحدد جدا من الاشخاص الذين ينطوي عملهم على صعوبات بالغة في التنوير والنهضة في مواجهة النفوذ السياسي للاحزاب على القوانين والانظمة التي تضمن حقوق المواطنين بما فيها حقهم في تكافؤ الفرص وفي المساواة امام القانون في العمل والصحة والتعليم والسكن والنقل والسفر وملء المناصب والوظائف على اساس مبدأ حيادية الخدمة المدنية وعدم تحزبها ومحاصصتها بين الاحزاب والقوى المشاركة في الحكم..
لن يحكم احد ما الدستور, لا الشيعة ولا السنة ولا الاكراد ولا التركمان ولا الكلدو اشوريون ولا غيرهم من تصنيفات ومكونات يحلو للبعض تصنيف السياسة في العراق وفقها. الدستور سيحكم هؤلاء كلهم, وسيخضعون جميعا له, وسيكون هو الحاكم الفعلي وليس الشيعة كما تدعي وسائل الاعلام ويدعي البعض.
ثمة اخطاء تتكرر وتتردد في الاوساط العراقية قد تكون قاتلة. لو كان المجلس التاسيسي الذي تاسس عام 1924 قد عرض مسودة دستور عام 1925 بشكل ديمقراطي للاستفتاء لكان الشيعة نالوا حقوقهم كاملة حتى وهم لم يشاركوا في الانتخابات التي قاطعوها ولم يتعلم السنة من هذا الدرس القاسي.

الثقافة والديمقراطية
لاتبدو هذه القضية من القضايا المطروحة على السطح ، في عالم يومي يؤشر الى الحروب والصراعات والاحداث الساخنة . لكنها تقع في جوهر هذه الصراعات والاحداث ، خاصة في عالمنا العربي المضطرب الذي يقاوم تغيرات العالم المحيط به بطرح الخصوصية مرة اخرى ، وهذه الخصوصية اخذت الطابع الديني بعد فشل الطابع القومي ..
من المفترض ان الدين يوحد المصالح لاية امة دينية سواء المسلمة او المسيحية او اليهودية . لكن المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية لكل مجموعة , سواء داخل الامة, او بين الامم تدفع لاستخدام العنف الذي يفتقر الى الشرعية فيعمد البعض الى اضفاء الدين على هذه المصالح وبالتالي تشريع العنف للدفاع عن هذه المصالح.
فالديمقراطية ، عربيا ، حتى الآن على الاقل ، هي مفهوم مطروح كنقيض للسلطة الحاكمة . ويبدو ان هذا هو كل مافي الامر . وبمعنى آخر : ذريعة ، او تبرير للموقف المعارض . وهي لاتتعدى هذا ، لانه بمجرد التحول الى السلطة ، يبقى مضمون الحكم هو نفسه ، ويبقى جوهر التحكم بالسلطة واسلوب استخدامها هو نفسه ، حتى ان الثقافة ، لدى المعارضة المنادية بالديمقراطية ، هي ايديولوجيا ، وانتاج موجه ومسيطر عليه ، ويراعي الشروط الايديولوجية لهذا الحزب او ذاك من احزاب المعارضة.
ماتزال كثير من القوى السياسية العربية المعارضة ترى في الديمقراطية طابع الرأسمالية والامبريالية والبرجوازية ، وهي لاتشذ بذلك عن كثير من الانظمة العربية العشائرية او القومية الاستبدادية .
وبمعنى آخر ، فان الثقافة المرتبطة بالديمقراطية تتجنب العنف وتتجنب وسائل الاكراه الاخرى ليس كالايديولوجيا الرسمية التي تمارس الارهاب الفكري والجيش والصحافة المؤممة والميليشيات واجهزة القمع المختلفة على سبيل المثال في حل الخلاف السياسي واختلاف وجهات النظر وفرض وجهة نظر واحدة ووحيدة عن طريق العنف والاكراه .
فالدولة ، عادة اداة اكراه وهيمنة ، ولكن وسائل هذا الاكراه وطبيعته تختلف من دولة الى اخرى ومن نظام الى آخر . وفي العالم العربي تأخذ الدولة موقعا اكبر بكثير من موقعها في الفكر السياسي او في الذرائع الايديولوجية المقدمة عنها . فمفهوم الدولة العربية مايزال قائما على امتلاك حق التصرف بالمجتمع واخضاعه لارادة الدولة ، وتنتج الدولة مفاهيمها الثقافية عن المجتمع والعلاقة بينه وبينها و بقدرة الدولة على امتلاك موقع اقتصادي يجعل الناس بحاجة الى الدولة وليس العكس ، كما يتصف بالقدرة الايديدولوجية والمعتقدية للدولة التي تفرضها ، وتفرض هيمنتها بواسطتها ، على المجتمع .
ويأخذ الشكل الحديث لهذا النمط ( الدولة الريعية ) التي تعمد ، في احسن الحالات ، الى سد حاجات المواطنين الاقتصادية مقابل التنازل عن دورهم السياسي . وهذه الظاهرة الجديدة كرست ثقافتها ايضا ، التي تحولت الى قناعة لدى كثير من افراد المجتمع الذين اناطوا ، بعقد آخر ، غير متفق عليه ، وغير موثق الا من طرف الدولة ، ممارسة النشاط السياسي بالدولة وليس بالاحزاب السياسية .
تواجه الديمقراطيات المعاصرة ظاهرة جديدة تتلخص بتراجع دور السياسة وتنامي دور الاقتصاد, بحيث اصبحت السياسة الديمقراطية خاضعة لنفوذ راس المال , الامر الذي يهدد الديمقراطية تهديدا خطيرا يوازي التهديد الذي واجهته الديمقراطية بتنامي نقوذ الاحزاب التي يمكن ان تميل دفة الديمقراطية إلى منعطفات خطيرة تصادر دور الشعب باعتباره صاحب السيادة لتصبح الاحزاب الكبيرة والمهيمنة هي صاحبة السيادة باسم الديمقراطية.
كانت مشكلة العراق تتجسد في دساتير على نمطين:
الاول: دساتير تقر اغلب الحقوق المتعارف عليها ولكنها لاتطبق هذه الحقوق
الثاني: دساتير تقصر الحقوق(غير المطبقة اصلا) على مجموعات قومية ومذهبية دون اخرى
ولم يكن من السهل التعامل مع تراث يمتد إلى أكثر من ثمانين عاما دون احداث طفرة كبرى في جوهر الدستور العراقي
كان قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي وضعه مجلس الحكم السابق, تمرينا وتجربة وريادة مهما اعتوره من نواقص. فهو
اولا: وزع السلطة والغى مركزية التحكم
ثانيا: اعترف بوجود التنوع القومي والديني والسياسي في العراق وطبقه في تجربتين هما مجلس الحكم والوزارة المؤقتة
ثالثا: ارسى فكرة النظام الفدرالي وجعلها حية في الواقع السياسي العراقي
رابعا: وازن بين موقع الاسلام في الدولة وبين المهمات السياسية والاقتصادية لها
اعترضت تطبيقات قانون ادارة الدولة عدة مشاكل اساسها ثقافة الاستبداد التي ترفض حق الاخر وتمثلت في تصاعد موجة الارهاب والعنف ضد القوى الجديدة التي عبر عنها القانون واعطاها دورها في الحياة السياسية. ومن الطبيعي ان ياتي الديكور الجديد مبنيا على اساس قانون ادارة الدولة, لان ذلك القانون ينص على ذلك, وشهد العراق تجربة جديدة, هي عدم تجاوز القوانين والدساتير الانتقالية.
الدستور الذي اقره الشعب العراقي باغلبية كبيرة في استفتاء سنة 2005 ولد في مخاض عسير. وهذه مسالة طبيعية. وهو ثمرة ديمقراطية وليدة كرستها انتخابات حرة ونزيهة مهما رافقها من اخطاء صغيرة تحدث في اعرق الديمقراطيات.
. فالدساتير العربية في الدول الاسلامية ودساتير اغلب الدول الاسلامية تنص على دين الدولة وانه مصدر اساس من مصادر التشريع. مع هذا لانجد دولة دينية في أي بلد عربي, فلماذا يصبح العراق استثاء ومشكلة ؟على العكس , نجد ان الاسلام محارب في اغلب الدول العربية والاسلامية. وربما كان هذا هو السبب الذي حدا باغلب الدول العربية لشن اعتراضات وهجومات على الدستور العراقي في سابقة خطيرة للتدخل بالشأن العراقي بشكل واسع والوصاية عليه.
اذ ان من الخطورة بمكان ان يكون الدستور عرضة للتاويلات والتفسيرات المختلفة, وليس من المفيد دائما اللجوء إلى المحكمة الدستورية التي ستكون بدورها حائرة امام نص فضفاض وعريض لم يحدد احكام الاسلام بدقة ولم يحدد مبادئ الديمقراطية بدقة.
ان مفهوم الفدرالية كما ورد في الدستور العراقي اضعف المركز وهمش صلاحياته ونزع عن القوة الاقتصادية للدولة قدرتها على التوزيع العادل للثروات اذ جعل من المحافظات سلطة عليا فوق المركز في كثير من الاحيان.
هل تتراجع الديمقراطية السياسية امام الديمقراطية الاقتصادية بالعالم الحر ؟؟؟
تواجه الديمقراطيات المعاصرة ظاهرة جديدة تتلخص بتراجع دور السياسة وتنامي دور الاقتصاد, بحيث اصبحت السياسة الديمقراطية خاضعة لنفوذ راس المال , الامر الذي يهدد الديمقراطية تهديدا خطيرا يوازي التهديد الذي واجهته الديمقراطية بتنامي نقوذ الاحزاب التي يمكن ان تميل دفة الديمقراطية إلى منعطفات خطيرة تصادر دور الشعب باعتباره صاحب السيادة لتصبح الاحزاب الكبيرة والمهيمنة هي صاحبة السيادة باسم الديمقراطية.
لذلك ناضل العراقيون ضد الدكتاتورية من اجل الديمقراطية.فالدولة يجب ان تكون هوية و مظلة يتفيأ ظلها الجميع, والسلطة لتنفيذ وتحقيق مصالح المواطنين, والمجتمع حرا تتوفر له مؤسساته المدنية وتتحقق له فرص متكافئة وعدالة في الحصول على الحقوق والوظائف والامن والسكن والصحة والتعليم والفرد مواطنا فوق الانتماء الحزبي.
لكن مايحدث في الدولة العراقية اليوم يثير أكثر من سؤال عن هوية الدولة. فليس من المعقول ان يكون الاعتقال عشوائيا فيتضرر البرئ ويتنفع المذنب, وتختلط الاوامر بحيث لاتصبح هناك هيبة للقانون والمراتبية العسكرية والوظيفية, وليس من المعقول ان تكون حتى الاجازة حقا للحزبي والمقرب دون غيره, وليس من المسر ان تكون الدولة ممزقة كرغيف الخبز على مائدة اللئام.
غياب الدولة. واذا غابت الدولة غاب القانون, واذا غاب القانون, غابت حقوق المواطنين واصبحت كل مدن العراق عرضة للعقاب الجماعي من قبل الاطراف المستفيدة من غياب الدولة ومن استمرار غياب مؤسساتها.
اذن ليست الديمقراطية هبة من السماء نزلت على الغرب مرة واحدة وبشكلها الصحيح. فقد خاضت غمار فساد ورشوة وتهديدات وتزوير. اذن تعالوا نقارن ذلك بانتخابات تجري لاول مرة في العراق لنرى ان المقارنة تصح وضرورية وان العراقيين قادرون على بناء الديمقراطية ودولة القانون والحقوق. الدستور ينطلق من حقوق المواطنة وليس من أي حق أخر, لا حق الدين ولا حق المذهب ولا حق القومية ولا حق المدينة او حق الدربونة. وهذا يعني ان الجميع متساوون سواء ساهموا بكتابة الدستور او لم يساهموا. انا لست في لجنة كتابة الدستور. هل علي ان انتظر مصادرة حقي لان غيري سيكتب الدستور؟
أن الديمقراطية تتمدد وتتطور بالتدريج وأننا في الوقت الحالي نتواجد في مرحلة ركود واضح. أما كيف نتخطى هذا الركود عن طريق النقد، فهذا هو التحدي الذي يواجه المؤيدين والمؤيدات للديمقراطية.
(( وأنت صديقي القارئ، ما هو أكبر نقص للديمقراطية في الوقت الحاضر من وجهة نظرك؟ ))
مدير المعهد العراقي للدراسات السياسية
الاستاذ / صباح علو
10-12-2020



#صباح_علو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مديونية العراق السيادية تاريخيا الى اليوم
- الخطوات الاستراتيجية لمكافحة الفساد وتجارب شعوب العالم
- مخاطر التسمم في الصناعة النفطية Toxic Hazards of petroleum i ...
- الدولة الهشة - العراق نموذجا
- ملوحة شط العرب
- الحراك الشعبي بالعراق الى اين ؟؟؟
- انتخابات 2018 في العراق والظروف المحيطة بها ؟؟؟
- أزمة الاستفتاء في كردستان
- لمصلحة من اتفاق ترحيل داعش الى دير الزور قرب الحدود العراقية ...
- نمو الطبقة الوسطى وضمورها في العراق
- نِشأة الارهاب و دور الاعلام
- رمضان مبارك لكل الناس
- السلامة المنزلية
- موازنة 2017 وفوضى التحكم بالمال بالعراق
- السلامة ومخاطر الكيمياويات المنزلية
- مستقبل العراق ما بعد داعش ومشاريع التسوية المطروحة اليوم
- الازمة المالية والنفط العراقي


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صباح علو - تراجع الديمقراطية بالعالم ؟؟؟