أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح مهدي - العصافير والحشرات















المزيد.....

العصافير والحشرات


فالح مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 6749 - 2020 / 12 / 1 - 21:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو هذا العنوان لأول وهلة عنواناً لقصة قصيرة أو رواية، لكنني اردت له ان يكون عنوناً لمقالي هذا المستمد من الحملة التي قادها الزعيم الصيني ما وتسي تونغ في عام 1958 للقضاء على نوع من العصافير يطلق عليها عصافير الشجر " عصافير الدوري" ، لانها تأكل المحاصيل وتقلل من الإنتاج الزراعي . أدت تلك الحملة التي شارك فيها الآف الصينين الى التخلص من العصافير. بهجة السيد ماو تسي تونغ بذلك الانتصار لم تدم طويلاً فقد فوجيء مزارعو الرز بالارتفاع المذهل لعدد الحشرات والقوارض !
لقد ارتكب ذلك القائد العظيم جريمة بحق الطبيعة وبحق شعبه، فقد ساهمت تلك الحملة ضد العصافير الى قيام تلك المجاعة التي لم تعرف لها الصين مثيلاً والتي استمرت على مدى ثلاث سنوات (1958-1961) وأدت الى موت ما بين 15 الى 45 مليون صيني .
استعير مقولة العم ماو للكلام عن العراق فمن هم العصافير ومن هم الحشرات في هذا البلد الذي دخل الجحيم من أوسع ابوابه ولا سيما بعد العام 1968 حيث قام ذلك الانقلاب المشؤوم؟
استعير عنوان الفصل الأخير من كتابي (مقالة في السفالة: نقد الحاضر العراقي) والذي هو بعنوان (لماذا وصلنا الى هنا ) للتعبير عن ما اريد قوله.
كان امام صدام ان يصبح ماوتسي تونغ العراق، لكنه لم يكن اهلاً لقيادة هذا البلد . كل القادة العظام في التاريخ كانوا أصحاب عقل ولو نظرنا في الزمن المعاصر الى بعض الشخصيات المهمة على اختلاف مشاربهم وعقائدهم فسنجد وبكل سهولة تلك القدرة الفذة بالرجوع الى العقل (غاندي، نهرو، مانديلا، تشرشل ودوره في الحرب العالمية الثانية، ديغول ودوره في نهوض فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وبطبيعة الحال ماو تسي تونغ الخ ) كل هؤلاء لجؤوا الى العقل، الأشخاص على شاكلة صدام حسين تتحكم فيهم الغريزة ولا دخل للعقل في سلوكياتهم ولنا مثلٌ بهتلر وموسوليني وقادة أمريكا اللاتينية وافريقيا الى عهدٍ قريب واخر مثل على هذا الصنف من الكائنات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
استند صدام حسين في حكمه على أولاد الشوارع والسفلة حيث كانوا يشبهونه بكل شيء. تمكن وعبر القتل والاغتيال والسجن والتعذيب والترهيب والاغراء من ان يكون سيدا لهذا البلد ومنذ بداية السبعينات حتى ان كبار الصحف في العالم الغربي كانت تطلق عليه مبكراً " الرجل القوي في العراق".
هذه النظرة الصارمة الى طبيعة ذلك النظام وطبيعة ذلك الرجل لا تمنعني من القول ان هناك شرفاء في ذلك الحزب، كانوا على يقين ان البلد يسير نحو الهاوية، انما مصالحهم، انانيتهم وربما هناك أسباب أخرى منعتهم من البوح والوقوف بوجه ذلك الدمار الذي اعلن عن نفسه في وقتٍ مبكر. في فرنسا مثلاً التقيت بأحد الكوادر المهمة في حزب البعث فهو من أوائل من انتمى لذلك الحزب. لقد قال امامي واثناء تلك الحرب المجنونة مع الجارة اللئيمة وبحضور الصديق حسين كركوش( لو قٌتل صدام سأذبح خروفا!) . لا تعليق لي على تلك العبارة ولكل واحدٍ منا ادواته وخلفياته الثقافية في التعبير عن مكنونات نفسه.
قام صدام بخلق نظام شمولي لا مثيل له في العالم فهو خليط من أنظمة المافيا ومن الأنظمة الفاشية ومن النظام الستاليني. وقام بتصفية كل معارضٍ لحكمه ولم يقبل حتى ما يمكن اعتباره نقدا بناءً. كان مسكوناً بهاجس واحد لم يحد عنه الى نهاية حكمه: إقامة نظام حديدي يكون هو رئيسه. لقد نجح نجاحاً باهراً بأن يوقف سيل الانقلابات العسكرية ويقيم نظاماً مركباً من تلك العناصر التي أشرنا اليها لم يشهد له العراق مثيلاً.
لقد ركز جل اهتمامه على تصفية الحزب الشيوعي العراقي، علماً ان ذلك الحزب دخل في تلك الجبهة المشينة، فأصبح " حزب البعث العربي الاشتراكي" هو القائد الوحيد في البلد. لقد تمكن من تدمير الحزب الشيوعي العراقي فأضطر كبار مثقفيه ومثقفين وكتاب وشعراء يساريون من مغادرة العراق.
محدودية ذكائه وضيق أفقه لم يسمح له أدراك ان فعله العنيف والدموي ذاك بتصفية الأصوات التي تغّرد خارج سربه كان مساوياً من حيث نتائجه مع فعل العم ماو تسي تونغ. لقد طبع اليسار العراقي بشتى مشاربه المستقل والمنتسب، الحياة العراقية في كل دروبها الأدبية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية( علي الوردي ليبرالي ليس سرا في ذلك انما رفيقه في قسم الاجتماع ابان تلك الفترة عبد الجليل الطاهر وشاكر مصطفى سليم وإبراهيم الحيدري وربما كان هناك اخرون انما لا أتمكن ان الجزم بميولهم السياسية). محاربة اليسار بمفهومه الواسع تعني محاربة العراق ومحاربة مستقبل افضل لهذا البلد. صدام حسين بفعله ذاك قام كما فعل ما توتسي تونغ بقتل العصافير ولم يتوقع ان الحياة دون عصافير تفقد بريفها ورونقها وفاعليتها وتوازنها . بل لم يدر في خلده ان قتل العصافير سيضاعف عدد الحشرات.
من حكم العراق بعد 2003 هم الحشرات التي ساهم بخلقها ومضاعفة وجودها صدام حسين بالذات. عندما استلم هؤلاء الناس الحكم كان العراق خاليا تقريبا من معظم قادته الفكريين ( ان جاز التعبير) ، فاستلم السلطة الرعاع ممن لا تربطهم بالعراق وشائج متينة، فهم أبناء ذلك الماضي المقيت القائم على المفاهيم الطائفية والعنصرية وكانوا مرتبطين بدولة الملالي في إيران الى تتمنى ان يختفي العراق من الوجود.
من حكم العراق بعد سقوط ذلك النظام الرهيب في عام 2003، ليس " الشروكية" كما يدعي بعض قليلي العقل والدراية، بل هم قاع المجتمع. من حكم العراق بعد هذا التاريخ بعيد عن عالم الثقافة والفكر وبعيد عن المبادئ والأخلاق ومحكوم بعقد نفسية مزمنة. السائبون أصحاب مقولة المال السائب هم من يحكم العراق اليوم .
ابطال الانتفاضة في ساحات التحرير في بغداد ومدن الجنوب والوسط اثبتوا ان من يحكم العراق هم الحشرات التي أراد ان يقضي عليها العم ما توتسي تونغ فخرجت من جحورها جحافلا .جحافلا
وهكذا كان تهديم الدولة على يد صدام حسين عبر قتله وتشريده لآلاف الشرفاء ممن كان يحمل هماً بتطوير هذا البلد وعبر رجوعه الزائف الى الدين عبر حملته الايمانية تلك ، ففاقم الامراض في الجسد العراقي .
ذهب البعض الى القول مع كل ما فعله صدام حسين لكنه حافظ على الدولة! ليس دقيقاً هذا الكلام. صدام حسين حافظ على النظام حتى لحظة استسلامه الذليل ذاك وأنهى الدولة.
في محاضرة للصديق المتمكن فالح عبد الجبار في اتحاد الادباء في بغداد قال عبارة في غاية الأهمية. انقل هذه الفقرة بتصرف (لقد قدم البريطانيون مفهوم الدولة كمؤسسه لدخول العالم المعاصر الى العرقيين لكنهم داسوا عليها بأقدامهم). مع عمق تلك الفكرة ألاّ انني اختلف على بعض مما ورد فيها. ليس العراقيون من داس على تلك الهدية الثمينة التي أخرجت العراق من الموت السريري العثماني لمدة تجاوزت الاربعة قرون، بل اقلية منهم ولا سيما صدام حسين وكبار رجال الجيش بعد عام 1958 .
صدام حسين بالذات لعب دورا أساسيا في الدمار الذي نشهد اثاره الان، فقد كان يسير على هدى غريزته ولم تمكنه قدراته الذهنية ان يختط طريقاً لمستقبل بهي للعراق كما فعل غاندي ونهرو في الهند وماو توتسي تونغ كمحرر وقائد فذ. لقد حاول الزعيم الصيني التلاعب بتاريخ الصين فحاول الغاء كونفوشيوس. لقد عاد كونفيشوس بعد موت ماو توتسي تونغ . الزعيم الصيني كان محررا فأخرج الصين من التشتت والضياع وخلق منها دولة أصبحت عظيمة بعد موته. من ادخل الصين في العالم المعاصر واخرجها من تخلفها هو دينغ شياوبينغ صاحب المقولة الشهيرة ( ليس هناك من أهمية للون القطة سوداء ام بيضاء المهم انها قادرة على التهام الفئران ).
لا يمكن لشخص متهور غريزي ونرجسي ان يصنع بلداً مكتفياً بذاته قائما على قدميه. صدام لا يصلح إلا زعيماً لعصابة . في كتابي الذي اشرت اليه في بداية هذا المقال ورد التالي عن ذلك الكائن «عدم تعقد الحياة الاجتماعية – الاقتصادية لم يسمح بظهور عصابات ذات بنية معقدة كالمافيا في الولايات المتحدة وايطاليا، فلم يكن امام صدام الشاب النزق شبه الأمي بدٌ من الاعجاب بالمفاهيم التي تدعو الى العنف والانقلاب التي اتى بها ميشيل عفلق في كتابه "في سبيل البعث"».
قاع المجتمع الذي يحكم العراق الان هو الوريث الشرعي لذلك النظام الذي قاد العراق من كارثة الى أخرى.



#فالح_مهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيخ الزهر والسلطان العثماني الجديد
- المنكر والمعروف
- المحور الثالث
- اريد وطنا؟
- المنافي الدافئة ؟
- قاسم سليماني: البطل القومي والوحش الدموي .
- لماذا إيران؟
- يا علي؟
- مندسون؟
- أعتذار وعتاب
- خمسة وخمسون طعنة في ظهر العراق
- الاحتجاجات والعولمة الثانية
- انتفاضة المهمشين
- رسالة الى مقتدى الصدر
- رسالة الى عادل عبد المهدي الذي كان صديقاً في يوم ما!
- مقالة الدكتور كاظم الحبيب عن السفالة
- المفاهيم الاسطورية في الدستور الايراني


المزيد.....




- حرب غزة: لماذا يتعرض الفلسطينيون من طالبي المساعدات الإنساني ...
- -ما قمنا به في إيران كان رائعًا-.. ترامب: إذا نجحت سوريا في ...
- الاتحاد الدولي للسلة: إعلان هزيمة منتخب الأردن تحت 19 سنة أم ...
- ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا
- طهران تبدي -شكوكا جدية- بشأن احترام إسرائيل لوقف إطلاق النار ...
- الحكومة الفرنسية أمام اختبار سحب الثقة
- الموفد الأمريكي إلى سوريا: اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت ضرو ...
- خبير عسكري: فقدان جيش الاحتلال قوات اختصاصية خسارة لا تعوض
- 40 عاما من الحكم.. الرئيس الأوغندي يترشح مجدّدا للرئاسة
- 47 شهيدا بغزة وعمليات نزوح كبيرة شمال القطاع


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح مهدي - العصافير والحشرات