أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح مهدي - المفاهيم الاسطورية في الدستور الايراني















المزيد.....


المفاهيم الاسطورية في الدستور الايراني


فالح مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 5307 - 2016 / 10 / 7 - 22:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المفاهيم الأسطورية في الدستور الإيراني*
فالح مهدي
لم يشهد العالم الإسلامي إصلاحات قانونية ودستورية على نحو خاص إلا في نهاية القرن التاسع عشر مع تبني الإمبراطورية العثمانية لأول دستور في النظام السياسي الإسلامي وذلك في عام 1887 (1) بعد إن تخلت عن المقولة الإسلامية الشهيرة ( القرآن دستور الأمة الإسلامية) .
لم يفقد ذلك التحدي الذي أتت به السلطنة العثمانية بريقه ولم يزل التساؤل قائماً في معظم الدول الإسلامية سواء كانت علمانية أم محافظة، عن جدوى الأسس الدستورية التي تمثل مبادئ الحداثة وحقوق الفرد في مجتمعات لازالت تعيش في الحيز الجماعي ؟
معظم مجتمعات العالم الثالث لها دساتيرها بيد أنها دساتير من ورق!
الدستور في فلسفة القانون المعاصرة يمثل الجهد الشرعي للدفاع عن قيم الحداثة ويمثل المخاضات المؤلمة والمأساوية التي مرت بها المجتمعات الغربية فكانت الدساتير النتيجة والضمانة لمنجزات الحداثة. هناك دساتير في معظم دول العالم الثالث ولكن ليست هناك مواطنة ولا مؤسسات ولا فصل للسلطات التي لا يمكن لها ان تقوم دون دولة مؤسسات.
ولإعطاء فكرة عن الانحطاط والتيه الدستوري الذي تعيشه تلك الدول فقد ارتأيت مناقشة دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك للأسباب التالية:
أولا- حرر هذا الدستور على اثر ثورة الطبقة الوسطى في ذلك البلد ضد نظام الشاه.
وثانيا أتى هذا الدستور نتيجة انتخابات حرة يفترض بها أن تمثل إرادة الأغلبية !
إن أية قراءة لذلك الدستور حتى لمن ليس له باع في الشأن القانوني ، توصل القارئ إلى نتيجة مفادها إن تلك ( الثورة) لم تكن ثورة بل ردة على قيم الحداثة والفردية .(2)
الضرورة الدستورية
خلال آلاف السنين لم تجد السلطة الدنيوية أكثر أهمية من الدين لتثبيت شرعيتها. إيديولوجية الدولة كانت قائمة على الإيمان. لقد استمر ذلك الوضع حتى الثورة الفرنسية 1791 حيث أصبحت السلطة تستمد شرعيتها من الشعب(**).
كيف يمكننا من الناحية التطبيقية ترجمة الرغبة الدستورية التي تستمد شرعيتها من المواطنة بدلاً من الإيمان ، وعلى الشعب بدلا من السماء في الدستور الإيراني ؟


*هذا المقال عبارة عن مساهمة في السيمينر الذي عقدته الجمعية الفرنسية لأنثروبولوجيا القانون في عام1994 في مدينة مونبليه تحت العنوان التالي ( دستور أم دساتير ) وقد قمت بترجمة مساهمتي تلك إلى العربية، بعد ان اجريت عليها بعض التعديلات التي تتفق مع ما توصلت إليه من معلومات معارف في هذه اللحظة .
(**) أشرت الى الثورة الفرنسية دون ان اغفل من إن الانكليز قد وضعوا حدا للسلطة المطلقة وذلك في عام 1642 ، ولا الدستور الأمريكي 1784 والسبب في ذلك يعود إلى التأثير الكبير الذي تركته الثورة الفرنسية على العالم المعاصر.







قديما وحتى القرن العشرين كانت العلاقة بين الحاكم (ملك، خليفة، سلطان..الخ) وبين الرعية . ومصطلح الرعية يعود إلى اللغة الأكادية والذي أخذت به الشريعة الإسلامية ومنحته معاني سياسية واجتماعية ممعنة في السلبية تلك التي تمثل الطاعة والخضوع في التطبيق السياسي السني الذي يمثل الشطر الأعظم من النشاط السياسي في العالم الإسلامي لحد هذه اللحظة .
كيف يمكننا من الناحية التطبيقية ترجمة الرغبة الدستورية التي تستمد شرعيتها من المواطنة بدلا من الإيمان ، وعلى الشعب بدلا من الله ، في الدستور الإيراني ؟
الكتابات السياسية والفقهية الإسلامية لا تقدم لنا فكرة واضحة عن الدولة وقوانينها، فهي تعالج بالدرجة الأولى وسائل قيادة المؤمنين إلى ( الصراط المستقيم) وواجبات الرعية في الطاعة والفضيلة.
في حين تنطوي الفكرة الدستورية على تأملات فلاسفة عصر التنوير( ولم تتوقف الجهود في الوقت الراهن ) وتأثير الاكتشافات العلمية في القرنين السابع عشر والثامن عشر لاسيما نظرية نيوتن في الفيزياء الميكانيكية تلك التي أثرّت كثيرا في فلسفة ديكارت. واحتذاءً بالقوانين العلمية فقد حاول فلاسفة القانون والسياسة إن يجعلوا من فكرة القانون مبدأً مهمته الأولى مراقبة وتقليم أظافر القوى الجامحة وغير المنضبطة في الممارسات السياسية لكي يصبح الفرد سيد نفسه ومصيره .
وإذا أمعنا النظر فسنجد إن المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 تنطوي على المبادئ التالية : " في كل مجتمع لا تضمن فيه الحقوق ولا يحدد فيه فصل للسلطات ، لا يمكن إن يكون له دستور" . لذا وبناء على تلك المبادئ لا يمكن الإدعاء بامتلاك دستور واحترام حقوق الإنسان دون وجود آليات بدونها يصبح الدستور كلمة فارغة .
إن الحاجة والضرورة الدستورية تقضي في النتيجة النهائية توفر مجموعة من الشروط بدونها لا يمكن الإدعاء بامتلاك دستور ، وأولى هذه المبادئ فصل السلطات وضمان حقوق المواطن.( ***)
هذه الشروط غير متوفرة في معظم بلدان العالم الثالث بما في ذلك الدول التي كان يطلق عليها (اشتراكية )، حيث أصبح الدستور وسيلة لشرعنة للموت.
الأخلاق والقانون
الأخلاق في جوهرها تعبير عن وجود الجماعة الإنسانية وسلوكياتها وطرائق عيشها، انما ارتبطت بالدين في الحيز الجماعي بدرجة يصعب التفريق بين ما هوديني وما هو أخلاقي . وارتبطت على نحو لا فكاك منه بالمبادئ المطلقة. إمّا القانون فهو جزء من المبادئ الأخلاقية في العالم القديم وحتى القرن الثامن عشر. لقد طرح فلاسفة القانون في الغرب السؤال الحساس
عن العلاقة بين القانون والأخلاق بمعناها الواسع حيث كانت هذه الأخيرة تشكل جزءا حيويا من فلسفة القانون . وبما كليهما يستندان على نفس الأسس من الناحية التاريخية وما قبل الحداثة، لذا فان عملية التمييز والفصل بينهما قد تكون معقدة للغاية.
إن تطور المجتمع والدولة في العصر الحديث سمح لهذا الفصل أن يأخذ طريقه. ومن أوائل الفلاسفة الذين اهتموا بأمر التمييز بينهما، هما) كانت وتلميذه فيخت.
_____________________________
(***) نشرت في عام 1992 مقالا عن الدستور العراقي في الدورية القانونية التي تصدر عن جامعة مدريد ، تحت العنوان التالي >Constitutional Illusion in the Third World : the Case Of Iraq,Cuadernos informativos de derecho histórico público, procesal y de la navegación , no :14, junio-1992 لذا فلن اضيف شيئاً آخرَ إلى ملاحظاتي هذه المتعلقة بالدستور الإيراني. كما بإمكان القارئ مراجعة مساهمتي في> في العدد 315 . 2005 بعنوان << قراءة نقدية لقانون الأدارة المؤقت.>> .والذي يتضمن نقدا للدستور العراقي المطبق حاليا.



فلسفة القانون المعاصرة تنظر الى عملية الفصل بينهما من الناحية الغائية أولاً ، فالقانون ينزع إلى حماية الفرد بينما تلجأ الأخلاق الى تنظيم العلاقات داخل المجموعات البشرية. أهدافهما أيضا مختلفة، فالأول يعبر عن إرادة الدولة قي حين يعبر الثاني عن إرادة المجتمع ، وأخيرا وسائل تطبيق كل منهما، اقصد بذلك العقوبة. ففي الحالة الأولى العقوبة القانونية برانية ، اقصد بذلك أنها جلية لا لبس فيها وتتمثل في السجن والغرامة على سبيل المثال ، أمّا العقوبة الأخلاقية فهي جوانية ولا يمكن لسلطة ما تطبيقها ، في الغالب الضمير أو الموقف الجماعي هو الذي يتكفل بذلك .(3 )
ولكن وقبل الذهاب بعيدا في تبيان أوجه الاختلاف بينهما، أود إن أشير هنا إلى الارتباك المفهومي للمصطلحات التالية ( دين، قانون، أخلاق، أسطورة ) ، ذلك الارتباك الذي لم تنج منه الفلسفة الإغريقية. ليس هناك من شك في إن أرسطو أخرج الفلسفة من النظام الأسطوري ، بيد إن الفكر الإغريقي الذي يبعث دون ريب على الإعجاب فيما يتعلق بفهم بالطبيعة وما وراء الطبيعة، بقي أسير النظرة الشرقية ولاسيما تلك التي صاغتها القوانين العراقية القديمة، باعتباره العدل أهم المرتكزات القانونية بل أعلى الفضائل . و في ضوء فكرة العدل منحت الفلسفة الإغريقية ذلك المفهوم والذي هو ذو طبيعة أخلاقية بعدا قانونيا، فأصبح الأساس لأي تشريع.
في العالم القديم وحتى القرن الثامن عشر حُكمت المجتمعات البشرية على ضوء ذلك المفهوم الميتافيزيقي والأيديولوجي ، بيد إن عصر الأنوار وما أنتجه من أفكار في كل المجالات سواء كانت علمية أم إنسانية وما تبعه من الناحية التطبيقية - الثورة الفرنسية في المجال السياسي والقانوني والثورة الصناعية التي منحت أوربا التي لم يتجاوز عدد سكانها 15 % من نفوس العالم، قوة اقتصادية وعسكرية مكنتها من اكتشاف أمريكا الخ – من انجازات لم تعرفها البشرية قبل ذلك، شجع على الأخذ بمفهوم النسبية قبل أن يصوغ اينشتاين نظريته . إن التطور والثورات العلمية التي بدأت من جاليليو ولم تنقطع بعده أدت إلى إزاحة المفاهيم المطلقة والمقدسة لتحل محلها مفاهيم إنسانية قابلة للتطور ، والفناء إذا اقتضت الحاجة ، أقصد بذلك أن يتم إستبدالها بمفاهيم أخرى أفضل من الأولى.
يجب القول إن تلك القوانين والنظريات كانت تُتبع بقيام مؤسسات لدعمها، وهذا ما لم يحصل في الدول والأمم التي أخذت بمنجزات عصر الأنوار كالإمبراطورية العثمانية ، بل إن ذلك التناقض العجيب بين سلطة السلطان العثماني ذات الطابع المقدس التي تستمد شرعيتها من النبي ومن الله وبين الدستور العثماني الأول في عام 1887 كان من أسباب انهيار الرجل المريض كما يطلق على الدولة العثمانية إبان تلك الفترة.
لقد أصبح المفهوم الدستوري « الشعب مصدر السلطات » فرصة للتندر في معظم بلدان العالم الثالث. ومرة أخرى لا يحتاج المرء إن يكون فقيها وضليعا في الشأن القانوني ليدرك بؤس ذلك المفهوم في ظل الأنظمة العسكرية التي حكمت معظم بلدان هذا العالم منذ خمسينيات القرن الماضي ولم تزل .
الدستور الجديد لجمهورية إيران الإسلامية، أخرج المفهوم الدستوري من النفاق الذي لازم دساتير بلدان العالم الثالث، لكنه أوقعه في مطبات قاتلة وأعاد من جديد طرح السؤال عن العلاقة بين القانون والأخلاق.
ففي المادة الثامنة نجد التالي : " في جمهورية إيران الإسلامية ، تكون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية جماعية، ومتبادلة بين الناس ، فتتحملها الناس بالنسبة لبعضهم البعض، والحكومة بالنسبة للناس ، والناس بالنسبة للحكومة . القانون يعين شروط، وحدود وكيفية ذلك:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"(4)
في هذه المادة يصبح الآمر بالمعروف والنهي عن منكر واجباً متبادلاً ما بين الحكومة والشعب.
هنا نجد أنفسنا أمام مفهومين قديمين قدم السومريين وعصر الكتابة ، أقصد بذلك الخصومة ما بين الخير الشر. هذان المفهومان يمثلان تأملات إنسان ما قبل الفلسفة ، فهما إذاً ذا طبيعة أسطورية، وعندما نقول ذلك فأننا نعني البنى الأولى لإنسان العصر الحجري لبناء أيديولوجيته القائمة على الصراع ما بين الخير والشر,
هنا من حقنا أيضا إن نتساءل ماذا تفعل مفاهيم أسطورية (الخير والشر) في نص دستوري وليد الحداثة والنسبية؟ وهذا ما يدفعنا إلى السؤال فيما إذا كانت مهمة الدولة المعاصرة القيام بدور الضمير الجمعي لأفراد المجتمع أو إدارة وتنظيم شؤون المجتمع كالصحة والضمان الاجتماعي، العمل، التربية..الخ.
وحتى لو أخذنا بتلك المادة العرجاء فإننا أمام إشكاليات تطبيق تلك المادة ، ذلك إن الدستور الإيراني لم يبين لنا الكيفية والآلية التي تمكّن الشعب من تقويم أخلاق الحكومة . فالدولة في إيران أو أي بقعة فوق المعمورة لها كل إمكانيات القمع لفرض إرادتها بالقوة إذا اقتضى الأمر، ولكننا نقف عاجزين عن معرفة الوسائل التي تمكن المجتمع من تقويم شأن الحكومة . صحيح إن هناك مجلس نواب في إيران ولكن وعندما ننظر في جوهر وطبيعة هذا المجلس ندرك فورا إن دوره الأساسي لا ينصّب على معاقبة الحكومة كما هو الحال في كل دول العالم، على أسس أخلاقية ، بل أسس اقتصادية أمنية قانونية... الخ
ممالا ريب فيه إن الجانب الأخلاقي في الدستور الإيراني لا يتلاءم مع المكتسبات الفلسفية لعصر الأنوار، فالقانون في الدولة الحديثة لا يبحث عن الفضيلة ذلك البحث الذي يمكن إدراجه من ضمن المواضيع الفلسفية ، ولا النفعية التي لا تشكل مفهوما قانونياً بل مبدأً من مبادئ الاقتصاد السياسي.
إن تشّبع محرري الدستور الإيراني بالمفاهيم الأخلاقية التي طغت على أسس وأهداف ذلك النص المؤسس ، أخرج ذلك النص من الحداثة التي كان يصبو إليها النظام الإيراني .
القداسة في الدستور الإيراني
في المقدمة التي وضعها المشرع لذلك الدستور نجد وتحت العنوان (أسلوب الحكم في الإسلام) التالي: "ليس الحكم في المنظار الإسلامي قائما على أساس طبقي ،أو سلطوي فردي، أو جماعي ، وإنما هو تجسيد للأهداف السياسية لشعب متجانس عقائديا وفكريا ، يقوم بتنظيم ذاته من اجل إن يشق طريقه – في مسيرة التحول الفكري والعقائدي – نحو الهدف النهائي( وهو التحرك نحو الله) ."
وهكذا يرسم ذلك الدستور كهدف نهائي التحرك نحو الله . نسأل: هل مهمة الدولة التحرك نحو الله أم السير بالمجتمع نحو التطور والرفاهة الاقتصادية ؟
وعلى افتراض من إننا غضينا النظر عن وهم يراد له إن يكون من أولى الأهداف لدولة الفقيه تلك، فإننا سنجد أنفسنا أمام مشكلة أخرى، ذلك إن الله ليس وحيدا على عرش القداسة، فالمهدي يشاركه ذلك العرش. فالمادة الخامسة من نفس الدستور تذهب إلى التالي" تكون ولاية الأمر، والأمة في غيبة الإمام المهدي عجل الله فرجه، في جمهورية إيران الإسلامية، للفقيه العادل، التقي، العارف بالعصر الشجاع، المدير، والمدبر الذي تعرفه أكثرية الجماهير وتتقبل قيادته....."
وعندما نقرأ تلك المادة بإمعان فسنجد إن المهمة الأساسية ل"الفقيه العادل" هو قيادة الأمة نحو الله ، وبما إن الإمام المهدي في نهاية تلك المسيرة هو ذلك الذي سيعطي الإشارة بنهاية العالم وقيام الساعة (5)، لذلك فنحن إمام رمزين للقداسة : الله الواحد الأحد كما تصفه الفقرة الأولى من المادة الثانية ، والمهدي ذاك الذي سيعزى إليه قيام الساعة وحسم الأمر لصالح المسلمين . وعندما نقول المسلمين فأن الدستور يعني ، دون إن يشير إلى ذلك صراحة ، الشيعة الأثنى عشرية ! الدليل على ذلك المادة الثانية عشرة " الدين الرسمي لايران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنى عشري . وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد..." !
أكاد إن اجزم من انه ليس هناك مادة دستورية في أي بقعة في العالم تحتوي على مادة غير قابلة للتغيير. ، فالقانون ، أي قانون إنما وجد ليواكب مسيرة المجتمع وليس بإمكان اي سلطة الحد من مسيرة ذلك المجتمع. ليس هناك من مشّرع جاد ويحترم نفسه يسمح بصياغة مبادئ مطلقة لا تمت الى الموضوع القانوني بصلة.
هنا بودي الإشارة إلى إن لغة ذلك الدستور هزيلة في بنائها، فهي تجمع مابين اللغة الثورية التي نجدها في كراسات الحركات الثورية لدول العالم الثالث وبين اللغة الدينية للقرن الثالث الهجري.
الله كإلهام ثيولوجي
ورد في القرآن من ضمن مسميات الله: من أنه واحدُ أحد سيد الكون، الجبار، المدبر، الخالق، المهيمن، القيوم.. الخ من أسمائه تلك التي تبلغ 99 أسما تلك التي يطلق عليها أسماء الله الحسنى . لقد وجدت تلك الأسماء قبل الإسلام لاسيما عند النبطيين . نقول وردت تلك الأسماء وورد الكثير عن رب المسلمين في كتابهم المقدس ذاك. دون أن يحدد ويطور الله كمفهوم ، فالنص القرآني لا يطرح المشكلة الثيولوجية المتعلقة بالقضاء والقدر ولا المشكلة الفلسفية المتعلقة بالحرية الإنسانية والعلاقة الغامضة بين الخالق والمخلوق، زد على ذلك إشكالية وطبيعة الشر .(6)
في فجر الإسلام نجد أنفسنا أمام خالق يقف وجها لوجه أمام ملائكته، يتبع ذلك المشهد خلق آدم وحواء. هذا الإله القرآني عربي في جوهره مع أن المادة مستقاة من العهد القديم ، ذلك إن عملية الخلق التوحيدية ( في جوهرها عبرية) على عكس البابلية واليونانية حيث تمت بعد مخاضات وحروب ودماء، أنجزت دون عناء وجهد ومع ذلك فقد ارتأى إن يستريح ذلك الرب في اليوم السابع!
هنا يمكننا وصفه كما هو الحال مع ياهو من انه إله حرب أولا ، سيد الكعبة ، المدافع عن المؤمنين والناصر لهم عندما يشاء ذلك. في ضحى الإسلام أقصد في القرن الثالث الهجري وفي بغداد بالذات ومع نضج الفلسفة الإغريقية واجتهادات الفلاسفة والمتكلمين ، أصبح الله جوهرا وضرورة . لقد لجأ المتكلمون إلى استخدام مصطلح حق للتعبير عن جوهر الله ، دون اللجوء إلى مصطلح مطلق. ذاك الذي لم يشر إليه حتى في الفلسفة اليونانية. لقد استُخدم ذلك المصطلح لأول مرة في القرن الثامن عشر من قبل الفلاسفة الأوربيين لاسيما هيغل.
أَمام عدم وضوح مصطلح الله من حقنا إن نتساءل نحو إي اله يجب إن يقاد الشعب، ذاك الذي ورد في صدر الإسلام أم في ضحاه؟
وأخيرا ما هي الوسائل لقيادة ذلك الشعب نحو الله؟ الصلاة والصيام مثلا . الأخلاق الصارمة ؟ أم أن هناك وسائل أخرى ؟ الدستور الإيراني لا يجيب. وفي النهاية من حقنا أن نتساءل عن حقوق الإنسان في ذلك الدستور، الذي وجد من الناحية النظرية من أجله.


المهدي كإلهام إسطوري
في الفقرة الثالثة من المادة الثانية التي أشرنا إليها، نجد التأكيد على دور الإيمان "بالمعاد ودوره الخلاّق قي مسيرة الإنسان التكاملية نحو الله " . ينبغي في ضوء هذه الفقرة أن يقوم مرشد تلك الثورة بإنجاز مهمته على أفضل وجه ، تلك التي تتمثل بإنشاء جمهورية إسلامية فاضلة .
وقبل امتحان دور المهدي في ذلك البناء، نجد من المفيد إلقاء ضوء على طبيعته الأسطورية. من المحتمل إن فكرة المهدي تعود الى الأساطير والشعائر الدينية السومرية تلك المتعلقة بموت الإله تموز في الخريف وعودته في الربيع . لقد وردت تلك الأسطورة في معظم الديانات توحيدية كانت أم لا. فالأدب الشيعي الاثنى عشري يشبه من حيث البناء ذاك الذي ورد في الأدب السني إنما يتميز عليه بطابع المبالغة ، فنجد هنا إن المسيح بالذات يقوم بالصلاة خلف المهدي. ليس هذا فحسب بل إن المهدي حاله حال الأئمة الاثنى عشر، أرفع من كل الأنبياء عدا النبي محمد(7) !!
كيف يمكننا أن نتصور إن انجاز إسطورة كتلك داخل نص دستوري وجد أصلاً لكي يمنح السياسة وإدارة الدولة قدراً من العقلانية؟
ملاحظتان ستكونان كافيتين للإجابة عن ذلك التساؤل:
أ‌- سيظهر المهدي وفقا لتلك العقيدة عندما يعّم الفساد وتنهار الأخلاق فيصيب العالم الانحطاط. هنا تضع جمهورية إيران الإسلامية نفسها أمام تناقض مميت ، ذلك إن قيامها من أجل بناء الأخلاق والفضيلة وتعبيد طريق المهدي ، ينفي الحاجة لذلك المنقذ!
ب - سيقوم المهدي بإكراه من لا يرغب بدخول الإسلام بدفع الجزية . أية مصداقية يمكننا إن نمنحها لنص كهذا، حيث تتعارض نصوصه مع المبادئ الأولية لحقوق الإنسان وتتعارض مع نصوص ذلك الدستور نفسه . فقد ورد في الفقرة 14 من المادة الثالثة " تأمين كافة الحقوق للأفراد – المرأة والرجل - وإيجاد الضمانات القضائية العادلة للجميع. والمساواة في الحقوق أمام القانون ".
في الختام يمكننا القول من أن الدستور الإيراني الفريد من نوعه في العصر الراهن جمع المطلق والمقدس ( الله، المهدي، أبدية المذهب الجعفري) ، مع مبادئ قانونية وجدت لتمثل أرقى إشكال العقلانية في هذا المجال. لقد ربط المشرع الإيراني بين المخيال الديني والأسطوري الذي يمثل غبار التاريخ وبين الحداثة في فلسفة القانون والتي تعتبر إن القانون وجد لضمان حقوق الفرد . وحوّل الدستور ،مرشد الثورة الإسلامية دون إن يعي ذلك الى القائم والمحتكر لذلك المخيال كما هو الحال في المجتمعات البدائية حيث لم يوجد بعد تقسيم للعمل وطبقات .
ان تلك الضبابية التي حفل بها الدستور الإيراني منعته من الوضوح والعقلانية وستبقى كذلك ، وكما يقول نيتشه " إن السعي من اجل إيمان قوي ليس دليلا على قوة ذلك الإيمان ، فالعكس هو الصحيح . فعندما نمتلك ذلك الإيمان ندفع الثمن الناهض المتأتي من الشك " (8)
مصادر البحث
(1) Voir notre article « Héritages de la Révolution française au Moyen-Orient, Cahiers de l’Orient, » Paris, 1989, n°14, p.211-224
(2) Falih Mahdi, « Le poids de la croyance dans la constitution iranienne », Estudios de Historia del Derecho Europeo Homenaje al profesor G. Martínez Díez , vol.2, p. 241-254, Madrid, 1991.
(3) Michel Villey, philosophie du droit, Paris 1975, vol.1, p. 73 Georges del Vecchio, philosophie du droit, Paris, 1953, p. 263-279 voir aussi : P.M.S Hacker, J. Raz, Law, morality and society, Oxford, 1977.
(4) الدستور الإسلامي لجمهورية إيران الإسلامية، مؤسسة الشهيد، قم 1997
(5) المصدر السابق
(6) Youwkim Moubarac, « Les noms, titres et attributs de Dieu dans le Coran et leurs correspondants en épigraphie sud-sémitique », Le Museon, t. LXVIII, p. 354. voir aussi L. Gardet, art. « Allah », dans l’Encyclopédie de l’Islam, Leyde-Paris, 1960, t.1, p. 420 Daud Rahbar, God of Justice, Leyde, 1960.
(7) N, Madelung, art. « Al Mahdi », l’Encyclopédie de l’Islam, Leyde-Paris, 1986, t.1, p. 121-122.فالح مهدي ، البحث عن منقذ ، طبعة اولى بيروت 1981 ، طبعة ثانية القاهرة 1991
(8) Friedrich Nietzche, Œuvres philosophiques complètes. Crépuscule des idoles, Paris Gallimard, 1974, p. 115.



#فالح_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح مهدي - المفاهيم الاسطورية في الدستور الايراني