أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - البيوتُ، الأماكنُ، والذّكرياتُ














المزيد.....

البيوتُ، الأماكنُ، والذّكرياتُ


اخلاص موسى فرنسيس
(Eklas Francis)


الحوار المتمدن-العدد: 6746 - 2020 / 11 / 28 - 01:44
المحور: الادب والفن
    


"رداً على مقال الكاتب والاعلامي عبدالرحمن محمد، كتبت الأديبة والشاعرة اخلاص فرنسيس ما بين علاوي وموعد مع الحياة علما عودة إلى الذكريات"

طقوس الطفولة، ملاعب الفراشات، رائحة الطين، الطرقات المرصوفة بالحجارة، الربيع ورائحة النهر، شجر الزيتون، ثُغاء الحملان في المراعي، سكون الليل، المطر يغسل الأعشاب البرية، رائحة خبز أمّي، الموقد اللعب بالنار، أول حبّ، أول موسيقى لصوت العصافير، أولى القصائد، وأول قبلة.
ما نحن إلّا مجموعة من الذكريات تراكمت يوماً بعد يوم، وما شخصيتنا إلّا من خلال ما عشناه في طفولتنا، ومن خلال ما خلعت علينا رائحة الأرض في القرى، رائحة الحبق والزعتر والياسمين. زرعت في ذاكرة مخيلتنا صوراً لا تنتهى ، وما إن نرى صورة تشبه شيئاً ما من طفولتنا إلّا وتطفو من البعيد، صور جلية، مليئة بالحنين، مسيّجة بالوجع. تنفتح نوافذ الماضي، فتتطاير الصور كالفراش الملوّن ، طقوس الطفولة تمرّ كالسهم تبرق، رائحة الأرض في أول المطر، حين يجلس الإنسان وحيداً، لا إراديّاً يعود إلى طفولته، يسير في طرقاتها المرصوفة بالضحك والحجارة، ورائحة الربيع تتسرب إلى صدره، فتنعشه. من ينسى شجر الزيتون والصنوبر، والنوم في ظلالها الداكنة، كلّ شيء شهيّ، صوت الليل، وصوت المطر، لا تضيع ثانية إلّا ونذكر أصدقاء الطفولة، آتين من ضباب الماضي ومن جلدة الأحلام، الأماني تخلع علينا رداءها، فتنفرج الأسارير بهجة تطير الروح في فضاء الطفولة البريئة، مأخوذة بلون فراشة، وتدهشها بلورات الماء على إبر الصنوبر، وعلى رؤوس الأعشاب. ماذا عسانا نفعل حين تداهمنا الذكريات، فنلمس باليد رائحة الخبز وقهوة الصباح، وتتوهّج وجنتنا بالوجع كتوهّج جمر المواقد. نصغي إلى قصص ليالي الشتاء الطويلة، الآن نجول بأبصارنا في كلّ شيء حولنا، المدنية والميديا سرقتنا من المروج، أخذت منّا بساطة الحياة، تركتنا في غمامة السنين، تحجب عنا جمال الطبيعة. ما أنبل قلب الإنسان الذي مازال يعيش بقلب الطفل الذي كانه بالأمس، وحده يستطيع أن يواجه الكون ببراءته، يدندن ألحان السماء مع الرعيان وثغاء الحملان في المراعي، يثمل من سكون الليل، والنسيم الذي يهبّ من على كتف الوادي، يمجّد الله في مخلوقاته، يتعانق الصباح والمساء في جلسة تأمّل، فيعلو إلى مرتبة الجلال، تلك البيوت الترابيّة التي ضمّت بين جوانحها أولى ضحكاتنا وأولى خلجاتنا، وذكرى أول حرف قرأنا، وأول قصة سمعتها الأذن من الجدّة، تلك القرى التي تنام في سكينة الغابات، مهما طاف الإنسان في العالم الحديث تعده إليها رائحة الزيتون والحبق، تخاطب روحه ويسافر عبر الأثير.
إنّ الأبنية الشاهقة، والشوارع الرحبة المكتظة بالسيارات، والبشر الذين يتسابقون في الركض خلف السراب، لا شيء مقارنة بأول قبلة في القرية الترابية المطلّة على البحر، كالقصيدة الأولى لشاعر عاشق، الأماكن ورائحتها تستدعينا مهما بعدت المسافة، ونحن نسير في غياهب هذه الحياة، تطوينا ظلمة الغربة، وتحرقنا نار المسافة، يأتي شعاع من نور على هيئة صورة بكلّ ما توحيه وتحمله في طيّاتها، أحدق بها ولا أشبع، فتنحدر دمعة تزيديني اختناقا، تجرّدني من أقنعتي، ومن محاولاتي الكثيرة بالتجاهل.
كم تشبه صورة منزلنا العتيق فتلمس الجرح الذي لم يلتئم بعد، موعزة إلى نفسي ومعلنة لي كم أنا جائعة وعطشى إلى تراب قريتي، وكم نفسي رازحة تحت نير الوجع الصامت، وأنا أجلس على قارعة الغربة، أتعكّز على طيف الأمل.
كم أشتهى رائحة الكروم، وغبار الأزقّة المتعرّجة، وجنون الليل، وبساط النجوم، ففي الغربة الإنسان مبتور من أرضه، يسير على غير هدى.
كم نحن مدينون لذاكرتنا، تختزن الفرح والحزن، معبّأة بنا، حيث ولدنا.
أيّها الوطنُ المنفى
أيّها المنفى الوطن
أمضي في جنوني
يتعثّر خطوي
يقضمُهُ الزّمنُ



#اخلاص_موسى_فرنسيس (هاشتاغ)       Eklas_Francis#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “علاوي” على موعد مع الحياة
- فستان أزرق فارغ منّي.
- فيروز فعل الإيمان والغبطة
- يوم الطفل العالمي
- الوردة ذات التويجات المبعثرة (مصطفى النجار)
- اعترافات
- -تجلّيات حب- شعر مصطفى النجار
- قراءة في عنوان ديواني -وأمضي في جنوني- بقلم الشاعر جميل داري
- ثريات الحبق
- الجميل النائم
- حلم تفتّح في أباريق الندى
- نهاية كورونا
- هو وطنٌ
- القلب المقدس
- عزلةٌ
- الحب يلد الأطفال
- قراءة في قصيدة -لاءاتُ جسد- للشاعرة حياة قالوش
- قراءة في قصيدة -لا تسافر- للدكتور عبدالحكيم الزبيدي
- للحرية وداعاً
- لا تنسَني


المزيد.....




- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...
- مقتل المشرفة الموسيقية السابقة في برنامج -American Idol- وزو ...
- أيقونات من رماد الحرب.. فنان أوكراني يحوّل صناديق الذخيرة إل ...
- إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر في ختام مهرجان ميديين الدو ...
- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...
- جدل في أوروبا بعد دعوة -فنان بوتين- إلى مهرجان موسيقي في الج ...
- -المدينة ذات الأسوار الغامضة- رحلة موراكامي إلى الحدود الضبا ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - البيوتُ، الأماكنُ، والذّكرياتُ