أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - فستان أزرق فارغ منّي.














المزيد.....

فستان أزرق فارغ منّي.


اخلاص موسى فرنسيس
(Eklas Francis)


الحوار المتمدن-العدد: 6741 - 2020 / 11 / 23 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


الساعة الرابعة أكثر وقت يستهويني للمشي أواخر أيام الخريف، وما من مرة مشيت مع لونا إلّا جنيت متعة لا توصف، إضافة إلى الرياضة الجسدية، والخروج من الحجر الذي طال أكثر من تسعة شهور، وقد مللت المكوث بين الجدران الإسمنتية بالرغم من أنّي لا أخرج كثيراً، لكن يبدو أنّه كلما أجبر الإنسان على شيء مقته، وشعر بالضيق والكآبة.
رحت أمشي كالعادة، ولونا تقفز أمامي، تستمتع بالنسيم البارد. لقد دخل العالم كله في حالة من انعدام الوزن والقنوط واليأس طيلة الفترة الماضية، مرحلة تاريخية من حياة كلّ أطياف الشعوب، العالم يتخبّط في بحر أسود، لا يعرف أوله من آخره. هزيمة نفسية تنهش الأفئدة، ولا مخرج يلوح في الأفق. الإنسان كما قال سارتر محكوم عليه بالحرّية، ولكن أين هي الحرية الآن؟ أين نحن منها وهي ممسوكة ببراثن الخوف والقلق والجوع؟ الشرق يتخبّط في الحروب والفقر، والغرب يتخبّط في الصراع السياسي للسيادة والريادة على العالم، ومن يملك المال يملك السلطة، ويرى من حقّه أن يتسلّط على العالم كلّه. أفكار لا أعرف لماذا خطرت ببالي وأنا أمشي، أستنشق الهواء البارد الثقيل، فأطلق زفرة وكأنّني أريد أن أتخلّص من صخرة كبيرة تجثم على صدري، فالوجود الإنساني لا قيمة له وهو مكبّل بسلاسل العجز. الحرية أساس الإبداع والانطلاق، ولا إبداع في ظلّ العجز والقمع.
منذ وعيت على العالم وأنا أعيش أحلام اليقظة، أحلم وأنا في كامل وعيي، والآن ها أنا أحلم بصباح مشرق يأتي على الأمّة.
كنت أمشي مع لونا وخيالي في مكان آخر، أحلم بطيف خفيّ، يحملني على وتريّة العشق، يصقلني امرأة من ضلعه.
كان المناخ جميلاً جدّاً هذا المساء، النسيم البارد يشجّع أكثر فأكثر على الاسترسال في الحلم، أغلق عينيّ لأبتعد أكثر عن هذا الحجر، اختلطت عليّ الأصوات، وشعرت كأنّ هناك من يناديني من بين شجر الوعر، استأنست للصوت، وأصغيت إليه أكثر فأكثر. كان الصوت أشبه بالهمس أو بحفيف السنابل في الحقول قبل الحصاد، تتمايل مع الريح مثقلة. لم ألتفت إلى الوراء، لم أرد الالتفات، أردت أن أستسلم للصوت، لا رغبة لي في رؤية صورة من يكلّمني، لم أستغرب أن يكون شبحاً من الهنود القدامى سكان البلد. ابتسمت للفكرة، راقت لي، خاصّة وأنا أعشق قصص الهنود وأفلامهم عن الأرواح التي تذهب، وتسكن الصقور بعد الموت، لتحلّق بحرية في السماء الزرقاء حيث لا وجع ولا حرب ولا أوبئة، تلك التي فتكت بهم حين اقتحم الرجل الأبيض عليهم خلوتهم وغاباتهم، ومن فوق السحب ترقب الأرواح الأجيال التالية.
أبطأت المسير كي يتسنّى لي الإصغاء أكثر للصوت الذي يسير بمعيتي، كان الصوت دواء لوجع الوحدة وألم الحياة ومتاعبها، مضيت في سيري، ورفيقي الأثيري يهمس بين الفينة والأخرى بكلمات لا أفهمها، حالة شاذّة وغريبة ربما ولكن أحياناً يفضّل الإنسان رفقة الوهم والخيال على البشر.
كان هناك نسر في الفضاء يطير صوب أشعّة الشمس الخجولة التي تنحدر نحو البحر، توقّفت قليلاً، لأختبر حقيقة ما يجري حولي، أوراق الشجر تتناثر على الأرض كلما هبّ النسيم، والأغصان ترقص. أغمضت عينيّ وفي أعماقي بدأ الفضول لأعرف هوية قريني السائر معي. تردّد صدى صوته وكأنّه خارج من أعماق كهف، فتحت عيني، والتفتّ إلى الوراء بسرعة، خطواتي السريعة بدأت تثقل، أحمل الوقت الذي يسرقني منّي في صدري، والزمن القابع على كتفيّ كالجبل يشدّني نحو الأرض لئلا أرتفع، ضجيج روحي وأفكاري أزعج الغابة المغمورة بالسكون. روح ترتعش في ثنايا الهواء، وواقع يضربني مثل موج المحيط المقابل في الجهة الأخرى. توقّف الصوت عن الهمس، وتوقّف معه حلم يقظتي، شيء ما تخطّى مدارك البشر، احتقن النسيم تحت ظلّ الشجرة حيث أقف، واشتدّ ثقله، عندها أدركت أنّي دخلت مكاناً ممنوع الدخول إليه، حيث روح رابض في الظلّ العميق. أردت الولوج أكثر لعلّه يفكّ الحجب عن بصري، فأرى ما دار بخلدي.
تركت المكان وفي أعماق روحي عطش، أحدّق في الفضاء، إذ دارت الأرض فجأة، وضاقت بي.
شدّتني لونا وكأنّها توقظني مني، لأراني أقف وحدي أتصارع مع روحي، أقبض على قلبي، وقطرات الدماء تسيل على التراب وأوراق الشجر الأصفر حولي، وعلى أغصان الشجرة فستان أزرق فارغ منّي.
تخدّرت قدماي، وأثقل ندى الليل أجفاني، متى أستيقظ من حلمي؟



#اخلاص_موسى_فرنسيس (هاشتاغ)       Eklas_Francis#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيروز فعل الإيمان والغبطة
- يوم الطفل العالمي
- الوردة ذات التويجات المبعثرة (مصطفى النجار)
- اعترافات
- -تجلّيات حب- شعر مصطفى النجار
- قراءة في عنوان ديواني -وأمضي في جنوني- بقلم الشاعر جميل داري
- ثريات الحبق
- الجميل النائم
- حلم تفتّح في أباريق الندى
- نهاية كورونا
- هو وطنٌ
- القلب المقدس
- عزلةٌ
- الحب يلد الأطفال
- قراءة في قصيدة -لاءاتُ جسد- للشاعرة حياة قالوش
- قراءة في قصيدة -لا تسافر- للدكتور عبدالحكيم الزبيدي
- للحرية وداعاً
- لا تنسَني
- -نهوضُ القرنفلِ- الشاعر مصطفى النجار
- -مناديلُ ملونةٌ-الشاعر مصطفى النجار


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - فستان أزرق فارغ منّي.