أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء ـ 19 ـ















المزيد.....

أبق حيث الغناء ـ 19 ـ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6735 - 2020 / 11 / 17 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


في الموعد المحدد للمدرسة الأنكليزية ذهبت إليها في الصباح الباكر في الموعد المحدد. كان المبنى جميلًا جدًا واسعًا فيه عدد كبير من الطلاب الذين حازوا على الأقامة الموقتة في منظمة الأمم المتحدة.
شعرت بالراحة النفسية والروحية عندما رأيت الكم الكبير من الناس من مختلف المشارب الاجتماعية والفئات العمرية، ومن دول عربية عديدة.
عندما وصلت ودخلت الصف، قدمت أسمي كما هو متعارف عليه في أي مؤسسة في العالم سواء في بلادنا أو غيرها.
جاءت المعلمة، وكانت أمريكية الأصل ولهجتها أمريكية أصلية، اسمها فيرجينا، رحبت بي وأشارت بيدها أن أختار مقعدي في الصف الممملوء بالطلاب، قدمتني وعرفتني عليهم وعرفت نفسها علي. وكان جلهم من العراق الشقيق ومن محافظاته.
كان الصف نموذجيًا له مقاعد حديثة وسبورة حديثة، وفيرجينا شابة في بداية الثلاثين من عمرها، متزوجة من شاب أمريكي وسيم وأنيق.
في عيد الفطر جاءا إلى بيتي في المدينة الرياضة في عمان دون سابق إنذار، وعندما قرعا الباب علي، فتحت الباب فرأيتهما في الباب، وقفت مذهولًا مستغربًا عندما رأيتهما، وكانت فرجينيا تتقن اللغة العربية باللهجة الأردنية بطلاقة. وعندما جلسا قدمت لهما الشاي، وتحدثنا عن سوريا والواقع السوري والأردني شعرت أنها كانت مطلعة على أغلب شؤون المنطقة، وعندما قلت لها أنا من أصول مسيحية ولا احتفل بعيد الفطر أو غيره من الأعياد لأنني ملحد، غير مؤمن ولا احتفل بالأعياد الدينية، ردت علي بلباقة وبلغة سلسلة وشفافة، أن لا مشكلة في كوني احتفل أو لا، المهم أننا التقينا بك وجلسنا بصحبتك، وأنها سعيدة بهذه الزيارة. بينما زوجها الأمريكي الوسيم كان أغلب الأوقات صامتًا وعندما كنت أريد منه المشاركة في الحديث كنت اشعر أنه يفهم القليل من المفردات والجمل العربية.
ما يسر الخاطر بالناس الغربيين أنهم طبيعيون جدًا متواضعون، هكذا كانت فرجينيا وهكذا كان زوجها، ولمست هذا بعد مجيء إلى السويد.
الإنسان الغربي عمومًا في سيكولوجيته قريب من بعضه، طبعًا هناك استثناءات، أغلبهم متواضع ولديهم أذن تسمع وتصيخ السمع، وعيونهم في عيونك عندما تتكلم مع أحدهم، هذا الأدب الجم يجري تعليمه من البيت والمدرسة، هذا الشعور بالمودة اكثر من ضروري، حتى يشعرك بالاهتمام ويتابع كل كلمة تقولها. على عكس بلادنا الجهة الوحيدة الذي ينصت إلى كل كلمة تقولها بدقة وعمق هي المخابرات، ليس حبًا بك أو أن لك قيمة معنوية أو إنسانية وأنما من أجل ان تقع في أيديهم ككبش فداء لهم لذبحك.
بالعموم أغلبنا لا يسمع بعضه ولا يهتم بالأخر، بك أو ببكاءك أو حزنك، وأغلب علاقاتنا مزيفة وقائمة على اللف والدوران والكذب والغش، وذهن أغلبنا مشتت خاصة عندما تتكلم معه تراه شرد وذهب ذهنه إلى مكان أخر، بل ينسى وجودك كله أمامه.
كانت فرجينا معلمة قديرة وذكية، وأعطت التدرس مكانة رفيعة، ربطت الصف في بعضه، وحولت علاقتها مع الطلاب إلى حميمية راقية، تحولت إلى ندية وقوية.
في المدرسة تعرفت على الكثير من الأصدقاء من العراق الشقيق، وحدثت بيننا صداقة عميقة جدًا ما زالت مستمرة إلى اليوم مع بعضهم.
تعرفت على الشاب الجميل، جميل أحمد من مدينة البصرة في أقصى جنوب شرق العراق التي تقع على مسافة قريبة من شط العرب وجنوب الكويت وشرقها إيران، وهي ثاني مدن هذه الدولة العملاقة.
وموسى الحيدري وأخيه حسن، ووسن الكعبي وأختها نيران، ورانيا بوشي وأمها، وثلاث فنانين تشكليين مع زوجاتهم، وشاب أرمني قليل الكلام، كان مخرجًا سينمائيًا، لم أجلس معه على أنفراد ولم نتحادث، ذهنه مشغول طوال الوقت، وشاب اسمه جعفر من السودان، وبعض الصحفيين والكتاب.
هذه الباقة الجميلة من الأصدقاء بددوا الغربة والوحدة في داخلي، وأزاحوا الهم الذي كنت أعانيه، بله دفعوا قلبي إلى الألفة والفرح. بوجودهم تغيرت أشياء كثيرة وكبيرة في المحيط الذي كنت أعيش فيه. لم أعد وحيدًا، هناك من يقاسمني الهموم والغربة والأوجاع، ومحاولة البحث عن عوالم أخرى بعيدة عن محيطنا، عن منطقتنا المضطربة وعن عالمنا العربي والإسلامي.
ربما لا يوجد أجمل من الصداقة النبيلة في العالم، أنها شراكة عظيمة، رابط يوحد البشر دون قيود او قوانين. إنها مصلحة من نوع مختلف. علاقة ودية أو شراكة دون عقد قانوني. وحماية وتعاون في السراء والضراء، يحملون هموم بعضهم ويرفعوها معًا.
في الفرصة، نجلس حولي عشرين فردًا معًا حول طاولة مستديرة، نتحدث، نحتسي الشاي أو القهوة، وفي حديثنا ننسج علاقة ونتعمق فيها، ونتعارف أكثر، ونذهب بعيدًا في المعرفة سواء على المستوى الشخصي أو الإنساني.
ودائمًا هناك شغف في معرفة المزيد عن الأخر، حياته علاقاته وطنه رغباته، ماذا يريد وإلى أين يذهب. جلّ العلاقات كانت بسيطة رقيقة ناعمة، وكلنا كنًا على سفر إلى وطن أخر، أغلبهم لم يكن متعمقًا في السياسة أو الفكر، أغلبهم كان متدينًا تدينًا بسيطًا، وبعضهم لم يكن مباليًا في الدين، بعض النسوة كنّا محجبات والبعض الأخر لا. ولكني لم أر هناك فارقًا بينهن، كنّ رائعات جميلات، قلوبهن كانت رقيقة كنبع ماء صاف رقراق. لطيفات، دمثات القلب والأخلاق. وكنت سعيدًا جدًا بوجودهن، والقسم الأكبر كن صغيرات في السن، في العشرينات، وبعضهن متزوجات، وهناك نساء أكبر في السن في الثلاثينات والأربعينات، والرجال كانوا لطيفين جدًا. والوقت في السعادة يمر بسرعة البرق.
اثناء الأستراحة كنت أجلس مع الجميع وأذهب بعيدًا في تحليل الظواهر الاجتماعية، وواقعنا. وكانت تجربة السجن طازجة في ذهني، لم أكن خارجه، فقد مضى على خروجي منه سنتان، وسجن تدمر علقم صلب لا يمكن هضمه ورميه خارج الفم والعقل والروح بسرعة. إنه يحتاج إلى وقت طويل ليتخلص منه المرء أو ترميم الوجع.
وعندما كنت أتحدث عن التاريخ الإسلامي، منذ نشوءه وتطوره وتمكنه من بسط سيطرته على الجزيرة العربية وانتقاله إلى الخارج بقصد جني الفوائض المالية، كنت أرى العيون زائغة مستغربة، وكأني جئت من عالم أخر. وعندما كنت اتعمق في شرح صراعاته الداخلية، معركة الجمل أو معركة صفين ثم الخوارج والتصفيات السياسية في عهد الرسول وفي زمن الخلفاء والصحابة، والأقتتال البيني على السلطة ودفع الجيوش إلى الخارج للهروب من الأزمات الداخلية، ثم تدخلاته أماكن أخرى في العالم لتحريك الصراع على المستوى العالمي. وإن هذا الدين كان ضرورة سياسية لاملاء الفراغ السياسي العالمي.
كانوا ينظرون لي وهم في حالة ذهول واستغراب. ودخلت في شرح الصراع على السلطة بين علي بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان، وأن هزيمة علي كان ضرورة سياسية استراتيجية للدولة الناشئة بالرغم من الكم الهائل من الأيديولوجية التي كان يحملها علي بن أبي طالب، لأن السلطة لا تحتمل الأيديولوجية دون براغماتية والنزوع نحو السيطرة. وإن معاوية يجسد الواقعية السياسية الحقيقية، وأن واقعيته هي الحاجة الحقيقية للسلطة وبقاءها خاصة في تلك الظروف العالمية في ذلك الزمن القديم.
البعض كانوا شيعة والأخر كانوا سنة، كلا الطرفان كانوا في حالة حزن من هذا الكلام، وكأنهم استيقظوا على عالم لم يكن يعرفوه.
بيد أن أحاديثنا عن الدين والسياسة والمجتمع لم تنفرنا عن بعضنا، بله عمقت علاقتي مع أصدقائي الجدد، وأصبح بيننا صداقة اكثر من عميقة. زرت الكثير من الصدقاء في البيوت وارتبطت مع الكثير منهم بوشائج راقية وعميقة، ما زالت باقية ومستمرة إلى اليوم على الرغم من مرور زمن على فراقنا بيد أن هذا الطول في البعد لم يباعدنا. فما زلت على تواصل مع وسن الكعبي التي أصبحت فنانة تشكيلية في الولايات المتحدة وأكملت دراستها الجامعية بتفوق، وكنت أراها موهوبة وشابة قديرة اثناء وجودنا في الأردن، وهناك رانيا بوشي الشابة التي نجحت في حياتها ودراستها الجامعية في كندا، وما زال تواصلنا أخويًا مستمرًا إلى اليوم، وكأننا لم نغادر الأردن رغم مرور تسعة عشرة عامًا على تلك المرحلة.
كنت استغرب وجود فنانين تشكيليين متمكنين من أدوات شغلهم وعملهم الفني، موهوبين جدًا، لوحاتهم كانت تعرض في المعارض الفنية، وتباع بسرعة. لوحات ترقى إلى المستوى العالمي، بيد أنهم لم يكونوا يهتموا في السياسية ولم يكن لديهم بعد نظر سياسي، بله كانوا بسطاء جدًا في هذا الجانب لا يرقى إلى ألف باء السياسة، بل متدينين جدًا، وكنت اسأل نفسي:
ـ متدين وفن تشكيلي، كيف يمكن التزاوج بين هذا وذاك؟
إن العلاقة مع الناس من هذا النوع جعلتني حرًا متحررًا من العلاقة مع السياسيين. العلاقة مع السياسيين متعبة بل مجهدة، تراهم يدققون في أدق الكلمات، ويذهبون في تحليلاتهم إلى أعمق مما هو على السطح لهذا مطلوب منك أن تكون مستنفرًا على بينة من كل كلمة تلقيها لأنه لديك معرفة أن الذي مقابلك يراقب كلماتك احاسيسك، أنفاسك وأفكارك، ويسجل عليك ما تحكيه أو تتنفسه، وإذا أدرت له ظهرت طعنك دون رحمة أو شفقة.
العلاقة مع السياسيين في السجن أو خارجه أكثر صعبة بكثير، فمطلوب منك أن تكون يقظ الأحاسيس والهواجس وكأنك تمشي على الجمر.
هنا، بين الناس الغير مسيسين أو مأدلجين، لا أحد يقف لك عند كلمة ما أو جملة، بل لا ينتبه إلى أخطاءك أو انفعالاتك، ولا يعرف إلى أين تذهب في أقوالك. براءتهم تجعلهم يسمعون إليك دون بعد أيديولوجي او نفسي أو يشكك في كلامك أو أبعاده. تتكلم بحرية مطلقة، بل تحلق في ملكوت العقل والفكر والتراث. فهذا المستوى المتابع يختلف عن ذاك الديوث المتلون المتغير المتبدل، الذي يأتي بخمسين قناع ووجه. السياسي إنسان كريه وقذر.
كنًا نخرج من المدرسة ونذهب إلى أسواق عمان القديمة، نمشي في الشوارع، نصل إلى ملتقى اللاجئين العراقيين الذي يقدر عددهم بالمئات، نسلم على بعضنا، ونتحدث عن من سافر إلى دولة أوروبية او استراالية أو كندا أو غيرها ومن بقى. وكل واحد يتحدث عن هموم السفر، العيش الصعب.
وسيارات الشرطة الأردنية تجوب المكان، بيد أنها منضبطة لا تتدخل إلا إذا كانت هناك أوامر يوجب التدخل أو الاعتقال.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبق حيث الغناء 18
- أبق حيث الغناء 17
- أبق حيث الغناء 16
- أبق حيث الغناء 15
- أبق حيث الغناء 14
- أبق حيث الغناء 13
- أبق حيث الغناء ـ 12 ـ
- أبق حيث الغناء 11
- أبق حيث الغناء ـ 10 ـ
- مفهوم الدولة
- أبق حيث الغناء 9
- أبق حيث الغناء 8
- أبق حيث الغناء 7
- الأخوان وتركيا
- مركزية النظام الرأسمالي
- أبق حيث الغناء 6
- أبق حيث الغناء ـ 5 ـ
- أبق حيث الغناء 4
- أن تقرأ لوليتا في طهران
- أبق حيث الغناء 3


المزيد.....




- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء ـ 19 ـ