أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 4















المزيد.....

أبق حيث الغناء 4


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 14:36
المحور: الادب والفن
    


بعد أن استرخيت وشرب نجيب قهوته، قلت له:
ـ أنا لا استطيع الجلوس في البيت دون قراءة أو كتابة. وأنت تذهب إلى عملك ليلًا أو تعزف وتغني في أوقات الفراغ أو تخرج من البيت. الجلوس دون عمل حالة صعبة لامرئ في مثل وضعي.
ـ إلى ماذا تشير؟
ـ أريد الذهاب إلى المكتبة لجلب بعض الكتب، تمدني بالقراءة. هل تذهب معي؟
ـ إلى أين؟
ـ إلى المكتبة العامة
ـ المكتبة العامة؟ لا مشكلة. سنذهب بعد قليل، جهز نفسك.
ذهبنا إلى المكتبة الملكية الهاشمية، وتحدثت مع موظف الاستقبال وقدمت له طلبي:
ـ قلت له هل يمكنك إعارتي بعض الكتب؟ قال الموظف المختص:
ـ ليس لدينا كتب في هذه المكتبة. هذه المكتبة هي من أجل النشاطات الثقافية المحلية والعربية والعالمية، كالسينما والمسرح والغناء والرقص وأشياء أخرى.
ـ من أين يحصل المرء على الكتب. ما اسم المكتبة العامة؟
ـ شومان. مكتبة شومان في جبل عمان.
وصلنا إلى جبل عمان، ورأينا المكتبة التي كانت تقع في مواجهة السفارة العراقية. دخلناها إلى أن وصلنا إلى الأستقبال. قدمت طلبي وحاجتي للكتب.
قال لي الموظف:
ـ هل أنت عضو في المكتبة؟ هل لديك بطاقة اشتراك؟ ممكن تعطيني هويتك الوطنية من فضلك؟ هل أنت أردني لهجتك لا تشير إلى هذا؟
ـ لا، لست أردنيًا ولكني أريد استعارة بعض الكتب. أنا من سوريا.
ـ يا هلا ورحب بابن أختي. لا أستطيع منحك الكتب إلا إذا كان لديك بطاقة اشتراك أو بطاقة مواطن أردني.
ـ وما هو الحل يا أستاذ؟
ـ الاستاذ الذي معك من أين؟
تدخل نجيب فورًا
ـ أنا أردني. هل بطاقتي تفي بالحاجة.
ـ طبعًا. سأعطيك ثلاث كتب لمدة أسبوعين وبعدها يجب أن تصبح عضوًا في المكتبة وسيكون لك بطاقة. عليك أن تضعوا عشرة دنانير من أجل الاشتراك، وعندما تنسحبوا من عضوية المكتبة يمكنك استرداد المبلغ. المال مجرد مقايضة.
سجل نجيب اسمه وأعطى الموظف عشرة دنانير مع وعد أن البطاقة ستكون جاهزة بعد أسبوع.
في عصر اليوم الثاني من نزولي في بيت نجيب، رأيت مجموعة من الشباب الصغار في فم الباب. لم يكن نجيب موجودًا، ولم يقل لي أي شيء عن أهله. ولم يكن قد مضى على وجودي في الأردن سوى أربعة وعشرين ساعة.
رأيت فتاة جميلة، أنيقة، وشابان في منتهى الوسامة والجمال، ومعهم امرأة مسنة ورجل وفتاة صغيرة في الحادية عشرة سنة.
استغربوا جميعهم بوجودي. القوا السلام علي في حيرة، قالت ليلى:
ـ أليس هذا بيت نجيب، إنه أخي؟
ـ إنه بيت نجيب على سن ورمح، ثم ابتسمت بخجل. ثم أضفت، أنا ضيف في بيته.
كانوا ما زالوا في فم الباب وفي حالة حيرة واستغراب، مثلما كنت عليه.
ـ أين نجيب؟ لقد قلنا له أننا قادمون إلى عمان.
ـ أين نجيب؟ لقد قلنا له أننا قادمون إلى عمان.
ـ لا أعرف إلى أين ذهب. تفضلوا وأجلسوا.
تبادلنا النظرات والاندهاش والإعجاب. قلت في نفسي:
ـ إنها عائلة جميلة، رقيقة. يمتازون بالطول الفارع والوسامة والرقة، وريعان الشباب.
اثناء شرب الشاي تحادثنا وتعارفنا، وعلموا أنني من سوريا، وسجين سياسي سابق. لم يستوعبوا وجود سجين سياسي سابق وضيف في الأن ذاته في بيت أخيهم.
قال رامي:
ـ ماذا يعني سجين سياسي؟
ـ آه، رامي الموضوع معقد وطويل. هذا يحتاج إلى وقت طويل للإجابة على سؤالك، ألم تلتق بسجين سياسي سابق؟
ـ لا. أنا لا أحب السياسة ولا اتعامل معها، أنها صعبة ومتعبة. وضد الدولة. أنا رجل عمل وإنتاج. نحن من عائلة حداد أب عن جد.
سأعرفك على أهلي، اختي ليلى في السنة الرابعة أدب فرنسي في الجامعة في جامعة أربد، المدينة القريبة من مدينتنا، عجلون. وأخي طارق وأشار إليه، يدرس الأدب الأنكليزي في الجامعة ذاتها، وغدير في الحادية عشرة من العمر، في الصف الخامس، وكمال والدها وزوج أختي سناء، ووالدها من أقرباء والدي، وأنا أعمل مع والدي في الورشة، وهذه أمي. جئنا إلى عمان من أجل المشفى. إنها تحتاج إلى غسيل الكلية، وسنأتي كل شهر إلى هنا. وسنلتقي بك وبنجيب.
تذكرت أبي وأمي وأخي وأخواتي قبل السجن، وبعد خروجي منه لم أعد أرى أحدًا في البيت سوى الوالد والوالدة. تفرقوا جميعهم في اصقاع الأرض.
ووقتها شعرت بالفراغ والحسرة أنني وحيد وأعزل من كل شيء. لا أحد بالقرب مني، لا صديق ولا رفيق ولا أهل باستثناء التواصل مع أخي هاكوب وأختي صونيا في السويد.
أصبحت نكرة في عيون المقربين والبعيدين عني. خسرت كل شيء. كل شيء، دون أي مقابل. لم نفهم هذا الوطن، وغامرنا سياسيًا في تغيير نظامه السياسي الديكتاتور المنسجم مع ثقافة الاستبداد وإنسان الاستبداد. والبدائل التي طرحناها تحتاج إلى زمن آخر وإنسان آخر.
كان الزمن ثقيلًا عجوزًا علي، وعلى الكثير من الذين من أمثالي.
كان السجن مملوءً بالمثقفين، الذين نذروا أنفسهم وأرواحهم من أجل قيم عليا، وتحملوا عذاباته وآلامه، وساروا في طريق الجلجلة إلى النهاية مملوءين بالأحلام الوردية، بوطن جميل، وطن قادم على ظهر الفراشات السابحة في السماء.
لم نقل لأنفسنا لماذا بقينا في السجن دون الناس، دون خروجهم إلى الشارع لمساعدتنا في محنتنا، في الوقوف إلى جانبنا، في محنتنا القاسية في سجن تدمر، ولماذا عزلنا الجلاد عن العالم الخارجي أو الحرية.
بررنا لهم:
إنهم مغلوبون على أمرهم، يخافون ، لا يملكون الوعي بالحرية، وتعاملنا مع ضعفهم بابتذال رخيص، ولم نسأل أنفسنا، السؤال التالي:
هل هو خوف أم نذالة ام خضوع أم استمتاع بالعبودية السعيدة؟ هل يضحي الإنسان السوري أو العربي بدقيقة واحدة من حياته من أجل قيم الحرية؟
هل كان المجتمع ضعيفًا لا يقوى على مجابهة الدكتاتور؟ هل كان له مصلحة في تغييره؟ هل المواطن العادي جزء من ثقافة الديمقراطية؟ هل هو غشيم وغبي ولا يدرك مصالحه.
أعلم أن الإنسان العادي ليس غشيمًا، وليس غبيًا. إنه ذكي جدًا، ويعرف مصلحته اكثر من أي مثقف وكاتب ومفكر وفيلسوف. باختصار شديد، لا يريد أن يضحي. وهذا حقه. إنه يريد حياة أمنة مستقرة، ولا يهمه من يحكم أو لا يحكم، المهم أن طعامه يكون موجودًا، ويحقق رغباته في إنشاء أسرة وبيت وأولاد. ولا يهمه من اعتقل أو قتل أو مات. وبتقديري ليس مهمًا لديه أن يتعاطف مع إنسان بلده سواء دخل السجن أو قتل، مصلحته مع السجان وثقافة الاستبداد الذي تربى عليها.
مقابل النوم إلى جوار حبيبته أو زوجته ممكن أن يبيع هذا العالم كله، بالتالي هذا لا ينبع من غباء. هو راض بالتهميش والدونية، وهذه المسلمات تؤمنها له الثقافة الاستبدادية.
يعرف مصلحته بدقة كاملة وشديدة، ولا يغامر في حياته ورغباته من أجل وطن أو مواطنة أو دولة مواطنة أو ديمقراطية.
أينما التفت يحاصرني الفراغ، بيد أن وجود نجيب وأهله اعطاني طاقة إيجابية كبيرة في مواصلة يومي في الأردن. يوم بيوم دون أمل في غد مشرق أو جميل.
لقد فات الشباب دون أي تعويض. وإن ما حدث معي هو مسؤوليتي الشخصية البحتة. وليس مطلوبًا من الأخرين مساندتي أو مساعدتي. كل واحد يريد أن يرمم جراحه. فالسجين السياسي في بلاد الشرق المريض سجينًا على مسؤوليته الخاصة، شأن خاص. ولا علاقة للهم العام به، وكل واحد في ميدان، وله ميدانه.
لم يطلب الناس من المناضلين أن يدافعون عنهم. وكنّا مجانين وأغبياء في نظرهم، وألف أم تبكي ولا أمي، وأمشي الحيط الحيط وقل يا رب السترة، ولم يطلبوا منهم أن يدافعوا عن قناعاتهم. ولم يطلبوا منهم أن يضحوا بانفسهم من أجلهم. إنهم مقتنعين بظروفهم لهذا لم يطالبوا بتغيير النظام السياسي.
وهذا الفراغ والوجع الذي يعانيه السجين السابق هي مسؤوليته، هو الذي اختارها بنفسه. وإذا وصل إلى الحكم سيغير هذا المجتمع ولاءه بسرعة البرق من القديم إلى الجديد.
وإذا تغير هذا النظام سنرى جميع الناس مناضلين ومتفانين أبًا عن جد.
المجتمع المريض مجتمع كاذب.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أن تقرأ لوليتا في طهران
- أبق حيث الغناء 3
- روائح عنبرية
- أبق حيث الغناء 2
- الرجوم
- رقص منفرد على الجمر
- أبق حيث الغناء 1
- كل البشر كاذبون
- المكتبة في الليل
- الساعة الخامسة والعشرون
- اعترافات خارجة عن الحياء
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 4