أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - اعترافات خارجة عن الحياء














المزيد.....

اعترافات خارجة عن الحياء


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6425 - 2019 / 12 / 1 - 19:08
المحور: الادب والفن
    


الرواية «اعترافات خارجة عن الحياء»، تنتمي إلى الأدب الياباني المعاصر، بقلم الروائي جونيشيرو تانيزاكي، ترجمة عدنان محمد. هذا النوع من الروايات تقرأ عدة قراءات، لفائض الرموز الكامن في أحشائها، وللغتها الهادئة التي تأخذ لب المرء وتأسره، وتدفعه إلى تحليل مفرداتها المعبأة بالحمولات الثقافية الغامضة والعميقة. رموز كثيرة تتوه الذهن والعقل. وعلى الرغم من أننا نقرأ الرواية بروح الباحث عن الكلمات المتلاحقة من أجل القبض على روح النص، بيد أنها تهرب من أيدينا. نستطيع أن نقول: إن هذه الرواية نص هارب.
جرى كل شيء كما خططت، نزعت عن جسد زوجتي كل ما ألبسته. هذا ما قالته الشخصية المحورية في الرواية، الاستاذ الجامعي، الإنسان الغامض الذي لا يرد اسمه فيها ابدًا، كأنه نكرة أو يتنكر لنفسه أو يحتقرها. الرواية عميقة جدًا، أكاد أقول إن كل كلمة فيها رمز وإشارة على التناقض والتقاطع، بين الماضي والحاضر.
ونستطيع أن نقول إن الصراع ما زال على أشده في هذا اليابان القابع في أقصى الشرق. وما زال الحنين إلى الماضي قائمًا بقوة، رغم التطور الهائل في هذا البلد العملاق والعريق.
إن الصراع بين الذات، الهوية، التراث، اللغة، الوطن، القومية والعادات والتقاليد، والحنين، والغربة! بين الأنا والتاريخ والتناغم مع الذات، وهذه الحضارة الحداثية التي أجبرت شعوبا كثيرة على تبديل قيمها ومثلها وجلدها وأشكالها وعاداتها وتقاليدها لتتماشى مع ما فرض عليها من قيم من خارجها. إن الكاتب متمكن من أدوات عمله، بحيث أنه بسط خريطة وطنه على الورق، على جسد المرأة، ومضى يشرحها بمبضع الجراح المتمرس، مستخدمًا البعد الثالث والرابع. والرموز، بله أغرق الرواية بالرموز إلى درجة لم نعد نعرف الزوج من العشيق، اليابان القديمة عن اليابان الحديثة، وإلى أي انتماء تنتمي.
استطاع أن يفكك جسد المرأة، الزوجة، انطواءها على نفسها وخجلها من هذا الجسد وعدم قدرتها على الانكشاف على زوجها، مرات تحبه وأكثر المرات تكتشف أنها لا تحبه، ربما هذه الرواية تنتمي إلى الرواية السحرية، أشعر بأن روح بيدرو بارامو ساكنة في هذا العمل الجليل، الغموض يلاحق الشخصيات، وعلى القارئ أن يفكك شيفرة الإيحاءات السرية الكامنة فيها. وعلى الرغم من أن المرء يحاول الدخول في مغامرة البحث عن المفاتيح التي تمكنه الوصول إلى شط الأمان، إلا أن الكلمات تهرب منه، كلمات لا تقبض باليد، وكلما حاول الإمساك بالنص، إلا أن هذا الأخير ينزاح ويهرب إلى البعيد.
رواية مجنونة، كتبت بلغة سهلة وبسيطة، بيد أنها تجنن القارئ، تتوه الذات التائهة، تبعد الذات عن الذات، تدفعه للسؤال: ما الذي يربط كيمورا العاشق اليوم وكيمورا الزوج القديم، في ذات مختلفة متوافقة؟ اليابان القديمة الحديثة: وهذا يعود بلا شك إلى التقاليد الصارمة التي رسّختها في رأسي تربية أبويّ في أسرة إقطاعية، تقاليد بموجبها يبقى الشرف سليمًا مهما كانت الإجراءات العقلية، ما دام الإنسان لم ينم مع شخص بالطريقة الأرثوذوكسية كما اعتاد زوجي أن يقول.
إنه صراع بين الحداثة والتقاليد، بين الانتماء إلى الذات القديمة والحاضر الجارف لكل انتماء: إلام تحتاج زوجتي إلى الأقراط والقلادات، وهي التي لا ترتدي أبدًا ملابس أوروبية؟ منذ متى راق لزوجتي أن تضع مثل هذه الأشياء مع ثياب يابانية، ولكن يجب عليّ أن أعترف بأنها تليق بها جيدًا، خاصة اللآلئ في أذنيها، فهي تناسبها أكثر مما كنت أتوقع.
تسير الرواية منذ اللحظات الأولى على نسقين متوازيين متباعدين، يتقاربان ويتباعدان، إنه عصر وعصر، بيد أن اليابان لم تكتشف هذا الغريب القادم من الغريب، من الطرف الآخر المختلف، الذي فرض نفسه على هذه الذات. اليابان التي اعتادت أن تعيش في الماضي، قديمها، عشقته ولم يكن في ذهنها أن تغير أو تبدل جمالها بجمال آخر. كانت تسير بخط مستقيم، بدون أن تلتفت إلى اليمين أو اليسار، وجاء التغيير على حين غرة، زرع الخوف والقلق في الذات، وأدخلها في الهم، عين على الذات الماضوية وعين على الحاضر المفتوح على أفاق مفتوحة الأبعاد، تقول الزوجة:
ـ في الماضي كانت ذاكرته ممتازة، والأن يعاني من فقدان كبير لذاكرته. وغالبًا ما يترنح وهو صاعد الدرج أو نازله، وصار لون وجهه بلون التراب. كلما شاخ المرء يخطئ ببعض الأحرف، وينسى أحرفًا أخرى، وهناك أخطاء في التواريخ والأرقام، ويكتب تشرين الأول بدلًا من آذار. وعقله تغير.
المبدع أول من يعاني، وأول من ينتابه القلق، والروائي جونيشيرو تانيزاكي، المولود في طوكيو عام 1886 وتوفي عام 1965، مبدع حقيقي، عاش وخز الضمير على الأنا العليا الخائفة على الذات التي تضيع من يديه، لأنه يعلم أن الحداثة لم تأت من الذات، إنها فائض، لنقل إنها فيضان عارم، تسونامي تقتلع الجذور وتفكك الذات وتذريها إلى أشلاء، بحيث لا تبقي حجرًا قديمًا على حجر حديث:
ـ حتى لو قيل لي إن كيمورا لطخ شرفها، فلن أصدق ذلك. آوه، ومع ذلك حتى لو قبلنا أنها ليست ملطخة الشرف، فثمة متع أقذر من تلطيخ الشرف..
إن الحداثة تثبت أن الهوية هشة، ومتحركة ويمكن زعزعتها واقتلاعها أمام التحولات التي تفرض عليها من خارجها، سواء عن طريق الحرب أو السلم. وإن القبض عليها، أي على الهوية، كالقبض على الجمر. في الحقيقة إنها على الجمر إلى أن يخمد ويتحول إلى رماد.
إن الحداثة ليست معادية أو في صراع مع الهوية والتراث فحسب، إنها على عداء مع ذاتها، فهي تحول نفسها إلى مجرد هيولى. إنها أشبه بخيول غوغول في روايته، النفوس الميتة، عندما يطلق نداءه:
ـ ما هذه الروح غير المنظورة في هذه الخيول التي لم ير مثلها هذا العالم؟ آه، يا خيول يا خيول، وأية خيول! أهي الزوابع مخفية في أعرافك! أيها العالم إلى أين تذهب؟ «كل شيء على الأرض يمرق عابرًا، وتنظر الشعوب شزرًا وتنحنى الشعوب والدول الأخرى فاسحة الطريق لها».



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3
- لماذا الغرب متسامح مع الإسلام؟
- التمرد 2
- من ذاكرتي في القامشلي
- إعادة هيكلة الدولة
- التمرد
- استانبول
- من ذاكرة الجزيرة السورية 3
- الخروج من الذاكرة 2
- الحسكة
- أمي
- سعرت باتمان والسلطنة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - اعترافات خارجة عن الحياء