أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الساعة الخامسة والعشرون















المزيد.....

الساعة الخامسة والعشرون


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6445 - 2019 / 12 / 23 - 23:46
المحور: الادب والفن
    


روايةُ "السّاعة الخامسة والعشرون" للكاتب والرّاهب الروماني "جيورجيو فرجيل قسطنطين التي صدرت لأول مرة في العام 1949، باللغة الرومانية، بالرغم من أنها منعت في أوروبا لسنوات طويلة. وتمت ترجمتها بقلم فائز كم نقش، وتقديم د. عبد الله إبراهيم، وتقع الرواية في خمسمائة وستة صفحات من القطع الكبير.
هذه الرواية ثقيلة بأحداثها ومجرياتها، تعكس حياتنا المعاصرة الذي تنبأ بها الروائي، لهذا تبقى مستقرة في ذاكرتنا حتى بعد أن نغادرها بسنوات طويلة، من يقرأها لا يمكنه أن ينسى شخصياتها المكسورة المهزومة بفعل ثقل الدولة والحداثة والآلات الحديثة عليها. وإن مضمونها ما يزال فاعلًا في حياة البشر إلى يومنا هذا.
في مجريات الرواية إشارات واضحة إلى تمأسس الإنسان، إرتقاءه بالعبودية أكثر فأكثر إلى أن أصبحت منظومة متكاملة، تزداد بإطراد يومًا بعد يوم كنتاج لتطور الحداثة والتقانة، والتراكم الذي مارسته القوى القابضة عليهما، وتسييرهما وفق غايات محددة هو الوصول بأقصى سرعة إلى الثروة والمال وحيازة القوة.
يقف المرء مذهولًا أمام قدرة العمل على فضح عالمنا، وثقل المفاهيم التي تحول الإنسان إلى كائن مستلب مهزوم من الداخل قبل أن يهزم من الخارج.
المفاهيم عمليًا أداة استلاب، قيد أو سجن يدخله الإنسان سواء بإرادته أو بالرغم عنه، يتسلل إلى حياة الإنسان من خارجه ليصبح جزءً منه ينهش تكوينه الطبيعي من الداخل إلى أن يحوله إلى كائن هش وضعيف امام الوقائع التي تعصف به من كل الجوانب.
فبعض المفاهيم انزياح للحرية والقيم الخالدة، تحويل الإنسان إلى مادة نافلة لا قيمة لها.
الرواية تغوص في مضمون الحرب، العنصرية، التمييز على أساس الدين والعرق، كمادة لتعويم الحرب والقتل والإبادات لخدمة المفهوم والمصلحة العليا للحداثة الغربية التي شيأت الإنسان والطبيعة والحياة، لتصبح على مقاس طموحاتها وتوسعها المرضي.
إيوهان موريتز أحد الشخصيات المهمة في الرواية، مجرد إنسان عادي أو طبيعي، يعمل خادمًا للكنيسة، يحلم بالسفر إلى الولايات المتحدة للعمل فيها لتأمين مبلغًا ماليًا ليشتري أرضًا وبيتًا، ليتزوج حبيبته لسوزانا:
ـ كانا تحت شجرة الجوز، حيث التقيا الليلة الفائتة. أحس بثقل المرأة بين يديه، فأسندها ومددها على العشب، واستقلى بجانبها، وتداخل جسمهما، وتعاقدا كالحيتان، أو كالنبات المتسلق. كانت الأيدي تبحث عن الأيدي في الظلام، والشفاه تلتصق بالشفاه، برغبة وشوق، وقد أغمضا عيونهما.
الصراع بين الإنسان والآلة كان على أشده حول من الذي سيكون العبد المفضل لدى القابض على الثروة والسلطة، إلى أن انتصر الثاني على الأول بالضربة القاضية.
الرواية تتنبأ بموت الإنسان الغربي على لسان بطل الرواية، الروائي تريان كوروغا، في إشارة إلى مكانة الآلة وتأثيراتها:
ـ إن العبد التقني، الخادم الذي يقدم لنا ألف خدمة، يدفع سيارتنا، يعطينا النور، يصب لنا الماء لنغتسل، يحمل لنا الرسائل، والأخبار والقصص، يخطط الطرق ويزيل الجبال من أماكنها. ويسيطر على النقاط الحيوية في المجتمع العصري، والاستراتيجية في مجتمعنا من جيش ونقاط خطوط المواصلات والتموين والصناعة والزراعة.
ويعتبر التقانة طبقة، يسميها البروليتاريا، ويشير، غلى تأكيد فكرته، أن هناك آلات عبيد بالمليارات، وبشر عبيد بالمليارات يعملان، الأقوى يجبر الأضعف على اعتناق عاداته ولغته وتقاليده وثقافته بالرغم من أن الأول محتل للثاني، بيد أنه أسره، ويومًا بعد يوم سيتخلى البشر عن صفاتهم الإنسانية ويعتنقون صفات العبد الآلي.
فالإنسان المعاصر يدرك بفطرته إن الزمن القادم سيخرجه من المعادلة لمصلحة الآلة، لأن الحداثة هذا خط سيرها، أن تنظم العلاقات القائمة وفق النظم التقنية واحتياجاتها.
تبدأ الحرب العالمية الثانية تحت تبريرات تأتي إلينا من خارجنا بالرغم عنا، في استخدامها للمفاهيم بدقة كالقومية أو الدين والوطن، لتترافق مع آلة البطش كأنه صراع بين تقنات من أطراف مختلفة يفوز بها من لديه آلة أكثر تقانة وبطشًا وتأكيدًا لهزيمة الآلة القديمة أو الإنسان القديم لمصلحة الآلة الجديدة وغياب الإنسان.
عندما يتشبع الناس بالمفهوم أو الفكرة دون إدراك لأبعاد وغايات من يقبضون عليهم، يذهبون إلى الموت بصدر رحب وطاقة معنوية عالية. ينسون أو يتناسون أنهم مجرد فضلات أو مادة نافلة في هذا العصر.
ينسحب الإنسان ككائن طبيعي عن الطبيعة، ويأقلم ذاته وعقله مع متطلبات العبودية الجديدة. وعندما لا يستطيع أن يتأقلم مع عالم التقانية يخرج من المعادلة ويتحول إلى نكرة، يمكن نعته بالدونية والجهل، وتتملكه الغربة والبعد عن الذات والآخر.
تنبأ الكثير من الفلاسفة والكتاب بموت الإنسان الغربي في ظل الحداثة، بيد أن الرواية هي منطقة العمليات الفاضحة. هي المنطقة الرخوة في الحداثة، لأن روح الأدب وضميره وقلبه يقوم أو قائم على تعرية المعتم، المخبأ خلف الأحجيات الثقيلة، لأنه كائن حساس يبحث عن العوالم الضائعة، يدخلها ويعريها وفي يده النور أو القنديل.
هنا تبرز قدرة الأدب على فضح المؤوسسة، العبد المقنع، تعريته دون خجل أو أي اعتبار للحسابات الجانبية. يتسلل إلى الأعماق، يقبض على المفاهيم المتلبسة التي تزيح الإنسان من البيئة الطبيعية النقية الخالية من الأمراض والعقد، والعمل على إعادة إنتاجه وفق الواقع الجديد:
ـ التحول البطيء، سيقلب الكائن الحي، وسيجعله متخليًا عن أحاسيسه وقيمه وعلاقاته الاجتماعية، ويجعلها محصورة في حدود ضيقة، واضحة، آلية تمامًا، كتلك العلاقات التي تجمع بين قطعة آلة واخرى، أي بين الإنسان والآلة. وهذا العمل سيقيد البشر في علاقاتهم الاجتماعية وفي الإدارة والفنون والرسم والأدب، واللغة الخاصين بالعبد التقني.
ما يقرأ هذه الرواية يشعر بالألم على ذات الإنسان، وجعه، بعده عن طبيعته، وتتغير المفاهيم، ويدخل في متهات اللغة لينمو فيها ويكبر وينفصل عن ذاته وليكون لنفسه ذات أخرى من خارجه. ينسى القيم الطبيعية ويفترش القيم التقانية البعيدة عن طبيعته، لهذا سيعاني ويعاني، وفي معاناته سيذبل كالوردة العطشى ويضيع ويتلاشى.
الرواية سهلة القراءة، تعتمد على الأسلوب التقليدي، عبر السرد البسيط المتتابع عبر اقسام وفصول، تجعل القارئ يذهب معها إلى أبعد مدى. وإن ترجمتها أكثر من رائعة ولغتها نقية وصافية كحبات اللؤلؤ، لهذا اتمنى أن تقرأ هذه الرواية، لأن هذا النوع من العمل الجليل يسهل الأمر على القراء العاديين، بعيدًا عن النخبة أو النخبوية.
كما أنها عالجت فترة الحرب وما قبلها، وقسوتها والآثار الجانبية على الناس والعمران والحياة، وعلى ضياع القيم والمبادئ في أتون هذا العصر الظالم.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات خارجة عن الحياء
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3
- لماذا الغرب متسامح مع الإسلام؟
- التمرد 2
- من ذاكرتي في القامشلي
- إعادة هيكلة الدولة
- التمرد
- استانبول
- من ذاكرة الجزيرة السورية 3
- الخروج من الذاكرة 2
- الحسكة
- أمي


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - الساعة الخامسة والعشرون