أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 15















المزيد.....

أبق حيث الغناء 15


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6705 - 2020 / 10 / 16 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


استأجرت بيتنا بمبلغ أربعين دينارًا في الشهر، حوالي ستين دولارًا في حي المدينة الرياضية. عبارة عن غرفة واحدة ثلاث أمتار في ثلاثة أمتار، في داخل هذه الغرفة الحمام والمرحاض دون باب.
جلب لي نجيب سريرًا وفراشًا ولحاف ووسادة ومدفئة على الكاز وبابور. لم يكن لدي كرسيًا أو أي شكل من أشكال الرفاهية في هذا البيت الصغير البائس.
احيانًا كثيرة كانت المجارير الطافية تدخل الغرفة فتملأ الغرفة بمياه المراحيض، اضطر لتنظيفها كل أسبوع مرتين، ولم يكن أي إنسان يستطيع دخول بيتي، يهرب بسرعة البرق بسبب الرائحة الكريهة. مرات كثيرة أخبرت ابو هاني، صاحب الملك الذي تتكون عمارته من خمس طوابق، حجارته بيضاء صقيلة عن معاناتي فيرد:
ـ غدًا سيذهب أبني هاني إلى مصلح المجاري ويطلبه ليحل هذا الموضوع.
بيد أنه كان يكذب، في محاولة التنصل من إصلاح المجارير التي تأتي من أعلى الطوابق وتنزل في غرفتي.
أبو هاني إنسان بخيل جدًا، إلهه ودينه المال، إنسان كريه جدًا نتنًا قذرًا في شكله وتكوينه ومزاجه وسلوكه ونذالته. مرات كثيرة كان يأتي لغرفتي، يجلس على سريري كضيف أو لأخذ قسط من الراحة أو لألتقاط أنفاسه من عناء الصعود على الدرج إلى شقته في الطابق الثالث لكونه كان مريضًا بالسكري ويعاني من ضغط الدم المرتفع، وكان عصبيًا نزقًا دائم التوتر والغضب، ومتدينًا، بيد أن القرش كان لديه أهم من الأيمان.
كانت قدمه مفتوحه ولديه مرض بالقلب، لكنه دائم النشاط والحركة والحيوية، ويتعب بسرعة، حب المال يدفعه دفعًا لملاحقة أعماله وأمواله ومتابعة شؤونه المالية العالقة هنا وهناك.
رجل عملي جدًا، عمل وكد واجتهد واشتغل في السعودية، تغرب عن بلده، فهو فلسطيني أردني، وحصل المال بجهده، وبنى هذا المبنى الضخم ولديه سيارة، ومسيطر على بيته وعائلته، ومغلق على نفسه والأخرين نفسيًا وعقليًا.
كنت أقرف منه، فعينه زائغة نحو النسوان بالرغم من أنه أقرب إلى القبر من الحياة.
لم أعد أرى نجيب إلا نادرًا أو في المناسبات، أقضي أغلب وقتي في مكتبة شومان، أخذ معي بعض الأوراق والقلم وأمشي من المدينة الرياضية إلى جبال عمان، في المكتبة أخذ زاوية معينة، استعير كتابًا ما وابدأ بالقراءة.
أخرج من البيت في التاسعة صباحًا بعد أن أفطر وأدوش ثم أسير قاطعًا المسافة لوحدي، الذي أقدره باكثر من ثماني كيلومترات لتوفير خمسة عشرة قرشًا أردنيًا، أي بمقدار كيلو خبز في الأردن في ذلك الوقت.
لم يكن لدي صديق مقرب أبثه همومي أو أحزاني أو ظروفي الصعبة، انطويت على نفسي وبقيت أساير وحدتي ووجعي.
عندما كنت أعود إلى البيت أطبخ طبخة ليومين أو أكثر، اختار أرخص المواد لأمرر الأيام بالأيام.
لم استدن من إنسان ما قرشًا واحد، أرسلت لي أختي صونيا مع بقية أخواتي في السويد خلال وجود في الأردن مدة سنة وتسعة أشهر ألفي دولار ومئتي دولار. كما أعطتني أختي أنجيل أثناء عبورها من اليمن إلى سوريا حوالي أربعمائة دولار.
بعد الغذاء أذهب إلى المدينة الرياضية أجلس هناك في صمت مع نفسي تحت ظلال الأشجار وحركة الناس، رياضتهم، أشاهد لقاء العشاق خفية أو بالسر، يجلس الحبيب مع حبيبه بغنج ودلال بعيدًا عن أعين الأهل والناس.
المدنية الرياضية كبيرة جدًا ربما طولها أكثر من ألف متر وعرضها يوازي طولها تقريبًا في حي جميل في عمان، ربما في وسطها
وكان الملعب البلدي في داخل هذه المدينة، أسمع تشجيع اللأعبين، صراخهم وصافرة الحكم وأحيانًا عراك المشجعين أثناء جلوسي أو المشي في هذا المكان الكبيرة مساحة وجمالا.
وفي داخل هذه المدينة يوجد مكتبة لم أعد اذكر اسمها، ربما المكتبة الهاشمية، في هذا العام تابعت نشاطات المسرح والفن والغناء. وكانت عمان في العام 2002 عاصمة الثقافة العربية، كتفعيل لدور الثقافة في الحياة. حضرت بعض العروض للفرق الشعبية العربية والفرق الموسيقية والعروض الغنائية، ورأيت الكثير من الممثلين العرب والمغنين. هذا زودني بطاقة إيجابية في حضوري لهذه النشاطات بمتعة كبيرة.
مكتبة شومان من أرقى المكتبات العالمية، فيها كتب رائعة ومتعددة ومتنوعة حديثة وتراثية، وهي تابعة لعائلة شومان الفلسطينية التي لديها البنك العربي، مرات كان هذا البنك يقرض الدولة الأردنية بالمال عندما تحتاج.
كنت أنظر بإعجاب شديد لهذه العائلة، فهي تساعد الفقراء والمحتاجين وتقدم المنح للطلاب الأوائل في امتحانات الشهادة الثانوية لتؤهلهم للدخول إلى الجامعة.
ومرات كثيرة كانت تستدعي المفكرين العرب إلى عمان لإلقاء المحاضرات الثقافية، في الأدب والفكر والسياسة والتاريخ والسينما والمسرح.
في البلاد العربية لا يشعر المرء بالغربة على الأطلاق، اللغة واحدة وسمات الناس وحركتهم والأشكال البنائية للمدن وزيارة الأماكن، لهذا كنت املاء وقتي بما هو شيق ومفيد ومتعة، بيد أن هذا كله كنت أقضيه لوحدي، فما كنت أقوم به كان يناسب نفسيتي وتكويني النفسي، ألاحق الثقافة من مكان لمكان.
في العام 2002 اتصل بي أحد الأصدقاء من أوروبا وعرض علي المساعدة، عرفني على الصديق يحيى شقير في جريدة العرب اليوم، زرته لهذا الصديق النبيل، فعرفني بدوره على الكاتب الأردني الأشهر في الأردن هو موفق محادين.
ألتقينا في مبنى الجريدة بناء على موعد مسبق حدده الأخ يحيى، تعارفنا، أخذني هذا الرجل إلى الشارع، قال:
ـ يوجد مهرجان في حي الفحيص هل تذهب معي؟
ـ بالطبع سأذهب معك، ونتعارف عن قرب.
أخذنا المكرو باص وسرنا باتجاه هذه الحي البعيد عن عمان، سألني عن ظروفي وسبب مجيء إلى الأردن، قلت له أنني كنت سجينًا سياسيًا في سوريا. كانت نظراته نظرات خبير، فموفق له عمود يومي في الجريدة، تنزل في الصفحة الأولى، وهو كاتب مهم وله كتب كثيرة تتناول الشأن الأردني والعربي. قال لي:
ـ هل تعرف سلامة كيلة؟
ـ بالطبع أعرفه. كان معي في المعتقل مدة ثماني سنوات.
تجاذبنا أطراف الحديث عن سلامة كيلة والمعتقل والشخصيات السياسية السورية في المعتقل، وكان صديقًا له وللكثير من المثقفين الأردنيين. ثم تكلما عن سوزان، الموظفة في الأمم المتحدة، قال لي:
ـ هل قلت لها عن سلامة كيلة؟
ـ لا، لم أذكر اسمه.
ـ لماذا؟ سلامة صديق سوزان وزوجها. لو أنك ذكرت اسمه لسهل لك مهمتك.
ـ لم أكن أعرف أن سلامة له هذه المكانة في الأردن. أعلم أن لديه بيتًا هنا، بيد أن صلتي به مقطوعة منذ أن جئت إلى الأردن.
وصلنا فحيص فرأينا سوزان أمامنا بابتسامة عريضة مرحبة بموفق وبي، قالت:
ـ آرام في الفحيص، وبرفقة موفق؟ ما الذي ربطكما ببعض؟ قال لها:
ـ لماذا أبقيت هذا الصديق كل هذه المدة الطويلة في الاردن دون ترحيل؟
ـ لسنا متأكدين من المعلومات إلى الأن.
ـ كان سلامة معه في المعتقل.
نظرات الاستغراب بدت عليها بقوة:
ـ ماذا؟ لماذا لم تقل هذا من قبل؟
ـ لم اكن أعرف أنك تعرفين سلامة.
سوزان عملت معي خمس مقابلات طويلة جدًا، ولكن بعد لقائي بها وبموفق تم قبول اللجوء بعد أسبوع منه.
ومع موفق زرنا الكثير من البيوت الأردنية في الفحيص ورأيت العيون المعجبة به، ومقدار التقدير الكبير له، واغلب البيوت من منشأ ثقافي أما عربي أو ماركسي أو شيوعي، وكل ما نخرج من بيت يسقبلنا بيت أخر معززين مكرمين. موفق وجه ثقافي مشهور في بلد صغير مثل الأردن.
وبدورها عرفني على الكثير من الكتاب والمثقفين الأردنيين، وأخذني إلى مقر اتحاد الكتاب الأردنيين في مقره في الويبدة، ومرات كثيرة كان زوج سوزان كان يمر علي بسيارته ليأخذني إلى محاضرة ثقافية أو للجلوس في مقر الاتحاد
حصلت على الإقامة بعد وصولي إلى الأردن بسنة، بعدها خرجت من القوقعة والوحدة، قلت لموفق اثناء زيارته لبيتي الكريه، برائحته الكريهة:
ـ احتاج إلى العمل، ربما أبقى مدة طويلة أخرى في هذا البلد. وقلت له ما نوع العمل الذي أريده.
وعدني خيرًا، بيد أنه ذهب ولم يفعل شيئًا، وعندما كنت ألتقي به في ملتقى ثقافي ما أو في مقر اتحاد الكتاب كان ينظر إلي بخجل، يقول لي:
ـ لقد قصرت معك يا آرام. حقك علينا.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبق حيث الغناء 14
- أبق حيث الغناء 13
- أبق حيث الغناء ـ 12 ـ
- أبق حيث الغناء 11
- أبق حيث الغناء ـ 10 ـ
- مفهوم الدولة
- أبق حيث الغناء 9
- أبق حيث الغناء 8
- أبق حيث الغناء 7
- الأخوان وتركيا
- مركزية النظام الرأسمالي
- أبق حيث الغناء 6
- أبق حيث الغناء ـ 5 ـ
- أبق حيث الغناء 4
- أن تقرأ لوليتا في طهران
- أبق حيث الغناء 3
- روائح عنبرية
- أبق حيث الغناء 2
- الرجوم
- رقص منفرد على الجمر


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 15