أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسناء الرشيد - موفق محمد : (( وَجَعٌ عراقيّ ))















المزيد.....

موفق محمد : (( وَجَعٌ عراقيّ ))


حسناء الرشيد

الحوار المتمدن-العدد: 6731 - 2020 / 11 / 13 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


كان لا بد أن يكون هذا الموضوع من المواضيع الأولى التي كتبتها في هذا المجال ، أعترف أني كنتُ مُقصّرةً جداً لكن ( أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً ) كما يقال ، بيدَ أني لن ألتمس العذر لنفسي رغم كل ما تقدم فشعر العراقي الكبير #موفق_محمد أكبر بل أعظم من كل الاعتذارات ..

وشاعرنا الحليّ الرائع الذي اتخذ لنفسه خطاً معارضاً على الدوام ، كتبَ باللونين الشعبي والفصيح ، وفي كليهما كان مبدعاً لدرجةٍ مدهشةٍ فعلاً وكيف لا وهو الذي يقول في إحدى قصائده عن ولده المفقود :

إن چان متّ بلا گبر

آني گبر يتمشه ..

ويا للألم الكبير الذي تتركه هذه الصورة في روح من يقرؤها ..

وهو يُعرّفُ نفسهُ بإيجازٍ رائع قد يختصرُ الكثير عنه حين يقول :

أنا أحبُ الحلة

لأني ولدتُ على بُعدِ موجتين من نهرها

فجراً ، فسمتني ( الحبوبةُ ) موفقاً

وقمطّتني بطين النهر

في المساء ، أسرجَت أمي سبع شموعٍ في كتاب

وسيّستني بجار البتول

داعيةً لي أن لا أكون شاعراً

لأن أباها رحمهُ الله

كان شاعراً ، لا يطفرُ من مقلاةٍ

إلا ليقعَ في أخرى

أشدّ وأقلى

ضيّع ( الصايةَ والصرمايةَ ) وتركهم بلا سكن !

وهو يستخدم المفردات الشعبية بطريقةٍ ملفتة للانتباه كما يلاحظ من قراءة أبياته لكنه لا يزجها زجاً ومن دون مناسبة فهي لا تخدش المسامع أبداً بل تضيف نكهةً خاصةً ومميزةً لشعره .

وشاعرنا يصف وجع البلد الذي يعيش فيه بطريقة تدمي القلب كما هو الحال حين يتساءل :

أحياءٌ ؟

ما زلنا أحياء

نحيا في حي الأسرى

والمفقوين وحي الشهداء ..

ويالها من حقيقةٍ بالغة الأسى فعلاً !

ويتكلم عن وجعه أيضاً بلهجةٍ باكية حين يقول :

ما زلتُ أسعى في العراق ولا بلد

ما زلتُ نهباً للذئاب إلى الأبد

أو :

أسمعتَ عن هذا القصاص

شعبٌ يُسعّرُ في جهنم

ثمَ يُطفأُ بالرصاص ؟!!

ونحنُ لم نسمع عن مثل هذا القصاص حقاً !

في قصائده نجدُ بصماتٍ واضحة لثقافة كبيرة تدهش كل من يحاول الولوج إلى عالم قصائده وإن بقراءةٍ سطحية لا متعمقةٍ جداً ، فهو المعلم الرائع الذي أفنى عمره في مجال التعليم الذي كان له أثرٌ كبيرٌ في أبياته :

كنّا نصل إلى المدرسة

راقصين على أنغام الكمنجة

وما أدراك ما الكمنجةُ التي

يعزفُ عليها المعلمُ

ونحن نتحلقُ حولهُ

بقيادة ( نار ، نيران ، نوري )

ونهتفُ : إحنا صف الأول

أحسن الصفوف

والميصدگ بينا

خل يجي ويشوف !

ولكن الصورة الجميلة التي ينقلها لا بد لها أن تصطدم بأرض الواقع الموجع حين يكمل أبياته قائلاً :

وماذا ( يشوفُ ) ؟

صبيةٌ يرتجفون من البرد

ودهن المشگ يتلألأُ في أيديهم

سعداء كنا قانعين

لم نذق طعم الحلاوة

وحين مدَحهُ ، وأعني طعم الحلاوة

لا الرئيس

سألناهُ : ومتى ذقتَ الحلاوة ؟

فأجاب : لم أذقها ولكن ابن بنت عمي

التي تسكنُ بغداد

قد مصّ كاغدها !!!

وكيف لي أن أتكلم عن كل هذا الوجع وأنا التي يدهشني تتابع الصور الغريب الذي لا يخطر على بال أحدٍ أبداً !

لُقبَ بشاعر الوجع العراقي ، وهو لقبٌ يستحقهُ فعلاً فهو لم يغفل جانباً من أوجاعنا من دون أن يخوض فيه وبطريقة قد ينطبقُ عليها القول إنه كان ( يسبح ضد التيار ) فعلاً ، ولأن للأمهات الحصةَ الكبرى في هذا الوجع فقد كتب عنهن الكثير الكثير :

- الليلةُ عيد وأنا في غرفتكَ الآن

ما زال كتابُ الله مفتوحاً فيها

أتهجى سورة يوسف وعلى ضوء الفانوس

ما فتئت أمكَ تملؤهُ من دمها

وتوقدهُ في المساء الذي يطحنُ القلب

وتضيفُ غطاءً آخر لسريرك

إذ يشتدّ البرد وتبكي

تحلمُ في سلمٍ ضيقٍ

لتمرّ كخيطٍ فيه

الى قبرٍ تلقمهُ حلمتها وتهمس :

هذا درّك يا ولدي !!

- لفّنا ليلٌ غرابيّ الجناح

فاغلقي الباب فلم يأتِ أحد

وادخلي تابوتكِ المكتضّ بالرعب ونامي

ودعي صدركِ مفتوحاً فقد يأتي الولد

ربما من آخر الدنيا ومن بابِ الأبد

وارسمي الوجه الذي غُيّبَ في كل المرايا

دون أن يدري أحد

افتحي القلب ففي الباب شظايا

وبقايا من جسد !

ويبدو أن فقده لولده كان له أكبر الأثر ، فمثل هذه الصور ليس لغير من فُجعَ قلبه برحيل ولده أن يأتي بها ، ونحنُ نجد هذا الأمر واضحاً في قراءتنا حتى للأبيات التي ليس لها علاقةٌ بالفقد أو وجع الأمهات ، فموضوعة ( انتظار الغائب الذي لن يعود ) حاضرةٌ بقوة بين سطور أبياته ..

- كان المساء دماً ينثّ

وحسرةً في قلب أمي

وهي تعتصر الحياة

فلا هواء ولا ضياء

أنصافُ أشباحٍ تجمع حولها

يندبنَ من جوعٍ وعازة

ثكلى نساءُ الرافدين

وهن في الرمق الأخير

فلا غذاءَ ولا دواء

كان المساءُ دماً ينثّ

وقلبُ أمي في الجنازة

كل الحياة مجازةٌ

والموتُ ليس له إجازة !!

وهو هنا يؤرخ لفترة الحصار كما نفهم من خلال قراءتنا ..

- جاءت به لوحدها من الجنوب

في المقبرة ، تلّ عجائزَ لا نبتة فيه

سودٌ أكفان الموتى

أرأيت قبوراً بالمقلوب ؟

وحشدُ جنائز تبكي

وتلونُ خشب التابوت

من وحشة أمٍ

تحضن قرب القبر جنازتها

وتولولُ في قلبٍ مفتوت :

هذا انه يمه وياك اموت !

والمشهد الذي رسمه لنا بريشته المغمسة بالألم مفجعٌ حقاً !

أما عن الصورة التي لفتت انتباهي في هذه الأبيات فأنا لن أتحدث عنها أبداً بل سأنقلها لكم كما هي ومن دون تعليق مني :

- في برادِ الموتى

وبعينٍ مرعوبة

ميّزَ وجه أخيه

حدقّ في جبهته المثقوبة

فرأى أماً معطوبة

وغراباً ينقرُ في عين أبيه !!!!!!!!

وللأنهار مكانتها الخاصة في شعره وكيف لا وهو الذي يُعرّفُ نفسه بأنه ولد قرب النهر ( نهر الحلة ) كما أسلفتُ في بداية حديثي عنه ، وهو يتخذ من النهر باباً للعديد من المحاور كالوطن كما يقول في إحدى قصائده :

النهرُ فرّ من الضفاف

ولم يؤشر دفتره

من أين يأتي والجسور مفارزٌ

قامت عليها المقصلة

النهرُ قُيّدَ بالسلاسل

والموجُ يحلم بالخلاص

إن فرّ أو قصدَ السواقي

مات رمياً بالرصاص .. !

وهو يتخذ من النهر أيضاً ، باباً آخر للحديث عن الإمام الحسين عليه السلام في ذات القصيدة :

كل البحارِ تصيرُ أخوة يوسف

والفراتُ هو الضحية

من أيّ جبٍ غاب

عن ظمأ الحسين

لو كان نهراً لاعتلى القمرين

واعتصرَ الضياء

نوراً على شفة الحسين

ما زلتَ تجري يا فرات

وأراكَ تجري في كبد

الموجُ يقتلُ بعضه بعضاً

وتنهمرُ الدماء

سوداء يصبغها الكمد

من يومها لم تروِ من ظمأٍ أحد

يا أيها النهر الذي ما ذاق من ظمإ الحسين

لو ذقتَ منه لسار موجك الضياء وبالحياة

إلى الأبد ..

ولصرتَ قبلةَ كل ماءٍ في السماء

وتوضأَت فيك البحار

ورتلَت : يا أيها النهرُ الصمد

يا أيها النهر الصمد ..

أما :

ميّت أنه ولا خط يجي عن موتك

سودة وحشتك يولدي حرموك من تابوتك

مشچولة ذمته المرمرك لا تبري ذمته مروتك

ما ناح طير اعله الشجر

الا اعله نغمة صوتك

يتنفس بشفته الورد

والنجم غافي برمشه

هدّ حيلي موتك يا حلم

يبّس الطير بعشّه

إن چان متّ بلا گبر

آني گبر يتمشه

بلچن تفزّ رويحتك

يوم وتطرّ الوحشة

والگاك اقفلك بالرحم

وانطيهم اذن الطرشة

ياحلم ما ردّ لهله

وصدره رصاص ومنقله

الگلب صاير كربلا

ولا خط يجي عن موتك

هي القصيدة الموغلةُ في الوجع ، وجع الأمهات والآباء الفاقدين لفلذات أكبادهم ، ويبدو أنها كانت سبباً لجعلهِ يكتب وصيته ، والتي كانت شخصيته المتمردة واضحةً فيها للغاية ، ولم يغب عنها وجعه الكبير الذي أظنهُ صار أوكسجيناً له بعد كل هذا العمر :

كل ما أرجوهُ من السادة المشيّعين

السائرين بي إلى مقبرة السلام

قريباً من قبرِ أبي

أن يرسموا في شاهدتي ناياً يصدح

وقنينةَ خمرٍ تضيءُ لي الطريقا

وأن يغادروا قبري

قبل أن يبدأَ الملقنون

فلا وقت لدي ..

في الليلةِ الأولى سأزور الشهداء القديسين

وأراهم يفركون راحاتهم ندماً

فقد قُتلوا من أجل أن يتربع ( شعيط ومعيط )

على صدورنا

بسياراتهم الرباعية الدفع

وأنواتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان ..

وأقول لهم طبتُم موتاً

فما زال أطفالكم

يشحذون في الإشارات الضوئية

ونساؤكم يتقوسنَ بين التقاعدِ والعقار

وأمهاتكم ، في آخر صيحاتِ الموت

تلالٌ من العباءات السود

تطيرُ نائحةً إلى السماء

وأسمع صوتَ أبي :

يا ولدي أركد في قبرك

هذي ليلتكَ الأولى

فالعتاة يجردون المقبرة

وهناك استماراتٌ لا بد من ملئها !!



#حسناء_الرشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءاتٌ على البردةِ الثالثة
- وجهة نظر
- (( الغزل الرقراق في شعر جاسم الصحيح ))
- نور السامرائي ، قصيدٌة بإحساسٍ مختلف
- (( جوانب لا بدّ من الالتفات إليها / الشاعر د. وليد الصراف ))
- قراءة في ديوان ( يا أبي أيها الماء ) للشاعر ( أجود مجبل )
- إيما صباح / نُضجٌ ملفتٌ للانتباه
- الإسلام دين الإنسانية
- الجاثوم / أسباب وعلاج
- الكاكائية : تاريخ لا بد من معرفته
- گاردينيا .. أحمد بخيت
- سوق الشيوخ .. وجه آخر للثقافة والحياة
- ( ما جايسك ) .. ترنيمة في حضرة الروح
- محمد وجيه .. سر قصيدتين
- ( الراهب ) .. قداسة الحب والشعر
- الناصرية .. - مزاجُ أنثى -
- نور السامرائي / فدعة بصرية
- (( قراءة في قصيدة من جيل البنفسج ))
- ميثم فالح .. قصيدة بغدادية ناضجة
- (( حسن عاشور بلم شعري على ضفاف كارون ))


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسناء الرشيد - موفق محمد : (( وَجَعٌ عراقيّ ))