أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - الزمن لا يرحم احد … ! ( قصة قصيرة )















المزيد.....

الزمن لا يرحم احد … ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 6714 - 2020 / 10 / 25 - 09:38
المحور: الادب والفن
    


تفتحت سميّة كوردة في ربيعها ، واكتمل نضجها … شابة ممشوقة القوام ذات جمال خلاب يأسر القلوب ، ويوقظ الاحلام ، وينعش الامال في قلوب الشباب التواق الى الارتماء في احضان الحب بلا كلل ، ولا ملل … تبدو للناظر ، وكأنها جذوة من نار لا يجروء احد على لمسها … اعتادت ان تنظر في المرآة صباح مساء ترى فيها جمالها الاخاذ فتهيم غرورا ، وخيلاءً ، وتمتلئ كبرياءً ، وضمئاً للحياة ، وجنونها … ثم قالت لنفسها من هو سعيد الحظ الذي سيقطف هذه الوردة الرائعة ، ويستنشق شذا عطرها ، ويمتص رحيقها … ؟ واقسمتْ إلا ان يكون ذا مواصفات لا تقل عنها … من وسامة ، وظرف ، وغنى ، وجاه ، وحسب ، ونسب !
وهكذا تشرنقت على هذه الشروط الصعبة لمن ارادوا من الشباب التودد اليها ، وخطبتها طمعا في الزواج من حورية الحي الجميلة الساحرة … ولكن السنين لا تمهل احدا فتمر مسرعة كالسحاب ايام الخريف … وتحركت بها الايام لتلقي بها الى ما بعد الثلاثين ، وهي ترفض هذا ، وترفض ذاك لاسباب ، وحجج واهية ، ولم يستطع احد ان يرخي قبضتها على شروطها بالزوج ، ورجل الاحلام …
ومع ذلك لم تفقد سميّة روعة جمالها ، ولم تهدهد السنين شيئاً من كبرياءها ، وغرورها حتى اصاب اليأس شباب الحي من محبيها ، وعشاقها ، وتبعثروا بين متزوج ، وراحل الى مدينة اخرى او مهاجر الى بلاد ثانية … وحل محلهم جيل جديد لم يكن ينظر الى سميّة نظرة من سبقوه … وهي غافلة عما يسرقه الزمن من اشهر ، وسنين العمر … !
ولم يبقى من ذلك الجيل الا … عرفان … شاب وسيم الطلة كريم الاخلاق لا ينقصه شئ الا فقره ، ولكنه مع ذلك بعيد كل البعد عن شروط سميّة المتعجرفة في الزواج … رغم هيامه بها حبا ، وعشقا … فهو لا يزال يذكر ذلك اليوم المحفور في الذاكرة ، والذي تقدم لها مجربا حظه كبقية شباب الحي … يدفعه حبه الجارف لها ، وصدق نواياه ، وكيف استقبلته بعينيها اللامعتين ، وهي تحدق به ، ولسان حالها يقول كيف تجرأت ، وتجاوزت حدودك … ثم تطرده شر طردة محمِّلةً كلماتها رنةً ثقيلة ، ومؤلمة من السخرية اللاذعة … وانزوى بعد ذلك بعيدا مؤثرا الحفاظ على ما تبقى له من كرامة ، وعزة نفس … !
ولكن عدّاد السنوات يعمل دون توقف … ودفع رفضها المتكرر الشباب الى العزوف عنها خوفا من الرفض … ولم تستيقظ من غفوتها الا وهي قد شارفت على الاربعين ، وتبدء تلك الوردة الريانة بالذبول شيئاً فشيئاً ، ويتبخر الكثير من سحرها ، وجمالها ، وبدءت قبضتها تلين ، وشروطها تتبعثر ، وتسقط هنا ، وهناك حتى لم يبقى منها شئ … ولكن بعد فوات الاوان … فلا احد يطرق الباب ! وبدءت تشعر بالوحدة القاتلة ، وبحاجتها الى انيس ، وحبيب يدفيء فراشها ، ويبعث في روحها ، وجسدها انفاس الحياة … !
تشعر سميّة بالخوف ، وهي تنظر في المرآة ، فلا تجد في صورتها تلك الفتاة الجميلة التي اعتادت ان تراها قبل سنين … كل ما كانت تراه امرأة تعلو وجهها تجاعيد ، واخاديد السنين ، وشحوب قابض على محياها ، وكل امارات الحسن التي فتنت بها الشباب يوما قد ولت الى الابد … وكم شق عليها المنظر ، وعصر قلبها حتى بكت ، وبكت ، وكأنها تغسل بدموعها ما اعتراها من ندم ، وخوف ، وياس … فاصبحت تعيش فزعا لا يسكن الا ليثور … وادركت انها ضحية غرورها وكبريائها … ثم حركت راسها ، وكأنها تطرد ذكرى ايام لا تريد ان تتذكرها … !
اين كانت في تلك السنين التي ضاعت من العمر ، واين كان عقلها … ؟ الم تحسب يوما حساب هذا اليوم … ما هذه اللعنة التي سلطتها المقادير عليها ، والتهمت خير سنين حياتها … كم كانت تتصور ان الجمال نعمة ، وهبة الاهية … ! ولكنها تمادت وطغت في تفاخرها بذلك الجمال ، ونسيت بان لكل شئ نهاية … ولم تحسب انه سيأتي يوم ، ويتلاشى … كالوهم بعد ان تعريه الحقيقة !
واليوم بدت وكأن عديد السنين يطبق عليها ، ويكاد يخنقها حتى باتت تشعر ، وكأنها تنوء بحمل عمرٍ طويل … وتضخم إحساسها بالهزيمة ، والانكسار … وبانها دفعت ثمنا باهضا من حياتها لا يعوض … رغم محاولات بعضا من صديقاتها بعث الامل في روحها مدعيات بانها لاتزال جميلة ، ومقبولة … وبعد ان بدءت ظلمة اليأس ، والاحباط يتسللان الى نفسها ، وتسقط امامها اسطورة جمال كان ، ومضى … كما يمضي الحلم ويتلاشى بعد لحظات من الاستيقاظ … بدءت تنظر هنا ، وهناك ، وتبحث في الوجوه ، وتستطلع النوايا ، وتشمشم الاخبار ، وكأنها تتسول رجلا فلا تجده … عريسا بدون شروطٍ مسبقة هذه المرة … !
ويوما هجمت على خاطرها ذكرى ذلك الشاب الفقير الذي طردته يوما دون ان تسأله حتى عن اسمه ، ولم تعد تراه منذ سنين لا تذكر عددها ، وقد انساها الزمن حتى ملامح وجهه ، ولا تعرف له مكانا في هذه المدينة المكتظة ، والصاخبة …
وفي يوم يكون فيه للقدر كلمة … تذهب فيه سميّة بصحبة اهلها الى احد المتنزهات ، وكان المكان مزدحما بالمتنزهين وعوائلهم ، والمساء رائعا ، والجو مائلا قليلا الى البرودة يعابثه نسيم رقيق منعش يبعث النشاط في الجسم ، والامل في الروح ، والسعادة في قلوب الزوار ، واذا بها امام رجل لا تعرفه ، ولم ترى سحنته في حياتها او هكذا خيل لها يقف امامها ، وكأنه قد عرفها … يضمها بعينيه مبتسما بود صادق … خفق قلبها خفقة مفاجئة … ثم ساد بينهما صمت يكاد ينطق ، وبعد ان القى التحية ذكرها بنفسه … اقتلعت الدهشة قلبها ، ولم تجد ما تقوله … تذكرته ، وتذكرت ما كان بينهما عندما اعمى الغرور بصرها ، وقلبها يوما … ثم سألها عن صحتها ، واخبارها… حتى بدت له بصورة ما كاد يصدقها … عندما اعتذرت له عما بدر منها ذلك اليوم … !
ابتسم بخجل ، وهو يستقبل اعتذارها بتواضع جم … واثناء حديثهما جاء طفل ابن الرابعة او الخامسة راكضا ضاحكا متشوقا لعناق والده فتعلق بالرجل … تعانقا ، وقبّل الاب الطفل ثم داعبه … بدت على الاثنين فرحة صافية ، ومرت لحظات حتى تبعته امرأة ، وهي تنادي باسم ولدها ضاحكة ً، والسعادة تكاد تفر من عينيها … ابتسم عرفان ، وقال لها انها زوجته ، وهذا ابنه … كانت تبدو عليه سعادة هو الاخر لا يمكن ان تخفى على احد … ثم القى تحية الوداع ، وغادروا جميعا ، وهم يتضاحكون ، ويتقافزون حتى تواروا بين الزحام …
ذهب عرفان تاركا صمتا ثقيلا في المكان … لاحقتهم سميّة بنظراتها ، والدموع تتجمع في عينيها … شعرت بعضات من الندم ، وبماء دافيء ينحدر من مقلتيها ، ويبلل وجنتيها ، وينحدر حتى لامس اطراف فمها … اخرجت منديلا ، ومسحت وجهها … ثم استسلمت لاشجانها ، وتركت دموعها تواصل الجريان … !



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تنبثق الازهار من غياهب البوص … ؟!
- مُعارض بطبعه … ! ( قصة قصيرة )
- تعليق … على حادث اللا أم التي القت بطفليها في نهر دجلة !
- تعليق على قطع رأس المدرس الفرنسي … !
- آلام غسان … ! ( قصة قصيرة )
- الاعلام المصري .vs الاعلام الاخواني … !
- اشجان الماضي … ! ( قصة قصيرة )
- الرسالة المجهولة … ! ( قصة قصيرة )
- الصعود الى الجنة … ! ( قصة قصيرة )
- السكران لا يكذب ابدا … ! ( قصة قصيرة )
- قادتنا … هم من ضيعونا !
- ويعود الحب الى وصاله … ! ( قصة قصيرة )
- قف ايها الزمن ، ما اتعسك … !! ( قصة قصيرة )
- هل يمكن ان يدخل حصان طروادة الاخواني الى مصر عن طريق المصالح ...
- حسن الختام … !! ( قصة قصيرة )
- الحاجة سندس … ! ( قصة قصيرة )
- ومن الجمال ما قتل … ! ( قصة قصيرة )
- الاخوان … وبداية الانهيار !
- حسون … ! ( قصة قصيرة )
- غدر الصديق … ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- المواطنة في فكر محمد بن زايد... أطروحة دكتوراه بامتياز لعلي ...
- تمثالان عملاقان من فيلم -ملك الخواتم- بمطار.. فرصة اخيرة لرؤ ...
- حمدان يعقد ندوة حوارية حول واقع الثقافة الفلسطينية في معرض ا ...
- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - الزمن لا يرحم احد … ! ( قصة قصيرة )