أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصعب قاسم عزاوي - قروحُ الهويةِ الموؤودةِ















المزيد.....

قروحُ الهويةِ الموؤودةِ


مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6712 - 2020 / 10 / 23 - 15:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي

فريق دار الأكاديمية: هل يمكن أن توضح أكثر تفسيرك للأسباب التي ساهمت وتساهم في عسر تشكل هوية وطنية جامعة للمواطن العربي في أي دولة عربية بالشكل الذي تتمظهر فيه تلك الهوية في العالم الغربي؟

مصعب قاسم عزاوي: خلال صيرورة تطور سلالة الإنسان الحكيم (هومو سابينس)، التي ينتمي إليها كل البشر، وعمرها التطوري حوالي 200 ألف سنة، قضى البشر معظمها في مجموعات صغيرة واجبها الأساسي الحفاظ على النوع، ومهنتها الوحيدة الجمع والالتقاط. وهي مرحلة تمثل أكثر من 95% من العمر التطوري للإنسان، حيث لم يشغل الاستقرار في مجتمعات زراعية أكثر من 15 ألف سنة مضت في أكثر التقديرات. أما المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية الراهنة فعمرها مجهري مقارنة بتلك السالفة الذكر، حيث عمرها هو عمر الثورة الصناعية منذ اكتشاف المحرك البخاري في أواخر القرن السابع عشر. وبالنظر إلى ذلك التوصيف التطوري باتساعه الزمني بمنظار الاصطفاء الطبيعي، واشتراطه لكون البقاء هو لذلك الكائن البيولوجي الأكثر تكيفاً مع ظروفه البيئية، والتي غالبيتها المطلقة مقترنة بشروط حياة البشر في مرحلة الجمع والالتقاط نظراً لوزنها الزمني الأكبر في صيرورة تطور الإنسان بيولوجياً.

وبالبناء على ذلك النسق العلمي يمكن تقبل الاستنتاج العلمي والبحثي المقنع بأن البنى العقلية الإدراكية النفسية للبشر تطورت تكيفياً لتجعلها أكثر ميلاً للاندماج في مجموعات بشرية صغيرة عددها الوسطي 30 فرداً دون أن تتجاوز 60 شخصاً خلال العمر الطويل لتطور البشر في مرحلة الجمع والالتقاط، وهو ما يعني في المنظار الاجتماعي اعتبار ذلك العدد المحدود من الأفراد هو العدد الأقصى للمجموعة البشرية المتسقة مع البنية البيولوجية التطورية للبشر، والتي تمكنهم من الشعور بالارتباط الاجتماعي والوجداني معها بشكل طبيعي، وأن كل عدد يفوق ذلك يحتاج إلى جهود فكرية عقلية عليا لاستبطانه معرفياً كمجموعة بشرية ينتمي إليها الفرد، وهي عملية معقدة تحتاج إلى كثير من الوعي المركب للقبول بها، والتي يسهل النكوص عنها في أي مرحلة مقترنة بالتعرض إلى شدة نفسية تقتضي وفق آليات عمل الدماغ التي تطورت تاريخياً، بتفعيل آليات الدماغ القديم الذي يشترك به البشر مع كل أسلافهم من الفقاريات والتي تقتضي النكوص إلى سلوكات دفاعية بدائية للحفاظ على النوع، بالتوازي مع إقصاء غالب فعاليات الدماغ الجديد «القشرة الدماغية ما قبل الجبهية» التي تمنح البشر من سلالة «الإنسان الحكيم» القدرة على العقلنة، والاستبطان المعرفي، و الرشاد، و الاستبصار، و التي تميزهم أسلافهم و أقرانهم في مملكة الحيوانات.

وتلك العقلنة و ما ارتبط بها من قدرات فائقة للعقل البشري مثلت المدخل الأساسي الذي من خلاله كان لمفكر من جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي» أن يقترح نموذجاً موسعاً ينظم العلاقة بين مجموعات كبيرة من البشر يوحدهم الميل الطبيعي لتحسين ظروف حياتهم وأولئك المقربين منهم في مجموعتهم المصغرة التي يمكن النظر إليها بأنها أسرة كبيرة مؤلفة من ثلاثة أو أربعة أجيال، مع مجموعات بشرية مصغرة أخرى يتشاركون معها في نفس الفضاء الجغرافي، بحيث ينظم العلاقات الداخلية بين تلكن المجموعات اتفاقها على شكل منطقي من تقاسم الواجبات وبالتالي المنافع بشكل مبني على مبدأ «الغنم بالغرم» الذي يشكل اللحمة الأساسية لأي عقد اجتماعي صالح للبقاء و للمجتمع الأكبر الذي يمكن أن ينبثق عنه.

ونظراً لأن واقع تطور المجتمعات الإقطاعية الملكية في أوربا في العصور الوسطى والحديثة لم يكن ليسمح بذلك النموذج من «العدالة الاجتماعية» الفطرية المنبثقة من ذلك التصور لطبيعة «العقد الاجتماعي» بالتحقق فعلياً لعدم تطابقه مع مصالح الفئات المهيمنة التي لم تكن لتقبل بحصة عادلة من المنافع المتولدة عن وزن مساهمتها في القيام بواجباتها، وهنا كان لا بد من اختلاف وعي جمعي مصطنع، رائده الأساسي شارلمان الملك الجرماني الذي حكم فرنسا من مدينة آخن الألمانية راهناً في القرن الثامن الميلادي، فحاول اصطناع هوية مسيحيانية جامعة لكل الأعراق والتجمعات البشرية المصغرة التي وقعت تحت سيطرة الإمبراطورية الجرمانية بتقمصها الروماني الغربي - بعد أن دمرت القبائل الجرمانية البربرية روما الحقيقية و قضت على إمبراطوريتها في أواخر القرن الخامس الميلادي- ضالتها الجوهرية تذويب هويات تابعيها و رعاياها الخاصة في سياق خضوع كلياني للسلطة الكنسية التي مثلت وفق منظار تلك الهوية المصطنعة المدخل الوحيد لأولئك المعذبين للوصول إلى أبواب الجنة الموعودة بعيد الرحيل من رحلة العذاب التي لا تنتهي في الحياة الدنيا. وهي نفسها السلطة الكنسية التي كانت الهيكل والإطار العام الذي مثل الشكل العياني المشخص لتلك الهوية الجديدة المختلقة، فأصبحت الرافعة الجلمودية التي جعلت من السلطة الملكية سلطة «منزلة من السماء» عبر وسيطها المعتمد في الأرض ممثلاً بطبقة الإكليروس أي «وعاظ السلاطين»، وجعل من الخروج عنها، تجديفاً وزندقة جزاؤه الهول والثبور والإمحاء من وجه الأرض.

وذلك النموذج من الهيمنة وتشكل المجتمعات في قوالب مبنية على الخوف مما في جعبة الغيب والعسف الأرضي أفرز حالة من الاستكانة شبه المطلقة، لم يتعكر صفوها بشكل فعلي حتى الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، أدى إلى تكريس نموذج فريد من العلاقات الداخلية بين مثلث الطبقات المهيمنة في المجتمعات الأوربية ممثلاً بالإقطاع نموذجاً اقتصادياً، والملكية المقدسة نموذجاً للحكم الاجتماعي، والكنيسة كوعاء فكري إيديولوجي، يغرف منه كل المتشاطرين في خضوعهم لمثلث السلطات ذاك، وهو ما أفضى بشكل طبيعي إلى تعملق السلطة المركبة لذلك المثلث مع مرور الزمن وإحساسها بضرورة إيجاد استخدام واقعي لسلطتها الفعلية، وضمان عدم انقلاب وسائل التخويف الاجتماعي التي تسيطر عليها لتوطيد هيمنتها اجتماعياً واقتصادياً في الفضاء الجغرافي الذي تسيطر عليه، ممثلاً بطبقة الفرسان مرتدي الدروع وحملة السيوف المخولين بمعاقبة كل من سولت له نفسه عدم الامتثال المطلق لتلك الهيمنة، وهو ما اقتضى طبيعياً تخليق مفهوم الحروب المقدسة، ونموذجها الوصفي الغزو الصليبي لأرض العرب؛ لإيجاد فضاءات جديدة لرشوة طبقة الفرسان التي بدأت تطالب بحصة أكبر من نصيب الطبقات الإقطاعية المهيمنة ممثلة بالسلطات الملكية و الكنسية، وهو ما اقتضى عضوياً من تلك الأخيرتين تحويل أدواتها القمعية ممثلة بطبقة الفرسان إلى جيوش ملكية مقدسة بواجبات استعمارية لاحتلال أرض مولد وحياة ومعاناة السيد المسيح عبر ما سمي بالغزوات الصليبية، والتي شكلت نواة الجيوش الوطنية التي تفتق الأوربيون لاحقاً في استخدامها المريع لتقتيل بعضهم بعضاً، ومن ثم احتلال شبه مطلق لكل أرجاء الأرضين في استعمار مباشر وحشي بربري، أسهم عبر صيرورته التاريخية في تخليق وعي جمعي بهوية وطنية في طور التخلق عمادها استبطان الفرد المحارب في جيش على أنه قبيلته التي يتنسب إليها، و التي يستقيم التضحية بكينونته لبقائها، و التي أصبحت في ما بعد الشكل الجنيني لهويته الوطنية التي لازالت مشوبة إلى حد كبير بتلك المكونات الأولى التي حددت ملامحها الكبرى سواء في استمرار الإذعان لسلطة ملكية مقدسة، كما هو الحال في بريطانيا المعاصرة، بكونه جزءاً من التكوين الضروري للهوية الجمعية، على الرغم من عدم وجود حاجة سياسية أو حتى اقتصادية فعلية له في سياق نظام الملكية الدستورية المعمول به، مثاله العياني المشخص استدامة ترأس السلطات الملكية الأوربية لهرم الكنيسة في بلدانها العلمانية من الناحية النظرية سياسياً، و ذلك لدورها المحوري و الوظيفي في إعادة إنتاج الوعي بتلك الهوية المسيحانية التي أفصح عنها الجنرال الفرنسي غورو حينما دك دمشق بالمدفعية في يوليو من العام 1920، ليفتتح بعدها الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام بزيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، ومخاطبة رفاة ذلك الأخير قائلاً: «ها قد عدنا يا صلاح الدين» في إشارة لعودة الغزاة الصليبيين، وهو نفسه مدلول خطاب جورج بوش الابن عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر حين وصف الحرب على الإرهاب بأنها حرب صليبية جديدة طويلة، وهي الحرب التي أفرزت فيما أفرزته من قبح في أرض العرب تمثل في تهشيم العراق مجتمعاً وبنياناً، و الذي شكل مغناطيساً لكل أولئك المتطرفين الذين تم تصنيعهم على شاكلة نسق «وعي الحروب المسيحانية المقدسة» بلبوس «إسلامي» للجهاد وطرد «الكفرة السوفييت من أرض الأفغان»، والذين وجدوا لاحقاً في الهشيم العراقي وفي غير موضع عربي من الحطام الشامل عمقاً وسطحاً بيئة صالحة للنمو السرطاني فيها، بعد أن لم يعد لزمرتهم دور وظيفي في أفغانستان، ولم يعد لها موطئ قدم فيه بعد أن طال الأرض في أفغانستان نصيبها من التدمير بآلة بالغول الوحشي «الصليبي الجديد» وفق تعريف جورج بوش الابن، وهو في جوهره تمظهر سرطاني جديد للاستعمار الكولونيالي الذي أشرنا إليه آنفاً، ولكن بحمولة غوغائية جديدة لترغيب أو إرغام عديد من سوف يقوم بتنفيذ مشروع ذلك الاستعمار الجديد للقيام بواجبه الإذعاني لمتطلبات من يتحكم بالسلطة والثروة فعلياً بشكل لا يختلف إلا في مظهره ودرجة تنميقه عن ذلك الذي استخدمته الفئات الملكية الإقطاعية الكنسية المهيمنة في القرون الوسطى لتبرير وأدلجة الغزوات الصليبية، ومن ثم الاحتلال الوحشي لكل أصقاع الأرضين.

أما على المستوى العربي فالهوية الوطنية الجامعة لم يتح لها التحقق سواء بشكل سوي أو غيره بالتوازي مع صيرورة تشكل تلك أوربياً، إذ أنه في نفس الإطار الزمني السالف الذكر، بدأ الانحطاط العربي بالإفصاح عن نفسه في تنازع أبناء هارون الرشيد بشكل دموي كان الفاتحة لخروج الناطقين بلسان الضاد إلى حيز المقهورين تاريخياً الذي يتحكم بمصيرهم وحيواتهم آخرون سواء كانوا أخياراً أم أشراراً من غير أبناء جلدتهم سواء كانوا سلاجقة، أو أتابكة، أو بويهيين، أو مماليكاً بحرية، أو مماليكاً برية، أو عثمانيين، أو ألباناً، أو حتى غزاة صليبيين جدد من الإنجليز والفرنسيين أو مستعمرين بالوكالة عن طريق نواطيرهم من الحكام الشكليين في حالنا العربية الراهنة.

وهو السياق الذي لم يسمح للفكر والمشروع النهضوي العربي في بواكيره الأولى ممثلاً بفكر عبد الرحمن الكواكبي، وشبلي الشميل، وفرح أنطون، ونجيب عازوري، ومحمد عبده، ورفاعة الطهطاوي وغيرهم من إيجاد أي تحقق عياني مشخص له؛ حيث تم وأد ذلك المشروع جنيناً بطريقة وحشية تمت باستعمار مباشر لكل أرجاء الأرض التي يقطنها أولئك الناطقون بلسان الضاد في مطلع القرن العشرين، أفضت تالياً لاصطناع دول وطنية، بحدود اعتباطية اتساقاً مع مصالح المستعمرين التكتيكية المحضة في حين تخليقها؛ فإذا تعسر على الجيش الفرنسي لأسباب لوجستية الوصول إلى سنجق الموصل إبان احتلاله لبلاد الشام، فلا ضير من مقايضة سنجق الموصل بلواء الزور مع الإنجليز مستعمري وادي الرافدين، فأصبحت دير الزور جزءاً من سورية، والموصل جزءاً من العراق، في مأساة ترقى إلى الكوميديا السوداء لخصها الكاتب جيمس بار في كتابيه «خط في الرمل»، «سيد الصحراء». والأمثلة على ذلك النسق عصية على الحصر والإيجاز.

وعلى مستوى التاريخ العربي المعاصر، فإن دور الجيوش الوطنية التي لعبته في العالم الغربي كما أشرنا إليه آنفاً، لما يكن ليتحقق نظراً لتحول الجيوش العربية في معظمها إلى أدوات للهيمنة على المجتمعات الناهضة من ركام تحولها لحظائر و جيوب خراجية مهملة في سياق خضوعها لهيمنة السلطنة العثمانية عليها، و ما استتبعه من تحول لجل الدول العربية إلى دول أمنية بامتياز، مسؤولية الجيوش فيها وتوابعها الأمنية من فيالق العسس و أبابيل البصاصين و علوج الفاسدين المفسدين محصورة في الحفاظ على السيطرة المطلقة على السكون الاجتماعي والسياسي في كل المجتمعات العربية، والتي يمكن إلهاؤها حسب الحاجة بخطابات تبريرية عن أدوار بطولية فانتازية لتلك الجيوش المقدامة في اصطناع الحروب البينية بين الأشقاء، واحتلال وتعذيب وتجويع أبناء العمومة متذرعين بأكداس من الشعارات الجوفاء لغرض الدعاية الإعلامية وفق ما تشترطه شروط الموضة في حينه، فتكون مرة لتوحيد أرض العرب، ومرة لمحاربة الإرهاب، وحيناً لمقاومة العدو الصهيوني الذي لم تفلح كل أفعال الجيوش العربية إلا في زيادة تغوله على الأرض والبشر والمجتمعات العربية دون أي استثناء تاريخي لذلك.

والعنصر الآخر الذي يستحق التعريج عليه هو حالة الاحتقار القروسطي التي يمارسها الطغاة العرب لشعوبهم، مستقوين بمن خولهم وظيفة القائمين بأعمال الاستعمار غير المباشر من أولياء نعمتهم و الحفاظ على استمرار أنظمتهم ممثلاً بمراكز الثقل والهيمنة الإمبريالية في الغرب؛ و هو ما أفصح عن نفسه بطوفان من الشواه المعرفي و التكويني لكل ما قد يساهم في تأسيس وعي وطني جمعي، تصبح فيه الدولة مرادفاً لآلة وحشية شمشمونية للقمع والاستبداد، والإفساد والترهيب، وسرقة موارد المفقرين، وتهريبها لما تسلبه من شعوبها المفقرة إلى خزائن وبنوك الغرب، وتجفيفاً لكل ما قد يمت إلى بنى وفعاليات المجتمع المدني، و تأصيلاً لحالة من التصحر السياسي شبه المطلق، وهو ما يقود إلى شبه استحالة لأي استبطان معرفي لأي ارتباط للإنسان العربي البسيط بذلك الغول الوحشي الذي اسمه الدولة، بعد أن أصبح همه اليومي الأوحد في ظلها هو «المشي بجوار الحائط وتأمل الستر» وعدم الانكشاف فريسة هشة لذلك الغول الأفعواني.

ويعضد ذلك الاختلال البنيوي في كل إمكانيات الاستبطان المعرفي لأي وعي بدولة وطنية عربية بشكل طبيعي لدى المواطن العربي على امتداد الخارطة العربية، الجهود المضنية التي تبذلها المؤسسات العربية الحاكمة لمأسسة فقدان الذاكرة التاريخية، وخلق وعي زائف بالحقائق التاريخية اتساقاً مع مصالح الطغم الحاكمة، فيصبح لبنان دون أي ارتباط تاريخي ببلاد الشام، ويصبح السودان منفصلاً عن وادي النيل، وتصبح الصحراء الغربية جزءاً من المغرب العربي الكبير بقوة الترهيب والإكراه، لا بمنطق التآخي التاريخي القائم على العدالة والمساواة و منطق الغنم بالغرم. والأمثلة على ذلك لا حصر لها، يوطدها نظام تعليمي فاشل في صناعة ذاكرة تاريخية عقلانية وموضوعية وحقيقية غير مزيفة أو مجتزأة، ومبدع فقط في تخليق كل العوائق لإعدام العقل النقدي الحر التي لا يستطيع تخيلها إلا من عايش آليات عمل الأنظمة الاستبدادية والدول الأمنية العربية على جلده، بالتوازي مع وأد ممنهج لكل ما قد يسهم في رفع الغشاوة ورتق الذاكرة التاريخية المثقوبة، عبر إغلاق كل المنافذ الإعلامية التي لم تتقن فن التدجين و الخنوع الفكري و بلع القلم و اللسان الحُرَّين، و إعمال مبضع الرقيب الفكري و الوكيل الأمني المفوض في وزارات الإعلام العربية لكتم أنفاس كل مثقف عضوي يحاول القيام بواجبه الطبيعي والضروري في إعادة تعريف الحقائق التاريخية عن علاقة المجتمعات العربية فيما بينها، والتي تقتضي نموذجاً آخر من التآثر الإيجابي غير السائد في تاريخ العرب المعاصر والراهن، وهو ما يترك المواطن البسيط أعزلاً إلا من ضعفه و رهابه المقيم، و هو الذي لا ذنب له في عدم امتلاكه لأدوات الحفر و التنقيب البحثي، والمصادر العلمية و المرجعية الكافية، والموارد المادية، والتدريب الضروري لاستخراج حقائق التاريخ من مستنقع الحطام المعرفي الشامل عمقاً و سطحاً، والذي كان لا بد أن يكون مهمة المثقفين العضويين الذي يتوجب عليهم القيام بذلك الواجب الاجتماعي «كفرض كفاية» لازم دون أن يستطيعوا إليه سبيلاً في ظل غيلان الدول الأمنية الجاثمة على عقولهم و صدورهم و قوتهم و أحلامهم و كل مفاصل حيواتهم.



#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)       Mousab_Kassem_Azzawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنين الدولة-الأمة وافتراس الديموقراطية
- الكوابيس عند الأطفال
- تشريح الجهاز المناعي الفكري لبني البشر
- مثلث العناوين الكبرى في صناعة الدعاية السوداء عربياً
- رؤية مقارنة لنهج الدعاية السوداء غربياً وعربياً
- ميوعة مصطلح الإرهاب وسندان الاستبداد العربي المقيم
- جدلية الدعاية السوداء واستبطان النكوص الجمعي
- شواه المفاهيم ومطحنة الاكتئاب الجمعي
- الميول البيولوجية الغريزية والتكوينية الوراثية للإنسان
- بصدد مسألة الحياد المعرفي
- بربرية قوانين حقوق الملكية الفكرية
- أساسيات الوقاية من سرطان الثدي
- مفاعيل اقتصاد السوق الوحشي في الحقل العلمي
- إغراق الوضوح المفهومي في مستنقع المصطلحات الآسن
- محنة العلماء والبحث العلمي في زمن الإمبريالية المعولمة
- دفاعاً عن المرأة
- الاكتئاب عند الأطفال
- أسباب مرض السرطان
- دفاعاً عن المستضعفين المظلومين
- كاملات عقل كاملات دين


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصعب قاسم عزاوي - قروحُ الهويةِ الموؤودةِ