أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل متين - سيمضي كل ذلك وستمضي أنت أيضاً














المزيد.....

سيمضي كل ذلك وستمضي أنت أيضاً


فاضل متين

الحوار المتمدن-العدد: 6695 - 2020 / 10 / 5 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


يمضي مسعود بين الأزقة بتصميم صلدٍ غير آبه بطيش بنادق قوات حفظ النظام النافرة، ومخاطر خرق قواعد حظر التجوال المطبق مذُ ثلاثة أيامٍ كتدبيرٍ محكمٍ منهم لخنق هديل الحرية المتصاعد بين كل دمٍ ودمٍ، يمضي غير مبالٍ بالصوت المتألم الذي يزحفُ خلفه بلجاجةٍ الحنو الأمومي " لا تخرج يا ولدي، سيقتلونك"
لكنهُ سيتجه صوب مرامه بعنادٍ كرديٍّ منفلتٍ من أقصى أصقاع تاريخ العناد المتجذّر في الكينونة، منتشياً، متلهباً
تقوده ذئاب الفتوة إلى اللامعلوم من المرام، هو لا يعلم لما انتفض وخرج من الباب خروج الموتور، أهو لنقص الأرغفة؟ لكن والدته وزوجته منذ شدّ الحظر والأزمة الغذائية قبضتهما على المدينة شرعتا بترقيق العجين ومدّه على صفيحة الوطيس الحامي.
أم هاج لأنّ شعوراً داخلياً بالحنق وضعف الحيلة أودته إلى تجاوز الخطوط النارية المتربصة لكل متجاوز؟ على العموم هو لا يأبه للحافز الذي دفعه، هو يريد بخروجه أن يشفي نفوراً حامضاً غامضاً في باطنه.
وسيغوص في الحارات الدامسة، والشوارع القفراء الباردة بقلبٍ حارٍ كالجمر، سيقفز على الخراسانات العائقة لحركة المارة، والأرصفة الممنوعة السير عليها بقدمين لجوجتين حاميتن، ستتداعى عليه الأصوات الداخلية من كل حدبٍ وصوبٍ من دماغه.
" لا تعاكسهم يا مسعود سينحرونك بدمٍ بارد وبنصلٍ باردٍ كما فعلوا بالذين من قبلك، سيقتلعون أظافرك بالكلّابات وسيسلخون الجلد عن أكتافك وظاهر قدميك بهراوات الله"..
" الرصاصة الغادرة لن تسألك عن أصلك يا مسعود ، لن تقول أنت كردّي فابتعد عن طريقي"
لكن مسعود لن توقفه الأصوات ولن تردعه الترجيات، سيسافر بعناده جهة الهدف الغامض غير آبه بالوصول، هو يريد أن يذهب فقط، أن يعيش تجربة التمرّد ويتخيلها أثناء الخوض.
متوهجاً سيمضي، حاقداً ومصمماً سيمضي، لن تهمه النتيجة بقدر ما ستهمه عيش التجربة، لذا سيبحرُ إلى أبعد نقطة تقوده هواجسه وترسيه قدماه.
غير أنّ الرحلة ستنقضي عند أوّل إنعطافة لشارعٍ مهجور غارقٍ في الوحشة، لا تسكنه سوى أسلحةٌ فائرة بفوهات تتجشأ، تحملها أيادي صلبةٌ متمرسةٌ على التصويب خبط عشواءً، وعند بُقعةٍ معينةٍ في لحظةٍ غير معينة سيتوقف مسعود، ستنحبس أنفاسه ويتتاطير البخار من زوايا فمه، سيظهر له المشهد من جميع زواياه قبل إنتهائه، وسيصبح الشاهد والضحية الوحيدة فيه.
بصدرٍ عاريٍّ مفتوحٍ على جميع البنادق والطلقات الطارئة، وعينينِ ألقتين يحيطهما الدمع ستريان بحزنٍ الشبيحة الثلاث متمركزين برؤوسهم الحلوقة أمامه، وآخرين يقبعون في زاوية أخرى للموت، فائرين، شرهين لنقطة دم تلوح في العروق الحيّة. وفي البُرهة التي سيضطرب فيه قلبه وتثور أوداجه، وتتبدى أمامه صور النهاية المفترضة، رصاصةٌ دقيقةٌ وحيدة ستستقرّ في عنقه وستنهي تاريخ نبض قلبه. سيخرُّ على ركبتيه ويقع على وجهه، وسيندلقُ الدمُ دفقةً دفقة من وريده، وبالخطوات ذاتها للدم ستزحف ذرّات الروح زرّافات زرّافاتٍ من أنفاسه، قبل أن تسدل العينان أهدابهما، ويغارد بأحلامه وأنفاسه ولواعجه صوب العدم، صوب وجوده حيث اللاوجود..
سيموت مسعود ولن يحظَ مرة أخرى بسهرةٍ رومنسيةٍ مع زوجته، لن يعيش الحب معها بعد الآن، ستفتقد يداه اللمسات الرهيفة على ظاهر بطن زوجته ونهديها النافرين، لن يستطيع مرة أخرى أن يهمس لها بكلامٍ مشبعٍ بالشهوة وهو يوازن بين ثدييها ويبحلق بهما بنهمٍ شبقيٍّ " إن مات الجميع جوعاً، فأنا لن أموت، لدي من المؤونة ما تكفي لقرونٍ".
سيموت ولن يتسنَ له السير في الأزقّة الضيقة لدمشق، لن ترَ عيناه مجدداً الشرفات الآهلة بالنسوة الرهيفات، وحمّالات الاثداء المتدلية كالزيزان على مناشيرهن.. سيغيب عن حارته والزُقاق الذي يقوده جهة بيته، وسيبقى السرّ الخفيُّ القابع خلف العبق البارد المشبع بنكهة النعناع ودوّار الشمس الذي ينبثق من الزقاق عالقاً غامضاً، لن يدرك السرّ ككل الأموات الذين يغادرون بأسرارٍ معهم وأسرارٍ مخفية عنهم، أن التي يضوع العبق منها مراهقة سريانية تفتح ثلاث زرارٍ من قميصها لتقود نكهة النعناع ودوّار الشمس صوب رئتيه كلّما مرّ من تحت شباكها، ولن يعلم أنها بعد موته ستجعل من نهديها عشاً للسنونو، وستتنهد بحرقة وتعضُ على شفتيها كما كانت تفعل كلما رأته " آه لو لم تكن متزوجاً" لكنها الآن وبعد غيابه ستهمس بالشكل ذاته ولكن هذه المرة في أذن السنونو " آه لو لم يكن ميتاً "

حينما يدلف النهار مغارته، ويخرج الليل من المغارة عينها بخُطىً حثيثةٍ مرتبكةٍ، وحينما يرفع المؤذن نشيد صلاة المغرب بصوتٍ حادٍ كنشيد الموت في اليوم الذي يلي موت مسعود، سيطرق الطارقون الباب بتواترٍ سافرٍ في العنف، سيطرق معه القلب الراقد خلف صدر أمه، ستكذّب الخبر في البداية، وستضحك مرتبكة ثم ستبكي، ستبكي بدموعٍ محبوسة، ثم ستصرخ والدموع تنفجر من عينيها دفقة دفقة. لكن مسعود لن يسمع عويلها، لن تهتز له جفنٌ ولا أذنٌ وهي تنحب بالكردية بصوتٍ مشروخ منفلتٍ من نياط القلب “Mesûdo qurban“ (قُربانك يا ولدي).
وأمّا جثة مسعود فلن تحظَ بحمام أخير، ولا بعناقٍ أخير من أحدٍ، سترمى في الخندق كأكياس النفايات، ستتعثر بجثث كثيرة طال بعضها النهش والنخر، وبعضها ماتزال دافئة كجثته. وفي منتصف الليل حينما ترقص النجوم في باطن الليل سيرفع مسعود رأسه، سيستفسرُ عن مكان وجودهم، وبعد أن يطمئن إلى موت الجميع، سيهذر في الكلام معهم، سيحكون له قصص موتهم، سيقول بعضهم أنهم شهداء الحرية وآخرون سيخبرونه أنهم شهداء الرغيف، وبعضهم سيحكون له عن نهاياتهم في سبيل الدفاع عن الوطن وبعضهم عن الشرف والحب، وبعدها، بعد أن يستنفذ الجميع حكاياتهم، سيطلبون منه أن يسرد حكايته، حكاية السفر الأخير للموت، سيتنهد مسعود حينها، ويتأمل وجوههم تحت التراب بعينين غائرتين في المحاجر وصوتٍ متهدجٍ كالسكران.... أنا أيضاً شهيدٌ لكن لا رتبة لي.



#فاضل_متين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعينا من هذا وذاك
- طلب لجوء
- ممّا رواه الأرق
- في البدء كانت الدمعة
- الطفل الذي لا يقتنع بأنّه ميتٌ ونحن أيضاً
- صلاة الأستكرونة
- الجريدة النّازفةِ
- هكذا نُميَ إليّ عنكَ
- تمرّد وجودي
- نازح مجهول
- ثم إني خُيّبت
- أطفال في منتصف الحرب
- مُجرد دُعابة
- الغرانيق رواية تحطيم آلهة العسكر


المزيد.....




- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل متين - سيمضي كل ذلك وستمضي أنت أيضاً