أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آزاد أحمد علي - الحاجة للخديعة والحنين للحماقات















المزيد.....

الحاجة للخديعة والحنين للحماقات


آزاد أحمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 6691 - 2020 / 9 / 30 - 02:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعض الأحداث والظواهر المعاصرة، والتي من المفترض أن لا تنبثق عن الاجتماع المتقدم في العالم الرأسمالي، فالمجتمعات التي أشبعت تعليما على الأقل، ينبغي أن تمتلك مناعة اتجاه أنواع من التخريف تسبب خداع لجمهور كبير. فمن المستغرب والمثير للدهشة والمحفز على التفكير في الوقت نفسه أن نسمع بأنه تم إلقاء القبض على شخص يتزعم مجموعة وهو متقمص حالة النبوة! فقد تناقلت وكالات الأنباء خبر العملية العسكرية التي قامت بها السلطات الروسية للقبض على ضابط شرطة مرور سابق، يدعي أنه تجسيد للسيد المسيح. لذلك أسس وأدار مجموعة دينية في أعماق سيبيريا على مدى العقود الثلاثة الماضية. أي منذ عام 1991م. نجحت عملية الاعتقال في اقتياد سيرغي توروب، الأشقر ذو الشعر الرمادي الطويل، الذي يبدو وكأنه قد خرج للتو من أيقونات كنسية، قبض عليه ضمن عملية عسكرية مهمة وحساسة لدرجة أن شارك فيها الحرس الوطني الروسي، وهي قوة تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة، بمساعدة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ولجنة التحقيق.
فلماذا تمت هذه العملية بعد ثلاثين سنة من نشاط (المسيح الأخير)؟ علما أن سيرغي توروب، كان قد فقد وظيفته كضابط مرور في عام 1989، وبعدها أدعى أنه شهد نوعا من "الصحوة" بعد انهيار النظام السوفيتي عهدئذ. ثم أسس في عام 1991 حركة عرفت باسم كنيسة العهد الأخير. حيث بات يعرف كالنبي الأخير، فضلا اسمه الشائع بين أتباعه (فيساريون).
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، من سمح له بالنشاط طوال الثلاثين سنة الماضية؟! وأي وظيفة كان يؤديها؟ وهل انتهت مهمته؟ علما أن نفوذه وشهرته توسعت عاما بعد آخر. إذ عاش الآلاف من أتباعه في مجموعة من القرى الصغيرة النائية في منطقة كراسنويارسك في سيبيريا، فيما ضمت قائمة مريديه والمتحولين إلى الطائفة شخصيات مهنية من جميع أنحاء روسيا، بالإضافة إلى أتباع وحجاج قادمين من الخارج.
في الخطوط العامة لنبوته فقد عدل (النبي) سيرغي المسيحية، وطلب من أتباعه ترك حياة المدن في حركة نكوصية شديدة، حيث فرضت على الجماعة النظام النباتي، وحظرت التبادل النقدي داخل مجتمع طائفته. كما دفع بالأتباع لارتداء ملابس محتشمة وربما سميكة تناسب بيئة سيبيريا، والغريب أنهم غيروا التقويم السنوي إلى تقويمهم الخاص، الذي يبدأ من عام 1961، وهو عام ولادة النبي المزعوم سيرغي - فيساريون، لذلك تم استبدل عيد الميلاد إلى يوم ولادة سيرغي الذي يصادف يوم 14 يناير، من كل عام.
في الإطار العام عقيدته نصادف خلطا بين الأرثوذكسية وتعاليم الحفاظ على البيئة، فنتجت عنها ما يسمى بكنيسة "العهد الأخير"، أو "طائفة فيساريون"، والمثير للدهشة أن الحركة توسعت واستقطبت الى صفوفها الآلاف من الأتباع، الذين باتوا يعيشون حتى خارج القرى في أحراش كراسنويارسك. لدرجة أن انضمت إلى هذه الجموع المتقشفة الهائمة الحالمة: العديد من الجامعيين والضباط المتقاعدين، وليس مجرد شخصيات مهمشة أو تعاني من معضلات نفسية واجتماعية حادة. وعلى الرغم من حجج المحققين الروس في تبرير عملية الاعتقال الضخمة والمتلخصة في: "إن مؤسس الطائفة يمنع على أنصاره الاستعانة بالأطباء العاديين، وسبب ذلك في موت طفل مريض في أسرة من أتباعه. بالإضافة الى أن أحد أتباع تعاليم "فيساريون" قد انتحر بعد أن رفضت الطائفة قبوله في صفوفها.."، أو اكتشاف قطعتين سلاح في مقره.
فلغز المسيح الروسي وأتباعه سيظل قائما، والتساؤل متركز حول إهمال الإعلام من قبل لنشاطه وحتى وجوده؟! فمن سمح له بالعمل طوال سنوات عديدة؟ ولماذا تم الاعتقال في 22/9/2020، وما الفرق بين مشهد اعتقال (آخر الأنبياء) ومشهد آخر متكرر في عمليات اعتقال قادة الحركات الثورية؟ ما درجة شبهها بعمليات الهجوم على مقر قيادات الجماعات المتطرفة في العالم؟! أو حتى اختلافها عن أية لقطة من فيلم سينمائي؟ أسئلة تظل بدون إجابات. وقد لا تكفي الإجابة عنها بمجرد "انتهاء وظيفة هكذا شخصيات إشكالية". لأنه في الجانب الآخر، تظل أكثر الأسئلة استعصاءا على الإجابة، هي معرفة سر الانقياد الأعمى لهذه الجموع خلف هكذا شخصيات إشكالية؟ ما هو الهدف وما هي الغاية لهكذا انتماء؟!
مجرد التأمل في سردية والصيغة الخبرية : "قبل عدة أيام تم اعتقال آخر الأنبياء وهو المسيح الأخير سيرغي". حتى يتم الإقرار بأننا أمام حدث يترجم آخر تعبيرات سذاجة الإنسان المعاصر، فالحدث لا ينتمي إلى جغرافية غابات أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، وإنما ضمن مجتمعات الشمال، وفي بلد طويت صفحة الدين فيه لعشرات السنين، كما نشر العلم فيها على أوسع مدى.
يبدو أنه لم تعد التحليلات الكلاسيكية قادرة على شرح قابلية الإنسان العالية للانجرار وراء أشخاص شعبويين، شخصيات مجهولة تظل حتى دون المستوى العادي، شخصيات لا يتصفون بصفات خارقة أو استثنائية. بل الأغرب أن أتباع المسيح الأخير كانوا بالآلاف ومن مختلف المستويات: "من الموسيقيين وأطباء ومعلمين وقائد في الجيش الأحمر ووزير سابق لبيلاروسيا وحجاج من كوبا وبلغاريا وبلجيكا وأستراليا وألمانيا."
لذلك لا يسعني إلا الافتراض بأن الإنسان ليس كتلة من العقلانية كما يفترض، ولا يلجأ الى المحاكمة العقلية في أغلب الحالات، وإنما يرتكب الكثير من الحماقات، بصرف النظر عن مستواه التعليمي أو خبرته الحياتية، وحتى تقدم سنه، فالإنسان كائن معقد، أسير عواطفه، ويتأثر بالمناخات العاطفية بشدة، كما ينساق وراء الحالات الجماعية الاحتفالية، بصرف النظر عن دعائم الظاهرة المنطقية. وإلا لماذا نقرأ في التاريخ قصص لا تنتهي لارتكاب الإنسان حماقات كهذه! وأقلها السير وراء رجل قد يكون مختلا والإيمان بأقواله وانتظار وعوده التي يعجز عن تحقيقها لنفسه.
الإنسان أسير احتياجاته، فهو بحاجة لخديعة ما، بل حتى للحماقة، التي هي الوجه الآخر للعقلانية والتعقل. فعلى ما يبدو الإنسان كائن يحن إلى الحماقة، وإن تجنب ارتكابها، فالحماقة مرغوبة خاصة إذا تشابكت مع الأكاذيب الكبرى، واختلطت بوعود وأحلام جميلة. وبذلك يتحول الى مريد ونصير لأوهامه قبل أن يكون لأي شخص. يحق لنا في حالات كهذه الافتراض أن الإنسان كائن أحمق في الأصل، وإلا لماذا كل هذا الاستلاب، السذاجة، والسير وراء الأوهام؟



#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبثية الحروب في رواية كهرمان
- غرق مدينة أم تدمير حضارة
- الشركات تضع يدها على عمارة الفقراء
- متى تستغني الجبال عن السلاح؟
- نحو رسم ملامح المدرسة المعمارية السورية
- دولة المجاز والجماجم ...من ماردين الى عفرين
- مقاربة جديدة لمسألة الهوية والخصوصية في العمارة السورية
- هل ولد الكتاب المقدس في بابل؟
- لماذا تنعطف أمريكا نحو اليسار؟
- الحرب الأمريكية الإيرانية المؤجلة
- بعد سبعين سنة من تأسيس الناتو: الثوابت والمتغيرات
- المطلوب نقد ومراجعة لدور الحركة الكوردية في سوريا
- لماذا حلف أردوغان يشكل العدو الأول لشعوب المنطقة؟
- منطقة آمنة في إقليم مشتعل، كيف؟!
- إئتلافيّون أم أنفاليّون جدد في عفرين؟
- غصن الزيتون أم شجرة الاستيطان؟
- قصة أول بيان تضامني مع حلبجة قبل 28 سنة
- سنجار من منظور ثقافي وكتراث انساني
- لماذا تعادي بريطانيا-العظمى- كوردستان الناشئة؟
- الإنتخابات التونسية رسخت الإصلاحات أم ودعت الثورات؟


المزيد.....




- كولومبيا تعلن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب الحرب ...
- السعودية تؤكد اصدار حكم بسجن مدربة رياضية 11 عاما في -جرائم ...
- مصر.. إحالة المتهم بقتل طفلة سودانية لمحكمة الجنايات
- السعودية.. السيول تقتلع النخيل وتغمر الأخضر واليابس في بعض م ...
- إعلام: الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي يمارسون ...
- بلينكن: لا وقت للتأخير وعلى حماس قبول المقترح ولا نؤيد هجوما ...
- قطة حية في طرد لشركة أمازون في أمريكا، ما قصتها؟
- يوزيف فريتسل.. الرجل الذي اغتصب ابنته طيلة 25 عاما وأنجب منه ...
- ما وضع قوانين الهجرة واللجوء في المجر اليوم؟
- الحوثيون: نمتلك أسلحة ردع استراتيجية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آزاد أحمد علي - الحاجة للخديعة والحنين للحماقات