أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 1














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6690 - 2020 / 9 / 28 - 19:45
المحور: الادب والفن
    


كأيّ شخصٍ ترعرعَ في الريف الدمشقيّ المزدهر، حقَّ للسيّدة سارة أن تُدهِشَ، بما تمتعت به من صحّة، لدّاتها اللواتي كنّ يتكلمن أمامها عن لائحة طويلة من أمراضهن. حتى فترة خطبة كلّ من ابنيها، فَدو وجمّو، كانت ذاكرتها متألقة، مُثقلة بأحداثٍ تجري في خفّةٍ على لسانها في مناسباتٍ معيّنة. لكن جرحَ روحها غير المندمل بعدُ، كان فقدانها لابنها، مستو، وهوَ لمّا يبلغ سنّ العشرين، وذلك بسبب رصاصة طائشة من غدّارة أحد نواطير البستان. برغم مرور سبعة عشرة عاماً على الحادث المفجع، دأبت على ترديد هذه الجملة في نفسها: " يا رب، أمن الممكن أن يموتَ شابٌ مثل شجرة الحور بطلقة في الكتف؟ ". كانت تقولها بحسرة وألم، كمن يعتقدُ أنّ السماءَ لا تقل طيشاً.
لعل ابنها الأصغر، جمّو، كان أول مَن انتبه إلى ابتلائها بأحد أعراض مرض الشيخوخة؛ وهوَ النسيان. كان قد أودعَ لديها مبلغاً كبيراً من المال، حصل عليه كتعويض عن خدمته في جيش الشرق لمدة خمس سنين. لما شرعَ في إجراءات زواجه، طلبَ من أمه إخراجَ جزءٍ من المبلغ. كان الوقتُ ظهيرةَ يومٍ من أيام الربيع المتأخر، وقد جلسا لوحدهما في الإيوان، يكاد يصم سمعيهما سمفونيةُ زقزقة العصافير. لاحت السيّدة سارة قلقة، مشوّشة، قبل أن تبادر للذهاب إلى حجرة نومها: " حالاً سأحضرُ المال "، نطقتها بنبرة ضائعة. بعد قليل، عادت بيدين صفراوين وملامح غائمة، لتعلن أنها لم تعُد تتذكّر أينَ وضعت الكنز. إزاء دهشة الابن، استدركت بالقول: " لكنني أذكرُ أنني غيّرتُ مكانَ صرّة المال، وذلك على أثر سرقة ذهب زوجة أخيك موسي ". بقيت مطرقة، مفكّرة، لحين أن نهضت ثانيةً لتغادر الإيوان. بمزيدٍ من الدهشة، شيّعها الابنُ وهوَ يراها متجهةً إلى حجرة شقيقه سلو. لما آبت إليه في هذه المرة، كانت الصرّة بيدها: " آه، لا بد أنه عارضُ الخَرَف! "، قالت ذلك مبتسمة. ثم أردفت وهيَ تناوله المال: " لقد وضعته عند هَدي، لأنني أثقُ بأمانتها ".

***
فكرةُ إقامةِ عرسٍ مشترك للشقيقين، كانت مُحالة للاقتصاد في المصاريف. فَدو، المُعرَّف بتبذير دخله من عمله في البستان على المجون والشراب، كان قد أبدى أمام الوالدة رغبته باستدانة المال اللازم لمشروع الزواج. لكنها نهته عن ذلك، خشيةَ ألا يتمكن مستقبلاً من تسديد الدين. ثم ما لبث ذهنها أن تفتّقَ عن فكرة العرس الواحد، لكل من الإبنين. في الأساس، لم تكن متحمّسة لاختيار فَدو شريكة حياته الجديدة. في البدء، لما علمت أن الفتاةَ ابنةُ أحد وجهاء منطقة جسر النحّاس، حذّرت ابنها بالقول: " حقاً إن أباك المرحوم كان في زمانه زعيمَ الحي، لكننا فقراءٌ مع ذلك ". أعتقد بعدئذٍ الابنُ أنه يطمئنها، لما رد قائلاً: " بحَسَب ما تناهى إليّ، أنها يتيمة الأم. لعلها ترجو الخلاصَ من خدمة نساء أخوتها غير الأشقاء، اللواتي أغلقن الأبواب بوجه طالبي القرب حتى كاد أن يفوتها سنّ الزواج "
" رباه، ماذا تقول؟ هل تريد الاقترانَ ببنتٍ عانس؟ "، هتفت الأم مقاطعةً كلامه. أطلقَ ضحكةً مقتضبة، مُدارياً حرجه، ثم أجابَ مراوغاً: " أظنها في حدود السادسة والعشرين، أي أنني أكبرها بثمانية أعوام على الأقل "
" شقيقك جمّو، عُمره ضعفَ عُمر خطيبته. فلِمَ عليك شراء بضاعة الناس، البائرة؟ "
" أماه، أنتِ امرأة مؤمنة وتعلمين ان سيّدنا محمد تزوج من امرأة تكبره كثيراً في السن وأرملة أيضاً "
" عليه أفضل الصلاة والسلام. لكن يا بنيّ العالم تغيّرَ، فأين نحن من زمن الأنبياء؟ "، قالت ذلك ثم أضافت بنبرة تسليم كأنما حجّته غلبتها: " ليكن التوفيقُ من نصيبك، متأملة ألا يخيب اختيارك وتندم فيما بعد ".

***
ما لم يكن بعلم أحد من الأسرة، أنّ تواطؤاً حصل بخصوص العروس المطلوبة. إنها رابعة مَن اصطحبت امرأة شقيقها سلو، لما طلبت منها الأم الذهابَ لخطبة الفتاة كون الشيخوخة منعتها من مرافقتها. كلتا المرأتين، كانت تكن نفوراً وبغضاً لفَدو. رابعة، بسبب تضييقه عليها مذ أن أضحت أرملة؛ بالأخص، رفضه زواجها مرة أخرى حينَ تقدّم أحد جيرانهم المرة تلو المرة في هذا السبيل. بينما هَدي، لم تنسَ تشنيع فَدو عليها ذات مرةٍ بخصوص ضيافتها اليومية لابن عمها وأسرته علاوة على وقوفه بوجهها أثناء مشاداتها مع نساء الدار.
ثمة في الإيوان، اجتمع مع كلتاهما بحضور الأم كي يسمع ما نتجَ عن سعيهما بشأن الخطبة. تكلمت أولاً هَدي، فأعربت عن سرورها لأنهم هناك لم يطلبوا سوى تسجيل مؤخر الصّداق في عقد الزواج. لما سألها عن رأيها بالفتاة، بادرت عندئذٍ رابعة لاستلام زمام الحديث: " جمال وكمال، ما شاء الله. شعرها بلون العقيق، وكذلك عيناها الكبيرتان. فمها كبيرٌ قليلاً، لكن شفتيها كأنهما شُقّتا من ياقوت. جسمها أهيف ورشيق، ممتلئ في أماكن معينة! ".

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل التاسع/ 1