أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6684 - 2020 / 9 / 22 - 20:42
المحور: الادب والفن
    


بعد خمسة أعوام، عندما تقدّم الشابُ الخجول لخطبتها، تذكّرت بيانُ مواظبته على الحضور إلى المزرعة، آنَ كانت تدعوه: " العم جمّو! ". لكنها عُرفت أيضاً بالحياء والتحفّظ، حدّ أنها لم تفكّر مرةً بما وراء تلك الزيارات؛ كأن يكون القصد منها التقرّب لأبويها سعياً لقبوله مستقبلاً كطالب قُرب. وكان ممكناً آنذاك التفكيرُ برودا، التي تكبر بيان بثلاثة أعوام، كهدفٍ معقول للزيارات. غير أنها كانت بمثابة النجيّة للأخت الكبيرة، فلم تسرّ لها هذه قط بميل قلبها لقريبهما العسكريّ أو أنها تشك بعاطفةٍ من جانبه على خلفية نظراته، مثلاً. لكننا لم نستبق أحداث الحكاية، إلا لبث إشارة عابرة عن مقدّماتٍ محتملة لخطبةٍ جرت فعلاً. فلنعد إلى التسلسل الواقعيّ للأحداث، وكنا قد تركنا أبطال الحكاية فيما ظهرَ أنها السنة ما قبل الأخيرة للحرب العالمية الثانية وهم ما زالوا في منطقة الجزيرة.
في حقيقة الحال، كانت زيارات جمّو للمزرعة شيئاً طبيعياً طالما أن أصحابها هم أقاربه الوحيدون في المنطقة. بيد أنّ الشاب كان يملك أصدقاءً أيضاً، بالأخص في بلدة عامودا، التي عُدّت في ذلك الوقت بؤرة للنشاط القوميّ. لقد أُرسلَ إليها مرةً بمهمةٍ، صُحبة شابين من حي الأكراد، فقضوا فيها شهراً ونيّف. هذا جرى قبل تطوعه في الجيش، وكان الهدف من المهمة المساعدة على تشكيل نادٍ ثقافيّ سيُعرف باسم موطن الأسلاف، المحددة جغرافيته خارطةٌ جلبها معه وكانت مطبوعة في دمشق من لدُن القائمين على إدارة نادي الحي. مصيرُ نادي عامودا، الذي أغلق بعد تأسيسه بسنوات قليلة، سيصبحُ مدارَ حديث جمّو مع كل من الدكتور نافذ وسليل آل جميل باشا. إذاك، كان السيّد صالح موجوداً في ضيافة هذا الأخير في مزرعته؛ أي في تلك الزيارة الوحيدة، المشئومة، التي علم على أثرها أن طليقته تعمل كمربية هناك.

***
ما كان والدُ بيان رجلاً موسوساً، لكن صدمته بخبر وجود طليقته في المنطقة، جعلته كذلك لبضعة أيام. حدّ أنه شك باحتمال أن يكون قد تعرّضَ لمقلبٍ، بتدبير من الطبيب وصاحب المزرعة بهدف النيل من كرامته وجعله أضحوكة أمام الملّاكين الآخرين. مع مضي الأيام، تبددت تلك الغيمة من رأسه وعاد الصفاء إلى تفكيره. حقاً إنه لن يعود مرةً أخرى لزيارة مزرعة سليل آل جميل باشا، لكن بقيت علاقته وثيقة بالدكتور نافذ لحين مغادرته الجزيرة بعد بضعة أشهر. ثم فاجأ الرجلَ يوماً، لما جاءه إلى العيادة في وقت الدوام. ظنّ الطبيبُ، لأول وهلة، أن الأمر متواشجٌ مع سهرة مرتقبة في النادي بالقامشلي. إلا أن نظرة أخرى، متمعنة، جعلته يوقنُ أنه أمام زبون يحتاج للعلاج: نوبات الألم في جنب السيّد صالح، كانت قد بدأت بشكل متقطّع في الأشهر الأخيرة وكان يلجأ لوصفات امرأته الشعبية للتخفيف منها.
" الفحصُ لم يكشف لديك تشمّعاً في الكبد، لكنني مع ذلك أنصحك بمراجعة طبيب مختص في العاصمة "، خلصَ الدكتور نافذ إلى هذه النتيجة وهوَ يبتسم على عادة زملاء مهنته في هكذا أحوال. ثم أردفَ، يوصيه بالكف عن الشراب أو التخفيف منه على الأقل. آبَ الرجلُ إلى مزرعته، منزعجاً وجَزِعاً: " كنتُ في همّ طليقتي اللعينة، وإذا بهمّ آخر يخرج لي على غفلةٍ أيضاً ". آثرَ أن يخفي الخبرَ على أيّ كان، وما لبثَ أن فكّرَ بشكلٍ جديّ في العودة إلى الشام بشكل نهائيّ.

***
في اليوم التالي، بادرَ إلى استدعاء وكيلَ أعماله لمناقشة الأمر. دُهش هذا الأخير بالطبع، نظراً إلى أن المزرعة باتت مزدهرة وإيراداتها مع مدخول الحافلة الكبيرة كانت تتيح لمعلّمه حياةً رغيدة ومُرفّهة. فأوضحَ السيّد صالح، عابساً: " ستنتقل أسرتي إلى منزلنا في الشام، فيما أنا سأطل عليكم بين فترةٍ وأخرى ". ثم استدركَ بالقول: " وأنت ستنوبُ عني هنا، مثلما ذي قبل. أي أن شيئاً لن يتغيّر، تقريباً ". انبعثَ عندئذٍ بريقٌ من عينيّ الوكيل، المُعرّف بالمكر. لكنه راحَ يُردد عبارات الأسف لقرار معلّمه، مُعرباً عن أمله بألا يطيل الغياب ويدعه " بين براثن أولئك القرويين الكسالى والطماعين "؛ بحَسَب تعبيره.
خبرُ قرار العودة إلى دمشق، حظيَ بالترحاب ولا غرو من جانب أفراد أسرة الرجل الملول. برغم ذلك، عم نوعٌ من الحزن بينهم بالنظر إلى اعتيادهم على العيش في الريف وكذلك لأنهم سيفتقدون لصداقات عقدوها هنا. لكن الخبرَ استُقبل بارتياع في أوساط مزارعي الضيعة الصغيرة، بالأخص النساء. وقد هُرع بعضهن برفقة امرأة الوكيل، للتعبير أمام ريما بالقلق على مصيرهن. بدَورها، طمأنت السيّدة ريما النساءَ، بالقول أنّ الحال سيبقى عقبَ غيابها مع أسرتها مثلما هوَ بوجودهم.
آخر مَن تم استقباله في المزرعة، قبيل رحيل أصحابها بنحو أسبوعين، كان قريبهم العسكريّ. هوَ أيضاً، جمّو، أعربَ عن دهشته لسرعة البت بأمر الرحيل مع أن الحربَ لم تضع بعدُ أوزارها.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5