أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3














المزيد.....

زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6682 - 2020 / 9 / 20 - 16:16
المحور: الادب والفن
    


على عكس شقيقه الأصغر، " نور الدين "، الناشط في الحقل السياسي القومي في العاصمة، كان الدكتور نافذ. فقد آثر الاستقرار في الجزيرة، لخدمة أبناء جلدته من خلال عيادة كانت تعالج فقراءهم مجاناً في غالب الأحيان. لكن تعرّفَه على السيّد صالح لم يكن من باب العيادة، وإنما في سهرةٍ جمعته مع ملّاكين من المنطقة وذلك في أحد النوادي بمدينة القامشلي. إذاك، انتبه لإفراط الوجيه الدمشقيّ بشرب الخمر، فشاء سؤاله عما لو كانت هذه شيمته منذ فترة طويلة. رد السيّد صالح، مبتسماً: " اطمئن فلن أصبح زبوناً عندك، لأن معدتي معتادة على العرَق إعتيادها على الماء "
" أرجو ذلك، يا صديقي. وستعيش مطولاً، لو أنك اكتفيتَ بالشرب بهذا المقدار في سهرةٍ واحدة بالأسبوع "، قدّم الطبيبُ هذه النصيحة. في لقاءاتهما اللاحقة، سواءً في النادي أو بمنزل أحدهما، كانا يتبادلان الأنخاب بعيداً عن سيرة المرض. في ثاني صيفٍ يقضيه والد بيان في المزرعة، دأبَ صديقه على زيارته؛ وفي كل مرةٍ كان يحمل أدوية للقرويين، فتُوزع عليهم دونما مقابل. لكن السيّد صالح كان يرد الهدية، بأن يُحمّل الطبيبَ سلّة كبيرة مملوءة بالفاكهة من خيرات مزرعته. وكان قد أنشأ ثمة منظرةً مستديرة تحت ظلال الأشجار، تحيط بها أعمدة خشبية تحملُ دقران الكرمة، يجلس فيها مع ضيوفه، أو أهل داره، حول طاولة مستديرة.

***
في أحد تلك الأيام، حضرَ إلى المزرعة قريبُ صاحبها، جمّو. شأنَ شقيقيه الكبيرين، تطوع الشابُ في جيش الشرق ومن ثم نقلت خدمته إلى مدينة الحسكة تحت إمرة الضابط بكري قوطرش. معلّمه، ما عتمَ أن ظهرَ في المزرعة في يوم آخر بصحبته وذلك للتعرّف على السيّد صالح. وكان الضابط قد سمع عنه من صديقهما المشترك، الدكتور نافذ. في زيارة أخرى، اجتمع الأربعة في المنظرة حول طاولة الغداء، المنتصب فوقها دمجانة العرَق. برغم إلحاح المضيف، لم يَصبّ قريبُهُ جمّو قدحاً لنفسه. كان يكره الشراب، وذلك على أثر حادثة جرت قبل أعوام مضت.
فَدو شقيق جمّو، وكان يكبره بثلاثة أعوام، آبَ ذات ليلة ثملاً إلى بيت الأسرة. كان يغنّي بصوتٍ عال، فنبهته شقيقته الأرملة، رابعة، ألا يحدث ضجيجاً لأن شقيقهما الكبير نائمٌ. إلى ناحية حجرة هذا الأخير، الكائنة وراء باب الدار مباشرةً، التفت عندئذٍ الرجلُ الثمل، ليصيح بصوتٍ عال مردداً جملة هازئة ومستهترة: " فيّو صاحبُ هَدي! ". وكان يَعني ابن عم امرأة أخيه، الذي اعتاد أن يظهر في الدار بضيافتها مع أسرته سواءً على الغداء أو العشاء. في اليوم التالي، تم توبيخ فَدو من قبل والدته، السيّدة سارة، مؤكدةً أن شقيقه المعنيّ وامرأته سمعا كلامه الطائش. فبقيَ ملازماً حجرته ثلاثة أيام، خجلاً من مواجهتهما.

***
" إنه العم جمّو، أماه "، قالت بيان لوالدتها عقبَ إدخالها الضيفَ إلى صالة الاستقبال. وكانت العائلة تتهيأ لزيارة مزرعة آل جميل باشا في الدرباسية، وذلك بمعيّة الدكتور نافذ، الذي حضر في ساعة مبكرة من النهار. كون جمّو على معرفة بالرجل المقصود، فلم يرَ مانعاً من مرافقتهم. ركبَ في المقعد الخلفيّ مع السيّدة ريما وابنتيها، فيما جلسَ الطبيب بجانب السائق. عند تهيؤ هذا الأخير للانطلاق، كان قد حمل في صندوق السيارة سلّة من فاكهة المزرعة مع دمجانة عرَق عليها دمغة جبل الكرد ( كرداغ ). سائق الحافلة الكبيرة، التي يملكها السيّد صالح، هو من اعتاد على تموينه بزجاجات الشراب الناريّ في كل مرةٍ يحضر فيها إلى المزرعة قبل عودته مجدداً إلى خط سيره بين القامشلي وحلب.
وهيَ ذي مزرعة آل جميل باشا تلوح لعينيّ بيان، وما لبثَ أصحابها أن خرجوا لاستقبال الضيوف فورَ توقف السيارة عند المدخل. سعيدةً، ميّزت ابنةُ ريما البكر زميلةَ المدرسة وكانت هذه منتصبةً بقامتها الفارعة بجانب أمها. تبادلت النسوة القبلات، ومن ثم سرنَ معاً إلى داخل المبنى الأشبه بالفيلا. فيما الرجال اتجهوا مع مضيفهم إلى الحديقة، ليجلسوا حول طاولةٍ كبيرة في فيء الأشجار. ساعة على الأثر، عندما قُدّم الغداء، كانت دمجانة العرق تزيّن المائدة. وقد تواصل حديثُ السياسة في خلال تناول الطعام، وكان محوره تطورات الحرب على الجبهتين الأوروبية والأفريقية، حيث كان الجميع متحمسين لانتصارات قوات الحلفاء على دول المحور النازي. لم يُشارك السيّد صالح في النقاش إلا لماماً، لكنه أبدى هذه الملاحظة وهوَ يشردُ بفكره بعيداً: " لو انتهت الحربُ قريباً، كما تتوقعون، فإنني سأعود إلى الشام مع عائلتي ".
ما لم يدُر في خلد الرجل، أن زيارته لمزرعة آل جميل باشا، ستعجّل في قراره ذاكَ بشأن الرحيل عن الجزيرة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 3
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 2
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الرابع/ 1
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 5
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4
- زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 3


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 3