أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - يقرعون الباب في منتصف الليل















المزيد.....

يقرعون الباب في منتصف الليل


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 470 - 2003 / 4 / 27 - 05:57
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    




 
     لم يكن من الممكن تصديق هذا الخبر: بهدف تقليص ميزانية الدولة، قررت وزارة المعارف والثقافة إقالة المئات من المعلمين. وقد أسندت مهمة تبليغ المعلمين المقالين بهذا البلاغ المر، إلى شركة من القطاع الخاص. قبل يومين من حلول عيد الفصح، وهو أحد أهم الأعياد لدى اليهود، المتدينين وغير المتدينين على حد سواء، وأثناء اجتماع العائلات حول مائدة العشاء في ليلة العيد، خرج مبعوثو الشركة لتأدية مهامهم، فطرقوا الأبواب في منتصف الليل، وقاموا بالتبليغ.
     حتى الجمهور الإسرائيلي الذي لم يعد يهتم بأي شيء، اشمأز للحظة ما. كيف يمكن القيام بمثل هذا العمل؟ ألم يمكنهم الانتظار حتى انقضاء العيد؟ يا لها من فظاعة!
    اعتقد بأنه ليس مجرد خطأ اقترفته به وزارة حكومية أيا كانت. إنه تصرف رمزي يحمل في طياته حقيقة الدولة كاملة.
     بادئ ذي بدء، إنها القسوة. لم تكن هذه القسوة مقصودة. فان وزيرة المعارف لم تقل لشركة المقاولة: سلموهم تبليغات الفصل بأفظع الأشكال التي يمكنكم القيام بها. ولم تقرر الشركة ذاتها بان الوقت المفضل هو عشية عيد الفصح، وأن من الأفضل طرق الأبواب في منتصف الليل، مثل ما كان يفعل عملاء الكي جي بي إدبان حكم ستالين أو كما تفعل مجموعة من المستعربين في نابلس.
     لا، لم يقرر أي شخص هذا الأمر، ولم يفكر في ذلك أحد. وهذه هي الظاهرة التي أكثر ما تقلق: تشوش تام للحواس.
     لم يكن ذلك ممكنا قبل ثلاث أو أربع سنوات. فكان من الممكن أن يتدخل شخص ما آنذاك ويصرخ قائلا: "ماذا تفعلون؟! هل جننتم؟!".
     لقد كان اليهود يعرّفون نفسهم دائما على أنهم "رحماء أولاد رحماء". وهم يعتقدون أن الرحمة هي اختراع يهودي، ويستندون في ذلك إلى الكتاب المقدس (على سبيل المثال، وصية الحفاظ على السبت من الوصايا العشر،التي أجبرت اليهودي على عدم تشغيل عبيده وبهائمه في كل يوم سابع.) حتى نيتشه الذي كره الرحمة قد أوعز "اخلاق الرحمة" لليهودية.
     لقد تفاخر المجتمع العبري الجديد الذي أقيم في إسرائيل دائما "بالتضامن المتبادل"، وبحقيقة عدم وجود جياع في مجتمعنا، وكل معاق أو مريض أو مُسن أو عاطل عن العمل، محمي من قبل المجتمع برمته. عندما سُئلت عن القيم اليهودية التي ترعرعت على أساسها في صغري، ذكرت الرحمة، إلى جانب تحقيق العدل، كراهية العنف والتطلع إلى السلام والتربية الصالحة.
     لقد انقضى هذا العهد. فبعد سنتين من انتفاضة الأقصى، تلاشت حواس المجتمع الإسرائيلي نهائيا تقريبا. الأعمال البشعة التي تُنفذ كل يوم في المناطق المحتلة، تمر من دون أن تثير الانتباه. الاغلاقات ومنع التجول لأشهر طويلة، الجوع والعطش، المرضى الذين يموتون، الهدم والاقتلاع – كل هذه أمور صغيرة، امور أصبحت عادية. الرجال والنساء والأطفال الذين يتعرضون لإطلاق النار من بنادق القناصة في بيوتهم وشوارعهم – هذا الأمر لم يعد يحرك ساكنا ولا أهمية له. لقد تم سحق متطوعة أمريكية شابة من قبل جرافة لتقضي عليها، عندما حاولت منعها من هدم بيت فلسطيني – وماذا في ذلك؟ إنها تستحق ذلك. شاب فلسطيني يرمي حجرا فتُطلق النار عليه من دبابة ليردى قتيلا – خبر من ثلاثة اسطر. وفي بعض الأحيان حتى هذه الأسطر الثلاثة لا تُكتب.
     تلاشي الحواس هذا، انتقل من المناطق المحتلة إلى داخل الدولة. تظهر الصور في الصحف أشخاصا ينبشون القمامة بحثا عن طعام. الوزارات الحكومية تبعث بالفقراء الجياع للحصول على لقمة من مؤسسات صدقة خاصة. وما من مكترث.
    وزير المالية الجديد، بنيامين نتانياهو، الذي تعوّد على الحصول على 50 ألف دولار لقاء محاضرة واحدة في امريكا، عرض خطة اقتصادية لتصحيح الاقتصاد، تمس بأفقر الفقراء. إنها تقلص مخصصات الشيخوخة المسكينة (300 دولار في الشهر)، ومخصصات الأولاد، ومخصصات البطالة والمخصصات للأولاد المتخلفين عقليا ومخصصات بيوت المسنين وتمس أيضا بجهازي الصحة والتعليم.
    هل ينتفض الجمهور؟ هل يخرج الطلاب الجامعيون بأعداد كبيرة إلى الشوارع؟ هل تصرخ وسائل الإعلاام، كفى!؟ هل تحدث المعارضة في الكنيست (إن وجدت أصلا) ضجة عارمة؟ على الإطلاق. صحيح أن الهستدروت التي تضم التنظيمات العمالية القوية والغنية تهدد بالإضراب. وفيما عدا ذلك، ربما نجد هنا وهناك تصريحا لسياسي يبحث عن العناوين في الصحف، وهنا وهناك تجمهر لعدد قليل من أصحاب الضمير الحي، وهنا وهناك مقالة صحفية صارخة، وكفى. سيصبح الفقراء أكثر فقرا والأغنياء أكثر غنى، وماذا في ذلك؟
     عندما يسألون نتانياهو نفسه عن الخطة الاقتصادية، يقول: ليس هناك من حل  آخر، فالاقتصاد الإسرائيلي في طريقه إلى الغرق. والمذنب الرئيسي هو عرفات. لقد زعزعت الانتفاضة اقتصادنا.
    إن في ذلك بالذات تجديد كبير، يمكن أن يحدث تأثيرات بعيدة المدى.
     علينا أن نشرح هنا: خلال خمسين سنة ونيّف، كان المجتمع الإسرائيلي منغمسا في حلم جميل من أحلام اليقظة، بانه لا توجد أية علاقة بين السياسة المنتهجة تجاه العرب والوضع الاقتصادي. وكان هذا ركن من أركان الإدراك الإسرائيلي.
     خلال السنوات العشر التي كنت فيها في الكنيست، القيت مئة خطاب على الأقل حول هذا الموضوع فقط. وقد أشرت إلى الوضع الأمني في النقاشات الاقتصادية وأشرت إلى الاحتلال أيضا، وقد ذكرت الثمن الاقتصادي في النقاشات حول الوضع الأمني.
     كل خطاب من هذه الخطابات أحدث في الكنيست ضجة وعدم رضا اكتنف كافة الفصائل فيها. وقد صرخوا في وجهي أثناء النقاشات الأمنية: "ما علاقة ذلك بالاقتصاد؟، إننا نتحدث الآن عن الإرهاب!" وقد صرخوا في النقاشات الاقتصادية: "نحن نناقش الوضع الاقتصادي فلماذا تخلط بين الاقتصاد والفلسطينيين؟" (لقد حدث مرة واحدة فقط، أن أوقفني نائب وزير المالية في ردهة الكنيست قائلا: "أنت الوحيد الذي تحدث بشكل واضح ومباشر". (وبكوني لست رجل اقتصاد، رأيت في ذلك نوعا من الإطراء).
     إن التغافل التام عن ثمن الحرب والاحتلال أدى إلى ظاهرة غريبة، وهي أن أكثرية الفقراء والعاطلين عن العمل وسكان مدن التطوير صوتوا دائما إلى جانب الليكود، وقد صوتوا في الانتخابات الأخيرة إلى جانب شارون بالإجماع تقريبا. كانت لديهم أمنيتان فقط: إيذاء العرب ووضع حد للحالة الاقتصادية. ولم يروا أي تعارض بين الأمرين.
    إلا أن هناك تحول في الإدراك الجماهيري يحدث منذ عدة أشهر. وردا على الادعاء بأن السياسة هي التي تسببت في الوضع الاقتصادي المتفاقم، اضطرت حكومة شارون للاعتراف بأن الانتفاضة هي السبب الرئيسي. لقد أنزلت ضربة قاضية على السياحة، وهو أحد المجالات الهامة في اقتصاد الدولة، وقد توقفت الاستثمارات الأجنبية، الهامة للنمو الاقتصادي، بشكل تام تقريبا. والجيش الهائل الذي يطلب منه محاربة الانتفاضة، جنبا إلى جنب مع المستوطنين، يبتلعون جزأ كبيرا من الإنتاج العام (أكثر بعدة أضعاف من الولايات المتحدة الغنية).
    هناك من يؤمن بأنه إذا استمر التدهور الاقتصادي، فستتمرد "الطبقات الضعيفة" (هكذا يسمون الفقراء في إسرائيل) في يوم من الأيام على حكومة شارون. سيخرج الكثيرون إلى الشوارع لإسقاطها. ربما يكون هذا تفاؤل مفرط. ولكن من المسموح على الأقل أن نحلم أنه في ليلة من الليالي، عند انتصاف الليل، سيقرع الشعب باب الحكومة ويسلمها إبلاغ الإقالة.

 



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد انقضاء الليل
- تصورات أخرى حول الحرب - أين الخطأ؟
- الأرز المُر - التصورات حول الحرب
- هجم الذئب؟
- أين الورقة إذن؟
- لا عليكم، كلوا الشوكولاطة
- رجل يواجه العالم بأسره
- حرب ذات رائحة لا صلة لهذه الحرب بالإرهاب
- السيدة السمينة لم تغن بعد
- نشيد الصداقة
- السوفييت الأعلى الخاص بليبرمان
- إنقلاب نداف
- حيوان غريب جدا
- كيف نساعد شارون
- الهدف: انقلاب!
- الثأر لطفل
- عزيزي عمرام ميتسناع
- كان لنابوت كرم
- لماذا انهارت حكومة شارون- فؤاد- بيرس؟ بسبب حبة زيتون صغيرة
- الحرب الان


المزيد.....




- حظر بيع مثلجات الجيلاتو والبيتزا؟ خطة لسن قانون جديد بمدينة ...
- على وقع تهديد أمريكا بحظر -تيك توك-.. هل توافق الشركة الأم ع ...
- مصدر: انقسام بالخارجية الأمريكية بشأن استخدام إسرائيل الأسلح ...
- الهند تعمل على زيادة صادراتها من الأسلحة بعد أن بلغت 2.5 ملي ...
- ما الذي يجري في الشمال السوري؟.. الجيش التركي يستنفر بمواجهة ...
- شاهد: طلاب جامعة كولومبيا يتعهدون بمواصلة اعتصامهاتهم المناه ...
- هل ستساعد حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة أوكرانيا ...
- كينيا: فقدان العشرات بعد انقلاب قارب جراء الفيضانات
- مراسلنا: إطلاق دفعة من الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه مستوطنة ...
- -الحرس الثوري- يكشف استراتيجية طهران في الخليج وهرمز وعدد ال ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - يقرعون الباب في منتصف الليل