أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - الثأر لطفل















المزيد.....

الثأر لطفل


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 312 - 2002 / 11 / 19 - 02:57
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    



16.11.02

 

   

     سؤال محيّر يدور في رأسي منذ يوم الاحد المنصرم، سؤال يرهقني:      

ما الذي يجعل الشاب الفلسطيني الذي تسلل الى كيبوتس ميتسر، يصوب سلاحه ويقتل امرأة وطفليها الصغيرين؟

     فحتى الحرب لا تسوغ إُطلاق النار على الاطفال باعتبار ذلك سليقة انسانية اساسية تجمع عليها كافة الشعوب والحضارات. وليس حرياً بمن يسعى الى الثأر لمئات الاطفال الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الاسرائيلي  ان يصب جام انتقامه على الاطفال. فما من عُرف يقول "الطفل بالطفل".

     والقضية لا تنتهي عند هذا الحد  حيث لا يُنظر الى الاشخاص الذين ينفذون مثل هذه العمليات،  كقتلة معتوهين، يتعطشون الى الدماء بالفطرة وٌإنما تظهر شخصيتهم في كل حديث مع افراد عائلتهم وجيرانهم كأشخاص عاديين لا يمارسون العنف، ثم إنّ الكثيرين منهم بعيدون عن التطرف الديني على غرار مرتكب العملية في كيبوتس ميتسر الذي ينتمي لحركة فتح غير الدينية.

     ينحدر هؤلاء الاشخاص من كافة المستويات الاجتماعية, فمنهم الفقراء الذين شارفت عائلاتهم على هاوية الجوع، ولكن بينهم ايضا من ابناء الطبقات الوسطى، كالطلاب الجامعيين والمثقفين, مما يعني أن جيناتهم الوراثية لا تختلف عن جيناتنا.

     وإذا كان الامر كذلك، فما الذي يحدو بهم الى ارتكاب مثل هذه الأفعال؟ وما الذي يتيح وجود من يبرر اعمالهم في المجتمع الفلسطيني؟

     بهدف مواجهة هذا، يجب ان نفهم، وإن كان الفهم لا يعني الموافقة. فليس هناك ما يبرر اطلاق فلسطيني النار على طفل تحتضنه امه بين ذراعيها، كما لا يوجد ما يبرر القاء اسرائيلي قنبلة على بيت خلد اطفاله الى النوم. لم يخلق الشيطان حتى الان الثأر من الاطفال.

     لكننا لا نستطيع التعاطي مع هذه الحقيقة دون أن نحاول سبر غورها, إذ إن قادة الجيش لا يعرفون سوى حل بسيط واحدألا وهو الضرب ثم الضرب ثم الضرب وقتل المنفذين، وقتل مرسليهم وقتل زعماء منظماتهم وهدم بيوت عائلاتهم وطرد اقربائهم. ولكن ما يدعو للاستهجان هو أن النتائج تأتي معاكسة, فعوضاً عن كل قتيل ينهض اثنان وبعد كل حلقة من حلقات مرور "مدحلة" الجيش على "بنى الارهاب التحتية" لسحق وقتل واقتلاع كل ما تصادفه في طريقها، تنشأ خلال أيام "بنى تحتية" جديدة. وحسب اقوال الجيش نفسه فهناك 50 إنذارا كل يوم منذ بدء حملة "السور الواقي".

    يمكن تلخيص سبب ذلك بكلمة واحدة ليس الا: السخط.

     سخط عارم، يملأ نفس الانسان، حتى لا يبقي فيها متسع لشيء آخر. سخط يسيطر على حياته كلها، الى درجة ان حياته تتلاشى امام هذا السخط. سخط يمحو كل الحدود، يتغلب على كل القيم، يكسر قيود العائلة والمسؤولية. سخط يستيقظ مع الانسان في الصباح ويخلد الى النوم معه في الليل لتنتابه الكوابيس في الليل. سخط يقول للانسان: قم، احمل سلاحك او حزاما متفجرا، واذهب الى بيوتهم واقتل، اقتل، اقتل ولا يهمك الثمن.

     ان الاسرائيلي العادي الذي لم يتواجد ذات مرة في الأراضي الفلسطينية لا يمكنه ان يتصور ابدا سبب ذلك السخط نظراً لأن وسائل الاعلام لدينا تخفي ما يجري هناك، او لا تتحدث عنه الا بجرعات قليلة ومعتدلة فحسب. انهم يعرفون ان الفلسطينيين يعانون (وهم السبب بالطبع)، الا ان الاسرائيلي العادي لا يعرف ما يحدث هناك على أرض الواقع ولا يعبأ به, فالبيوت تُدمر ومهما كانت مكانتك في المجتمع تاجراً، محامياً أو حرفياً ايا كنت فإنك تتحول بين ليلة وضحاها الى بائس محروم من سقف يأوي إليه هو واوداده واحفاده. وهكذا فان كلاً منهم قد ينفذ عملية انتحارية.

     وها هي الاشجارتُقتلع بالالاف فهي, بالنسبة للضابط, ليست سوى شجرة، عقبة, اما بالنسبة لصاحبها فيه دم قلبه، ما توارثه عن آبائه واجداده، واستنفدت من سنوات من العمل الدؤوب لأنها مصدر رزق عائلته. وعليه فكل واحد من هؤلاء يمكن ان ينفذ عملية انتحارية.

     على التلال بين القرى الفلسطينية تقيم مجموعة من البلطجية "نقطة استيطانية" فيُهرع الجيش لحمايتها. وحين يأتي القرويون لفلاحة ارضهم، يطلقون النار عليهم. وتمنع فلاحة كل الحقول التي تبعد كيلومترا واحدا او كيلومترين ، وذلك للحفاظ على امن المستوطنة فيرنو الفلاحون من بعيد بأعين دامعة الى محاصيلهم وهي تتلف على الاشجار، والى حقولهم الرازحة تحت الاشواك التي تبلغ ارتفاع الخاصرتين بينما تفتقر بيوتهم الى رغيف الخبز. كل واحد من هؤلاء يمكن ان ينفذ عملية انتحارية.

     الناس يموتون فتطرح جثثهم المهشمة في الشوارع على رؤوس الاشهاد. بعضهم شهداء، اختاروا ذلك. لكن الكثيرين منهم هم رجال ونساء واطفال يقتلون "بطريق الخطأ"، "بالصدفة" او انهم "حاولوا الهرب"، او كانوا "على مقربة من مصادر النار"، الى جانب المئات من الادعاءات التي يتفوه بها الناطقون. الجيش لا يعتذر، وأي جندي او ضابط لا يُدان لان "هذه هي سنة الحرب". غير ان لكل هؤلاء اقرباء وأبناء اعمام واخوة. كل واحد من هؤلاء يمكن ان ينفذ عملية انتحارية.

     فيما عدا هذه الدائرة، فان هناك آلاف العائلات التي تعيش على شفا الجوع، في ظروف من سوء التغذية. وهناك الاباء الذين لا يستطيعون جني قوت اولادهم فينتابهم اليأس. كل واحد من هؤلاء يمكن ان ينفذ عملية انتحارية.

    مئات الالاف يقبعون تحت الحصار الذي يربض على صدورهم اسابيع واشهر، ولا ننسى اثني عشر شخصا يصطفون في بيت مؤلف من غرفتين او ثلاث يغدو جهنم يتعذر وصفها، أما في الخارج فالمستوطنون يتجولون محتفلين يدأب الجنود على حمايتهم. دائرة من الغرابة: منتحرو الامس يولدون منع التجول الذي يولد منتحري الغد.

    ناهيك عن هذا كله، يأتي الإذلال التام الذي يعيش تحت وطأته كل فلسطيني، دون فرق بالسن او الجنس او المستوى الاجتماعي في كل لحظة من حياته. ليس هذا الإذلال مجردا، بل محسوساً جدا فهو يقع تحت رحمة الموت والحياة وتحت نزوات الجندي الذي يبلغ من العمر 18 عاما، يقف في الشوارع وعلى الحواجز، فهو يصادفه في كل خطوة يمشيها وفي كل شبر يقطعه، وبالاضافة الى ذلك فهو يعيش تحت سطوة المستوطنين والمستوطنات، الذين يتجولون كما يحلو لهم و"يزورون" القرى ويتلفون الممتلكات وينهبون الزيتون من كرومه ويحرقون الاشجار. من لم يشاهد هذه المناظر لن يستطيع ان يتصور هذه الحياة التي يسود فيها العبيد، حياة من الشتائم والمضايقات في الحالات البسيطة وتهديد بالسلاح في حالات اخرى واطلاق نار في بعض الاحيان. لا حاجة للتذكير بالمرضى الذين يقصدون المستشفيات لغسل الكلى والنساء اللواتي يقصدن غرف الولادة وطلاب الجامعة الذين لا يستطيعون الوصول الى صفوفهم، والاطفال الذين لا يأتون الى المدرسة. شباب يرون أجدادهم وجداتهم يتعرضون للاذلال على الملأ من قبل جندي في عمر احفادهم. كل واحد من هؤلاء يمكن ان ينفذ عملية انتحارية.

     لا يستطيع الاسرائيلي العادي ان يتصور هذا كله. فالجنود هم الابناء البررة في نظره, ابناء الجميع، فحتى الامس لم يكونوا الا طلاباً على مقاعد الدراسة. الا انه عندما يقتادون هؤلاء الابناء البررة ويلبسونهم البزز العسكرية ويزجون بهم في واقع الاحتلال، يحدث لهم امر ما. فمنهم من يحاول الحفاظ على انسانيته في ظروف لا تمكنه من ذلك دائما، والكثير منهم يتحولون الى رجال آليين ينفذون الاوامر. دائما تجد في الكتيبة متهورين في هذا الواقع فيقومون بأعمال مشينة, خاصة ان القادة يغضون الطرف احيانا ويومئون بالموافقة احيانا أخرى.

     كل ذلك لا يبرر قتل اطفال في احضان امهاتهم. ولكن هذا يساعدنا في ان نفهم لماذا يحدث هذا، ولماذا سيستمر الوضع على ما هو عليه طالما استمر الاحتلال.

   

    

 



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيزي عمرام ميتسناع
- كان لنابوت كرم
- لماذا انهارت حكومة شارون- فؤاد- بيرس؟ بسبب حبة زيتون صغيرة
- الحرب الان


المزيد.....




- السعودية.. تعيين أيمن المديفر رئيسًا تنفيذيًا مكلفا لـ-نيوم- ...
- أمريكا تعلق رحلات الطيران إلى هايتي بعد تعرض طائرات لإطلاق ن ...
- متسابق يصبح مشهوراً بعد حل لغز بإجابة خاطئة ومضحكة للغاية.. ...
- هل يدعم إمكانية ضم الضفة الغربية؟ سفير ترامب لدى إسرائيل يُج ...
- السعودية.. الأمن يُعلن إلقاء القبض على مقيم بسبب -تحرشه بطفل ...
- أردوغان للأسد: ما زلت متفائلا بلقائنا
- المصريون في السودان: -لا يعرف أبنائي أن والدهم محبوس لدى الد ...
- فرحة الزفاف تتحول إلى كارثة.. مصرع 18 شخصاً بسقوط حافلة في ن ...
- -بلومبرغ- تشير إلى انخفاض كبير في تبرعات الأوكرانيين لجيش زي ...
- مصادر طبية: مقتل 18 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على مناطق في ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - الثأر لطفل