أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - دراسة ذرائعية استقرائية اجتماعية في رواية (خوفًا من العادي) للكاتب المصري فريد عبد العظيم تقدمها الناقدة الذرائعية السورية الدكتورة عبير خالد يحيي















المزيد.....

دراسة ذرائعية استقرائية اجتماعية في رواية (خوفًا من العادي) للكاتب المصري فريد عبد العظيم تقدمها الناقدة الذرائعية السورية الدكتورة عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 6663 - 2020 / 8 / 31 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


كان الأدبُ على مرّ العصور لوحةً للواقع مرسومةً على جدار الحقيقة بخيال فنان وعى عمق الحرف في الأشياء وأثاث الدنيا، فوظفه بحذاقة ودقة لاكتشاف أعمق قاع فيها, وقلب بطانتَها لتحليل ماهيّتها الداخلية, حتى صار الأدب أداة مثلى للتعبير عن أدق تفاصيل وإرهاصات المجتمع, فكاتفَ الصحافة وتدافعَ معها حتى زحزحها عن مكانتها, ليحمل هو عنها ثقلَ السلطة الرابعة, ويتحمّل الأعباء والمسؤولية في الدفاع وإبراز كفاح المجتمع اليومي الذي سحقته الصحافة بشخصنتها النفعية, وابتعادها عن قضايا المجتمع التي تشكّلُ بنيتَها التكوينية, وكان هذا التبادل المنفعي بين الأدب والصحافة هو تعديل مصيري لقضية المسيرة الحضارية والعصرنة لواجب الحرف الرصين في الدفاع عن الديمومة في عهد التكنولوجية والانبهار.
هذه الرواية هي تجسيد حي للأدب في هذا المضمار, وهي ومضة ضوئية تكشف تلك القفزة النوعية التي حدثت في معاقل الحرف وواكبت العصرنة العلمية والأدبية في استمرارية الوجود الإنساني التي لا تنتظر أحدًا.
والكاتب فريد عبد العظيم واحد من هذا العالم المنشور على خارطة الحرف, روائي وقاص مصري, من مواليد القاهرة 1983نشرت له العديد من القصص القصيرة في الصحف والمواقع الالكترونية, شارك في ورشة الرواية الأولى التي نظمتها الدار المصرية اللبنانية عام 2017 ووصلت مسودة عمله للقائمة القصيرة, كما شارك في مشروع قصص القاهرة القصيرة عام 2018 الذي نظمه معهد جوته, و(خوفًا من العادي) هو عمله الروائي الأول.
ولو سلكنا مسلك التبئير الفكري للمنهج الذرائعي، بنقل تلك الحقائق المجتمعية نحو خانات حياتية مختلفة, ودرسنا كل زاوية من زوايا الحياة المرسومة على الورق بشكل مستقل لوجدنا تطابقًا متكاملًا بين زوايا الرواية على الورق وزوايا الحياة الواقعية.
فالعمل المعنون ب ( خوفًا من العادي) هو رواية واقعية اجتماعية ترصد ظاهرة هجرة أهل الريف إلى القاهرة, وما يرافقها من تداعيات من أبرزها الشعور الموحّد بالغربة, والخوف من سعة العاصمة وبهرجتها, والسرعة في التحرك في مسالكها مقارنة بالموطن القروي الصغير وهدوئه الطبيعي الجميل, ولاستشعرنا الهوة الاجتماعية الكبيرة بين أهل الريف وأهل العاصمة ببساطة وبشكل عادي, كما عبر عنها الكاتب في عتبة العنوان.
الزمكانية: معظم أحداث الرواية تدور في القاهرة المعاصرة, وقرية أمير الجيوش- كما سماها الكاتب- التابعة لشبين الكوم, ومدينة زايد, في الفترة ما قبل ثورة 25 يناير بقليل وتنتهي عقب ثورة 30 يونيو, وتستعرض خلالها المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع المصري خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة نسبيًّا. ونستهل هذا المخزون السردي ب:
أولًا- البناء الفني:
استخدم الكاتب المدرسة الواقعية, واستخدم تقنية الاسترجاع, وجعل السرد على لسان الشخصية المحورية ( كمال) بضمير المتكلم (الأنا), مستفيدًا إلى حدّ ما من البراح السردي الكبير الذي تمنحه هذه التقنية في سرد الأحداث والوصف, لكنه لم يستغلها كما يجب في الغوص بعيدًا في أعماق نفسية.
لننظر إلى الاستهلال والذي كان تقديمًا تقريريًّا مباشرًا بجمل قصيرة متلاحقة, أكسبه فعل النفي الناقص( لست) خاصية الجذب والتشويق:
لست من مواليد العاصمة.
حضرت إليها لأول مرة لتقديم أوراقي للجامعة, أصبحت من سكانها. في البدء كانت المدينة الجامعية , وبعد التخرج في شقة العزاب, لم أفكر في سكن خاص إلا قرب الزواج.
ينتقل بعدها إلى الموضوع مباشرة, (الغربة) بالمعنى العام, ويستدرك مباشرة إلى المعنى الخاص, غربة أهل الأقاليم, بجمل متلاحقة كحصوات صغيرة يلقيها شخص أصابه الملل حدّ النزق:
اعتدت الغربة, فهي فرض عين على أغلب سكان الأقاليم, كان من الممكن أن أؤخر غربتي بضع سنوات وأدرس في جامعة المحافظة, لكنها حيلة لا أكثر للمماطلة برهة, ومن ثم الذهاب إلى القاهرة.
فالاستهلال: أو المقدمة لم تكن زمكانية بالمعنى الدقيق بقدر ما كانت خلط بين الحضور الزمني وومضة نحو الخلف بملخص تقريري لحالة في الزمن الماضي.
أما الصراع الدرامي فلم يكن صراعًا حقيقيًّا, بل هو مجرد رسم عشوائي للواقع المدرج فوق سلم الزمن, صراعٌ باردٌ، افتقد تكوين الأحداث بصورة سردية محبوكة. فالحدث الروائي أو القصصي يتم باشتراك تفاعلي بين الشخصيات الرئيسية والمساعدة المحمولة على (محور التكوين), تتلقاها الشخصيات المعارضة المحمولة على (محور المعارضة) لتوليد حدث استمراري على (محور التوليد ) الأوسط, تكرر هذا التوالد الحدثي هو الصراع الدرامي, والذي يبلغ ذروته عند (العقدة) وعند هذه العقدة تنقلب الأحداث باتجاه الحل والنهاية. عند تطبيق هذا الكلام على هذه الرواية, نجد أن الأحداث فيها مسطّحة, لا تعطي توالدًا سرديًّا للأحداث الواقعة فعلًا في مساحات الحياة, بل هي تصوير مباشر لحركات الشخصيات الحقيقية, نقلت نقلًا كفيفًا على الورق.
فالشخصية الرئيسية – والتي بدأت معها الرواية وانتهت معها- لا يمكن أن نطلق عليها اسم (البطل), لأني لم أجده بطلًا بأي حال من الأحوال, فلم يدخل في صراع حقيقي, بل لم يكن لديه رغبة مادية أو هدف معين يجاهد لتحقيقه, فهو مهمّش سرديًّا، كما يصف نفسه (مثل الكومبارس), لم يخرج عن هذا الدور، رغم كل الأحداث الجسيمة والمتغيرات التي حدثت في المجتمع المصري خلال فترة ثورة 25 يناير و30 يونيو, فمحور التكوين الذي يحمل الشخصية الرئيسية (كمال) والشخصيات المساعدة انطلق كسولاً و ركيكًا بالأصل, قضيته عامة (الغربة) ليست طارئة وإنما مختارة, فلا يوجد مقاومة ضدها, لذلك ينتفي أيضًا وجود الشخصيات المعارضة المعيقة لحركة الشخصيات الإيجابية في التفعيل السردي, وكل الشخصيات التي تظهر تباعًا في النطاق المكاني أو الحدثي ل (كمال) هي شخصيات -على اختلاف طبائعها- تخدم الأحداث الحياتية العادية التي عاشها كمال, وقد سطّحها الكاتب نفسه! ولا أدري ما القصد من هذا التسطيح ....!؟ هناك تلكؤ وبرودة, لذلك عمد الكاتب إلى ذكر الأحداث كما هي, نقلها نقلًا مباشرًا- يكاد أن يكون عفويًّا- إلى الورق , حتى عندما أراد الترميز (إذا كان يقصد به ترميزًا) فقد سمّى الأشياء بمسمياتها( المخبر- الأونطجي, الرئيس المؤمن, البطل, الأخرق) سحق الرموز بمسمياتها، فالرموز لا تسمى بالاسم, وعندما فعل ذلك قلب مفهوم الرمزية إلى مفهوم واقعي صرف.
حاول أن يصنع محاكاة مصغرة عن الأحداث المصيرية الكبيرة التي عصفت بالمجتمع المصري في تلك الفترة, شخصياتها وطبقاتها( والمدراء والكبراء والموظفين والعمال) أيضًا نماذج تمثل الأطياف العديدة التي تشكّلت منها القوة البشرية الفاعلة التي شهدت أو استغلت أو شاركت في أحداث الثورة, ونعدد بعض من هذه الشخصيات:
الشخصية الأولى: هي كمال وهو شاب من قرية صغيرة تدعى قرية (الأمير الجيوش) القريبة من شبين الكوم التابعة لمحافظة المنوفية, سافر إلى القاهرة ليدرس في كلية التجارة, يسكن في السكن الجامعي, وبعد التخرج يسكن في شقة العزاب, ثم في شقة المنايفة في مجمع مدينة الشيخ زايد (وهي المدينة القريبة من القاهرة والمبنية بأموال واستثمارات إماراتية), في فترة الثورة يكتشف أنه كان محدود التفكير والرؤية في نظرته إلى الكثير من الأمور, وأن العالم المثالي -الذي كان يرى أن قريته تنعم به- كان أو أصبح بالواقع عالمًا ملوثَا بالكثير من الآثام والخطايا, وقد لا يختلف كثيرًا عن عالم العاصمة, الفساد والمخدرات والعبث الجنسي والكذب والعهر بكل أصنافه موجود في المكانين, هو ذكر التحوّل لكنه لم يعشه, لم يتأثر به, بقي كما هو يؤدي الدور المطلوب منه مردّدًا في كورَس, لم يتخذ موقفًا بل تُملى عليه المواقف, حتى بعد أن اطلع على رسائل زوجته ليلى التي تعترف فيها بأشياء ضده لم يواجهها, ولم يتغيرمن ناحيتها, لينتهي كما بدأ غريبًا يبحث عن وطن.
محفوظ: والد كمال والملقب بالشهيد لأنه لم يهاجر من قريته, ولم يتزوج بعد وفاة زوجته التي توفيت عندما كان كمال بعمر الخامسة, رغم أنه كان أحب أم ليلى زوجة أخيه الذي توفي,كان إنسانًا رصينًا وخلوقًا, انتهى به الأمر حزينًا على الاثنتين.
أختا كمال التوأم فتنة وزوجها حامد الأونطجي – ويمثّل المتذبذبين الذين انتقلوا من السلفية إلى الأخوان - ومنى وزوجها محمود الذي يعمل بالخليج ويمد الأونطجي بالمال -بإشارة للدعم الخليجي للجماعة والمصاهرة بينهما- انتهى بهم الأمر بالهرب إلى الإمارات بعد أن أطاحت ثورة 30 يونيو بحكم الأخوان.
وأم ليلى زوجة عمه, صاحبة الشخصية القوية والحنونة التي ربّته وزوّجت أختيه وزوّجته ابنتها.
ليلى ابنة عمه وزوجته, من جيل التكنولوجيا التي لم تدهشها العاصمة لأنها هتكت هالتها باكتشاف أماكنها وأحوالها عبر النت, والتي أودعت في بريدها الخاص بالفيسبوك خمس رسائل نفضت فيها دواخلها- وبذلك نضيف تقنية سردية أخرى استخدمها الكاتب وهي تقنية الرسائل الالكترونية لتميل الرواية إلى المعاصرة بتعدد التقنيات السردية واستخدام المدارس- تندّرت في تلك الرسائل على شكل زوجها كمال (أبو مناخير كبيرة) وشككت بنزاهة نواياه, وبأنه يطمع في أملاكها, ثم وصفته بالطيب, تكلّمت عن رغبتها العارمة في إنجاب طفل, واعترفت أنها أجرت عملية جراحية لتهيئة رحمها للحمل بالمخفي عن زوجها, بمؤازرة من جدّة نور المرأة المسنّة السورية التي طلبت تأجيل عملية القلب خاصتها بحجة الخوف, لتكشف ليلى السبب الحقيقي وهو اضطرار الجدّة للاعتناء بها عقب العملية, فأحست بنوع من التقصير والمسؤولية عن موتها المفاجئ.
(نور وجدّته شخصيات رمزية للسلف والخلف الذين فرّوا من بلدهم سوريا إبان الحرب التي عصفت بالبلاد, ولجؤوا إلى مصر وغيرها من البلدان المجاورة).
نور الطفل السوري, الذي كان النسخة الطفولية من كمال, يعاني اليتم والغربة, ويصارع من أجل لقمة العيش ليعيل نفسه وجدّته, عمل في أحد المطاعم السورية في المجمع رغم أنه لم يتجاوز الثامنة, يحلم بالعودة إلى بلده ليكون إلى جانب أبيه وأخوته والعائلة حيث ارتأت العائلة وبسبب عدم توفر نفقات السفرللجميع أن يسافر أكبر فرد وأصغر فرد سنًا, فسافر هو وجدّته, بعد وفاة جدته احتضنته ليلى وسافرت به إلى القرية عندما مرضت أمها, بعد شفاء أم ليلى من مرض السرطان طلبت أن يبقى في حضانتها, الوحيد الذي وضع هدفًا وصارع من أجل تحقيقه, رجع إلى بلده بعد وفاة أم ليلى.
من الشخصيات أيضًا نذكر (الأخرق) بلديات وصديق كمال الذي وقع فريسة سهلة لأهل القاهرة, عندما شرد عن بلدياته وانحاز إلى أهل العاصمة, فاستغلوه بقضية زواج من قاهرية طلقها زوجها ثلاث طلقات وتريد الرجوع إلى عصمته, فكان الزوج المحلّل, انتهى أمره بنقله إلى إحدى الهيئات الحكومية بشبين الكوم.
( المخبر) الذي كان يكتب التقارير في زملائه في الجامعة, ثم أصبح نائبًا لمدير أمن المجمع السكني, ثم ترقى إلى وظيفة بالمقر الرئيسي بالوزارة.
(ممدوح البطل) زميل العمل وكبير العمال, الذي يعرف الكثير من الحيل والطرق الملتوية لحيازة هوية إقامة قاهرية, وتزوير شهادة الميلاد للحصول على مكاسب عديدة ما كان ليحصل عليها بصفته من أهل الأقاليم, انتهى به الأمر باستقالته والسفر مع ابنه (حمادة) الذي احترف الكرة بناد خليجي. سبق أن زوّر البطل شهادة ميلاد لابنه باسم حمادة, صغّر فيها سنّه ليلحقه بنادٍ للناشئين.
العم بيشوي الكهل الطيب (القديس) المسيحي الذي تمت إحالته إلى المعاش في عمر الستين, لكن لن يتم صرف المعاش له لأنه لم يتم تثبيته بالوظيفة إلا بعمر ال59 في أعقاب ثورة 25 يناير, وفي القانون لا معاش لمن لم تتجاوز خدمته في العمل عشر سنوات, نظم عمال المجمع اعتصامًا من أجله بقيادة الكبراء, تم السيطرة عليها من قبل رجال الأمن, ترك المجمع وعاد إلى قريته خالي الوفاض.
(أمير الجيوش): يوتوبيا القرية, الرمز التاريخي للأصالة والشجاعة والقيم المنسية, حيث ذكر الكاتب قصته كحكاية تراثية ليضيفها كتقنية سردية أخرى, الأمير الذي تحول إلى ولي من الأولياء الصالحين, والذي أحرز في فتوحاته الكثير من الانتصارات لكنه مات قبل أن يصل إلى العاصمة, وأكمل قادة جيوشه فتح العاصمة ونسبوا كل انتصاراته إليهم (وهذا ما جعل كمال يعجل بغربته إلى القاهرة), نسوه, وقتلوا ابنه عندما أخذته أمه إليهم وطالبتهم بحقه بالملك, وأرادوا هدم مقامه, أتت ريح حركت الرمال التي ألهبت الأعين ووخزت الأبدان وقتلت الجند وقائدهم الذي أصبحت جثته جيفة في لمح البصر, فصار أسطورة يؤمن أهل القرية بكراماتها.

ثانيًا-البناء الجمالي: باقتضاب شديد:
الحوارات قليلة, بسيطة, ومتنوعة, مرة باللهجة العامية وأخرى باللغة الفصحى, من دون الانتباه لمناسبتها للشخصيات وثقافتها, استخدم فيها بعض المصطلحات الساخرة مثل ( ديك البرابر, ياحمار...)
الأسلوب: مباشر, خال من الانزياح تقريبًا, ولا يكفي أن يكتب الكاتب الواقع دون أن يغمسه ولو قليلًا بالعمق الأدبي.
ثالثًا- المستويات الذرائعية:
فلنأخذ المستوى البصري بشكل استقرائي سريع, عتبة الغلاف صورة معبرة عن محاولة القفز بين حافتين متقاربتين, لكنهما على ارتفاع شاهق, وتحتهما مظاهر لمدينة عصرية تتشامخ فيها ناطحات السحاب, هل هو تحليق فوق الواقع, أم رغبة في اكتشاف البعيد؟ أم هو دفع مجبر عليه؟ فما الذي يدفع الإنسان للقفز من هذا العلو الشاهق إلا ملكة المغامرة وغريزة حب الاكتشاف والأحلام التي كانت البداية لكل المشاريع العلمية المنجزة, فإذا نظرنا إلى الرجل الذي يقفز وجدناه شاب في كامل أناقته ورشاقته, وفي منتصف وأعلى الهوة, وهي دلالة فنية رمزية معبرة جدًّا, تفتح خيال المتلقي على العديد من النهايات, كلٍّ من منظوره الفكري وزاوية اهتمامه, لكن يفاجئنا الكاتب بأن هذه كل ما ذهبنا إليه ما كان موجودًا, والقفز كان دفعًا إجباريًا بين حافتي ثورتين .
عتبة العنوان ( خوفًا من العادي) عنوان مشوّق وملخص بطريقة مدهشة لمحتوى الرواية, فالرواية تدور حول حياة رجل عادي, نشأ نشأة عادية في قرية صغيرة رغم أنه فقد أمه مبكرًا, وانتقل إلى العاصمة لإكمال تعليمه, عاش فيها عيشة الغرباء العادية, وتزوج ابنة عمه زواجًا عاديًا, أحلامه عادية وتطلعاته كذلك, فكيف يكون الخوف من العادي؟ عنصر التشويق تحقق في أول العتبات.
العمل يقع في 258 صفحة من القطع المعروف للرواية, مقسمة على فصول عنونها بالأرقام وعددها 24 فصل, راعى فيها الكاتب الشكل البصري وترتيب الهوامش وأدوات التنقيط بشكل جيد.
على المستوى اللساني: ألفاظ وتراكيب سهلة ومتداولة, والصور الجمالية والبلاغة بمستوى متواضع.
على المستوى النفسي السلوكي لا نجد تساؤلات فلسفية عميقة, فالشخصية المحورية شخصية عادية جدًا ليس لها من اسمها ( كمال) نصيب كما هو مألوف, وعلى لسانها يدور السرد, قد نلمح تلك التساؤلات عند نور الطفل السوري ذي الثمانية أعوام, وهي تساؤلات سطحية ساذجة غير محددة عن الشر والأشرار...
- هل الأشرار أقوى من الله؟
- فلماذا يدعهم يا عمو ؟ لماذا لا يخلصنا منهم؟
وتساؤلات نور طفولية عن القدر والحكمة من موت جدته, وعن الموت والموتى والقبور.
- لماذا أماتها يا عمو وجعلني وحيدًا؟
- جدتك ماتت يا نور, والأموات يسكنون القبور
- لماذا نتركها هنا ؟ أريد أن أعيدها إلى منزلنا, جدتي طيبة حرام أن نتركها وحدها...
في المستوى المتحرك:
-التجربة السردية:
الأديب فريد عبد العظيم روائي جديد على ساحة الروي, لا أدري لم أجد عنده رهبة من اقتحام الساحة مدججًا بما يملكه من أدوات أدبية أظنها أكبر بكثير من (العادي) الذي ظهر لنا في هذا العمل, تجربة سردية روائية متواضعة.
حاول استخدام الرمزية بطريقة بدائية عفوية, فانقلبت محاولته, الرمز الذي يجب أن يكون مخفيًّا فضحه ذكرُ اسمه.
رابعًا-الثيمة الأخلاقية
كانت محسوسة على مدار الرواية, لم يتعرض الكاتب بالسلب لأي منظومة أخلاقية تحكم المجتمع, بل على العكس أدان ما طرأ من متغيرات سلبية عليه, عرّى الفساد والمحسوبية والنفاق السياسي والاجتماعي وشجب الأفكار العنصرية التي كالت بمكاييل عديدة بين طبقات المجتمع المصري الريفية والقاهرية, وأيضًا بعض تلك التصرفات التي نالت بعض السوريين بالأذى النفسي والمادي, وبيّن أن السواد الأكبر من الشعب المصري العظيم محمول على بساط محبوك من مشاعر الأخوة المخلصة والروابط الإنسانية النبيلة لامتداده الإنساني في الشرق, شعب سوريا الأبي.
في الختام: أبارك للروائي فريد عبد العظيم إصداره الروائي الأول, وكلّي ثقة أن الإصدارات التالية ستكون مؤلفات سردية بأدبية احترافية.



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالقون
- الانهيار الأخلاقي بواعثه ونموّه من النّكسة إلى ما بعد عصر ال ...
- الأثر الأنثروبولوجي في حيّز تنقّل الإنسان بين المجتمعات- درا ...
- رد الذرائعية على التفكيكية الداريدية
- دراسة ذرائعية مستقطعة في كتاب ( البلاغة والتواصل عبر الثقافا ...
- قصيدة طارئة
- النص والترجمة إشكالية تبحث عن حل
- الحروب الوقحة في الألفية الثالثة دراسة ذرائعية لرواية قيامة ...
- النقد الذرائعي
- أدب اللجوء في نصوص القاصّة السورية أمان السيد في مجموعتها ال ...
- حرية المرأة في أتون السلطة الذكورية
- تشظّي المكان في مجموعة ( ليلة نام فيها الأرق) للقاصة السورية ...
- تشظي
- ربما....؟!
- التطرف الجنسي والديني والسياسي وأثره في المجتمع العربي دراسة ...
- فن الرسالة في الأدب السردي دراسة ذرائعية مستقطعة رواية (شاعر ...
- طهارة
- ديموغرافية أدب الرحلة في النص الموازي المعنون ب ( الملتقى) ل ...
- تشذّي الذّات و انتصارها للوجود و الوطن دراسة تحليليّة ذرائعي ...
- / سيدات القمر/ بين البحث والروي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - دراسة ذرائعية استقرائية اجتماعية في رواية (خوفًا من العادي) للكاتب المصري فريد عبد العظيم تقدمها الناقدة الذرائعية السورية الدكتورة عبير خالد يحيي