أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - التطرف الجنسي والديني والسياسي وأثره في المجتمع العربي دراسة ذرائعية مستقطعة عن رواية( مصحف احمر) للروائي اليمني الغربي عمران تقدمها الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي















المزيد.....

التطرف الجنسي والديني والسياسي وأثره في المجتمع العربي دراسة ذرائعية مستقطعة عن رواية( مصحف احمر) للروائي اليمني الغربي عمران تقدمها الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 6507 - 2020 / 3 / 7 - 01:32
المحور: الادب والفن
    



مقدمة:
صار الأدب صدى لصيحات المجتمعات التي ألجمها الظلم والطغيان, وعاث فيها الفساد حروبًا, بعد أن تخلّت الصحافة عن هذا الدور, بانزياحها عن الحيادية, وبعد أن فقد المؤرخون مصداقيّتهم وكتبوا تاريخًا يمجّد المنتصر, مع أن الحقيقة أنه لا انتصار في حروبٍ الخصومُ فيها أبناء البلد الواحد. والأديب هو الرسول الذي كلّفه ضميره – نعمة الله عليه – بتبليغ فحوى تلك الصيحات, برسالة يكتبها مدادُه الآتي من سيالات عقله, إلى نهايات جوارحه, تشهدُ له وعليه مستويات وعيه وإدراكه.
وكلّ ما عدا ذلك من أدب, هو رفاهية لم تصل إليها مجتمعاتنا العربية بعد, ومع ذلك يقتنصها الأديب اقتناصًا ليصفَ بها جمالَ مكان أو لحظاتِ فرح أوغرام, مسروقة من مغارة علي بابا بغفلة من الأربعين حرامي.
السيرة الذاتية للكاتب:
محمد الغربي عمران, ولد في ( ذمار)عام 1958 وهو كاتب قصة قصيرة, روائي وسياسي يمني معروف بروايته المثيرة للجدل ( مصحف أحمر) وهو أيضًا وكيل سابق لصنعاء, درس التاريخ وحصل على الماجستير في هذا التخصص, كتب خمس مجموعات قصصية, وترجمت قصصه إلى اللغتين الإنجليزية والإيطالية وقد وردت في مختارات بلغات أجنبية مثل البرتقال في الشمس ( 2007), وبيرل ديلو اليمن( 2009), يرأس نادي القصة اليمني ( ال مقه)
مساميره الروائية على حائط الأدب:
مصحف أحمر(2010) – مملكة الجواري- الثائر – الطريق إلى مكة- ظلمة يائيل( فائزة بجائزة الطيب صالح دورة 2012) – حصن الزيدي وهذه الأخيرة فائزة بجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع للعام 2019
التبئير:
إنّ من قرأ أو يقرأ رسائل الغربي عمران عبر رواياته- وأحدّد منها حصن الزيدي ومصحف أحمر- سيجد بسهولة أن مرتكزها وبؤرتها الثابتة هي الطغيان السلطوي بكل أشكاله وانتماءاته, كفعل ثابت بشدّته وكتلته, على الرغم من تداول فاعليه على ذات السلطة, يقابله الكفاح المسلح كردّ فعل يُفترض أن يكون مساويًا لذاك الفعل بالشدّة ومعاكسًا له بالاتجاه, في معادلة فيزيائية مقرورة, ولكن الحقيقة لا توازي النتيجة في مجتمع يقترض ويقلّد تجارب مجتمعات أخرى تختلف عنه في كل شيء ولا تتساوى معه إلا بالظلم الواقع على كليهما. حول هذا الموضوع تحديدًا يبثنا الغربي عمران أفكارَه التي قد نتفق معه فيها أو نختلف, لا يهم, فلا سلطة لأحد على أفكار مُؤتَمنة.
وتلك بؤرة الأديب التي تحوي الأرضية CITION)) المدروسة بشكل متوازن بين التماسكCOHESION والترابط COHERENCE بين أجزاء النص, حيث تبرز روايته بحيثية نص متكامل في البناء الفني والجمالي.
أما بؤرة النص – وأعني هنا (مصحف أحمر)- فهي تبحث في جوهر التطرّف, التطرّف في كل شيء, سلبي أم إيجابي, فنسبية أينشتاين أقرّت فلسفة الثنائيات في الفلسفة العامة, بتثبيت جانبين متناحرين واحدهما يبرز الآخر, كم من أسود يُبرِز أبيض, وكم من طويل يبرز قصير... ,هكذا, ويثبت الجانبين المرئيين والملموسين بما يقابلها من اللامرئيات بنظرة واقعية ذرائعيًّا, وأي مغالاة في أيّ من قطبَي تلك الثنائيات هي تطرّف.
المستوى المتحرّك:
إن المغالاة في قطبي تلك الثنائيات ( التطرّف) برزت جليًّا في الشخصيات التي اختارها الكاتب بعناية لتمثّل كل التيارات المتصارعة, ف ( سمبرية) حينما تطرّفت في تيارها الاشتراكي – وكان وقتها من أبرز التيارات التي تبنّتها حركات التحرّر الأممية- مارست الفاحشة ( السحاق) وشذّت جنسيًّا, وإيمانها أنه من ضمن الحريات, رغم أن نشأتها كان نشأة ملتزمة دينيّا, والحال ذاته عند (فطمينا) وهي أم الشيخ, وعند خادمتها (شخمنا), وكانتا تنتميان للتيار السلفي, انتماء نشأة فقط, ولربّما عانتا من التهميش والتجهيل والتسطيح والتبعية, النشأة التي أقصت المرأة إقصاءً مقصودًا في مجتمع ذكوري بحت, تحت سلطة الدين والقوامة, ولا يبتعد( تُبعة) عن ذات التطرّف عندما انقاد واستسلم – وهو الغرّ- للممارسات الجنسية الشاذة لمن يسمي نفسه ب(مولانا), الذي كان متخفيّا تحت خيمة الدَرْوَشة الصوفية, في محاولاته الغريبة في استمناء الفتى, ليكشف لنا الكاتب أن هذا الرجل( مولانا) فاقد لعضوه الذكري, مبرّرًا ومشبّهًا ممارساته الشاذة تلك - والتي هي نوع من الاعتداء الجنسي- بمداعبة الأم لطفلها حتى يهدأ, فالحوار الدائر بين الفتى (تُبعة) ومن يلقبونه ب( مولانا), ينقل لنا عبره الكاتب المغالاة في فلسفة الامتلاك:
- مولانا لا أستطيع أن أنام إن داعبني أحد.
- حتى لو تزوّجت؟
صدمني بمنطقه العجيب.. استجمعت شتات فكري.. هل أحدّثه بجنون هذه الظلمة .. أم بنور خوفي؟
- حتى لو تزوّجت.
- ما الضير إن داعبتك.. أتراني ضارًّا ؟
- لكن المداعبة ترهقني.
- الأم حين ترضع وليدها تداعبه بأصابعها.. هل ترهقه؟ ... صفحة 95
- .... فقط بعض الوقت وأتركك بعد ذلك لتنام .. أنت تمنحي متعة عظيمة .. إحساس بالامتلاك .. أنا لا أفكر كما يفكر الآخرون .. ولا أريد أذية أحد.... صفحة 96
لنجد أن نظرية سيغموند فرويد في إحالة السلوكيات البشرية إلى الجنس حاضرة وبشدّة عند الكثير من الشخصيات في هذه الرواية, هنا يفتح الكاتب (تابو الجنس) بإيحاءات ذكية ومبرّرات فلسفية ومنطقية لمتقضى الأرضية أو التربة النفسية البور, العطشى لأي ماء حتى ولو كان عكرًا, كل من أُجبِر على الوقوع تحت وطأة هذا الشذوذ صار عبدًا لثنائية: الجسد ( غريزة الجنس), والمعتقد الذي يعتنقه الشريك ( شخنما – مولانا), وكلا الشريكين يدعو ضحيّته إلى تقليده, مولانا كان من أهل الله بظاهر المعيشة, لكنه على علاقة بالجبهة الوطنية, كأحد عناصر استخباراتهم, وقد استعبد تُبعة وأوقعه في شرك معتقده :
يقول تُبعة :
شعرت بأني أسير لهذا الرجل ...صفحة 95
قال لي ( مولانا): - انظر هيئتي .. قلّدني في كل شيء .....صفحة 89

أما شخمنا فخادمة عند أم الشيخ السلفي, تتبع سيدتها بشذوذها, وتستعبد سمبرية بتفجير غزائز الجنس المشبوب في جسدها الجائع, تقول سمبرية:
أنامل شخمنا تجوس بشرتي.. همس ماجن .. فقدت السيطرة على خجلي.. انكفأت على جسدي .. تهمس في أذني بكلمات لا يجيدها أفحش الذكور .. كلمات تستثير غرائزي .. تدعوني إلى تقليدها ... صفحة 313
الكاتب لا يستهجن, وإنما يضعنا في موضع الحكم, ومع توالي الصفحات -وبشكل غير مباشر- يشارك القارئ في الاستهجان, وبشجن غريب.
ومضة من ضمير تجتاح عقل سمبرية, لكنها سرعان ما تخبو, بعد أن استمرأت الشذوذ, وعاشت في فوضى المشاعر الإنسانية, وأغارت على غرائز الأنثى فغيّرتها, طارحة سؤالها الفلسفي, موحية بإجابة لا تنطقها صراحة:
داهمني شعور مخيف, شعور من فقدت توازنها, من تقف على مفترق طرق, قيم تهتز, ومشاعر تتولّد, أجلس إلى أمي بشعور مغاير, أنظر إلى من حولي بمشاعر مختلفة, أسير في الشوارع بقلب جديد, أتأمل العابرات كما لو لم أعد أنثى, أعشق تقاطيع بعض الأجساد ... أسير بين الجموع بنظرات مختلفة, أسأل نفسي : ماذا لو تجاوزت النساء عقد الجسد بالمزيد من تدليله؟
لم يتورّع عن دخول (تابو الدين) –والتابو بولونيزية تطلق على المحظور في نظر المجتمع - ونفذ نفوذَ الشعرة من العجين من بين الديانات الثلاث, اليهودية و المسيحية والإسلامية, دون أن يخدش شيئًا فيها, ولاحتى من قشرتها, وتلك براعة فكرية سردية أدبية تُحسب لهذا الكاتب العملاق, وحتى المعتقدات الوضعية لم يتناولها إلّا بحذر شديد, متمسّكًا بشعار أطلقه على لسان الجدّ (العطوي)المقاوم: أنا مؤمن, ولست مسلمًا,لأن الإيمان أشمل وأعلى من الإسلام, والإحسان أعلى من الإيمان, وتلك نظرة إنسانية بالدرجة الأولى, تتجاوز المنظور الديني, هذا القول مسنود إلى الآية الكريمة في سورة الحجرات:} قالتِ الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخلِ الإيمان قلوبكم{, ملخص دعوته كانت فصل الدين عن السلطة, فكان علمانيًّا بامتياز.
يتحدّث خادم المسجد عن العطوي صاحب المصحف الأحمر الذي جمع فيه التوراة والإنجيل والقرآن, قائلًا:
... لم يكن العطوي يتبع مذهبًا بعينه, ولم يكن الحوار معه تقليديًّا, أعلن لهم منذ البداية أنه يستوعب الإسلام كما يستوعب اليهودية ومثلها المسيحية, يصف نفسه بالمؤمن وليس بالمسلم, ويبرر لهم أن الإسلام جزء من الإيمان وأن الإيمان اختص به أولو العلم والحكمة وسعة الاطلاع, والإسلام اختص به العامة من الناس, لم يكن العطوي يشبه أحدًا ممن سبقوه, كان تأثيره على من جاءوا بهم من رجال الدين واضحًا, بل أن أحدهم طلب منه بقوله : زدنا. ... صفحة 353
كان مصحفه الضخم الذي يحمله معه مثار اهتمام الجميع, حين اكتشفوا أن ذلك الرجل يهتم بمعتقدات شتى, منها مبادئ لديانات عدة.. ومنها: الزرادشتية.. الصابئة.. البوذية.. الكنفيشوسية.. والمانوية .. وقد حاول مقارنة نصوصها بالكتب السماوية.. ما خطّه على هوامش صفحات مصحفه الأحمر.... صفحة 354
وقد لبس الغربي عمران الرداء السياسي بطريقة أنيقة, تناول فيها حيثيات الصراع السلطوي في بلاده, المتجذّر من الإمامة إلى النظام الجمهوري, ويراه بعدًا واسعًا غير قابلٍ للتحقيق إلّا بفرض الفوضى المتولدة من شيوع المصلحة والتشرذم الاجتماعي, والبحث عن المنصب, والالتصاق الديني, مبرزًا ذلك بالقيمة القدسية الكبيرة المعطاة للتيار السلفي المرتبط بمصلحة السلطة السياسية ارتباطًا وثيقًا, ما جعل للتيار الديني اليد الطولى للتسلط والطغيان على أفراد الشعب, فكان صراعًا داميًا بين طرفين غير متكافئين, السلطة السياسية والسلطة الدينية ومن يؤيّدهما, وأفراد الشعب من الأمميّين الذين أبهرتهم حركات التحرّر في العالم, وتحديدًا الثورية الاشتراكية بأفكارها التي كانت تقليعة في ذلك العصر, وكانت النتيجة مزرية لكلا الطرفين, فقد على أثرها الوطن الكثير من أبنائه, حدث هذا في وطنه بشكل قاس جدًّا, في فترة السبعينات في محاولة توحيد شطري اليمن, والتي انتهت في أواخر مارس من العام 1979بتوقيع اتفاق الكويت لإنهاء النزاع, وما زال الصراع مستمرًا في بلده باختلاف أطراف الصراع, صراع لا يقبله وطني علماني كالغربي عمران, فكان وطنيًّا بامتياز أيضًا, ولكنه وطنيّ مُغيّب برمزية اختفاء البطل (العطوي) مسجونًا طوال حقبتين طويلتين من الزمن في السراديب السرية للنظام الحاكم, طوال فترة السبعينات من القرن العشرين, ثم بداية الألفية الثالثة من القرن الحالي الحادي والعشرين. وهذا انعكاس سردي وفكري يضعه الكاتب في كينونة الجد البطل ( العطوي) لما يحمل في صندوقه العقلي من أفكار تنويرية يرفضها المجتمع العربي.
تقول سمبرية في مذكراتها كاشفة نفاق السلطة الحاكمة في العام 2006:
.... أبرزت وسائل الإعلام الرسمية زيارة البعثة ( بعثة أوروبية مهتمة بالحقوف الديمقراطية والجندر) لليمن وإشادتها بالمناخ الديمقراطي وما تحقق للمرأة في عصر الوحدة .. أبرزت صحف المعارضة زيارة البعثة لمجموعة من السجون في عدة مدن مدعمة بالصور .. ومنها صنعاء وتقريرها عن أوضاع المساجين خاصة في السجون السرية .. زارت عدة مخيمات للاجئين الأفارقة في عدن.. بعد أن أكملت البعثة زيارتها لليمن استقبلها الرئيس .. الذي أكد بأن اليمن خالية من أي سجين سياسي..... صفحة 355
وأما عن العمالة والنفاق السياسي الذي تفشّى بين أفراد الجماعات الثورية, والتي هزمتها الخيانات المتكررة للقيادات التي كانت تحكمها وتأتمر بأوامرها, وتُوقِف تقدّمها كلّما قاربت النصر, فقد تشرذمت وفقدت مصداقيتها, وبدت مساقة كغيرها من الحركات الهزيلة وراء أطماعها السلطوية, التي لم تفلح باقتناص إلّا الغث منها, تقول سمبرية في مذكراتها أو رسائلها التي لم ترسلها لابنها ( حنظلة) لأنها أصلًا لا تعرف عنوانه:
تبعة انتظمت أخباره.. صحف معارضة .. ذكرت قبل عدة أسابيع أن مجموعة من الأحزاب الصغيرة قد أعلنت تشكيل تحالف وطني فيما بينها .. وأنها أعدت برنامج حوار سياسي مع مختلف الأحزاب الأخرى..... فجأة ظهر تبعة على شاشة القناة الأولى ليعلن في مؤتمر صحفي عن دخول التحالف في حوار سياسي مع حزب السلطة عن طريق التحالف معه.. لأول مرة أشاهد تبعة منذ وداعك .. كان كالأراجوز..كرافته حمراء ..كوت فضفاض.. وجه استعاد عافيته أو هكذا بدا لي..يلعن في كلماته الرفاق السابقين .. يتهمهم بالعمالة. .... صفحة 357
ونظر الغربي عمران إلى المستقبل, فتناول الفوضى (الهدّامة) وليس الخلّاقة- كما أسمَوها- التي حرّكت جميع الأطراف, وكان التطرّف المذهبي والطائفي أهم منعكس سلبي, حيث انعكس على السياسة الحقيقية, وجعلها ادعاءات وصولية لبلوغ السلطة, وتلك صبغة عربية شاملة أرست دعائم التفكك في المجتمعات العربية, واستمرار رهيب للتشظي فيها, بعد أن سمح هذا التيار المساق من دول الهيمنة الغربية إلى تكوين فئات مناوئة للعروبة والأوطان, وأنتجت حروبًا بالوكالة والنيابة, ولا تزال تنهش في جسد الطفل العربي والجيل العربي المعاصر بشكل عام, فجاء ( حنظلة) -سليل الأم ( سمبرية) والأب (تُبعة) الاشتراكيين- بشهادة (متطرّف إرهابي داعشي) مطلوب لوكالات استخباراتية دولية لأكثر من بلد, قام بأعمال إرهابية فيها, بدلًا من أن يأتيهم بشهادة الطب التي أرسلاه من أجلها للدراسة في العراق, معرّجًا على حرب العراق في العام 2003 التي أنتجت بشكل عام الدمار والموت والهجرة والتهجير, ليكتمل الخراب بربيع عربي حصد الأخضر واليابس في بلاد اليمن وسوريا والعراق وليبيا وتونس.
يقودني ذلك إلى استنتاج هام : أن الفكر الذي يحمله الكاتب الغربي عمران متسلسل من لجانب منطقي يتعاكس مع سلوك المجتمع العربي المتردي الحالي, وهذا يقودنا نحو تناقض رهيب سوداوي الملامح اصوره الكاتب بعمق عبقري إنساني على أداء شخصياته السالفة الذكر.
تقول سمبرية في آخر رسالة لابنها حنظلة :
شخنما زارتني مؤخرًا وأخبرتني أنها سمعت بأن اسمك ورد ضمن أسماء وصور عرضتها إحدى القنوات الفضائية لمطلوبين من قِبل عدة دوائر استخباراتية .. قالت أنهم رصدوا جائزة مالية مغرية لمن يدلي بمعلومات عنك وعن زملائك.. بعد عملية تفجير إحدى السفارات هناك في دولة بعيدة.

من عادة الغربي عمران أن يومض ومضةَ أمل لم أجدها في هذا العمل, إلّا إن كانت أمنية (سمبرية) قابلة للتحقق, وما أظنها تتحقق في هذا الجيل, إلا إذا قامت ثورة فكرية ثقافية واعية مدروسة على أرضية الواقع العربي وليست مستمدة من تجارب شعوب أخرى مختلفة عنّا.
تقول سمبرية وهي التي قامت بمهمة السارد عبر رسائلها لابنها (حنظلة) والتي كانت اقرب إلى المذكرات منها إلى الرسائل, يساندها تبعة برسائل كان يرسلها لها ليجعلنا نقف على أحداث لم تشهدها سمبرية, في تكنيك سردي منطقي, طالما أن الكاتب لم يستخدم السارد العليم, وإنما اختار السرد ووحّده بتقنية الرسائل والمذكرات التي لا تخلو من المونولوج الداخلي الذي أنهى فيه الكاتب الرواية :
لم يعد لوجودي معنى إلا بوجودك .. سأظل أنتظرك بعد مغيب كل شمس عند فراش أمي.. وسأواصل الكتابة إليك.. سأكتب كل التفاصيل الصغيرة دون تنميق.. ولا خوف .. سأكتب كل مشاعري .. وسأتخيّل طرقات كفّك على الباب .. وأتخيّل وجودك جواري.

الأسلوب والتقنيات السردية والجمال:
استخدم الغربي في سرده تقنية الرسائل, بأسلوب السهل الممتنع, وهو من أرقى درجات الأسلوب الواقعي, كما استخدم الأسلوب التقريري المباشر عند حديثه عن الأحداث السياسية.
التشويق يبدأ عنده من العنوان ويستولي على مساحة التشابك السردي كليًّا حتى النهاية, متنقلًا بخفة بين المحاور السردية الثلاث( محور التوليد ومحور التكوين ومحور المعارضة ) حتى يصل بنا بتشابك صراعي إلى نقطة الذروة ثم ينفرج بشكل مفتوح ليتماهى مع الوقائع التي لا تزال تحدث ضمن منطق الحقيقة ومنطق السرد, فهنا حقق الكاتب العبقري حقيقة الثلاثية السردية الذرائعية وهي : أن الحياة أوسع من الأحداث لذلك الأحداث تعيد نفسها بشكل ثلاثي, بين أحداث الحياة وتجربة الكاتب وتجارب الناس, لذلك ينتقل بشكل راق بين الزمن الماضي والحاضر لتحقيق تلك الثلاثية المشتركة بين الواقع والسرد, مستخدمًا تقنيات سردية متنوعة, وكان للحوار مساحة- وإن صغرت- لكنها جاءت بتوظيف متمكّن, حوارات قصيرة فصيحة, وملخصة لسرد الكثير من الأحداث...
عندما قرأت الوصف الجميل للأمكنة, الجبال والحصون والأغوار والوديان والجروف, تخيلتها, وبحثت عبر النت عن صور لهذه التضاريس اليمنية, واندهشت عندما وجدتها مطابقة تمامًا للوصف الذي قرأته وتخيلته.
حصن عرفطة يوم ولدت.. حصن يضم عشرات الأسر .. يقف وحيدًا على لسان صخري.. يشرف على فضاء وادي سحيق.. تتفرع حوله الوديان الغائرة.. سكانه في تكاثر دائم منذ مئات السنين.. مساكنهم شبيهة بأعشاش الطيور.. تتداخل في جهات وتتبعثر في جهات أخرى .. دور متلاصقة .. طوابق متداخلة.. أسطح في مناسيب مختلفة .. يدخل السكان ويخرجون من بابه الكبير .. يسيرون في أوردته المتعددة .. أزقة وزرائب.. سلالم حجرية في كل اتجاه .... صفحة 30
الخلفية الأخلاقية:
أما عن الخلفية الأخلاقية فلم يَحد الكاتب عن المنظومة العالمية, فلم يدعُ إلى طائفية ولا إلى عرقية أو عنصرية ولم يخرق منظومة الأعراف ولا العقائد, بل سلّط الضوء على أخطار التطرّف نابذًا إياه بكل أشكاله.
في الختام :
أحيي أديب الغربي عمران على هذا العمل, متمنية له المزيد من الإصدارات الإبداعية.
#دعبيرخالديحيي
6مارس 2020



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن الرسالة في الأدب السردي دراسة ذرائعية مستقطعة رواية (شاعر ...
- طهارة
- ديموغرافية أدب الرحلة في النص الموازي المعنون ب ( الملتقى) ل ...
- تشذّي الذّات و انتصارها للوجود و الوطن دراسة تحليليّة ذرائعي ...
- / سيدات القمر/ بين البحث والروي
- ستة أيام في تونس الخضراء
- النضوج الأدبي وانعكاساته التربوية في قلم الكاتبة المصرية سحر ...
- التشخيص والأنسنة تجربة رائدة في عالم الفانتازيا السردية _ در ...
- أدب الحرب في السرد القصصي واجهة للثقافة العراقية... قراة نقد ...
- البوكر .. إلى أين ؟
- لعبة الكر والفر دراسة ذرائعية مستقطعة لرواية/على فراش طاغية/ ...
- كتلة.. وفراغ
- لبينيّة السردية في رواية /ابن آني/ للكاتب المصري أحمد فؤاد د ...
- السرد والأسلوب بمنظور ذرائعي
- فراق...أم لقاء...؟
- إلى عملاقة شعر اسمها ريتا
- إشهار موسوعة الذرائعية
- سفر في أزرق الفنان التشكيلي محمود سعيد عبر رواية ( اللون الع ...
- مستوى التبئير الذرائعي
- عالم من البارادوكس في ديوان ( دروب) للشاعر اللبناني سلمان زي ...


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - التطرف الجنسي والديني والسياسي وأثره في المجتمع العربي دراسة ذرائعية مستقطعة عن رواية( مصحف احمر) للروائي اليمني الغربي عمران تقدمها الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي