|
مدينة الثورة والاشكال الأولية للدين-القسم الرابع
صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن-العدد: 6651 - 2020 / 8 / 19 - 13:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
((ان الانسان يلجأ للسحر حينما لا يكون بمقدوره السيطرة على الظروف والمصادفات من خلال المعرفة)) برونسيلاف مالينوفسكي 1884-1942. معروف عن مدينة الثورة انها تشتهر بأسواقها الكبيرة، والتي تمتد لمسافات طويلة، وكثرة هذه الأسواق جاءت بسبب البطالة الهائلة، والمنتشرة بين أوساط الشباب، وتدني المستوى المعيشي فيها، فتجد الشباب يفترشون الأرض هناك لبيع كل شيء، وقد يكون سوق "مريدي" هو الأشهر والابرز من بين جميع الأسواق، ويعود السبب في ذلك الى عدة قضايا، منها، توسطه لمدينة الثورة، وعدم محدودية المكان فيه، فهو في كل سنة يمتد ويتمدد أكثر فأكثر، وأيضا لعدم قدرة السلطات على ضبطه او مراقبته، ولفائدته بالنسبة للقوى المسيطرة على المدينة "الميليشيات"، كونه يعد الشريان الرئيس لتجار السلاح وتزوير الأوراق الرسمية، وأيضا فهو يخلو من أي شكل من اشكال الضرائب. عند التجول في هذا السوق ستجد انه مقسم الى أجزاء، فتجد جزء منه يختص بالأخشاب والموبيليا، واخر يبيع الملابس والاحذية، وهناك تجد مجموعة المزورين، وفي ذاك الجانب تجد تجار السلاح، وقسم اخر للصحيات، وهناك سوق كبير للطيور "المطيرچية"، وهناك سوق الدراجات الهوائية "البايسكلات والتكاتك"، وهناك جماعة الهواتف "الموبايلات"، وقسم للمواد الغذائية، واخر للفرش والاغطية والسجاد، وسوق للأجهزة الكهربائية، وفي بداية السوق تجد بعض المشترين للبضائع القديمة والجديدة "العتاگة"، وبين هؤلاء يدور فتية صغار يبيعوا أكياس النايلون "علاليگ"، وتنتشر عربات الطعام "الفلافل، والفشافيش"، وعربات العصائر "الشربت" وعربات الايس كريم، وهناك الكثير ممن يفترش الأرض ليبيع أشياء مستهلكة تماما "مفك براغي "درنفيس"، أقراص سي دي، عدد كهربائية صدئة، صحيات قديمة، اغلفة هواتف مهشمة" وغيرها الكثير من السلع التي فقدت كل قيمة لها، وهناك أيضا يدور بين هذه الجماهير المتسوقة والبائعة، مجموعة السراق، او ما يسمى بالعامية "النگرية"، وهم احدى العلامات المميزة لهذا السوق. وسط هذا الصخب اليومي، من عمليات البيع والشراء والمقايضة والتبادل والسرقة، هنالك في داخل هذا السوق قسم بيع "الخرز والحصى والسبح والخواتم والادعية والتمائم"، وقد ازدهر هذا الجزء بعد احداث 2003، وكانت هناك عدة اسباب في ازدهاره، أولهما البطالة العالية جدا، والتي دعت الناس لتستنجد بالأشياء الجامدة في معيشتها ومشاكلها، فقد اضافوا لها قوى روحية فاعلة، والسبب الثاني سيطرة القوى الدينية على هذه المدينة "ميليشيا جيش المهدي"، والتي عززت ورسخت من هذا الفهم عند الناس، وأيضا فأن المعطلين عن العمل بدأوا يفكرون في صناعة فرص عمل لهم. في هذا الجزء من السوق تشاهد الكثير من الحصى المختلفة الاشكال والألوان، وهي مصنفة عند الباعة، فمثلا هذه الحصى "للرزق" او تلك تحميك من العيارات النارية او هذا الخاتم سيقوي من شخصيتك او تلك الحصى ستحفظك من المسائلة القانونية، او هذا عظم الهدهد الذي يأتي اليك بالمرأة الخ. وبيع الحصى والخواتم منتشر بشكل واسع في مدينة الثورة، وقد يكون اقتناء الناس لهذه الجمادات جزء من بقايا ديانة بدائية جدا، أطلق عليها الأنثروبولوجي البريطاني ادوارد تايلور1832-1917 تسمية "الاحيائية" او "الأرواحية"، ويعرفها شاكر مصطفى سليم في قاموسه الموسع بأنها: ((الاعتقاد بوجود كائن روحي منفصل عن الجسد، يحل في كل شيء، ويستطيع هذا الكائن الروحي ان يؤثر في الاحداث ويسيطر عليها، اما بصورة مباشرة، او بواسطة الاشباح والسحرة)) والسحرة و "فتاحي الفأل" موجودون بكثرة، ووصفاتهم جاهزة، قطعة قماش خضراء "العلگ"، او كتابة ورقة فيها كلمات غير مفهومة "تميمة"، او مجموعة احجار او حصى بأشكال مختلفة، او عين الحسد التي دائما ما تعلق على البيوت او صدور الأطفال. ان الواقع المعيشي المزري في مدينة الثورة، وسيطرة القوى الدينية المسلحة، وغياب البنية التحتية بشكل شبه تام، كل تلك العوامل جعلت من الناس تلجأ الى الخرافة والسحر، وتعود الى اشكال بدائية من الدين، وكل ذلك الواقع يخدم الميليشيات المسيطرة، فالوعي يشكل خطرا عليها، بالتالي فأن ادامة هذا الوضع ومحاولة تأبيده في مصلحة سلطة الإسلام السياسي وميليشياتها. يتبع لطفا....
#صوت_الانتفاضة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدينة الثورة والاشكال الأولية للدين-القسم الثالث
-
مدينة الثورة والاشكال الأولية للدين-القسم الثاني
-
مدينة الثورة- الاشكال الاولية للدين
-
الطابع الفاشي لنظام الإسلام السياسي في العراق-القسم الثاني
-
الطابع الفاشي لنظام الإسلام السياسي في العراق-القسم الاول
-
-المرجعية- - صمام امان- لمن؟
-
مرشح التواثي -الشهيد الحي- ولابسي الاكفان- الانجازات
-
لحظة اختطاف- لحظة اغتيال- لقاء تلفزيوني
-
الإسلاميون ضد الفن والحياة
-
الاغتصاب وبراءة المغتصب مستمر في ظل حكم الإسلام السياسي
-
وتستمر اللعبة- أوهام إصلاحات الكاظمي وصدق الصور الشخصية له
-
مثقفو سلطة الإسلام السياسي الفاشي- علي وجيه أنموذجا
-
السيادة بين السيرام والصواريخ السبب والنتيجة
-
الهذيان حول -نهاية اللادولة-
-
لا لحكم الميليشيات والعصابات وداعا هشام الهاشمي
-
-التغليس- و -جرة الاذن- فلسفة حكم سلطة الإسلام السياسي
-
قضايا ساخرة -هيبة الدولة-
-
انتهت المسرحية واٌسدل الستار
-
كلمة حول خطاب قيس الخزعلي
-
ما هي حركة جهاز مكافحة الإرهاب الأخيرة؟
المزيد.....
-
عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف
...
-
يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس
...
-
الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
-
-أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل
...
-
ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
-
توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
-
مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل
...
-
إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش
...
-
-بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل
...
-
عضو بمجلس الفتوى ببريطانيا يدعو مسلمي الغرب للتمسك بدينهم وب
...
المزيد.....
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
-
التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا
...
/ علي أسعد وطفة
المزيد.....
|