أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - فاروق الفيشاوي.. طائر الكناريا الذي حلق بعيداً














المزيد.....

فاروق الفيشاوي.. طائر الكناريا الذي حلق بعيداً


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


قبل أيام مرت الذكرى الأولى لرحيل الفنان الوسيم والممثل القدير فاروق الفيشاوي، بعد صراع مع مرض السرطان الذي هاجمه قبل عام. ورغم أنه قد وعد أصدقاءه ومحبيه بالصمود ومقارعة المرض والتغلب عليه، إلا انه للأسف لم ينجح في ذلك ودخل في غيبوبة إنتهت برحيله، ليضيف حلقة أخرى الى مسلسل الرحيل الذي بدأ منذ سنوات لإيقونات مرحلة زمنية أغنَت ذاكرتنا الثقافية والفنية بإبداعها وتركت فيها بصمة لا تمحى مهما طال الزمن.

كان الراحل موهوباً ومبدعاً في التمثيل، وترك فيه إرثاً خالداً من الأعمال التي برع في أداء أدوارها بأستاذية. سواء كبطل مطلق في عز شبابه، حينما كان فتى لا ينازع من فتيان الشاشة، كأدواره في أفلام "الباطنية" و"وحوش الميناء" و"نأسف لهذا الخطأ" و"الكف" و"الأستاذ يعرف أكثر". أو كبطل ثاني، وهو الدور الذي لم يخجل من أداءه والظهور فيه مرات عديدة، حتى يوم كان في عز نجوميته، كدوره في فيلم "المشبوه" مع النجم عادل امام. أو كضيف شرف، حين تقدم به العمر، كدوره في مسلسل "راس الغول" مع رفيق دربه وصديق عمره محمود عبد العزيز الذي سبقه في الرحيل. لكن ما مَيّز الفيشاوي، بالإضافة لموهبته ووسامته وتلقائيته، هو إبداعه بين الحين والآخر بأداء أعمال تلفزيونية كانت مشغولة بحرفية من ناحية صياغة الأفكار والحبكة الدرامية، تناوَلت قيَم إنسانية يبدو أنها كانت شغله الشاغل الذي يؤرقه، والذي ترك أثره على شخصيته في مراحل مختلفة من حياته، فقد جَسّد فيها أدواراً كانت على ما يبدو قريبة من شخصيته العاطفية المثالية اللامنتمية لواقعها والمتمردة عليه وعلى قيمه المتناقضة. أبرزها دوره المفرط برومانسيته في مسلسل "غوايش" مع الفنانة الشاملة صفاء أبو السعود. أو دوره في مسلسل "كناريا" الذي لعب فيه دور رجل حالم كطائر الكناريا، يعشق الإستقلالية ويرفض الوصاية من أحد أياً كان، سواء كمجتمع أو كسُلطة، مما تسبب له بمشاكل معهما. أو دوره مع زميليه صلاح السعدني ومحمد وفيق في مسلسل "الأصدقاء" الذي يتحدث عن قيم الصداقة ومعانيها السامية، وما يمكن أن تواجهه من تحدّيات تكشف مدى صدقها ورسوخها بنفوس الأصدقاء. هذا بالإضافة لدور مُمَيّز لعبه بمسلسل عرض في الثمانينات عن شاب درس العزف على آلة القانون، وواجه بسبب ذلك الكثير من المشاكل مع المجتمع الذي لم يفهمه أحياناً، وكان يخلط بين القانون كآلة موسيقية أو كعِلم لوضع الأسس التي تنظم سلوك أفراد المجتمع، لدرجة تعيينه بوظيفة إدارية لا تتعلق بالموسيقى بل بالقانون، أو كان يَستَهزيء به في أحيان آخرى بسبب نظرته للفن ومن يمتهنه كحرفة، رغم أننا نتحدث عن أكثر مجتمعاتنا العربية حباً للفن. وإذا ربطنا بين هذه الأدوار وما عُرِف عن شخصيته، سنجد بأن اختياره لها لم يكن إعتباطياً، بل أراد أن يبعث من خلاله رسالة الى مجتمعه، وقد نجح في ذلك الى حد ما، كما فعل الفنان الأسطورة الراحل محمود مرسي في مسلسلي "أبو العلا البشري" و"العائلة" أو فيلم "حد السيف" مثلاً.

طبيعة شخصيته المثالية والعاطفية هذه هي التي قادته على الأغلب الى الكثير من النجاحات أو الانتكاسات. النجاحات تمثلت في كم هائل من الأعمال الناجحة والمتميزة والخالدة في سفر الفن وفي نفوس عشاقه. أما الإنتكاسات فأبرزها ربما هي إنتكاسة إدمانه شاباً، وفي عِز نجوميته، للمخدرات بسبب ضغوط الحياة وتناقضات المجتمع التي لم تتحملها شخصيته المثالية الحساسة. أو زيارته في السنوات الأخيرة لسوريا مع مجموعة من زملاءه الفنانين، ولقائهم ببشار الأسد، والتي وصفها هو نفسه فيما بعد بأنها كانت خطأ كبير. أو وقوعه في فخ هيئة مليشيات الحشد الشعبي في العراق، واستجابته مع مجموعة من زملاءه الفنانين لدعوتها لهم قبل سنوات لحضور ما يُسمى بمهرجان الغدير، الذي نظمته هذه الهيئة ذات الأجندة الإيرانية بهدف ظاهره الإحتفال بعيد الغدير، وباطنه الترويج لمنظومتها الهجينة.

كان الفنان الراحل أشبه بطائر الكناريا الذي وضع في قفص قَيّد شخصيته المُتمردة وروحه المشاغبة، ولأن الكناريا لا يصمد في قفصه أكثر من 15 سنة، لم يصمد فاروق الفيشاوي في قفص الحياة وسجن المجتمع أكثر من 67 سنة، ورحل عنه مبكراً بعد صولات وجولات عاشها فيه مشاغباً وثائراً ضد قيَمه وتقاليده. ولهذا ربما لم يتحمل أيضاً قفص الزوجية، رغم موقف الفنانة سمية الألفي الإنساني معه خلال مِحنته مع إدمان المخدرات وتعافيه منها، لكن روح الطائر التي كانت السبب في إنفصاله عنها هي ربما نفسها التي دفعته الى يبقى صديقاً مُخلصاً لها طوال الحياة حتى بعد إنفصالهما، والى أن يقف معها، كما فعلت هي، في مِحنة مرَضها ورحلة شِفائها منه، والتي رافقها فيها لحظة بلحظة.

هكذا كان فاروق الفيشاوي، وهكذا عاش حياته، وهكذا ظل حتى اللحظات الأخيرة منها ثم رحل عنها، وهكذا يفترض بنا أن ننظر الى شخصيته بكل إيجابياتها وسلبياتها، على أن لا ننسى بأنه كان وسيظل فنان في المقام الأول والأخير، وشخصية الفنان عادة مُرهفة وتَقبَل التناقضات، وحُكمنا في النهاية يفترض أن يكون على إبداعه وما ترَكه من سِفر فني، وليس على تناقضات شخصيته وتقلباتها. ومن هذه الناحية كان فاروق الفيشاوي، وبكل تأكيد، متميزاً وبجدارة تستحق منا أن نبقى نتذكره دائماً بكل خير، وأن نتمنى لروحه النقية أن تحظى بالطمأنينة والسلام في رحلتها الأبدية الى عالم آخر قد يكون أكثر سلاماً وتصالحاً معها من عالمنا هذا.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المايسترو إنيو موريكوني .. هدية الموسيقى الى السينما
- أوركسترا دار الحفلات الموسيقية تحتفل مع قائدها إشنباخ بعيد م ...
- إنقلاب المالكي 2010 الذي أضاع مستقبل العراق
- مأزق ثورة تشرين العراقية الذي يُمَيّزها!
- وصِيّة الخميني التي نَفّذها له العراقيون بِقَصد أو سَذاجة
- بين وفاء التونسيين للسَبسي وجحود العراقيين للباجه جي
- تظاهرات الشارع العراقي بين الواقع والطموح
- -سلام عليك- هل هو نشيد وطني أم أغنية وطنية ودينية!
- السُلطة بين مَدينية عَلاوي والعبادي، وتَرَيّف الجعفري والمال ...
- الأبداع لا يَصنع النهضة في عَصر إنتكاسة الوعي!
- إستفتاء البرزاني وإستقالة الحريري
- داعش والحشد، عتلتان تُعَشِّقان بعضهما في مشروع فارسي واحد
- الفكر الديني يواجه بفكر ليبرالي محايد لا بضِد إلحادي!
- إنسانية الفرد أبقى له من دينه ومَذهبه وعِرقه!
- دفورجاك.. فتى بوهيميا الذي أبهَر العالم الجديد فأبهَره
- يوم الروما وحقوق المواطنة!
- أزمة الوعي العراقي.. (4) الوعي العراقي ونزوعه للإستبداد
- مصطلح حَواضِن الإرهاب في العراق، والكيل بمِكيالين!
- كونشيرتو الكمان الأول لماكس بروخ.. أوبرا بلا كلمات
- اليَسار العراقي.. الدَور الخطأ في الزمان الصَح، والدَور الصَ ...


المزيد.....




- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى القرة داغي - فاروق الفيشاوي.. طائر الكناريا الذي حلق بعيداً