أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - ما أغفله النقاش حول -آيا صوفيا-














المزيد.....

ما أغفله النقاش حول -آيا صوفيا-


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 16:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السجال الذي أثاره تحويل كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجد لم يلامس جوهر الموضوع وزاغ عن الدرس العميق الذي كان ينبغي تعلمه من مثل هذه الأخطاء التاريخية، فسواء الذين كانوا مع ما أقدم عليه "إردوغان" أو كانوا ضدّه، فإن أحدا لم ينتبه إلى أن هذا العمل حدث في 2020، بينما تحويل مساجد المسلمين إلى كنائس حدث بإسبانيا مثلا قبل أربعة قرون، ولا أحد يتصور أن تقوم إسبانيا اليوم بفعل ذلك، لأن الكلّ يعرف بأن الدول الأوروبية تعيش في سياق قيمي وفكري مغاير كليا لقرونها الوسطى، بينما ما زال المسلمون يعيشون على أخطاء الماضي ويعتبرون تكرارها فتحا عظيما. فالعواطف التي واكبت تدشين "آية صوفيا" مسجدا كلها تعبر عن مقدار حنين المسلمين إلى الماضي، وحجم انغماسهم في نزعة الانتقام من التفوق الغربي باعتماد عقيدتهم فقط.
إن تحويل المساجد إلى كنائس وتحويل الكنائس إلى مساجد أو هدم المعابد المخالفة لدين المنتصر هي عادة قديمة تعود إلى عصور كان فيها أساس التوسع الأمبراطوري دينيا، وكانت الشرعية السياسية دينية بالأساس، وكان الغزو أو المقاومة مرتبطين ارتباطا كبيرا بالعقائد، أما اليوم ففي ظلّ الدولة الحديثة لا أحد يمكنه إحياء الصراع القديم وتصفية الحساب مع وقائع تاريخية قديمة إلا إذا ظلّ سجين الماضي لا يبرحه.
ولم ينتبه الذين يخوضون هذا السّجال كذلك إلى أنّ ما حدث بتركيا اليوم جاء متزامنا مع عمل إنساني رائع متمثل في سماح مواطنين ألمان لمسلمين خلال الفترة العصيبة للحجر الصحي الأخير، بأن يُؤدّوا صلواتهم في كنيسة في غياب مسجد قريب منهم، وظهر المسلمون في فيديو وهم منشرحون فرحون بأداء طقوسهم التعبدية في كنيسة قائلين إنهم شعُروا برهبة وإحساس روحي قوي هو نفسه الذي يشعرون به داخل مسجد، هذه هي روح القرن الواحد والعشرين، والتي لا تتلاءم مطلقا مع ما حدث في تركيا إردوغان، حيث ما زال الانتقام لعصور غابرة يشغل حاكما لا يفهم بأن تراجعه الانتخابي لا يمكن تداركه بالتشدّد الديني وتملق وجدان العامة.
فالمطلوب وضع كل فعل في سياقه الصحيح، وفي إطار روح العصر الذي نحن فيه، هل يمكن مثلا أن يُحول أي بلد أوروبي اليوم مسجدا إلى كنيسة، انتقاما لما فعله المسلمون قبل قرون طويلة ؟ هذا من ضروب المستحيل، مع العلم أن كنائس فارغة لم يعد يرتادها أحد تحولت إلى مساجد لوجود طلب من طرف الجالية المسلمة، ولو حدث هذا الأمر قبل قرنين فقط لأثار الكثير لأن قيم ذلك العصر ليست هي قيم اليوم.
وما دمنا في نطاق ربط وقائع بسياقاتها، لا بأس من التذكير بأن الرغبة الملحة لإردوغان في تشييد رموز دينية كبيرة ما فتئت تراوده منذ مدة، وبعد صراع طويل مع القوى العلمانية من أجل تشييد مسجد في ساحة "تقسيم" الشهيرة، ذات الرموز العلمانية، وبعد بنائه لمسجد "تشامليجا" الضخم الذي أصبح أكبر مسجد بتركيا، وبميزانية ضخمة غير مُبررة، صارت "آيا صوفيا" ضحيته السهلة بعد ذلك. هذا مع العلم أن إسطمبول تتوفر على 3317 مسجدا لوحدها. وإردوغان بهذه المشاريع التي يحاول بها التغطية عن تراجع ترتيب تركيا عالميا في الجانب الاقتصادي، كما يحاول تعويض عدم قدرته على استعمال الدين مباشرة في السياسة بسبب علمانية الدولة، وبسبب انتزاعه لصلاحيات الحاكم المطلق في الدستور، إنما يهدف إلى تجييش مسلمي الداخل، وكذا ومتابعة مشروعه مع قطر في التحول إلى قائد "إخواني" دولي، ما جعله يحشر أنفه في كثير من البؤر المتوترة كسوريا وليبيا، فاتحا أبواب الجحيم لمرور مليشيات الإخوان "جبهة النصرة"، وعصابات السلفيين "داعش"، محاولا بذلك محاكاة الدول الغربية بائعة السلاح ومشعلة الحرائق، بينما الفرق بينه وبين هذه الدول هو أن اقتصاد تركيا لا يتحمل مثل هذه المغامرات، وقد ينعكس بشكل سلبي على الازدهار النسبي الذي تحقق في السنوات الأخيرة، كما قد يؤدي إلى إشعال فتيل الفتنة الدينية والطائفية داخل تركيا نفسها، التي حمتها علمانيتها حتى الآن من حرائق الجوار الإقليمي.
إذا كان نجاح إردوغان في الجانب الاقتصادي ـ الاجتماعي طوال العقدين الأخيرين قد أثار إعجاب الكثيرين، فإن مناوراته الدينية والعسكرية الأخيرة هي بمثابة العدّ العكسي لتجربته السياسية، التي قد لا تعرف نهاية سعيدة.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد لطيف على كلام عنيف (من أجل تجاوز الماضي والعودة إلى الراه ...
- في معنى النزاهة، ومعنى الشفافية
- ظاهرة تخريب الآثار وإحراق المكتبات في تاريخ المسلمين
- بين الواجب والصدقة
- هوية البطاقة وهوية المواطنين
- حول عنف ال-فيسبوك-
- إنكار -السببية- من عوامل تراجع العلوم عند المسلمين
- الأسباب الحقيقية لهجرة الأدمغة
- حول مكانة العلوم العقلية في الحضارة الإسلامية
- حزب بألف قناع
- أسباب التوتر النفسي للإسلاميين
- تضمانا مع الأطباء وكل العاملين في قطاع الصحة
- ظاهرة الدكاترة ـ المشايخ
- حتى لا نظل فئران تجارب
- الحجر الصحّي وحقوق الإنسان
- الوباء ، الطائفية والاخلاق
- لماذا لا نأخذ العبر من تاريخ الأوبئة ؟
- أغاليط تشوش على حملة التحسيس ضدّ الوباء
- في الحاجة إلى ضمير جَمْعي منتج وفعال
- الوباء والدعاء


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - ما أغفله النقاش حول -آيا صوفيا-