أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - أحمد الخميسي - نبيل الهلالي . سحابة العدل














المزيد.....

نبيل الهلالي . سحابة العدل


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1591 - 2006 / 6 / 24 - 11:55
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


كنت أستند بلا وعي ، إلي أن نبيل الهلالي موجود ، وحي ، أينما كنت أذهب ، أو أفعل ، مهما كتبت ، أو التقيت بأصدقاء ، أو مشيت في مظاهرة ، أو حضرت اجتماعا حاشدا ، في سفري ، وفي عودتي ، عند أبواب المطارات ، وساعة التفتيش ، في مواجهة ضباط المرور ، أو الداخلية ، وفرق الكاراتيه ، ولدي كل شجار عابر في الشارع أو في محل بقالة ، ومع أي انفعال سريع قد يفضي لاشتباك ، في كل ذلك كنت أعتمد بلا وعي على أن نبيل الهلالي موجود ، وأنه إذا ما حدث شئ لي ، أي شئ ، فإنه سيبرز من الظلمة ، ويشقها ، حاملا سيفه ، متقدما ، للدفاع عني . كنت مطمئنا إلي أن في الحياة دفاعا ، ودستورا ، وقانونا ، وفارسا يحمل كل تلك المواثيق ، وإلي أنه سيظهر في اللحظة المناسبة بالضبط ، بقامته الطويلة ، وعباءة المحامي ، وأنه سيرفع إصبعه النحيف ويهز رأسه، ويشير للقضاة إلي الخطأ الكبير الذي ارتكبوه ، ويأخذ في تفنيد التهمة الملفقة ، ثم يرفع عينيه المهذبتين اللامعتين إلي القضاة صائحا بصوته النحيف كسلوك الكهرباء : أفرجوا عن هذا الإنسان . كان كل المعتقلين ، والمهددين ، والملاحقين " إنسان " بالنسبة إليه ، وسواء أخرجت سالما أم لم أخرج ، كنت سأشعر أن قضيتي عادلة ، وأن هناك دفاعا في هذا الكون، يواجه كل قلاع وأسوار وقضبان الظلم، بمفرده ، بكتبه ، وأحلامه ، وشجاعته . ولم يكن هذا شعوري وحدي ، بل شعور المئات والآلاف ممن انخرطوا في العمل العام كتابة ، أو تأليفا ، أو سياسة ، أو تمردا . طالما كان الهلالي حيا كانت ثمة سحابة من الرحمة والأمل تعبر سماء القاهرة تبارك كافة المتمردين ، وتشد أزرهم ، وتصيح بهم : تقدموا ، لا تخشوا شيئا ، معكم نبيل الهلالي . سحابة بيضاء ظلت لأكثر من نصف القرن تجود بمطرها فوق أرض يابسة حيث لا أمل ، وتجود بحبها على الأشواك حيث لا زهور ، وتفيض بعدلها على البشر حيث لا عدل . الآن مع رحيل نبيل الهلالي اختفت فكرة الدفاع ، لم يعد ثمة دفاع في الحياة ، وفارقتنا الطمأنينة على مصائرنا، وتكسرت إلي شظايا صورة الهلالي الذي يجوب البلاد باحثا عن مظلوم ليدافع عنه. على مدى أكثر من نصف القرن ، يوما بعد يوم ، وساعة بعد أخرى ، دافع الهلالي عن أجيال وأجيال من المعتقلين ، من جيل الستينات ، والسبعينات ، وظل حتى اللحظة الأخيرة من حياته يحضر أوراق المحاكمات ، لكي لا تكون هناك قضبان في عالمنا . وقد تحول الهلالي إلي أسطورة إنسانية ، من دون أي نوع من التمويل ، حتى أجره الذي يستحقه كمحامي لم يكن يتقاضاه ، ورسخ عبر حياته كلها مبدأ العمل التطوعي حين وهب سنوات عمره كلها للناس بدون مقابل . وكانت العدالة أغلى عنده من أية أفكار أو تصورات أخرى ، وكان مستعدا في سبيلها لكي يخسر الكثيرين ، ويكسب نفسه . وكان مكتبه وقلبه وعقله مفتوحا ليل نهار لكل أنواع التظلم ، السياسية الكبرى ، والحياتية البسيطة ، بدءا من قضايا التنظيمات التي تهدد بقلب نظام الحكم ، ومرورا بقضايا النزاعات بين العمال وأصحاب العمل ، وانتهاء بشكوى أرملة وحيدة من تأخير معاشها .
ولا أظن أن الدنيا – على الأقل في المدى الزمني المتاح لنا - ستجود مرة أخرى بقلب وعقل مهذبين وشريفين كقلب وعقل الهلالي . ولم تكن أفكاره ورؤاه السياسية مصدر ما يتمتع به من محبة واحترام بالغ ، لكن شعور الناس الدائم بأن ثمة شخصا لن يخونهم في الطريق ، وأن ثمة شخصا يستمع إليهم باهتمام ، ويسجل ما يقولونه على الورق ، ويتعهد بالدفاع عنهم ، ويفني أيامه وسنواته من أجلهم ، فقط لأنه لا يطيق الظلم ، ويعتبر أن الظلم إهانة لوجوده هو ، واعتداء على حريته هو . لم ير أحد بعد شخصا مثل الهلالي ، حالما ونبيلا ، يتحدث إليك وهو يحلق بشكل ثابت في عالم آخر ، تنتفي فيه الحاجة والعطش والفقر والتمييز والجوع والجهل والفظاظة ، ثم يهز رأسه بأدب رفيع متسائلا : ولا إيه ؟ . كان يعطيك وقته وجهده منصتا إلي الشكوى بامتنان ، وعرفان ، كأنك أنت الذي كنت تمنحه وقتك وجهدك . علمت برحيله من رسالة من صديق على الموبايل يقول فيها : " " فقدنا نبيل الهلالي . يا لها من خسارة " . وحط على الخبر ثقيلا ، موجعا . كنت أعلم أنه في المستشفى ، لكن صديقي ممدوح حبشي طمأنني أن صحته تتحسن في اليومين الأخيرين . وغمرني الشعور بالأسف ، لأنني لا أتجه إلي أناس مثل نبيل الهلالي ، وهم أحياء ، لأقول لهم هكذا بدون مناسبة : " نحن نحبكم ، ونقدركم ، أنتم أناس محترمون ، وملهمون ، ومن دونكم تصبح الحياة أرضا بلا سماء ، وبلا نجوم ، أوضوء ، أو أحلام " . رحل نبيل الهلالي ، وجفت سحابة العدل ، ولم يبق لنا الآن سوى أن نرفع رؤوسنا للسماء من وقت لآخر ، لكي نرى الموضع الذي كان يطل علينا منه ، ولكي نرى الفارس الذي كان يشق الظلمة إلينا ، زاعقا من بعيد : ها أنا قادم ، استمروا في سيركم ، لم يبق سوى خطوات ونرى أحلامنا . صدقوني . تقدموا .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
- جينا لندن ترصد أدق الرغبات
- ساندوا الشاعرة الفلسطينية سارة رشاد
- سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي
- شلنات وبرايز
- لا للتمييز ضد البهائيين المصريين .. نعم لحرية الاعتقاد
- البهائية والنزعة السحرية
- ما الذي يريده الشعب المصري ؟
- تبني مطالب الأقباط .. هو الطريق للخروج من الأزمة
- الآداب السلطانية . نص متجدد
- أطوار بهجت .. من الشعر إلي الحرب
- حكاية هند والفيشاوي
- الأزمة الدانمركية بين الدين والسياسة
- ميشيل باشليه واليسار الجديد
- رحيل فؤاد قاعود .. موال الرفض والحرية
- الجوائز الأدبية وكرامة الكاتب
- اعتذار للشعب السوداني ، واستنكار لما جرى
- بروزاك .. صديق المبدعين
- ألفريد فرج .. في وداع الخيال
- الوجه الآخر لفوز الإخوان في مصر


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - أحمد الخميسي - نبيل الهلالي . سحابة العدل