أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رضا كارم - العنف نسائيّ أيضا: وهم الخصوصيّة الجندريّة















المزيد.....

العنف نسائيّ أيضا: وهم الخصوصيّة الجندريّة


رضا كارم
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 6600 - 2020 / 6 / 23 - 03:36
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ما تزال المرأة في سياقنا المحلّيّ ميّالة إلى نصرة مبدئيّة لكلّ واقعة تشكّل المرأة أحد طرفيها. ففي الحقل السّياسيّ والحقل الثّقافيّ والحقل الاقتصاديّ وخلافها من الحقول والمجالات، تنشأ خطابات نسويّة منحازة إلى جذريّة نضاليّة وانهمام مجندر مغال في التّمركز حول ذاته جاذبا لحميّة رجاليّة مضادّة ومحفّزا للعصبيّات التّقليديّة في المجتمع التّونسيّ ضدّ المرأة. وليس أدلّ على ذلك من ظهور مواقف تنتصر إلى عبير موسي وهي الرّافضة للمساواة في الميراث بين الرّجل والمرأة. وهو دليل على أزمة جزء من الخطاب النّسويّ المنشدّ في بعض عناوينه إلى الشّكل والصّورة والمتجاهل للمضامين الفكريّة والمنهجيّة لما يدعمه من قضايا ولمن يدعمه من شخوص.
ويدفعنا الخطاب العدائيّ لبرلمانيّات تونسيّات، والّذي لا يختلف كثيرا عن خطاب برلمانيّين ذكور، إلى مساءلة التّضامنات النّسائيّة والنّصرة الواجبة نضاليّا لكلّ امرأة تتبوّأ موقعا في السّلطة أو تحقّق إنجازا ما. فيسار عادة إلى تقييم الحكومات المتعاقبة بمعيار عدد النّساء فيها. ويُتعامل مع الصّراعات الّتي تكون المرأة طرفا فيها تعاملا مجندرا انتقائيّا تغلب عليه الأحكام النّهائيّة ذات الأصل التّمييزيّ الّتي تعتبر الرّجل خشن الطّباع مندفعا نحو العنف، والمرأة ليّنة المعدن ميّالة إلى السّلم. فهل يمكن اعتبار خطابات عبير موسي وسامية عبّو وجميلة كسيكسي خطابات مبشّرة باللّين منحازة إلى الموادعة والسّلام؟ وهل يكون نقدها وتخريب رهاناتها فعلا رجوليّا هيمنيّا متعصّبا إلى أصل ذكوريّ تعمّده البطركيّة السّائدة في المجتمع؟
"إنت كلوشارة" هكذا صاحت سامية عبّو في البرلمان التّونسيّ للرّدّ السّياسيّ على عبير موسي. أنتِ متخلّقة بأخلاق السّوقة والمنحرفين وتعطّلين أعمال البرلمان ومصالح التّونسيّين ولذلك "إنت كلوشارة". "الخوانجيّة ولّوا بانديّة" وهي أيضا عبارة شهيرة لسامية عبّو ترمي بها منافسيها في العمل السّياسيّ بوصم إديولوجيّ ووصم أخلاقيّ. ولم تخرج عبّو عن تعيير منافسيها وخصومها بأهل الانحراف والصّعلكة، وهي تقبّح أفعالهم بخطاب عنيف. وصورة سامية عبّو وهي تزمجر هادرة بالشّتائم لا تختلف عن صورة عبير موسي وجميلة كسيكسي. وكلتاهما صنّفتا عبارات تحتفظ بها الذّاكرة ومنها ما ورد على لسان عبير موسي متوجّهة نحو نوّاب آخرين قائلة :"إنتم دواعش تدافعوا على الإرهاب". ولعن نوّاب من كتل أخرى واستدرار عطف الجماهير عبر ادّعاء المظلوميّة مثلما ظهر في زعمها أنّ نائبا حطّ من "شرفها" معتبرا أنّ الماخور هو مكانها الأنسب. ونشير أيضا إلى إصرارها على تسمية حزب حركة النّهضة ب"تنظيم الإخوان" وهو إصرار يمكن أن يجد بعض رهاناته في تغطية القنوات التّلفزيّة العربيّة الّتي تبثّ من دبي لأغلب تدخّلات عبير موسي واعتبارها ممثّلة المعارضة المتصدّية للإخوان في تونس.
وعلى غرار عبّو وموسي، لم تتردّد الكسيكسي في الظّهور بمظهر الشّتّامة عنيفة المعجم المتسلّطة خطابيّا على الآخر المختلف. فقد اعتبرت الكسيكسي عبير موسي "كلوشارة وبلوة جات للبرلمان" وأضافت في سياق آخر "اللّي مش عاجبو تونس تقع على ضفاف البحر المتوسّط اشربوا"...
وهذا الخطاب العنيف المعبّر عن استعدادات لترذيل الآخر وتشويهه وذمّه بعبارات نابية والصّياح المتواصل والميل إلى اكثر الألفاظ إيذاء للمختلفين، يجعلنا نتساءل فعلا عن أخلاقيّة خطاب هؤلاء النّساء، وأخلاقيّة التّضامن معهنّ، وخاصّة مع عبير موسي نجمة الدّيكور الموصوف بالحداثيّ والّتي تكاد تتحوّل إلى أيقونة وزعامة سياسيّة رغم إقصائيّتها وعنفها وارتهانها لارتباطات خارجيّة صريحة ومعاداتها المعلنة لقضايا الحرّيات والمساواة بين المرأة والرّجل في الميراث.
واعتمادا على ما تقدّم من عرض لخطابات بعض النّساء العنيفات، نرى أنّ القسمة الجندريّة التّقليديّة الّتي تخصّ الرّجل بالعنف وتستثني المرأة منه تحتاج مساءلة جذريّة. فالمرأة ليست أنموذجا مثاليّا ولا تختصّ بقيم تميّزها من الرّجل وليست المرأة في الماضي كالمرأة اليوم، ولا تحظى المرأة السّوداء بقدر واسع من الحظوة الّتي تستفيد منها المرأة البيضاء. ثمّ إنّ المرأة البورجوازيّة في رفاه لا تدركه المرأة العاملة في مؤسّسة حكوميّة، وهي بدورها تضمن حياة خيرا من حياة عاملة الفلاحة. وبذلك فإنّنا إزاء تعدّد نسائيّ؛ نحن نتحدّث عن نساء لا عن امرأة وفق عبارة آمال قرامي. ويُقرأُ هذا التّعدّد ضمن بنى مختلفة منها الطّبقة والعرق والإثنيّة والسّنّ وقد نضيف إلى هذه البنى خاصّية تونسيّة هي الانتماء الجهويّ الموسوم بلهجة دالّة عليه.
وتتّفق عبّو وموسي والكسيكسي في استعمال لهجة العاصمة الّتي تكاد تكون اللّهجة الرّسميّة الغالبة، وبذلك يسقط عامل اللّهجة مقابل حضور بقيّة البنى سواء عند السّياسيّات المذكورات أو خاصّة عند جماهير التّلقّي النّسائيّة بشكل خاصّ. فتبرير العنف الخطابيّ من قبل النّساء المتابعات يدخل بدوره ضمن نسق العنف، وبذلك نحصل على عنف ذي وجهين: عنف أوّل سياسيّ يخترق قيم الدّيمقراطيّة التّمثيليّة المزهوّة بتجربتها في تونس، وعنف ثان تبريريّ لا يقلّ سوءا وفساد رأي عن العنف الأوّل. والمبرّرات يُدَخْلِنَّ مقدّمات العراك السّياسيّ ويستعملن مفرداته وقد يضفن ما تيسّر من لفظ شائن وعنف أصليّ. وهنّ بذلك يشهدن على أنّ النّساء لسن حقيقات بأيّ تمييز يمنحهنّ حصانة ضدّ العنف ويحصرنه في الرّجال وحدهم. وبذلك فهنّ يشهدن أنّ عنف النّساء لا يقلّ فداحة وقسوة عن العنف كلّ عنف. وربّما يشكّل هذا الفهم بداية طريق نحو تخليص الخطاب النّسويّ من تعاطفه الطّفوليّ الجاهز مع كلّ امرأة بشكل اندفاعيّ لا عقل يحكمه.
فالمرأة تمارس العنف وتلعن وتشتم وتقتل وتحمل السّلاح وتكره وتحقد وترغب في الانتقام وتتمنّى موت الخصم وتخطّط وتمكر تماما مثلما يفعل الرّجل. وهي تقود المعارك منذ فجر التّاريخ وتحكم البلدان منذ بلقيس وعلّيسة وديهيّة وإيزابيل ملكة قشتالة وتاتشر وميركل من بين المعاصرات... وهذا ممّا يدفعنا إلى إعادة التّفكير في الفصل الجندريّ داخل الجنس البشريّ بين المرأة والرّجل ومواصلة هذا التّقسيم الّذي أرهق الكون وتحوّل إلى قانون عامّ. فالمرأة لن تظفر بفكاك من الهيمنة الذّكوريّة بانهمامها بذاتها وانكبابها على طرح مشكلاتها الخاصّة واعتبار الرّجل آخر بل جوهر كلّ آخريّة.
إنّ نضال النّساء يحتاج رجالا في صفوفه متساوين من حيث الحضور والموقف والرّؤية مع النّساء. إنّه تحرّر معا يترافق فيه الرّجل مع المرأة من أجل تجاوز قوانين بائسة مثل الملكيّة الفرديّة والدّولة والرّأسماليّة واللّامساواة واللّاعدالة والبطركيّة. وإذا ما تمكّن العقل النّسويّ من تدارك انعزاليّته وتطرّفه اللّيبراليّ وانفتح على معاني التّحرّر الجماعيّ ضمن المجتمع من السّلطة كلّ سلطة، فإنّه قد يفتح له مساحات جديدة من الفعل والحركة وقد يضمن أنصارا نوعيّين ويردم بعض الهوّة العميقة بين المرأة والرّجل، تلك الهوّة المسيّجة باليقين القائل "النّساء ناقصات عقل ودين" ولذلك ينبغي سوقهنّ إلى مصائرهنّ في المطابخ والمضاجع والصّمت. ولعلّ خطابات من ذكرنا تشير إلى أنّ الأزمة أكبر من أن تحصر في مأزق أبويّ ذكوريّ. إنّها أزمة سياقات متأسّسة على السّلطة والهيمنة الّتي تترسّخ واقعا من خلال العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة ومجمل النّصوص القانونيّة الّتي يكتبها برلمانيّون ناتجون عن ديمقراطيّة تمثيليّة مموّلة بأموال البورجوازيّة.



#رضا_كارم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وماذا إذا كان الاغتصاب مجندرا ؟ عمل المجتمع وخياره
- الديمقراطية التمثيلية او الحرية : حتمية الثورة في تونس
- صناعة المؤسسة و اكتساب الطبيعة
- مأساة النمذجة في عقل المسلم الأرثوذكسيّ.
- الخيارات محدودة: إنسان أو دولة .
- الإقليم يتغيّر و السعودية تكتشف الجريمة فجأة
- دولة إسلامية ردّا على دولة إرهابيّة
- النّسيان :جوهر الأزمة الإنسانيّة
- 17ديسمبر و صيحة أخرى
- حول الإصلاح التّربويّ
- فوضى الأسئلة و مشروع السّؤال
- امرأة مهمّشة ،إنسان مستعبد
- بورقيبة التاريخي لا بورقيبة المفبرك في معامل الإديولوجيا
- الجبهة الشّعبيّة بحاجة إلى -فضيلة القتل- أو عليها انتظار-رذي ...
- المثلّث الخبري المعرفيّ : من يملك الحقيقة يسيطر على التّاريخ ...
- 23أكتوبر في مقاهي الهزيمة القرار، و الهزيمة المختارة
- العشرون من مارس 56: بنود -استقلال دولة- أو شرعنة احتلالها؟من ...
- لماذا هي كتابات أخرى؟ و لماذا يعلو الصّوت؟
- التوافقات الطّبقيّة تشكيل من خارج دائرة الحرمان لموجبات عناص ...
- لكن الكاميرا سقطت


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رضا كارم - العنف نسائيّ أيضا: وهم الخصوصيّة الجندريّة