|
رواية أرض الدولة ولغة الاحتجاج أدبيا
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 6583 - 2020 / 6 / 4 - 11:09
المحور:
الادب والفن
رواية أرض الدولة او لغة الاحتجاج أدبيا
بقلم : الاستاذ محمد سعيد المقدم
شرفني الأستاذ الأديب ، خالد الصلعي ، بإهدائي نسخة من روايته ، أرض الدولة ، وهذا طبعا هو العنوان الرئيسي للنص الروائي ، مع عنوان توضيحي مضاف أسفل العنوان السابق ، ( أو إنسان مع وقف التنفيذ ) وكما هو ظاهر يبتدأ هذا العنوان الأطول من حيث الكلمات ، والأصغر من حيث الأهمية و الترتيب بكلمة ( أو ) مما يفيد ميزة الاختيار بين العنوانين شكلا ، بينما الغاية من وجودهما معا هو تحقيق نوع من التكامل ، الذي يحيل القارىء من خلال الأول ، إلى مكان وقوع أحداث الرواية ، ومن خلال الثاني ، إلى المادة الإنسانية في النص والتي يقصد بها الإنسان طبعا .. لم يكن اختيار اللون الأسود لواجهة الكتاب ، صدفة ولا مجرد مسألة ذوق فني ، الأمر أيضا يتعلق بلون العنوانين ، وهو الأحمر ، فلإقتران هذين اللونين دلالة بالغة الدقة ، وذاك ان الرواية سوف تنقل بشكل صادق وصادم ، واقعي وناطق بحقيقة المعاش ، بعض المشاهد المرعبة التي تعرفها المنطقة ، بحيث لن يختلف قارئن بأن الرواية ، وهبت نفسها لسانا ناطقا بفداحة عيش هو من حيث البعد الانساني عيش على الهامش ، ومن حيث التموقع الجغرافي ، هو عيش في قلب طنجة الحامل لتداعيات تاريخ العصر الحديث لهذه المدينة ، وماعرفته من تقلبات عمرانية واجتماعية وسياسية ، ألا وهو حي بني مكادة الشهير ، فتلك أرض الدولة ، هي واحدة من مساحات متجاورة تنتهي حدودها عند بعضها البعض ، والتي تتألف من أحياء ، علي باي ، موح باكو ، أرض النصارى ، حي مبروكة ، بني مكادة وارض الدولة ، ثم تكون بؤرة التصاعد الدرامي في الرواية ، تحديدا في ساحة تافيلالت و المبنى التجاري المستحدث في عين المكان ، الى عتبات مستشفى أبو بكر الرازي و وثلاث مدارس تعليمية ولادة ، والمهدي ابن تومرت ، خديجة أم المؤمنين ، ومركز معالجة الإدمان .. هؤلاء الاشخاص المنبوذون ، والذين تم الايقاع بهم خارج مدار الدمج والرقي والاستفاذة من مظاهر التقدم الانساني الحضاري بطنجة ، سوف ينتقي لنا الكاتب منهم نماذج وباحترافية مبهرة ، أترك لأي كاتب أو ناقد متخصص مجال التعرض لهم واحدا واحدا بالتفصيل وبقراءة الابعاد الرمزية الدلالية التي تحيلنا عليها أجناسهم ، وأسماؤهم ، وسيرهم ، التي اختلفت مابين البطولية الملحمية المجسدة في شخص ، الكبيري ، هذا الرجل الأسطورة الذي لاحقته عن كتب كما لاحقت كثيرين أعين الشخص الصامت ضمنيا ، والذي أطلق عليه الكاتب اسم صاحبنا تارة وتارة اسم بطلنا ، فكانت اعينه نوافذ يطل من خلالها الراوي ، ومن العادي جدا ان يعتقد بعض القراء ان الكاتب هو فعلا ذلك المراقب الصامت الذي افتتحت الرواية بالحديث عن خطوط يومياته العريضة ، قلنا ان رصد هذه الشخصيات يتحرك في خط تنازلي من سيرة العملاق الكبيري ، حتى يرسو عند نقطة وفاة حميدو ، والذي سوف يخلف أثرا عميقا في نفس القارىء ، لانه فعلا ومن بين كل شخوص الرواية ، كان تجسيدا حيا وذكيا وبالغ المهارة ، لذلك الانسان الذي قيل عنه في العنوان الفرعي المكتوب بلون الدم ، إنسان مع وقف التنفيذ ، ونحن نعلم ان اللغة الروائية مفتوحة على جميع لغات التعبير الانساني ، فان كان تخصيص عنوان الرواية الرئيسي ذا دلالة مكانية ، كما هو عرف اكثر واشهر روايات العالم ، فان عنوانا يتضمن جملة مع وقف التنفيذ ، يحيلنا مباشرة ، الى لغة القانون والادارة ، والخطاب الرسمي عموما ، سياسيا كان أم جمعويا ، تم اخضاعه بقدرة الكاتب الى سلطة الحكي الروائي القابل طبعا لاستقطاب كل انواعية الخطاب ، ودمجها وذوبانها في متنه ، وهذه قدرة ليست متاحة الا للبارعين في هذا المجال الادبي الصعب .. على الرغم من قصر الرواية ، استطاع كاتبنا خالد الصلعي ، ان يحيط بتاريخ منطقة أرض الدولة وواقعها المعاش ، ومأساة أجيال بكاملها ، وقعت فريسة ادمان المخدرات الصلبة ، في غفلة أو تغافل مقصود من طرف الدولة وفئة عريضة من الشعب ، اكتفت بالبحث عن امكانية تحقيق مصالحها المادية الشخصية ، لذلك نعتبر هذه الرواية رواية سياسية نقدية اجتماعية بما لا شك فيه ، تحرك اصبع اتهام يعرف وجهته تماما بلسان لا يهادن ، لسان صدق شجاع غايته تحديد مكمن الداء في مجتمع أناني ، الرواية مرثاة حقيقية ، لم تستثن الرجال دون النساء ، موت احميدو في النهاية من جراء شعوره المقيت بالذل والاحباط ، هو موت شريحة كبرى من شباب البلد ، شباب شاخوا قبل الاوان ، وكان من الممكن لو وجدت النية الصالحة لدى من هم أهل المسؤولية ، والذين فرطوا تفريطا ، كان من الممكن ان يكونوا كما هو مفترض عماد الوطن ، وقوام تطوره ونجاحه ، لكن للاسف كان الانسان اخر اهتمامات الانسان ، في عالم لا يرحم ولا يعترف بادمية البشر ، في مكان استطاع الشر خلاله ان يخرس قلب الأم ، حينا من الدهر امام عاطفة الحب والحنان التي سرقت منها جهرة ، ثم ردت اليها حرقة قلب لن تشفى ابدا ، من يتوقف عند الصفحة ( 82 ) من الراوية ، سوف يشعر بمدى حسرة وألم تلك السيدة المفجوعة في ابنها تلك السيدة التي ترمز قطعا لطنجة للوطن للحب للحياة ، أمنا وحياتنا جميعا .. شكرا استاذنا خالد الصلعي ، على هذه الاضافة الهامة والمميزة للحقل الثقافي الأدبي الروائي المغربي ، والتي ستظل صرخة احتجاج تؤرق مضاجع الشرفاء ، وتنوح بنبرة تجريم لا غفران له لكل من خانوا الامانة ، الا ان يصلحوا بعدما أفسدوا
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا ...لاتعمل ، لاتمر ...تغيير الاستراتيجية
-
كورونا تنزع الأقنعة جميعها
-
الثقة
-
النصائح الخارقة للنجاة من جائحة **
-
كورونا ، الوباء العادل
-
مدن الحلم والدم .....ولادة روائية ناضجة
-
في غرفة العمليات ..........قصة قصيرة
-
رواندا ، مستقبل افريقيا
-
تأجل موتك يا ظلي
-
مفارقات العقول الكبرى ...بحث في العقل الاستخباري
-
بين اهانة الملك وحرية التعبير والاحترام كقيمة انسانية
-
حكومة الكفاءات . أي كفاءات ؟؟
-
العصفور ، عادة الحياة وليس حياة العادة
-
جاهز للحرب ، جاهز للسلام
-
لا عذر لنا ...الجبن هو المشكلة
-
أنا الوحيد الذي برماده احتفل
-
قبيلة اسمها المغرب
-
وداعا الى أن لا نلتقي
-
جيفري فيلتمان واللعب على المكشوف
-
انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....12..
المزيد.....
-
“فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب
...
-
إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية
...
-
في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل
...
-
أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب
...
-
ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا
...
-
موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا
...
-
فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية (
...
-
الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق وقناة الفج
...
-
يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك
-
مسلسل قيامة عثمان 158 فيديو لاروزا باللغة العربية ومترجمة عل
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|