أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان بديع - مذكرات قطة














المزيد.....

مذكرات قطة


حنان بديع
كاتبة وشاعرة

(Hanan Badih)


الحوار المتمدن-العدد: 6543 - 2020 / 4 / 21 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


كان جسدي يرتجف وروحي تذوب تحت جلدي ، كنت بحاجة للصراخ لكن صوت موائي لا يصل لأحد ، افتقد أمي التي ذهبت لتبحث عن طعام ولم تعد ، لم يبحث عنها أحد سواي ، من يشعر بقطة تقطع الشارع أو تمشي على رصيف أو تبحث في حاوية قمامة ، اعتدنا نحن القطط على الشعور بأننا غير مرئيين حتى بتنا لا نتوقع الرحمة ، هذه "الرحمة" يبدو أن مفهومها نسبي لدي البشر ، جلست وقت طويل تحت جذع الشجرة لا أعرف كم مر من الوقت، بدأ الجوع يقطع أحشائي وأدركت أن لا رضاعة بعد اليوم ، لم يكن عمري يتجاوز الشهرين وكان صغر حجمي وسني يغري الأطفال بالاقتراب مني واللعب معي أو بي !
لاحقا اكتشفت أنه لا فرق ، فقد التقطني طفلة كانت تلهو أمام باب المنزل المجاور للشجرة التي كنا نختبئ تحتها أنا وأمي وأخوتي الذين ماتوا واحدا تلو الآخر ، كنت أعلم أنني من أفضل سلالات القطط وشعري أبيض ناعم وكثيف ، ظننت أن هذا سيكون كافيا لأن أقضي بقية عمري في منزل يرعاني أصحابه ، لكن الطفلة الصغيرة لم تكن تلاطفني بقدر ما كانت تلهو بي ، تقذفني من أعلى الطاولة ثم تسحبني من ذيلي وكان هذا مؤلما للغاية ، كنت أعلم أنها بريئة مثلي لذا كنت أعود اليها لأختبئ منها ، لكنها تعود لتلهو بأذيتي وكنت أسمع ضحكات باقي أفرد الأسرة ، لم يكن لدي صوت أو لغة ، كيف أخبرهم أني أشعر ، أني أتألم ، أني حزينة ووحيدة ،ضعيفة ، ومظلومة.
في المرة الأخيرة التي شدتني فيها من ذيلي تألمت كثيرا وصرخت بشدة ودون أن أشعر حاولت أن أعض يدها لتتركني لكنها بكت وصرخت وذهبت تشكو لأمها، غضبت الأخيرة وطردتني ، ذهبوا بي بعيدا في السيارة ، تركوني في منطقة لا أعلم ما هي ، أناس غرباء ، أطفال أشقياء ، سيارات وأصوات ، دخان وقمامة ، ما هذا المكان الغريب؟
بدأ الجوع يعصرني فأنا لا أجيد البحث عن طعام فقد كانت صديقتي الصغيرة رغم شقاوتها وقسوتها تضع لي بعض الطعام، عدت أشعر بالخوف ، الجوع والرعب ، فقد أصبح المشي في الشارع أمام البشر مغامرة أخشاها ، فإما يرميني الأطفال بالحجارة أو أن يضربني أحدهم بقدمه أو أن يرمي على جسدي السجائر ليرى إن كان يجيد الرماية وفي أحسن الأحوال يتجاهلون وجودي وموائي.
مرت أيام من عمري لا أدري عددها لكنها قليلة جدا بدت قاسية وطويلة ، اعتدت فيها على الاختباء خلف أي شيء والمشي حين تخلو الشوارع منهم ..
ثم لا أدري كيف حدث أن تجرأت على قطع الطريق ، كنت آمل أن أجد مكانا آخر تكثر فيه القمامة لعلني أجد شيئا ما صالحا للأكل،، أو غير صالح.
لكن سيارة مسرعة قذفتني الى الجهة الأخرى من الشارع فوقعت على رصيف الإشارة الضوئية .. أنزف وأشعر بالألم ، ولم يساعدني أحد أو ينتبه لوجودي.
كنت أنزف وحدي وأصرخ وأنازع ثم أحاول أن أرفع رأسي فلا أرى سوى عجلات السيارات وأضواء الإشارة الضوئية التي أذكر أنها كانت حمراء ..
كان المطر يهطل بشدة ،وكنت غارقة في بركة من ماء المطر الممزوج بدمي ، انتبهت الى أن الإشارة أصبحت خضراء ، ضاع معها الأمل في أن يلاحظني أحد رغم أن مئات العيون كانت تنظر من نوافذ السيارات ، بدأت أطرافي تبرد وشعرت بروحي تتلاشى ، كل ما كنت أذكره هو صوت الرعد والمطر ، وعبق القسوة ، ورائحة باردة غريبة ..
كان جسدي الصغير يموت ، وموائي يضعف ، ورعبي يتحول الى دموع ..
و .. وبدا
وكأن المكان فارغا ومزدحما..
و.. كأن أحد ما في السماء يتأمل!



#حنان_بديع (هاشتاغ)       Hanan_Badih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات قطة -قصة قصيرة
- ليست مؤامرة أو مجرد صدفة
- الم الحياة يفوق متعتها بكثير
- ترى هل من عودة الى الوراء ؟
- (الماسك) في زمن الكورونا
- كلنا مشروع مجرم
- فيروس كورونا .. معذور
- الأمومة .. غريزة أم قرار؟
- عزيزي القارئ ..في أي سن نضجت؟
- وهم الزمن
- حين تتزين النساء ويتأنق الرجال بوحشية
- أكتب..
- حياة واحدة لا تكفي !
- النجدة .. قبل فوات الأوان
- الانسان بلا حلم ذكرى إنسان
- جرحي النازف -قصة ليست قصيرة
- فيروس الطلاق
- كن أنانيا بما يكفي
- ثرثة فلسفية
- اين نحن من انسانيتنا؟


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان بديع - مذكرات قطة