أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نورالدين الطويليع - منشور رئيس الحكومة المغربية حول توقيف الترقية وسؤال مراعاة مقتضى الحال















المزيد.....

منشور رئيس الحكومة المغربية حول توقيف الترقية وسؤال مراعاة مقتضى الحال


نورالدين الطويليع

الحوار المتمدن-العدد: 6524 - 2020 / 3 / 27 - 10:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقتضي الممارسة السياسية تحلي السياسي بالحكمة وحسن التصرف، وتفرض المسؤولية السياسية على صاحبها التوفر على قدر كبير من الحنكة والذكاء في اختيار الألفاظ والعبارات أثناء مخاطبة المواطنين، وعند الرغبة في استصدار قرار معين، لأننا "في عصر صار فيه الحكم فنا في القول، قبل أن يكون شيئا آخر"1 ، فامتلاك ناصية اللغة، وامتطاء صهوة البلاغة من شأنهما رفع شعبية السياسي، وتمكينه من تدبير شؤون الحكم، وتنزيل قرارات قد لا تكون شعبية، ولكن سحر الكلمة وبريق العبارة، ودقة الوصف يمنحها طابع القبول والانسيابية.
من أهم العناصر البلاغية التي يجدر برجل السياسة الحرص على استحضارها دائما قبل أن يقدم على اتخاذ أي قرار من القرارات، مراعاة مقتضى الحال، وهو"الاعتبار المناسب الذي يستدعي اشتمال الكلام على سمات وخصائص أسلوبيَّة تناسب المقام أو الحال الذي يُلقى فيه"2 ، بما يعني وجوب استحضار السياق وحال المتلقي قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار، وإلا تلاشى التواصل، وتقطعت عراه، واستحالت اللغة لغوا، وصار المتكلم لاغيا فاشلا في مسعاه الإقناعي بسبب الفشل في إثارة مشاعر المتلقين، يقول أرسطو:"إن الاقتناع يمكن أن يتم بواسطة السامعين إذا كانت الخطبة مثيرة لمشاعرهم، فأحكامنا حين نكون مسرورين ودودين ليست هي أحكامنا حين نكون مغمورين معادين"3 ، فحال المتلقي يؤدي دورا حاسما في قبول الرسالة أورفضها.
نتساءل في هذا السياق: هل راعى رئيس الحكومة السياق وهو يصدر منشور توقيف ترقية فئة عريضة من الموظفين؟، وهل كان مُوَفَّقًا في اختيار اللحظة المناسبة لتمرير هذا القرار؟، وهل كان حالُ المتلقي وظروفُه حاضرين في مخيلته وهو يهم بإصدار بلاغه؟.
نشير بداية إلى أن إصدار المنشور يصادف لحظة استثنائية أملتها الأوضاع العالمية المشوبة بالخوف والهلع وترقب الأسوإ جراء انتشار وباء كوفيد 19، واتخاذ سياسة تقشفية لمواجهة هذه الجائحة، فهذه الحيثيات تمثل أسباب النزول التي خالها المنزِلُ صمام أمان قوي تمنح منشوره صفة الشرعية، وتعطيه جواز الاستقرار في نفوس الفئة المستهدَفَة دون مقاومة أو رفض، في ظل جو سائد يغلِّبُ المصلحة الوطنية، وأمام واقع عبَّرَ فيه المغاربة عن روح وطنية عالية بانخراطهم الإيجابي في خدمة وطنهم لتجنيبه الكارثة من جهة، ولإنقاذ أبنائه من الهدر المدرسي، وتمكينهم، بالمقابل، من تلقي دروسهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
يشي الظاهر والسطحي في هذه المحاولة بالذكاء والفطنة، لكن على المستوى العميق يُعري الفعلُ خطوةٌ غبية لم يحسن صاحبها التصرف، وعاكس السياق، وخالف مقتضى الحال، فالمنشور جاء ضد مجريات الأحداث، وأُنْزِلَ في وقت كان فيه المستهدَفون منخرطين بحماس كبير في مهامهم الجديدة التي فرضها الوباء، وكانوا يتطلعون إلى تلقي رسالة شكر تعترف لهم بتضحياتهم، ولم يكن أحد منهم يفكر في ترقية أو ماشابهها، لأن تفكير الجميع، وبدون استثناء منصب على إنقاذ الوطن، وقد لاحظنا كيف سارعت تنسيقية حاملي الشهادات العليا، التي تعد من أعند التنسيقيات التعليمية وأشرسها، إلى إصدار بلاغ أعلنت فيه عن تطوع أعضاء مكتبها بأجرة يومي عمل، ولم تأت على ذكر مطالبها،مما يعني من حيث المدلول تجميد ملفها المطلبي تفاعلا مع الظرف العصيب، فلا أحد إذن طالب بالترقية، مما يعني أن الصمت كان هو البلاغة المناسبة التي ستحقق المطلوب، وأن هذا الموسم كان سيمر دون ترقية، وبتفهم الجميع، دون لجوء إلى مشرط قرار حفر جرحا عميقا في النفوس، وذَّكَر المرابطين على خطوط التماس أن رئيس حكومتهم يفكر بمنطق آخر بعيد عن انتظاراتهم، ولا يشاركهم انخراطهم الإيجابي في مشروع إنقاذ الوطن، ويفكر بطريقة براغماتية بغيضة تزرع الإحباط في النفس، وتفرمل الاندفاع، يقول المفكر الفرنسي لويس آلتوسير:"إن الجواب عن سؤال لم يطرح البتة، أو عن سؤال مكبوت لا يمكن أن يكون إلا جوابا خاطئا"، فمنشور رئيس الحكومة بمثابة جواب عن سؤال ترقية لم يطرحه أحد، ولم يفكر أحد في طرحه، وبالتالي فهو قرار خاطئ ينطق بحس بلاغي في درجة ما تحت الصفر لدى رئيس الحكومة، وبغياب القدرة على إثارة مشاعر المواطنين، والموظفين على الخصوص، لتحفيزهم على العطاء أكثر، وليس إحباطهم وزرع اللاثقة في نفوسهم تجاه الحكومة وقراراتها بلغة جافة هي أقرب ما تكون إلى لغة الحرب، يقول إبراهيم أنيس: " إن لكل كلام ظروفاً ومناسبات، ويعرف المتكلمُ كما يعرف السَّامع ما تتطلبه هذه الأمور من تعابير لغوية فليست اللغات مفردات ترِدُ في المعاجم، ولا جملاً منفصلة تدوَّن في الصُّحف، وإنَّما الأصل في كل لغة أن تكون في صورة كلام يتَّصل اتصالاً وثيقاً بالمتكلّمين والسامعين"4 ، فجسر الاتصال الذي يقتضيه المقام التواصلي كان مغيبا تماما، لذلك اتسم المنشور بالجفاء الذي يبدو ناشزا غير مطابق لمقام يستدعي استخدام لغة العاطفة والاتكاء على الاستراتيجية الباتوسية المتوسلة بعبارات رقيقة شفافة تدندن حول الشكر والامتنان، ويُبْقِي صَاحِبُهَا على موضوع الترقية في دائرة المسكوت عنه، ولن يطالبه أحد بإخراجه منه في هذه اللحظة.
لقد افتقد رئيس الحكومة الحسَّ البلاغي، مما جعله يسقط في مطب عدم إدراك بلاغة الصمت، ودورها الإيجابي والحاسم في أداء مهمة جسيمة مثل هذه، وفي هذا السياق نذكر بتصور ابن المقفع للبلاغة التي يرى أن "منها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستمتاع، ومنها ما يكون في الإشارة"5 ، فالصمت في هذه الحالة كان سيعد فعلا بليغا، لكن الجهل بالبلاغة أدى بصاحبه إلى السقوط في دائرة المكشوف، ونطق بفجاجته، وأظهر ضمور حسه البلاغي وبلادته التواصلية.

1ـ محمد عابد الجابري، المثقفون في الحضارة العربية، محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 5، ص 25
2ـ سميرة عدلي محمد رزق ـ مقتضى الحال مفهومه وزواياه في ضوء أسلوب القرآن الكريم ـ موقع مجمع اللغة العربية ـ 18/08/2017
3ـ أرسطوـ كتاب الخطابة ـ ترجمة عبد الرحمان بدوي، نقلا عن محمد العمري، في بلاغة الخطاب الإقناعي، أفريقيا الشرق، ط 2، ص25

4ـ إبراهيم أنيس ـ من أسرار اللغة ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ ط 7 ـ ص247.
5 ـ وائل حافظ خلف ـ الجامع لأقول ابن المقفع مما ليس في كتبه ـ موقع الألوكة الإلكتروني ـ بتاريخ 03/11/2014



#نورالدين_الطويليع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين ابتزاز النظام واستغلال الدين: قراءة في موقف بن كيران من ...
- البلاغي محمد الولي في لقاء بكلية الآداب والعلوم الإنسانية با ...
- حزب التقدم والاشتراكية المغربي وسفسطة رجل القش، قراءة حجاجية ...
- الزجال المغربي إدريس الزاوي في يوم دراسي بكلية الآداب والعلو ...
- في محاضرة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، الباحث ال ...
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالمغرب تح ...
- كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة شعيب الدكالي با ...
- في لقاء مفتوح بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة، الشاع ...
- الخبير اللساني عبد القادر الفاسي الفهري يحاضر عن اللغة العرب ...
- قراءة في كتاب التحليل اللساني المقارن تطبيق على الأسماء المم ...
- من بركات الشيخ علولة قصة قصيرة
- القاضي والذبابات الخمس
- البناية التي تعد آيلة للسقوط بمدينة اليوسفية!
- المستشار والموظفة الجماعية
- ملاحظات على هامش زيارة وزير الاتصال المثيرة للجدل لمدينة الي ...
- إلى الرفيقة شرفات أفيلال الوزيرة التقدمية في حكومة بنكيران ا ...
- يوسفية المغرب، وحلم التنمية المنفلت
- هل أفلحت أحزاب المعارضة المغربية في كشف ازدواجية الخطاب لدى ...
- هل ستزحزح جمعيات المجتمع المدني باليوسفية جبل جليد التهميش و ...
- من يقف وراء تحريض شباب اليوسفية العاطل على الخروج إلى الشارع ...


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نورالدين الطويليع - منشور رئيس الحكومة المغربية حول توقيف الترقية وسؤال مراعاة مقتضى الحال