أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورالدين الطويليع - من بركات الشيخ علولة قصة قصيرة















المزيد.....

من بركات الشيخ علولة قصة قصيرة


نورالدين الطويليع

الحوار المتمدن-العدد: 5105 - 2016 / 3 / 16 - 18:25
المحور: الادب والفن
    


صعد الشيخ علولة المنبر لإلقاء خطبة الجمعة، وانبرى منذ البداية يقرع الناس على تفريطهم في جنب الله، جعل يهوي بكل قوة على سطح المنبر بعصاه، متبعا ذلك بحركات غريبة من رجليه تدكه دكا، وازى ذلك إيقاع كلامي مشتعل بكلمات رثى من خلالها حال الأمة البئيس، وواقعها المرير، وما آل إليه الناس من إفراط في الأنانية وتنكر لمبادئ دينهم الحنيف الذي يحث على التضامن والتآزر، وما استحال إليه أمرهم من إضاعة للأمانة وتفريط في أداء الواجب المهني وإساءة بليغة إلى الوطن وأبنائه بالغش والتهاون واستغلال حاجة المواطنين لابتزازهم واستنفزاف جيوبهم...، وما لبث الخطيب علولة أن انخرط في موجة بكاء حاد اضطر على إثرها إلى إنهاء خطبته ودعوة الناس للصلاة التي ما إن انتهى منها حتى أغمي عليه ، تجمهر المصلون حوله فاغرين أفواههم إعجابا بهذا الرجل وما يحمله من قلب شفاف وغيرة استثنائية على عرض الوطن، وما تخفق به روحه من معاني الشهامة في واقع صارت الكلمة الفصل فيه للذئاب المفترسة.
استفاق الخطيب علولة من غيبوبته على وقع قبلات المصلين ودعواتهم له بالشفاء العاجل، عرض عليه أحدهم أن يرافقه إلى منزله لتناول وجبة الغذاء فقبل الدعوة دون تردد، أقبل على طبق الكسكس بنهم كبير، فأكل حتى امتلأ بطنه عن الآخر، جيء له بأنواع من الفواكه فأبى إلا أن يأتي عليها جميعها، استلقى على السرير، وحدث مضيفه بأنه بالغ في الأكل إكراما له ولآل بيته، وحكى له، وهو يتجشأ، حكاية ذلك الفقيه الذي انتفخت بطنه في وليمة حتى كادت تنفجر، فحملوه إلى المستشفى ليجد هناك زميلا له غادر الحياة بعدما انفجرت بطنه من كثرة ما أدخل إليها من المأكولات، فصاح قائلا: "هذه هي الوليمة وإلا فلا".
أمام طيب المأكل والمشرب ودعابة الحديث استمرأ الخطيب المكوث في منزل مضيفه، حتى إذا تفقد ساعته اليدوية اكتشف أنه تأخر عن موعد عمله بأكثر من ساعة ونصف، ما يعني ضياع حصتين دراسيتين، لم يضع شيء يا علولة ما دام أنك قد روحت عن نفسك وأخرجتها من أجواء الحداد والحزن والأسى، وتهيأت بما فيه الكفاية للحصتين المتبقيتين، هكذا طمأن علولة نفسه قبل أن يستطرد مخاطبا إياها: لو التحقت بالمدرسة فور مغادرتي للمسجد لذهبت محملا بمشاعر الألم والحزن والقلق، ولزججت بالتلاميذ الأبرياء في دوامة حزني، وهو ما يتنافى مع مقامهم كأطفال لا حق لأحد في تكدير صفو سعادتهم...، لا شك أنهم تمتعوا بالحديث الفكه مع بعضهم البعض وهم خارج المؤسسة، لا شك أنهم تبادلوا الطرائف والمستملحات وأضحكوا بعضهم البعض...البركة في الحصتين المواليتين اللتين سأكون خلالهما في منتهى الجاهزية، بعدما زال عني طائف الحداد سوف يكون التلاميذ في عيد لأنني استرجعت دعابتي وسأسبغ عليهم ألوانا منها حتى يغادروني وهم في أوج فرحهم.
خلال الحصتين وفي الأيام الموالية أخبر الخطيب علولة تلاميذه بعزمه تمكينهم من الساعات الإضافية، وذكرهم بوجوب انخراط الجميع في ندائه لتقوية ملكاتهم في مادة التربية الإسلامية التي يدرسها، وربط الأمر بحبه لهم وتوخيه الأجر والثواب من خلال ترسيخ مبادئ الدين الحنيف وأفكاره في أذهانهم، خصوصا دروس علم الفرائض الذي قال لهم بأنه يمني النفس بأن يكون له شرف الحفاظ عليه من الاندثار والزوال بإعدادهم لحمل مشعله في زمن لن يكون فيه رجل واحد قادر على التصدي لحل قضية بسيطة من قضاياه...، ربط الرجل اختيار الساعات الإضافية لتلقين هذا العلم لتلاميذه بأجواء الفصل التي لا تساعد على بلورة رزنامة الأهداف التي سطرها لهذا الغرض، خاطب تلامذته قائلا: سنخصص حصة الفصل للضحك والفكاهة والترفيه عن النفس، حتى نستأنس ببعضنا البعض ونفتح شهية التعلم والتعليم، الفصل هو مقبلات التعلم، أما الساعات الإضافية فهي الوجبة الرئيسية التي لا يمكن الاستغناء عنها لمن أراد أن يقيم صلبه في علم الفرائض، وحتى لا تأخذوا الأمور باستخفاف ولا مبالاة، وحتى لا ينالكم العقاب يوم القيامة بذنب عرق معلمكم، فقد قررت أن تكون هذه الساعات الإضافية بمقابل مادي رمزي لا يتجاوز ثلاثمئة درهم في الشهر، مع واجب الاستضافة الذي لن أثقل كاهلكم به كثيرا، يكفي أن تعدوا لنا شايا ورغيفا وحلوى وفاكهة جافة وخبزا وزيت زيتون، ولا تنسوا إضافة العسل الحر إلى المائدة لأنه سيساعدكم على شحذ ذاكراتكم والتهيؤ لاستقبال علم الفرائض بنباهة وانتباه، ومن اجتهد منكم وأعد لنا، إضافة إلى هذا، طبق كسكس أو دجاج محمر، أحسن الله إليه، ومن اكتفى بما ذكرته فلا تثريب عليه، المهم عندي أن أحول بينكم وبين كبيرة عدم إكرام شيخكم وعالمكم التي تورث الإثم والعقاب وتحشر صاحبها في دائرة الجحود وإنكار فضل العلماء.
انخرط التلاميذ جميعهم في مبادرة شيخهم، لا لأنهم يريدون أن يكونوا علماء فرائض، ولكن لأنهم يعرفون أن التخلف عن النداء سيلحق بهم غضبه الذي لن يتأخر، ليرتسم على شكل دوائر في أول امتحان، اضطر الفقراء منهم إلى طلب الشفعاء للتوسط لديه من أجل تخفيض التسعيرة، فاستجاب لعدد منهم تبدو على ملامحهم علامات شظف العيش، وحصر الرسم الجمركي لدخول جنة ساعاته الإضافية في مبلغ مئتي درهم، على أمل أن يجد ثواب مئة درهم المحذوفة في صحيفته يوم القيامة، ويحشر مع المحسنين إلى الفقراء والمساكين واليتامى وعابري السبيل.
قسم الخطيب علولة تلاميذه إلى مجموعات أربع، كل مجموعة تضم عشرة أفراد، توقف عن الذهاب إلى المدرسة تفضلا منه، كما قال للناس، لمنح التلاميذ فرصة للمذاكرة، لا سيما وأن الامتحان على الأبواب لا يفصلهم عنه سوى شهر، وهو الشهر الذي جنى خلاله جراء ساعاته الإضافية أكثر من عشرة آلاف درهم، وقلب بطنه فيه في أشهى المأكولات التي اجتهد آباء متعلميه وأمهاتهم في إحضارها له، وكان الواحد منهم ينافس الآخرين في الإتيان بما لم يأتوا به، لأن الرجل كان لا يألو في الدعاء بالبركة ويطيل في ذلك لمن كان كريما، ويقصر و يدعو بصوت مهموس لمن جاء دون ذلك ولم يرض بطنه...، لم يكن هم مضيفيه دعاءه في ذاته ولذاته، وإنما كان نبضهم الذين يستطيعون أن يجسوا من خلاله نبض رضاه عن أبنائهم وإدخاله إياهم في دائرة المنعم عليهم من المقربين ومن أصحاب اليمين، وبالتالي الاطمئنان على ضمان عدم تواجدهم في حضرة المغضوب عليهم الذين لا أمل لهم في الاستفادة من بركة نقطه حتى يلج الجمل في سم الخياط.




#نورالدين_الطويليع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاضي والذبابات الخمس
- البناية التي تعد آيلة للسقوط بمدينة اليوسفية!
- المستشار والموظفة الجماعية
- ملاحظات على هامش زيارة وزير الاتصال المثيرة للجدل لمدينة الي ...
- إلى الرفيقة شرفات أفيلال الوزيرة التقدمية في حكومة بنكيران ا ...
- يوسفية المغرب، وحلم التنمية المنفلت
- هل أفلحت أحزاب المعارضة المغربية في كشف ازدواجية الخطاب لدى ...
- هل ستزحزح جمعيات المجتمع المدني باليوسفية جبل جليد التهميش و ...
- من يقف وراء تحريض شباب اليوسفية العاطل على الخروج إلى الشارع ...
- إلى رئيس المجلس الحضري لمدينة اليوسفية المغربية: سئمنا من تد ...
- رئيس الحكومة المغربية ولغة الاستيهام الجنسي
- البشارة البنكيرانية بفشل منظومة التعليم المغربية
- البقاء للصراصير بقلم نورالدين الطويليع


المزيد.....




- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نورالدين الطويليع - من بركات الشيخ علولة قصة قصيرة