عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 6512 - 2020 / 3 / 12 - 16:06
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
ذهبتُ لزيارة اُمّي ، قبلَ أنْ تقومَ الحكومةُ بحَجْرِنا جميعاً ، وتَجعلنا "كورونيّون"، وإنْ لم "نتكَرْوَنْ" بعد.. فوجدتها مُرتديةً قناعاً أبيضاً ضخماً ، بهِ نتوءات زرقاء مُخيفة.
كان قد سبقني إلى زيارتها إثنان من أشِقّائي ، وواحدة من شقيقاتي.
- خير يُمّه .. خمو بيج شي ؟
لمْ تُجِب أُمّي .. فكرّرتُ سؤالي : - ها يُمّة تريدين شي ..محتاجة شي؟
لاحَظتُ بعد مُدّةٍ ، أنّها تغمِزُ لي بعينيها الداكنتين المُتعَبتين ، غمزاتْ ذات دلالات كثيرات.
وبعد إنتباهي المتاخّر لتلك الغمزات ، حَرّكَتْ أُمّي رأسها مرّتين بإتّجاه المطبخ ، مع غمزة خاطفة ، بـحاجِب واحد.
قفَزَتْ من مكانها مذعورةً، وركضتُ خلفها إلى المطبخ قائلاً لها : ها يُمّة خلّيتي بالي ، أكو شي ياستار؟
هُنا نزَعَتْ أُمّي قناعها الشبيه بالقناع الذي كان يرتديه ليوناردو دي كابريو في فيلم الرجل ذو القناع الحديدي ، وعاطَتْ بي:
- شوف يَوَلّ . كَول لذولة أخوتك "الشِفاية" ، ولهاي أُختك"الفاهية" ، آني ما أريد يجون يمّي بعد، و "يِعْدوني" ، وخَلّي يعوفوني بحالي ، آني البيّه كافيني.
أجِبتُ بصوتٍ خافت: بس يام هاي أختي تداريج ، وإنتِ وحدج مبيج حيل شغل البيت .. وذوله اخوتي يونسوج ، أحسن متكَابلين الحيطان وحدج ، في هذه الظروف العصيبة.
هنا زأرَتْ أُمّي مثلَ لبوةٍ في وجهي ، والشَرَرُ يتطايَرُ من عينيها الخابيتين :
- وِلَك ما أريد أحّدْ . شنو ابتليت بيكم آني . يعني عُمري راح يوصل للتسعين ، وتاليها يجون ذوله "يِعْدوني" ، وأموت بكورونا، ويرِشّونْ عليّ "قاصِر" ، ويدفنوني بالصحراء الغربيّة !!!.
- لا يمعودَه كَولي غيرها . إسمْ الله عليج يــوم . بعدين آني عِدْ عيناج . "قاصِر" شنو ؟ وداعتِجْ لا أسَوّيها كلها شانيل ، ولا نكوم ، وإيف سان لوران .. بعد عُمْرٍ طويل انشاء الله.
ولأنّني ظننتُ أنّها قد هدأتْ قليلاً .. قُلتُ : بس ذوله أخوتي واختي مابيهم كورونا يام.
أجابت أُمّي : وِلَكْ أدري .. بس نسوانهم بيهِنْ . وِحدة منهن جانت البارحة صَفرَة مثل الكركم ، ولَعبانه نفِسها أربعة وعشرين ساعة .. والثانية أُمْها تِكْرَهنا ، ومراح ترتاح إذا "مَتِفْنينا فَنْي" .. وهاي أُختَك رَجِلْها مِنّ يشوفني يكَوم يرجِف ويدردِمْ ، ويِمكنْ بي فشل رئوي !!!!!!.
أخذتُ أخوتي وشقيقتي ، وذهبنا كُلٌّ إلى بيته .. تاركينَ أُمّي لوحدها ، في بيتها العامرِ ، تغمِزُ للحيطانِ من وراءِ قناعها الحديدي.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟